عمــارة الأوهــام
أراها دائماً امامى تلك العِــمارة شامخة الأدوار ..
تقف بجبروت غريب ..
وكأنها اقتنعت أن من بداخلها لن يتخلوا عنها أبــداً!
أراها بطوابقها المتعددة ونوافذها المغلقة .. المعتمة! ..
أراها وكأنها انبعثت من العدم ..
انبعثت من كل نقطة سوداء فى القلوب! ..
وحيث أنى أستطيع التخفى والمرور من بينكم وداخلكم –
ولا تسألونى كيف ومتى -
قررت التعرف على ساكنيها ..
من يكونون؟ .. بما يفكرون؟ .. ماذا يصنعون؟ ..
ها قد دخلت من بابها الضخم ..
ها قد دخلت لأنتهى إلى ساحة يتوسطها مصعد كهربائى ...
تزّين بلافتة كبيرة تحمل كلمة تُثقل صدر من يراها
"مُعطـّــل " ..!
وعندما رأيتها علمت أن تلك الدرجات السُلَّمية ستكون الصديق صعوداً وهبوطاً ..
إن شاء القدر بالهبوط ! ..
وبدأت ...
بدأت صعوداً غير مرئى .. وما زال السؤال يداعب عقلى ..
من يكونون؟؟؟؟؟!!!!
من يكونون؟؟؟؟؟!!!!
الـــدور الأول ..
ها قد وصلت دورنا الأول وبابٌ قد أُغلق على من بداخله ..
دخلت كالإشعاع من بابه المغلق ..
لأجد ساكننا الأول جالساً أمام شاشة حاسوبه ..
وقد تركّز بصره على ما حرم ربّه .. يحدق بعينيه تارة ويغلقها تارة ..
اقتربت أكثر من رأسه اقرأ ما يدور بعقله الغائب .. وما وجدت سوى كلمات مبعثرة
تذروها هش الرياح ..
سيأتى يوماً لأتوب وأعود لربى! ..
سيأتى يوماً وأنسى كل هذا! ..
ما زلت صغيراً وموتى ليس بالقريب!
وبعد عامٍ كررت زيارتى لساكننا ..
آملاً أنه وجد يوم توبته المنتظر ..
ولكن ما وجدت ساكننا .. بعد أن
وجده يومٌ آخر .. غير مُنتظــر!
الــدور الثانى ..
استكملت صعودى على سلم ملأته الأتربة والصدأ
لأجد دورنا الثانى وبابٌ تلَّون بألوان الورود ..
نسيت غلق بابها .. وجلست فوق سريرها الوردى ..
لتقرأ كلماته والتى طالما داعبت قلبها ..
" أٌحبك أكثر من نفسى " ..
" أنتى ملاكٌ يحلق فى سماء قلبى " ..
" سأنتظر لقائك ... لا تتأخرى يا رائعة عمرى " ..
وعندها احتضنت ورقتها الصغيرة إلى قلبها ..
وأغمضت عينيها قليلاً ثم نهضت ..
وبدأت تفكر .. ما ستقول لأمها غدا لتتعلل به عند الخروج .. صباحاً!
وعندما كررت زيارتى فى العام الذى يليه .. وجدت ساكنتنا ..
وعلى نفس سريرها الوردى .. ممسكة بنفس الورقة ..
بكلمات اختلفت عن سابقتها ..
" تحتّم علىّ السفر .. وربّما .. ربّما أعود! .. "
الــدور الثالث ..
ها قد وصلت إلى بابنا الثالث .. وكالعادة .. مررت من خلاله ...
جلست فوق الأريكة وقد خط الشيب فى راسها ... تحادث صديقتها من جوالها الحديث ..
" ما شاء الله عليه .. ولدى لا يفوته فرضٌ من الفروض " .. "
ولدى مثال للأدب والأخلاق " .. " ما فى أحنُّ علىّ من ولدى" ..
