السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهclass=">كثيرا ما
يلتبس على قارئ الأدب التفريق بين الشعر الحديث الذي اتجه إلى التحرر من
وحدة الوزن والقافية والشعر القديم القائم على وحدة الوزن والقافية، فيظن
البعض أنه نثر وما هو بالنثر، وقد أطلق على الشعر الحديث عدة تسميات، منها
شعر التفعيلة، فما شعر التفعيلة؟شعر التفعيلة وتطور بناء القصيدة العربية.
أولا- المصطلح والولادة:
يطلق هذا المصطلح على الشعر الذي تكون التفعيلة فيه الركيزة الأولى، وقد ظهر منذ الخمسينات، ومن أبرز صفاته:
أ- خروجه على الأوزان المعروفة نتيجة للمؤثرات الاجتماعية والثقافية.
ب- استجابته لتطور القصيدة العربية، وتطورها من الشعر الغنائي إلى الشعر الدرامي.
وقد اعتمد
هذا الشعر( التفعيلة ) ركيزة له، إذ تتكرر وفق إحساسات الشاعر، ولئن تعددت
تسمية هذا الشعر، فإن أدق تسمية له( شعر التفعيلة ).
أما
ولادته فهي نتيجة لحركات التجديد المتتابعة منذ العصر العباسي الأول حتى
النصف الأول من هذا العصر، فأبو العتاهية قال:" أنا أكبر من العروض"، وقد
بدأ التجديد الفعلي في الشعر الذي نظم للغناء، إذ اتصف بالليونة وسهولة
الإيقاع والأوزان الخفيفة القصيرة، وكانت الموشحات خروجا فعليا على نظام
القصيدة القائمة على الشطرين والقافية الموحدة.
ثم جاءت قصيدة ( النهاية ) لنسيب عريضة فكانت خطوة على طريق التجديد.
كفنوه وادفنوه
أسكنوه
هوة اللحد العميق
وجاء
جبران فتلاعب في قصيدة( المواكب ) بالنغمات، فنظمها على بحرين بحر البسيط
ومجزوء الرمل، ثم أعقب ذلك ولادة شعر التفعيلة، وليس المهم أن تكون على يد
الشاعر خليل شيبوب في( الشراع ) 1932م ، أو السياب في قصيدة( هل كان حيا )،
أو نازك الملائكة في ( الكوليرا ).
ثانيا- خصائص شعر التفعيلة:
1- نظام التفعيلة يمنح الشاعر حرية واسعة ومرونة تجنبه من الوقوع في الحشو الذي يقع فيه شاعر الشطرين.
2- تنوع
القوافي في القصيدة يحرر الشاعر من سطوتها، ويؤدي إلى تنوع الأنغام، وبخاصة
العمل الدرامي القصير، وبالتالي التخلص من الرتابة في موسيقا البحر
الواحد، فتصبح القصيدة كأنها سمفونية، فيتكون البناء التصاعدي الهرمي في
القصيدة الدرامية.
3- الابتعاد عن نمطية نظام الشطرين.
4- التخلص
من التقرير والخطابة والاقتراب من البوح الرقيق والهمس الصافي الذي
تلمَّسه د. مندور في الشعر المهجري، إلا أن كلآّ من شعري التفعيلة والشطرين
لا يخلو من التقرير والخطابة أو الهمس والبوح. كقول القروي:
إلى إخوة كفراخ القطا وأم على أمرهم قائمة
إذا عبس الدهر في وجهها تظل لهم أبدا باسمة
فيا رب رفقا بتلك الفراخ وأعد لهم أمهم سالمة
5- الحوار الرقيق في شعر التفعيلة يقربه من بنية العمل الدرامي، ويهبه مرونة النثر، كقول( أمل دنقل ) من قصيدة( أوراق أبي نواس):
نائمة كنت جانبه، وسمعت الحرس
يوقظون أبي
- خارجي
- أنا..
- مارق
- من؟ أنا؟
- صرخ الطفل في صدر أمي…
6- ساعد
شعر التفعيلة على استخدام الصور الشعرية استخداما عفويا،لتكون وسيلة تعبير
غير مباشرة، وهذا يتطبب مرونة في الشكل ولا سيما الشعر الذي يعتمد عناصر
درامية وسردية، ويستفيد في بنائه من فني القصة والدراما، وكذلك استخدام
الأسطورة، والرمز الموحي الذي كان نتيجة لرؤية الإنسان الجديدة للكون
والعام، فتكثر الرموز والإيحاءات في هذه القصائد، كما في أنشودة المطر
للسياب:
وفي العراق جوع
ونثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشوّان والحجر
رحى تدور في الحقول... حولها بشر
مطر
مطر
مطر
فالرموز
فيه شفافة موحية، فالغربان والجراد رمز المستغلين، والمفارقات الدرامية من
الخير العميم والجوع الدائم تبرز المعاناة القاسية لوطن كبير، وجاء استسقاء
الشاعر لمطر جديد، ليوحي بالغضب والثورة، أكثر مما يوحي بالدعاء والرجاء.
7- ساعد
على تحقيق الوحدة العضوية للقصيدة، والتخلص من وحدة البيت، والقافية
الموحدة التي كانت تعيق استمرار الحركة ونمو القصيدة العضوي، وبناءها بناء
دراميا مستمدا من تقنية القصة والدراما.
ثالثا- بناء القصيدة المعاصرة:
1- تعد وحدة القصيدة مقياسا لجودة القصيدة أو رداءتها، فالقصيدة الحديثة بناء متكامل تتلاحم أجزاؤه في وحدة عضوية تامة.
2- ويفترض هذا المصطلح أن تكون القصيدة:
أ- كالكائن الحي المركب من أجزاء متنوعة تؤدي وظائف متباينة للمحافظة على ذك الكائن.
ب- تتلاحم عناصر القصيدة بحيث يتمكن العقل من التقاطها.
ج- ألا تتعارض آثارها في نفس المتلقي.
د- أن يتحقق فيها التنوع، والتكامل، والتركيب، لا التناقض، والتكرار، والتفكك.
3- لم يتوافر هذا المصطلح في القصائد العربية كلها التي اعتمدت نظام التفعيلة، فمنها:
1- أنماط
لا تزال تقوم على التراكم والتكرار بعيدا عن التلاحم العضوي الوظيفي، شأنها
شأن بعض القصائد التقليدية، بحيث يمكن حذف بعض المقاطع أو إضافة مقاطع
أخرى، دون أن يتأثر بناء القصيدة.
ب- ومنها أنماط أخرى ينطوي
فيها المضمون بالشكل وبالعكس، فيصعب التمييز بينهما، وهذا ما يسمى في النقد
( الشكل العضوي )، وهنا تعبر القصيدة عن موقف الشاعر الكلي من كل شيء: (
الحب، الموت، السياسة، الثورة )، وهذه الكلية من أبرز سمات الحداثة في
الشعر المعاصر، ولعل قصيدة السياب: ( أنشودة المطر ) تمثل هذا البناء،
ويمكن لمن يريد الاستزادة الرجوع إلى ديوان الشاعر.
م/ن