الصبر والاحتساب على المصائب
أيها الأحبة: شأن المؤمنين الذين إذا أصابتهم مصيبة أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فينبغي أن نكثر من هذا الذكر وهذا الدعاء. شأن المؤمنين حينما يخوفون بأعدائهم؛ أن يتذكروا قول الله جل وعلا: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران:173] هربوا من مدنهم، ماذا فعلوا؟ قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:173-175]. من أين يأتي هذا الخوف؟ من أين يأتي الفزع؟ من أين يأتي هذا الارتباك وعدم الانضباط والتوازن في تصرفات عجيبة من كثير من الناس، تجده يخرج من بيته المطمئن الآمن المضاء المكيف المعد بكافة المرافق، لكي يضرب خيمة يأكله فيها الناموس، ويتأذى بالظلام، ويتأذى من البرد، ولا يجد ماءً ولا يجد كافة ما يحتاج إليه، هروباً من هذه الفتن. أهرب من قدر الله إلى قدر الله، نهرب من الموت: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] أنا لا أقول: إن كل من سافر ففي إيمانه دخن، أو ليس عنده توكل على الله، حتى لا يقول أحد: هؤلاء المطاوعة من رأوا جمسه متوجهة على ديراب، قالوا: هذا ليس عنده توكل، لا. إنما أريد أن أقول: إن من خرج فراراً وظناً أن فراره هذا يدفع عنه قدر الله، فهذا مسكين جاهل. نعم قد يوجد إنسان بيته قرب المواقع الاستراتيجية، التي لاحظ مراراً أنها مواقع مستهدفة، نقول: هذا الشيء معقول، لكن الذي هو بعيد يهرب إلى أين؟ أحدهم يستأجر بيت طين كلما كنس أرضه تهلهل سقفه، لا يقف عن هذا التنظيف أبداً، وكلما ارتج فيه بابٌ جاوبه الباب الآخر في آخر الدار، ما الذي أحوجك إلى هذا؟ سبحان الله العلي العظيم! فنقول أيها الأحبة: إنما ذلكم الشيطان؛ لأن الشيطان يأتي ويدخل الرعب والخوف والفزع في قلب ابن آدم، فيصيبه ما تراه من هذه التصرفات المرتبكة أو الغير منضبطة، وتذكروا قول الله جل وعلا: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] فحسن التوكل على الله، وحسن اللجوء إلى الله جل وعلا فيه خير عظيم.. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]. إذاً أيها الأحبة: هذا شأن المؤمنين أن يكثروا من ذكر الله، وأن يكثروا من اللجوء والتضرع والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى، وفي مسند الإمام أحمد: (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة، والصبر والسكينة عند الفزع) الذي يحصل من بعض الناس يخرج من الجماعة إلى الوحدة والخلاء والخوف، إلى البرية لوحده، أو إلى مكان بعيد، يظن أنه بمأمن. والسنة في الفزع، إذا كان الذي أخرجه فزعه، أن يحرص على الجماعة، (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة والصبر) احتساب ما يصيب الإنسان؛ لأنه ما من هم حتى الليلة التي تسمع فيها صوت صفارة الإنذار، فتضع يدك على خدك أو على رأسك وأنت مهموم أو مغموم، أو تنظر إلى هؤلاء الأطفال، ولا ألوم من كان له صبيه: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9]. قد تتألم ويتقطع قلبك وأنت ترى هؤلاء الأطفال، أحدهم يجر رداءه، والآخر يجر ثوبه خوفاً وفزعاً، يلحق أمه وأباه، لا يدري ما يفعل عند سماع هذه الصفارة مثلاً، ويتألم قلبك أن ترى هذا مهموماً أقول: أبشر بخير، فإن هذا الهم فيه خير لك، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! يقول ربنا جل وعلا: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] هذا أبو بكر المبشر بالجنة يتلو هذه الآية، يقول: نخاف مادام كل سوء نعمله نجزى به ما بقي لنا عمل، وهو أبو بكر، المبشر بالجنة رضي الله عنه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ألست تهتم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فذلك مما تجزون به). أي: هذا الهم الذي يجعل أحدنا يبيت ساهراً أو متألماً، هذا يا إخوان كفارة للذنوب والمعاصي: (ما من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه) فلماذا نفقد ونبعد عامل وعنصر الاحتساب في هذه المسألة؟ إذا أصبحت أو أمسيت مهموماً أو مغموماً يدك على رأسك، فأكثر من ذكر الله، والاستغفار، واحتساب الصبر فيما ينالك، فذلك خير لك بإذن الله جل وعلا.