سم الله الرحمن الرحيم
الأنانية هي حب الإنسان لنفسه وعشقه للسيطرة والتملك , وهي ( الأنا ) التي تجعل الإنسان لا يرى إلا نفسه ولا يهتم إلا بشخصه هو , وهي غريزة فطرية في كل إنسان إذا كانت في حدود معرفة مقدار الذات ووضعها في موضعها , أما إذا تجاوزت حدود الذات إلى الغرور والتكبر واحتقار الآخرين واستصغارهم وتسفيه آرائهم , والسعي إلى السيطرة عليهم فهنا مكمن الخطورة وأصل الداء .
لذا فإن الشخص الأناني لا يجُبُ الاعتراف بالخطأ ويظن نفسه دائمُ الصواب وأنه من المعصومين عن الزلة والمعصية , وهو يجهل بأن الاعتراف بالخطأ دليلٌ على احترام عقول الناس , ولأن الأناني ليس لديه مُحرمات بل يُحلل لنفسِه كل شي ما دامت مصلحتهُ موجودة، والأنانية هي مرضٌ نفسي يحتاج للعلاج وهي أكبر سببٌ لأداء المُحرمات والأخطاء الشنيعة , والأنانية هي داءٌ مدّمر لصاحبه فالأناني لا يُحبُ أحداً مشاركتهُ أي شيء بل يُحبُ أن يرى غيره يشقى وهو يرتاح ويُحب مصلحته فقط .
وهناك أسباب تدفع الإنسان إلى الأنانية منها التربية الخاطئة من الأبوين للأبناء في الصغر وعدم توعيتهم على اجتناب الأحقاد والاستيلاء الفردي , وكذا حرمانهم وكثرة معاقبتهم على كل صغيرة وكبيرة , وكذا عدم العدل بين الأبناء وتفضيل ابن على آخر , ومن أسبابها كذلك : الظروف الاقتصادية الخانقة التي تجعل الفرد لا يهتم إلا بنفسه ولا يسعي إلا بما فيه مصلحته .
ولكي نعالج هذا المرض العضال لابد من تكاتف جميع المجتمع من أسر وجماعات ’ فالمجتمع والأسرة لهم دورٌ كبيرٌ في ذلك لأن المولود في الواقع يتأثر بالعوامل المحيطة به فيجب تعليمه وتعويده من صغره على عدم الأنانية وأن يحُب لغيره ما يحبه لنفسه , وأن يجاهد نفسه حتى يصل إلى درجة أن يؤثر غيره على نفسه , قال تعالى في وصف المؤمنين الصادقين : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) سورة الحشر .
وعنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذٍ ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الإِيمَانِ ؟ قَالَ : أَفْضَلُ الإِيمَانِ : أَنْ تُحِبَّ ِللهِ ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللهِ ، قَالَ : وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا ، أَوْ تَصْمُتَ. أخرجه أحمد 5/247(22481) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ. أخرجه أحمد 2/310(8081). و"التِّرمِذي" 2305.
كما يجب علينا أن نعود أنفسنا على حب التعاون والأعمال الجماعية والاختلاط والتقارب , والمشاركة في الأعمال الخيرية , وجمعيات النفع العام , وأن يتعاون مع أهله وجيرانه وأصدقائه في مساعدة المحتاجين من الفقراء والأيتام والمرضى .
قال الشاعر :
النمل تبنى قراها في تماسكها * * * والنحل تجنى رحيق الشهد أعوانا
فعود نفسك على احترام الآخرين والإنصات إليهم وتقدير آرائهم , ولا تكن نرجسياً لا تحب إلا نفسك ولا تهتم إلا بذاتك , لأنك ساعتها سوف تحرق نفسك وتضر بها قبل أن تضر بالآخرين .
لا تحرق نفسك بنار الأنانية