سه بالذنوب والمعاصي و معروف بغفلته ، قال هذا الفتى بعد أن سمع ما سمع : أكُل هذا في يوم القيامة يا أبا بِشر ؟
قال : نعم ، والله يا ابن أخي وما هو أكثر ، قد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فما يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من شدة العذاب !!
فصاح هذا الفتى الذي كان غافلاً وقال : إن لله ، واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة ، و أسفاه على تفريطي في طاعتك يا سيداه ، وأسفاه على تضييعي لعُمري في أيام الدنيا .
ثم بكى واستقبل القبلة وقال : اللهم إني أستقبلك في يومي هذا بتوبة لا يخالطها رياء لغيرك ، اللهم فاقبلني على ما كان فيّ ، واعفُ عما تقدم من فعلي ، وأقِلْني في عثرتي ، وارحمني ومن حضر ، وتفضل علينا بجودك وكرمك ، يا أرحم الراحمين ...
لك ألقيتُ معاقد الآثام من عنقي ، وإليك أنَْـبتُ بجميع جوارحي صادقاً لذلك قلبي ، فالويل لي إن لم تقبلني !!
ثم سقط مغشياً عليه !! فحُمل من بين القوم صريعاً !!
فمكث هذا الشيخ الفاضل صالح المريّ وإخوانه يعودونه أياماً ، ثم مات رحمه الله !!
فحضر جنازته خلق كثير يبكون عليه ويدعون له .. فمات رحمه الله على توبة نحسبه كذلك
وكان صالح المريّ كثيراً ما يذكره في مجلسه فيقول:
بأبي قـتيل القرآن!! بأبي قتيل المواعظ والأحزان !!
قال : فرآه رجل في منامه بعد موته فقال : ما صنعت ؟
قال : عمَّتني بركة مجلس صالح المريّ ، فدخلت في سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء !!
نعم أيها الأحبة :
كيف لا تكون رحمة الله لمن أقبل إليه وأناب واستغفر من ذنبه وتاب !
كيف لا يقبل التوبة عن عباده وهو الذي "يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها" ، بل يبدل الله جلا في علاه ما كان من السيئات إلى حسنات إذ هم تابوا وأنابوا قال تعالى :{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68 ) (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (70)}(1)
فطوبى لذلك التائب قد تجددت له حياته ، من معصية إلى طاعة ، ومن ظلمة إلى نور ، ومن ظلال إلى هدى.
الله أكبر أحبتي فأين الشباب اليوم ؟ أين العائدون ؟ أين الأيبون ؟
أين الذين يتوبون ثم يستقيمون ويصدقون !! ثم هم بربهم يعدلون !!
إن الأمة اليوم في أمس الحاجة لمن يتوب و يؤب .
فقلها أخي بأعلى صوت أعلنها صريحة مدوية أنا تائبٌ نعم تائبٌ
وأبشر بالفضل العظيم والعطاء الجسيم من رب كريم يعفو ويصفح وبتوبة عبده يفرح ...
أدعوك باللـيل البهيـم منـاديا ************************************************** ************************************************** ************************************************** ****************************************** أنا تائب لـــك أرفع الدعوات
أدعوك يا ربـاه يارب العــلا ************************************************** ************************************************** ************************************************** ****************************************** أحسن وقوفي في يوم ذي الحسراتِ
مـا أنت يا دنـيا بدار قـرارنا ************************************************** ************************************************** ************************************************** ****************************************** ما أنت إلا بؤرة الآفـــــاتِ
وسمع يا رعاك الله إلى النموذج الرائع الربيع بن خيثم – رحمه الله - وهو المعروف بالعبادة و الخير و الصلاح و يروي لنا هذا المثال الماتع عن سفيان - رحمه الله – فيقول :
لقد بلغنا أن أم الربيع بن خيثم كانت تنادي فتقول يا بني الربيع ألا تنام ؟ فيقول الربيع : يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف , حقَّ له إن لا ينام . قال : فما بلغ و رأت ما يلقى من البكاء و السهر , نادته أمه فقالت : يا بُني لعلك قتلت قتيلاً ؟
- فاسمع إلى هذه الإجابة التي قالها الربيع – قال: نعم يا والدتي قتلت قتيلاً , قالت متعجبة : من هذا القتيل يا بُني نتحمل على أهله فيعفوك , و الله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لرحموك . - فيا ترى من هذا الذي قتل؟ اسمع إلى هذه الإجابة التي قالها الربيع لوالدته – قال: يا والدتي هي نفسي .
