تونس تحيي أوّل عيد للجمهورية بعد الثورة

تحتفل تونس الاثنين 25 تموز/ يوليو بأوّل عيد للجمهورية بعد ثورة 14 يناير وسط متغيّرات محليّة واقليمية،
فتونس هي أوّل دولة عربية أقرّت النظام الجمهوري في 25 تموز/ يوليو 1957،
هذا الاعلان الذي انهى النظام الملكي عبر انتخابات أوّل مجلس تأسيسي أزاحت
محمد الامين باي، آخر ملوك الدولة الحسينية التي حكمت تونس منذ 1720
ميلادي، ونصّبت الحبيب بورقيبة رئيسا للجمهورية التونسية.
العيد الرابع والخمسون لإعلان قيام الجمهورية سيكون بطعم الثورة، فمنذ 14
كانون الثاني/ يناير الماضي، تاريخ الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي،
تواجه مهد الربيع العربي تحديات كبرى على جميع المستويات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية.
سياسيا تعمل السلطات الانتقالية بخطوات متثاقلة على العبور بالبلاد إلى
برّ الأمان الذي لا يمكن الوصول إليه سوى بإجراء انتخابات المجلس التأسيسي
في موعدها المؤجّل من 24 تموز/ يوليو إلى 23 تشرين الأوّل المقبل.
هذا الاستحقاق الانتخابي يواجه عديد التحديات أبرزها الاضطرابات الأمنية
التي تدخل بين الفينة والأخرى البلبلة على عديد المدن، وخير مثال على ذلك
ما عرفته عدد من المحافظات من احداث عنف وتخريب عقب افشال الحكومة لاعتصام
القصبة 3وقد أجبرت هذه الاضطرابات، التي أدت إلى مقتل شاب عمره 14 سنة
وحرق العديد من المقار الأمنية والخدمية، رئاسة الوزراء للخروج من صمتها
والتأكيد على أنّ "أعمال العنف التي تشهدها البلاد تهدف الى "افشال
الانتخابات" التي اكد انها ستنظم في موعدها المقرر في 23 تشرين الاول/
أكتوبر المقبل". وقال الباجي قائد السبسي في كلمة توجّه بها يوم 18 تموز/
يوليو الماضي إلى الشعب أنّ "الحكومة ستواصل دورها الى موعد انتخابات
المجلس الوطني التأسيسي التي ستجرى في موعدها المحدد "كره من كره واحب من
احب".
يقول الباحث زهير الخويلدي "لعل التحديات التي تواجهها هذه الثورة الشعبية
هو بروز عدة هواجس وارتدادات على سطح الأحداث وخاصة تلك التي تصدر من
الداخل وتخطط لها بعض الشخصيات الانتهازية والقوى الرجعية والمجموعات
المحافظة وتحاول عبثا ايقاف تدحرج وتفكك النسيج السابق ومنع النسيج الجديد
من التشكل وتحول دون أن تنجب الثورة العديد من المكاسب الشرعية".
وتبرز هذه التخوّفات من امكانية استئثار طرف سياسي أو اثني أو جهوي بثمار
الثورة والقفز على المستجدات واحتكار التكلم باسم الشعب وتهميش شرائحه
ومكوناته وحساسياته واعادة انتاج المنطق القديم في الاقصاء والاحتكار
والتمركز وتسلل جوقة المناشدة والتطبيل للوجوه الصاعدة وركوب الانتهازيين
على الأحداث والبحث عن احتلال المواقع. كما يؤكّد الخويلدي أن "الخشية
تبدو كبيرة من البقاء على حالة الانفعال والغضب والتمرد والفوضى وعدم
الانتقال الى وضعية العقل والرشد والتصويب وما يترتب عن ذلك من ميل الى
الانتقام والاجتثاث واهمال المكاسب الحقيقية للثورة وهي البناء والتعمير
والنهوض من جديد".
