بيان مجاري الفكر وثمراته
اعلم أن الفكر قد يجري في أمر يتعلق بالدين , وقد يجري في أمر يتعلق بغيره
وإنما غرضنا مايتعلق بالدين , وشرح ذلك يطول ..
فلينظر الإنسان في أربعة انواع :
الطاعات , والمعاصي , والصفات المهلكات ,والصفات المنجيات ..
فلا تغفل عن نفسك ولا عن صفاتك المباعدة عن الله , والمقربة إليه ..
وينبغي لكل مريد أن تكون له جريدة يثبت فيها جملة الصفات المهلكات , وجملة الصفات المنجيات ..
وجملة المعاصي والطاعات ويعرض نفسه كل يوم ..
ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة, فإن سلم منها سلم من غيرها وهي :
البخل / والكبر / والعجب / والرياء / والحسد / وشدة الغضب / وشره الطعام / وشره الوقاع / وحب المال / وحب الجاه ..
ومن المنجيات عشرة :
الندم على الذنوب / والصبر على البلاء / والرضى بالقضاء /
والشكر على النعماء / واعتدال الخوف والرياء / والزهد في
الدنيا / والإخلاص في الأعمال / وحسن الخلق مع الخلق / وحب الله تعالى / والخشوع ..
فهذه عشرون خصلة : عشرة مذمومة , وعشرة محمودة , فمتى كفى من المذمومات واحدة خط عليها في جريدته , وترك الفكر فيها , وشكر الله تعالى على كفايته إياها ..
وليعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه , ثم يقبل على التسعة الباقية , وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع ..
وكذلك يطالب نفسه بالاتصاف بالصفات المنجيات , فإذا اتصف بواحدة منها , كالتوبة والندم مثلاً خط عليها واشتغل بالباقي , وهذا يحتاج إليه المريد المشمر ..
فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين , فينبغي أن يثبتو في جرائدهم المعاصي الظاهرة ,
كأكل الشبهات , وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة , والمراء , والثناء على النفس , والإفراط في
موالاة الأولياء , ومعاداة الأعداء , والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
فإن أكثر من يعد نفسه من وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه ,
ومالم تطهر الجوارح من الآثام , لايمكن الإشتغال بعمارة القلب وتطهيره ..
وكل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من هذه الأمور , فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكيرهم فيها ..
ولا ينجو منها إلا الصديقون وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايرو وكل ذلك من
رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها , وهو مغرور فيها ..
ومن أحس من نفسه هذه الصفات , فالواجب عليه الإنفراد والعزلة , وطلب الخمول , والمدافعة للفتاوي ..
فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتدافعون الفتاوي وكل منهم يود لو ان أخاه كفاه ..
وعند هذا ينبغي أن يتقي شياطين الإنس فإنهم قد يقولون :
هذا سبب لاندراس العلم , فليقل : دين الإسلام مستغن عني , ولو مت لم ينهدم الإسلام , وأنا غير مستغن عن إصلاح قلبي ..
فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه ..
نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا وأن يوفقنا لما يرضاه عنا ..