الجن عالم مخفي ولذلك نسجت حوله الأساطير واعتقد الكثيرون أن الجن قد يسكن جسد الإنسان... فما هي حقيقة هذا الأمر؟ دعونا نقرأ...
إنه عالم غريب ومشوق ومليء بالألغاز، إنه عالم مخيف للبعض ويدعو للسخرية من آخرين، إنه عالم الجن الذي استغله بعض الناس ليوهموا الآخرين بأن الجن يسكن داخلهم ولديهم القدرة على التحدث معه ودعوته للإسلام وإخراجه... وإن رفض يتم إحراق الجني أو ضربه أو معاقبته... ولكن غالياً ما يعود ذلك الجني ليسكن من جديد وتتكرر المشكلة ويبقى المريض في صراع بين المعالج وبين الجني... وقد يفضّل المريض أحياناً أن يعيش مع الجني من أن يذهب مرة أخرى للمعالج بسبب الاستغلال المادي أو النفسي...
حقائق من القرآن والعلم الحديث
لا يوجد حتى الآن ما يسمى بعالم الجن حسب وجهة نظر العلم الحديث، ولكن القرآن يؤكد حقيقة وجود الجن وأنهم مثل البشر يتكاثرون ومنهم المؤمن والكافر ومنهم الصالح والظالم... ولكن الله أخفى سرّ هذا العالم عنا لحكمة هو يعلمها.
لكي نعتقد بوجود الجن ليس شرطاً أن يكتشفه العلماء لأن كثير من أسرار الكون لم تكتشف بعد مع العلم أنها موجودة، وبنفس الوقت لا يمكن للعلم أن يقدم برهاناً على عدم وجود الجن أو ينفي وجود كائنات تعيش معنا ... فالعلم لم يكتشف عالم البكتريا والفيروسات إلا حديثاً مع العلم أن هذه الكائنات موجودة قبل الإنسان بملايين السنين.
وربما يكشف العلماء حقيقة الجن في المستقبل إن أراد الله ذلك، وريثما يتم ذلك فإننا نحاول وضع تصور منطقي لهذا العالم نستند على القرآن والسنة المطهرة. فالقرآن لا يتحدث عن دخول الجن في أجساد البشر، بل يخبرنا بأن الجن مخلوقات مثلنا، وقد لا يهمها أمرنا كثيراً وقد تكون مسالمة وغير مؤذية على الإطلاق.. ولكن هناك جزء من عالم الجن الواسع وهو الشيطان الذي هو عدو للبشر.
هذا الشيطان له مهمة محددة وهي إغواء البشر وقيادتهم نحو الضلال ليكون معه في النار يوم القيامة... يدعوهم للفاحشة والكفر والإلحاد ولكن ليس له أدنى سيطرة على المؤمن، إنما سيطرته على الذي يعتقد به!
فعندما تعتقد أن الشيطان قادر على إيذائك أو أن يدخل في جسمك أو قادر على أن يرعبك... فإن ذلك سيتحقق بالفعل، ليس بسبب القدرات الخارقة للشيطان، ولكن بسبب الأوهام التي تزرعها في مخيلتك وبالطبع يغذيها الشيطان بالأفكار السيئة والمخاوف فالله تعالى يقول: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175]. هذه هي حدود قدرة الشيطان أن يخوف أولياءه الذين يعتقدون به ولكن الله تعالى يحذرنا من خطورة ذلك ويأمرنا أن نخاف منه فقط وربط ذلك بالإيمان: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فالحل هو قوة الإيمان.