يعني أنهُ ظلم نفسه التي بين جنبيه بالتفريط و التقصير , وهو العابد الزاهد التقي الورع . وهكذا حال التائبين ...دموعهم حارة مدرارة بالليل والنهار.
فماذا نقول نحن المقصرون المذنبون الغافلون؛ ولسان حال الربيع بن خيثم يقول :
مـا أحلم الله عني حين أمهلني و قـد تماديت في ذنبي و يسترني
تمُـر سـاعات أيامي بلا ندم ولا بـكاءٍ ولا خوفٍ و لا حزن
يـا زلة كتبت في غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فـهل عسى عبرة منها تخلصني
وهذا الفضيل بن عياض كان شاطراً في قطع الطريق ، وكان يتعشق جارية ، فبينما هو ذات ليلة يتسور عليها جداراً ، إذا سمع قارئاً :{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }
فبكى وقال : بلى قد آن ، فتاب وأقلع عما كان عليه ،واستمر على توبته ،حتى كان منه ما كان من السيادة والعبادة والزهادة ، ثم صار علماً يقتدى به ، ويهتدى بكلامه وفعاله .
يا لله ما أجمل التوبة وما أجمل العودة إلى الله جلا في علاه من أولئك الرجال الأفذاذ الذين ضربوا أروع الأمثلة فمنهم من يحزن على اقتراف المعصية حزناً لا يفارقه حتى الموت ، ومنهم من يهجر الناس ويعتزلهم ويضج بيته بالبكاء ، ومنهم من يتمنى أن يكون تراباً حتى لا يحاسبه الله على ذنبه ومعاصيه ، ومنهم من يمرغ خده بالتراب حتى يذوق طعم الذلة علّ الله يرحمه على تلك الحال
ومنهم من يتعلق بأستار الكعبة مطرقاً خاشعاً يطلب العفو من الله ، ومنهم من يجوب الصحراء هائماً على وجهه يعاهد الله عز وجل ألا يرجع إلى بيته إلا وقد تاب وتاب عليه الله ، ومنهم من يعتكف في بيت من بيوت الله يذكر الله ويتلو القرآن ويركع ويسجد والدموع تتزاحم في عينيه ندماً على ما فرط في جنب الله ، بل منهم من يشهق شهقة يموت بعدها خوفاً ووجلاً من الله .
ولا عجب فيما ذكرت وقلت !!
فالخوف من الله والتوبة إليه أرجفت قلوب العصاة فكم رعدت بروق الخوف في القلوب القاسية فأذهبت عنها سحب الغفلة ... وأمطرت دموع الخشية فصفا سماء القلوب واستنار وطلعت عليه شمس النهار ... فأواه ..ثم أواه على التوبة النصوح ما أعزها وأغلاها
مقالات ننصح بها :
1- التوبة وشروط قبولها
2-سارعوا بالتوبة إلى الله قبل فوات
3-باب التوبة يناديكم .. فهل من مستجيب
4-هل حدثتك نفسك بالتوبة ؟!
5-الى كل من أشتاقت نفســـ للتوبة ــــــه
فيا ترى أيها الأحبة في الله ما هي العلامات التي تدل على صدق التائب في توبته ؟
للاجابة على هذا التسائل تابعونا فى المقاله القادمه بمشيئة الله
سلــ ( 1 ) ــسلة ... ( أتوب .. وأعود )