ويضيف "يبرز التوجس من أن تدفع الثورة مستبدين جدد على سطح الأحداث ويعود
الاصطفاف الايديولوجي المغلق والتصادم بين المجموعات وتظهر الحيطة من تدخل
دول الجوار العربي ودوائر الرأسمال العاملي من أجل المحافظة على المصالح
الأجنبية في المنطقة ومحاولة البحث عن وسائط من أجل بسط النفوذ وترتيب
العلاقة مع عناصر الحكم الجديد وهو ما يفسد فرحة التونسيين بثورتهم ويعيد
الأوضاع الى سالف حالها من المسايرة والرضوخ ويفرط عليهم تمتعهم بالحرية
والمساواة والعدل والاعتزاز بالوطن والكرامة والاعتراف بضخامة التضحيات
والوفاء للشهداء".
الوضع الاقتصادي في تونس ليس أفضل حال من السياسي فالاضطرابات السياسية
كانت لها ضريبة اقتصادية باهظة واحمرّت جميع المؤشرات الاقتصادية حيث نزلت
نسبة النمو إلى 1 في المائة، وتقلّصت الاستثمارات المختلفة وتراجعت مؤشرات
القطاع السياحي ومردودية مختلف مؤسسات الإنتاج. وبلغ عدد المؤسسات
الاقتصادية التي تعرّضت للحرق أو النهب أو التخريب الـ600 أي بقيمة جملية
ستتمتّع 250 منها بتعويضات كاملة، وهو ما مثّل عبئا إضافيا على ميزانية
الدولة التي ستتكفّل بدفع التعويضات التي تطلبها المؤسسات المتوسطة
والصغرى والكبرى والمقدّرة بنحو 100 مليون دولار أميركي.
من جانب آخر انخفضت التدفقات الواردة إلى تونس بنسبة 10.4% لتبلغ ما قيمته
1.6 مليار دولار مقارنة بنحو 1.7 مليار دولار خلال سنة 2009. كما انخفضت
مدخرات البلاد من العملة الصعبة التي نزلت من 14 مليار دولار إلى 10
ملايين دولار،
اجمالا الاقتصاد التونسي شبه منهار، ويتجلى هذا الانهيار في البيانات
الرسمية التي تؤكّد تراجع أغلب القطاعات المشغّلة كالسياحة الذي انخفضت
عائداته بأكثر من50 في المئة وفقدان حوالي سبعة الاف موطن شغل كلّ شهر.
بدوره تكبّد القطاع الصناعي خسائر كبيرة اذ تراجع انتاج الفسفاط بنسبة 53
في المئة.
البورصة التونسية لم تكن بمنأى عن الاضطرابات، فقد طالها الضرر فلأوّل مرة
في تاريخها تكبّدت أدّت إلى تراجع راس مال البنوك بنحو مليار دولار كما
انخفض رأس مال السوق بنحو2.2 مليار دولار.
هذا الوضع الاقتصادي المتردي كان سببه المباشر الاضرابات الاجتماعية
وارتفاع سقف المطالب لدى الطبقة الشغيلة التي انتهجت مبدأ الاضراب
والاعتصام لتمرير مطالبها لتحسين أوضاعها الاجتماعية.
فمنذ 14 كانون الثاني/ يناير ارتفع عدد الاضرابات بنسبة 130 في المئة،
وشهدت 92 بالمائة من المؤسسات النشيطة ارتفاعا في عدد الأيام الضائعة بـ
374 في المائة. بعد أشهر من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية،
بدى الطريق إلى 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر سالكا خاصّة في ظلّ دعوة إلى
مصالحة وطنية مع التمسك بالمسار الانتخابي السلمي وحمايته من أي التفاف أو
انتكاس وبالدفاع عن النظام الجمهوري ومبادئه الكبرى التي تنتصر لقيم العدل
والحرية والتعددية والديمقراطية، هذه الدعوة التي أجمعت حولها مختلف
الأحزاب السياسية بمختلف توجّهاتها إيمانا منها بأنّ استكمال المسار
الثوري لا يمرّ سوى بتأسيس مؤسسات دستورية تستمدّ شرعيتها من صندوق
الاقتراع، فالشعب الذي ثار وقال لبن علي وأزلامه "ارحلوا" لن يخجل أبدا من
إعادة رفع الشعار ذاته في وجه كلّ من تسوّل له نفسه عرقلة الانتقال
الديمقراطي أو وأد ثورة الياسمين في مهدها.