حقيقة العلاج بالقرآن والمعالجين به
كثير من الناس يعاني من مشاكل نفسية لا نشك بأن الشيطان له دور كبير في تأجيجها وتعقيدها حتى تستعصي على الأطباء، ولكن المشكلة في العلاج الخاطئ. فالعلاج بالقرآن هو أفضل وسيلة للتخلص من الأمراض النفسية، ولكن ليس على طريقة بعض المعالجين إنما على طريقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فالسيرة النبوية العطرة لا تذكر لنا بأن النبي كان يخرج الجن من أجساد أصحابه! ولم يكن صلى الله عليه وسلم يقضي وقته بقراءة القرآن على المرضى، ولم نعلم من أحاديث النبي الكريم إلا أشياء قليلة جداً حول حوادث قرأ النبي القرآن أو دعا بدعاء محدد على أحد الصحابة لشفاء مرض ما، وكان غالباً ما يعلم أصحابه أن يقرأوا القرآن بأنفسهم أو يحفظوا الدعاء عنه ليعالجوا أنفسهم، لأن القرآن نزل بالأساس لنقرأه على أنفسنا وليس على الآخرين!
فليس هناك في الإسلام مهنة اسمهما معالج بالقرآن! بل معلم للقرآن يعلم الناس كيف يحفظوا القرآن ويستشفوا به ويطبقوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المقصود بالعلاج بالقرآن الكريم.
حالات يتم شفاؤها على يد معالجين مخلصين
لا ننكر بأن كثير من الحالات يتم شفاؤها بمساعدة معالجين ممن أخلصوا عبادتهم لله وابتغوا من وراء هذا العمل وجه الله تعالى، ومثل هؤلاء (وهم قلة قليلة) يقدمون خدمات جليلة ويتم على أيديهم هداية الكثيرين للإسلام وبفضل العلاج بالقرآن أصبح كثير من هؤلاء المرضى ملتزمين بتعاليم القرآن...
ولكن التحذير من أولئك الذين يمارسون هذا العمل بغير علم ويبتغون عرضاً من الحياة الدنيا ويتصفون بالكذب غالباً وحب المصلحة ويدّعون قدرتهم على الشفاء... والحقيقة نتمنى منهم أن يلتزموا بكتاب الله تعالى ويعملون على تعليم الناس قراءة القرآن والله سيتولى رزقهم من حيث لا يحتسبون. وأن يكون همهم هداية الناس وليس مجرد علاجهم.
تفسير كلام الجن على لسان المريض
بدأ المعالج بتلاوة الآيات القرآنية على المريض وبدأ المريض يستسلم للمعالج حيث يأمره بالتحدث معه على لسان جني يسكن بداخله، فالمريض وضع في تفكيره مسبقاً بأنه ممسوس من قبل الجان وأن جنياً يسكن بداخله وهذا المعالج سيساعده على التخلص منه.
إن الحالة النفسية التي وصل إليها المريض في صراعه الطويل مع المرض الذي أنهكه وجعله يلجأ إلى أي وسيلة للتخلص من المأساة التي يعيشها، هذه الحالة تقوده للاعتقاد بوجود جن يسكن فيه، وينبغي التخلص منه، وهذا الإحساس يعتبر جزءاً من حل المشكلة، ولذلك يسعى المريض للتحدث مع المعالج ويتقمص شخصية الجني.. مع العلم أنه لا يوجد مبرر للجن أن يسكن في إنسان، فهذا الجن لديه مشاغل ولديه حياته الخاصة ولديه صراع مع رفاقه من الجن تماماً مثل عالم البشر.
ولذلك انتشرت عادة إخراج الجن بين شعوب العالم منذ القديم وتمارسها كافة الطوائف الدينية، حيث يجري استغلال جهل الناس بعالم الجن، وربط جميع الأحداث بالسحر والربط والعقد والمس... ومع أننا لا ننكر بعض الحالات التي يسيطر فيها الشيطان على المريض، ولكن ليس لدرجة أن يسكن جسده بل هي مجرد وساوس وتخيلات وأوهام تذهب بمجرد أن تعتقد أن الجن ليس لديه القدرة على الدخول في أجساد الناس.
هل يستطيع الجن أن يسكن داخل إنسان؟
ليس هناك أي دليل من القرآن والسنة على دخول الجن للبشر وبقائهم لمدة طويلة، بل الدليل الموجود أن الشيطان لديه قدرة على إغواء الناس والوسوسة لهم وتخويفهم والسيطرة فقط على غير المؤمنين ممن يعتقد بقدرة الجن على كل شيء... وقد يصل لحد الإشراك بالله تعالى الذي أمرنا ألا نخشى أحداً إلا الله!