وقليلٌ .. وبعد أن أغلقت هاتفَها رددت على مسامعها بصوت منكسر
" ما زال صغيراً وغداً سيكون ولدى الأفضل " ..
وقليلٌ أخرى ودخل الصغير الكبير ..
وقد أحاط كفه بعلبة سجائره ..
وأحاطت سلاسل الدنيا برقبته ..
" أمى .. أريد مالاً للخروج مع أصدقائى الليلة " ...
ولم تفكر ساكنتنا كثيراً لتخرج ما اراد وأكثر .. ناصحة له نصيحتها المعتادة ...
" لا تخبـــر .. أباك .. !"
وعامٌ مضى وكررت الزيارة .. لأجد ساكنتنا .. وفوق نفس الأريكة ..
وإلى نفس الصديقة تتحدث ..
" ولدى مظلوم " .. "
ولدى ما يعرف المخدرات " ..
" ولدى ... " .. وأكملت حديثُها ... بكاءاً!
الــدور الرابع ..
وها هو باب ساكننا الجديد ...
جلس أمام تلفازه " الفلات 29 بوصة " ..
وقد انهمرت دموعه متأثراً بما يراه أمامه فى كليب " الحلم العربى "
ولا يكاد مصدقاً عينيه! .. "أى وحشية تلك؟!" .. "أى جريمة يقترفونها؟!" ..
" تباً لهم ولمن معهم!" ..
وعندها نهض إلى اللابتوب الخاص به ..
وارتشف من " كانز البيبسى " رشفة تهدأ من روعه .. ثم انطلقت أصابعه
فى كل المنتديات أن " قاطعوهم بكل ما أوتيتم من قوة " ..
وبعد قليل عاد إلى التلفاز من جديد وقد انتهى كليب " الحلم العربى" ..
وبدأ كليب جديد " قرب نص نص " ..
واستكمل ارتشاف " كانزه المفضل " .. مع قطعة من البيتزا الساخنة ..
مع ابتسامة ارتياح أنه فعــل ما يجــب فــعله!
وبعد عام كررت الزيارة .. لأجد ساكننا يزرف الدموع زرفاً أمام كليب آخر مؤثر
" الضمير العربى " ..
لينهض من جديد يدق بعنف من جديد على أزرار لابتوبه الجديد " قاطعووووووووهم "
.. إلى أن قاطعه صوت كليبه المفضل الجديد للمطرب " الروش " الجديد ..
عاد عندها إلى تلفازه وبدأ فى ارتشاف " باقى كانزه " ..
مؤمناً فى داخله أنه سيقوم بعد الكليب مباشرة ليستكمل ...
" حملة المقاطعة ..! "
عِمــارة الأوهام ..
فكرةٌ تسللت إلى عقلى واستقرت به كثيراً ..
وحاولت أن أقدمها لكم فى صورة ومضات سريعة من حياتنا وحياة الآخرين ..
ومضات تنبيه من تلك العِمارة الخفية التى يسكنها الأغلبية ..
وهناك منهم من يسكن دوراً أو دورين أو أكثر وأكثر ..
هناك من كان ساكناً وهناك من يسكن الآن .. وهناك من هو مقدمٌ إليها ...
عرضت بعضاً من الكثير ..
وسأنتظر من بينكم من يخرج لنا بالأدوار التالية والتالية وما أكثرها ...
أصدقائى .. لسنا معصومين من الخطأ ولن نكون يوماً ..
فقط لا تتركوا أنفسكم فى تلك العمارة كثيراً ..
ولا تنخدعوا ببريقها من الخارج
أفيقوا من أوهامكم ولا تجعلوها حصاراً
يختنق معه مستقبلكم ..
ثوروا على أوهامكم وعلى تلك العمارة ..
إهدموا عمارة الأوهام .. قبل أن تُهدَم عليكم ...!
لنخرج الى الضوء فهو اجمل بكثييييييييير
منقول