يتلخص معنى الشكر
الحقيقي في معرفة النعم ، واستخدامها فيما أحل الله تعالى ، والحمد عليها
ظاهرا باللسان وباطنا بالقلب، وعمليا بالجوارح ، ويشعر معها أن الله تعالى
وفقه لنعمته ، وأيده برضاه ، فيتلمس من شكر النعم رضا الله تعالى .
وشكر الله تعالى يعنى أن العبد الشاكر دائم الصلة بالله تعالى ، لذا يزيده
الله تعالى من فضله ونعيمه ، ثم يكون من الزمرة التي تدخل الجنة بفضله
تعالى .
ولنعمة الشكر أثرها على المجتمع ، حيث نجد معاملات المجتمع الذي عمه الشكر
قد تغيرت وتبدلت ، فنجد التاجر الصدوق ، والأمانة قد انتشرت بين الجميع ،
واستحضار عظمة ومراقبة الله تعالى تجعل المجتمع يشعر بالأمن الاجتماعي .
أولا : الشكر تعريفه وموقف الطائعين منه
معنى الشكر في الجو الإسلامي يتكون من جملة عناصر:
أولها، معرفة النعمة وأنها من الله سبحانه (وما بكم من نعمةٍ فمن اللهِ)
ثانيها، استعمال النعم فيما أحبه الله وقصده بها.
ثالثًا، حمد الله سبحانه وتعالى عليها باللسان.
فإذا ما تمَّت هذه العناصر كان الشكر. وما من شك في أن الإنسان مغمور بنعم الله تعالى، يقول سبحانه: (وأسبَغَ عليكم نِعَمَه ظاهرةً وباطنةً)
وأن هذه النِّعَمَ إنما أتَت للإنسان عن طريق وسائط مسخَّرة لله تعالى.
وأفضل الشاكرين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان حقيقة الشكر هو
استعمال النعَم فيما أحبَّ اللهُ سبحانه فإن الحمد هو التعبير اللساني عن
الشكر، والحمد كلمة تدل على معرفة النعمة من الواحد الحق.
والإنسان بإزاء النعمة على أنواع:
ومن هذه الأنواع أن يَتلقَّى النعمة فيَفرَحَ بها لذاتها كما يَفرَحُ
التاجر بالمكسب؛ لأنه مال أتاه، ولأنه زيادة في ثروته، ولأن تجارته ستصبح
بهذا المكسب أوسعَ، ولا يَنظر في كل ذلك إلى مصدر النعمة ولا إلى مانِحِها
ومُوهِبِها الذي لو شاء لأمسَكَ ولو شاء لمَنَحَ، وهذا ليس له في الشكر
نصيبٌ حتى لو لم يستعمل هذا المكسبَ في المعاصي؛ لأن نظره لم يَتعَدَّ
النعمة ويَتجاوَزْها إلى المنعِم.
ومن هذه الأنواع أن يَتلقَّى الإنسان النعمة فيَنظرَ إليها على أنها دليل
رضًا من الله سبحانه، وينظر إليها على هذا الوضع ويشكر الله سبحانه وتعالى
عليها. وهذا داخل في معنى الشكر، بَيْدَ أن الشكر التام الكامل أن يُضيفَ
الإنسانُ إلى فرحِه بالنعمةِ كدليلٍ على رضاء اللهِ استعمالَها فيما
أحَبَّ اللهُ وفي القربِ منه سبحانه، فإذا ما نظَر الإنسان إلى النعمة على
أنها من الله سبحانه وتعالى وحده وإذا ما استَعمَلَها فيما يُرضي اللهَ
ورسولَه ويُقربُ منهما، فإنه ينطبق عليه المعنى الحقيقي .
ثانيا : فائدة الشكر بالنسبة للفرد
إن شكر الله سبحانه وتعالى إنما يكون على نِعَمِه، وقد وعد الله الشاكرين
وعدًا مؤكَّدًا أن يَزيدَهم من نعمه إذا شكَروه سبحانه عليها، يقول سبحانه: (لئن شكَرتم لأَزيدَنَّكم) وقد وعد الله، سبحانه، الشاكرين الجزاءَ الحسنَ، فقال تعالى: (...ومن يُرِدْ ثوابَ الآخرةِ نُؤتِه منها وسنَجزي الشاكرين) أي جزاءً كبيرًا حسنًا، ويقول سبحانه: (وسيَجزي اللهُ الشاكرين)
سيَجزيهم سبحانه بالزيادة في الدنيا، فيزداد الغنيُّ الشاكرُ غنًى ويزدادُ
القويُّ الشاكرُ قوةً، وهكذا، وسيَجزيهم خيرًا ورضًا في الآخرة.
فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يُنادَى يوم القيامة: لِيَقُمْ الحمّادون. فتقوم زُمرة فيُنصَبُ لهم
لواءٌ فيَدخلون الجنة" قيل: ومن الحمّادون؟ قال: "الذين يشكرون الله على
كل حال". ففائدة الشكر بالنسبة للفرد ليست مقصورة على الدنيا دون الآخرة ولا على الآخرة دون الدنيا، وإنما هي في الدنيا والآخرة.
ثالثا : فائدة الشكر بالنسبة للمجتمع :
فائدة
الشكر بالنسبة للمجتمع ظاهرةٌ ظهورًا واضحًا من تعريف الشكر، وذلك أن جوهر
الشكر هو استعمال نِعَمِ الله فيما أحبَّ اللهُ، فإذا استعمل المُنعَمُ
عليهم النِّعَمَ فيما أحبَّ اللهُ فإننا نرى في المجتمع التاجرَ الصدوقَ،
والعاملَ المتقِنَ، والصانعَ يراعى اللهَ في صنعته، والغنيَّ يؤدي حقَّ
الله في ماله من زكاةٍ ومن صدقةٍ، وصاحبَ الجاه يُنفقُ من جاهه عونًا
للمظلومين يبتغي بذلك شكر الله على نعمة الجاه. ونرى المدرسَ مربِّيًا لا
معلمًا فحَسْبُ، والحاكمَ أبًا للجميع لا طاغيةً متحكمًا، والرئيسَ أخًا
لِمَرءوسيه، والمَرءوسين متعاونين مع رئيسهم لمصلحة العمل والوطن. ونرى
كلَّ راعٍ يتحمل المسئولية بالنسبة لرعيته شكرًا لله على أن استرعاه وجعل
له ثوابًا على حسن الرعاية. ثم نرى نتيجة الشكر في المجتمع وهى زيادة
النعم (لئن شكَرتم لأَزِيدَنَّكم).