يحاول بعض المشعوذين أن يلفقوا صوراً ويدعون بأنها حقيقية ويقولون بأنها صورة لجني أو شبح أو روح فلان من الناس... وكل ذلك لا دليل عليه من الناحية العلمية، ولم يتم إثبات أي صورة علمياً حتى الآن وهكذا يؤكد العلماء أنه لم يتمكن أحد من رؤية الجن. وهذه الحقيقة أكدها القرآن قبل ذلك بقوله تعالى عن الجان والشياطين: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]. وهكذا تقرر الآية حقيقة ثابتة أن الجن لا يمكن أن يتلبس المؤمن، بل يسيطر على الكافر الذي يتولاه ويعتقد به.
أوهام ينبغي التخلص منها
معرفة وتشخيص المرض بشكل صحيح يعتبر نصف العلاج، ولذلك التشخيص الخاطئ يقود للعلاج الخاطئ دائماً. وبالنسبة لكل من يعتقد أنه مسحور أو ممسوس أو أن أحداً عمل له عملاً ما ليؤذيه أو أن جنياً يطارده أو أن أحداً قادر على أن يمنعه من الزواج أو الرزق أو إنجاب الأولاد... كل ذلك هو اعتقاد خاطئ لأن كل شيء بيد الله والله وحده هو القادر على أن يضرك أو ينفعك.
تأمل أخي الحبيب هذه الآية العظيمة واتخذها شعاراً لك في حياتك وبخاصة هذا العصر المظلم، يقول تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107]. فالضرّ بيد الله لا يكشفه إلا هو، والنفع بيده عز وجل لا يمنعه أحد من دونه... هذه هي أول خطوة على طريق الشفاء.
خطوات عملية للشفاء من أخطر الأمراض
القرآن هو الطريق الأقصر للشفاء ولكن كيف؟ إن الله تعالى أودع في كلمات القرآن أسراراً وقوة شفائية عظيمة بشرط أن تستمع للقرآن بخشوع ولمدة طويلة وتتأثر بهذا الكلام وتتفاعل معه وتطبق ما جاء فيه. فالله تعالى يأمرنا أن نبرّ الوالدين لدرجة التذلل لهما فقال: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24]. فكيف تتخيل أن الله سيشفيك وأنت تعصي والديك وخالف أمر الله؟؟!
الله تعالى يقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]. فكيف سيشفيك الله وأنت تنظر إلى المحرمات وتشغل وقتك بالأغاني والأفلام والمسلسلات وتبتعد عن القرآن كثيراً في حياتك؟!
اجعل همّك الأول هو مرضاة الله تعالى والقرآن، فمن كان همُّه القرآن كفاه الله سائر الهموم، وحاول أن تتعمق في تلاوة القرآن وفهم معانيه وأن تعيش مع جوّ القرآن الذي يأخذك إلى عالم الآخرة وما بعد الموت، وبالتالي ترتاح وتنسى همومك ومشاكلكَ.
إياك أن تعتقد بأن الجن يمكن أن يتلبّسك أو يسكن في داخلك أو يؤثر عليك، لأن الله تعالى قال: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: 42]، والله أصدق من هؤلاء الذين يخوفونك من الجن. وبما أن الله خاطب إبليس وقال له: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) فهذا يعني أن الشيطان والجن لا يمكن أن يؤثروا على المؤمن، ولكن تأثيرهم فقط على من يعتقد بعالم الجن ويخاف منهم، ولذلك قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175].
لقد كشف علماء النفس الكثير من الأمراض والاضطرابات النفسية التي يتعرض لها الإنسان بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها أو بسبب ضغوط لا يتحملها أو بسبب الإيمان الضعيف وعدم الرضا بقضاء الله تعالى. وهذه الأمراض كثيرة مثل الاكتئاب والقلق وانفصام الشخصية... ومثل هذه الأمراض يعاني منها كثير من الناس، وأسهل شيء على الناس أن يعتقدوا بتلبس الجن.
