إنه في الغالب حب الدنيا والركون إليها وتقديمها على الدار الباقية دار الآخرة "بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى "
إن بعض الناس لاهم له إلا تجميع الأموال الطائلة التي لافائدة منها إلا من استخدمها فيما يحبه الله ويرضاه من الإنفاق في المشاريع الخيرية وغيرها والبعض منهم قد يمنع من ماله حق الله تعالى فيه وكانه لم يعلم أن هذه الحياة الدنيا هي دار ممر وليست دار وستقر وانه في قبره سيرجع هذا المال ــ الذي لطالما تعب في طلبه وتحصيله ــ ولا يبقى له إلا عمله الصالح .
يقول صلى الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل " وكان ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ
يقول :" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلاتنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك "
أحبتي في الله : إن حب الدنيا والركون إليها لهو من أهم أسباب ضعف الأمة وتكالب الأعداء عليها إذ يقول صلى الله عليه وسلم :" يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق كماتتداعى الأكلة إلى قصعتها قيل يارسول الله فمن قلة يومئذ ؟ قال : لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب أعدائكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت " أخرجه أحمد وذكره البخاري في تاريخه الكبير وجاء في سنن أبي داود من حديث ثوبان .
ويقول صلى الله عليه وسلم ذاما عباد الدنانير والدراهم :" تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ..." الحديث
يقول ابن تيمية ــ رحمه الله وهو يتحدث عن هذا المعنى :" فرضاؤهم لغير الله وسخطهم لغير الله وهكذا حال من كان متعلقا منها برئاسة أوصورة ونحو ذلك من أهواء نفسه إن حصل له رضي وأن لم يحصل له سخط فهذا عبد مايهواه من ذلك وهو رقيق له إذا الرق في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته فما استرق القلب واستعبده فهو عبده ــ إلى أن قال ــ : وهكذا أيضا طالب المال فإن ذلك يستعبده ويسترقه وهذه الأمور نوعان فمنها مايحتاج إليه العبد كما يحتاج إلى طعامه وشرابه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك فهذا يطلب من الله ويرغب إليه فيه فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي يركبه وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا .
ومنها : مالا يحتاج إليه العبد فهذا ينبغي أن لايعلق قلبه بها فإذا تعلق قلبه بها صار مستعبدا لها وربما صار مستعبدا ومعتمدا على غير الله فيها فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله ولا حقيقة التوكل عليه ؛ بل فيه شعبة من العبادة لغير الله وشعبة من التوكل على غير الله وهذا من أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم :" تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة " وهذا هو عبد لهذه الأمور ولو طلبها من الله ."
ونحن لانطالب بترك العمل وطلب الرزق لكن الذي نرفضه هو التعلق بهذه الأمور التافهة وأن نتهافت عليها كما يتهافة الظمأى على القيعان والمياه الآسنة.
صور مشرقة من زهد السلف في حياتهم :
1ــ روي أن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ حين قدم إلى الشام قال لأبي عبيدة : اذهب بنا إلى منزلك فقال وماتصنع عندي ؟ فقام أبو عبيدة ــ رضي الله عنه ــ إلى جونة فأخذ منها كسيرات فبكى عمر فقال له أبو عبيدة ــ رضي الله عنه ــ قد قلت لك إنك ستعصر عينيك علي ياأمير المؤمنين يكفيك مايبلغك المقيل . فقال عمر غيرتنا الدنيا كلنا غيرك ياأباعبيدة.
2ــ أرسل عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ إلى أبي عبيدة رضي الله عنه بأربعة الآف أو بأربعمائة دينار وقال للرسول : انظر ماذا يصنع بها قال فقسمها أبو عبيدة ،ثم أرسل إلى معاذ بمثلها قال فقسمها إلاشيئا قليلا قالت له امرأته : نحتاج إليه ، فلما أخبر الرسول عمر قال : الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا .
3ــ وعن شبيبة بن نعامة قال : كان علي بن الحسين ــ رضي الله عنه ــ يبخل فلما مات وجدوه يعول مائه أهل بيت بالمدينة قال جرير في الحديث أو من قبله أنه حين مات وجدوا بظهره آثارا مما كان يحمل بالليل للمساكين .
أخي : هاهي حال سلفنا الصالح مع دنياهم ، لم يهتموا بها ولم يركنوا إليها فقد ضربوا أروع الأمثلة في كراهية الدنيا وحب الموت يقول معاوية ــ رضي الله عنهما ــ إن الدنيا لم ترد أبابكر ولم يردها وأرادت ابن الخطاب ولم يردها .
وأخيرا يقول الله جل وعلا :" من كان يريد الحياة الدنيا وزينتا نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ماصنعوا فيها وباطل ماكانوا يعملون":o