فعندما يفشل الأطباء في تحديد نوع المرض ويستعصي عليهم علاجه، فإن المريض سوف يلجأ إلى معالج بالرقية الشرعية وليست المشكلة في الرقية أو الشفاء بالقرآن، بل المشكلة في بعض المعالجين الذين اتخذوا هذه المهنة وسيلة للكسب السريع على جهل منهم فيَضِلوا ويُضِلوا.
لذلك ننصح بأن يكون الالتجاء إلى القادر على الشفاء وهو الله تعالى، كما قال سيدنا إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80]. وأن نطلب الشفاء من الله القائل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء: 82].
فإذا أردت أن يكون القرآن شفاء لك فينبغي أن يكون هذا القرآن هو أهم كتاب في حياتك، وأن يكون شغلك الشاغل هو القرآن، وأن يصبح القرآن هو حياتك ومستقبلك ومتعتك وراحتك... وبالتالي سيكون عند ذلك شفاء لك بإذن الله.
نتائج البحث
1- العلم لم يثبت أن الجن يسكن داخل البشر، وكذلك السنة الشريفة وكذلك القرآن الكريم. مع العلم أننا نعتقد بوجود عالم واسع حولنا من الجن يرانا ويؤثر علينا أحياناً عندما نغفل عن ذكر الله، يقول تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27].
فهذه الآية شديدة الوضوح تنهانا عن الاعتقاد بتأثير الشياطين، وتؤكد أن تأثيرهم يمتد فقط للذين لا يؤمنون، مع العلم أن المؤمن قد يتأثر قليلاً، ولكنه يعود بسرعة ويتذكر كلام الله ويتخلص خلال عدة دقائق فقط من تأثير الشيطان. وهذا ما تؤكده الآية: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف: 201].
2- الاستعاذة من الشيطان هر الطريق الأقصر للتخلص من أوهامه وتأثيره، وننصح بتكرار هذه الاستعاذة سبع مرات لما لهذا الرقم من تأثير في عالم الجن، وصيغة الاستعاذة هي: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) [المؤمنون: 97-98].
3- كل من يعتقد بأن الجن يعلم الغيب فهو مخطئ، لأن علم الغيب من اختصاص الله تعالى، ولا يمنح هذا العلم إلا لبعض رسله كدليل على صدق رسالتهم. يقول تعالى في قصة سيدنا سليمان عليه السلام وبعد موته لم تكتشف الجن أنه مات وظلوا يعملون لفترات طويلة حتى خرّ على الأرض فعلموا أنهم لا يعلمون الغيب مع العلم أن سيدنا سليمان كان أمامهم وليس بعيداً عنهم: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) [سبأ: 14].
4- قد يقول قائل: كيف يتحدث الجني على لسان المريض أثناء تلاوة القرآن عليه؟ إن هذه الظاهرة سببها أن المريض يعتقد بوجود جني يسكنه، ويأتي المعالج ليعزز هذا الاعتقاد فيصبح حقيقة واقعة بالنسبة للمريض. وكما نعلم من مبادئ علم النفس أن الذي يعاني من انفصام شخصية أو ما يشبه ذلك يتخيل عدة شخصيات تسكنه، ويحاول أن يثبت لنفسه صحة ذلك فيتحدث مع المعالج أو مع نفسه أو مع من حوله وعندما يسأل يقول إن الجني هو الذي يتكلم وليس هو.
5- نحذر كل أخ مؤمن وأخت مؤمنة من الاعتقاد بتأثير الجن، أو التعامل مع المشعوذين حيث نجد من يتعامل مع الجن من الكفار، وذلك من خلال معصية الله تعالى والكفر والزندقة وارتكاب الفواحش... ولذلك قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6]. وبمجرد أنه يأتي من يخبرك أنه يتعامل مع الجن فاعلم أن هذه الآية تنطبق عليه.
6- إن الاعتقاد بتأثير الشيطان أو الجن يقودك إلى الاكتئاب والفقر وارتكاب المعاصي والفواحش، والعلاج أن تلجأ إلى الله وتعتقد بأن الله هو القادر على أن ينفعك ويعطيك من فضله العظيم، ولذلك يقول تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268].
7- المشكلة أن بعض المعالجين يفسر الآية القرآنية خطأ، يقول تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275]. فالمس هنا للكافر الذي يرتكب المعاصي والفواحش ولا يصلي ولا يذكر الله، فإن مثل هذا يسيطر عليه الشيطان ويؤثر عليه تأثيراً شديداً. وطريقة التخلص من ذلك هي الإيمان بالله وترك الفواحش والمعاصي.
أما المؤمن فلا تنطبق عليه هذه الآية، وأحياناً يضعف الإنسان ويؤثر عليه الشيطان نتيجة مرض مثلاً كما حدث مع سيدنا أيوب عليه السلام عندما قال: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41]. فالمس هنا ليس دخول الشيطان في جسد النبي، بل تأثيره عليه بسبب شدة المرض، ولذلك لجأ سيدنا أيوب إلى الله تعالى ولم يلجأ إلى أحد من البشر، وهذا ما ينبغي علينا القيام به عندما نتعرض لمحنة أو مرض أو مشكلة نفسية، أن نلجأ مباشرة إلى الله تعالى.
8- إن ما ورد من أحاديث نبوية صحيحة حول موضوع الجن لا تشير من قريب ولا بعيد إلى دخول الجن في جسد الإنسان، هناك حديث شريف يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) وهذا لا يعني أنه يسكن ويقيم، بل يعني أن للشيطان تأثير قوي على الإنسان لدرجة أنه يلازم الإنسان مثل مجرى الدم. ولكن التأثير الكبير يكون على الكافر والملحد ومرتكب الكبائر والعاق لوالديه وآكل الربا...
وأخيراً نوجه نصيحة لكل من يعاني من مشكلة نفسية أن يترك الأطباء لأن الطب الحديث فشل في علاج كثير من الأمراض النفسية ويعتمد العلاج على الأدوية المخدرة غالباً. كذلك إياك أن تلجأ إلى معالج بالرقية إلا بعد أن تتأكد أنه يتقي الله وسوف ينصحك ويدلك على الحل.
والطريق الأقصر أن تتوجه إلى الله مباشرة بالذكر والدعاء والاستغفار والصلاة وقيام الليل والاستماع إلى القرآن وفعل الخيرات وبر الوالدين والصدقة وحسن الخلق... وهذا هو العلاج الأفضل لأي مشكلة نفسية أو جسدية أو مادية أو اجتماعية.
ونقول لكل من يعاني من مشكلة نفسية ما.. اعلم أنك بمجرد أن تقرأ المعوذتين وآية الكرسي والفاتحة سبع مرات وتقيم الصلاة وتحافظ على الطهارة والوضوء، ولا يحدث الشفاء فإن ذلك يكون اضطراباً نفسياً ولا علاقة للجن بما يحدث، وهذه وصفة سريعة لكل من يعاني من مشكلة نفسية.
أما إذا كنتَ لا تصلي ولا تذكر الله ولا تتطهر ولا تبرّ أبويك وترتكب المعاصي... فإن الشيطان سيلازمك ويسيطر عليك ويسبب لك الهموم والاضطرابات والعلاج لا يتم إلا بالالتزام بتعاليم القرآن.
وكذلك ننصح كل من يعالج بالرقية أن يتقي الله تعالى وأن يكون عمله خالصاً ابتغاء مرضاة الله، وأن ينصح لله ويدرك بأنه لو تمكن من هداية إنسان واحد سيكون ذلك خير من الدنيا وما فيها. نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الحق إنه سميع قريب.