{21} اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ
" اِتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلكُمْ أَجْرًا " أَيْ عَلَى إِبْلَاغ الرِّسَالَة " وَهُمْ مُهْتَدُونَ " فِيمَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ .
{22} وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
" وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي " أَيْ وَمَا يَمْنَعنِي مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّذِي خَلَقَنِي وَحْده لَا شَرِيك لَهُ " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " أَيْ يَوْم الْمَعَاد فَيُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْر وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ .
{23} أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ
" أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونه آلِهَة " اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَتَوْبِيخ وَتَقْرِيع " إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتهمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ " أَيْ هَذِهِ الْآلِهَة الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونه لَا يَمْلِكُونَ مِنْ الْأَمْر شَيْئًا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَوْ أَرَادَنِي بِسُوءٍ " فَلَا كَاشِف لَهُ إِلَّا هُوَ " وَهَذِهِ الْأَصْنَام لَا تَمْلِك دَفْع ذَلِكَ وَلَا مَنْعه وَلَا يُنْقِذُونَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ .
{24} إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
" إنِّي إِذًا لَفِي ضَلَال مُبِين " أَيْ إِنْ اِتَّخَذْتهَا آلِهَة مِنْ دُون اللَّه .
{25} إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ
وَقَوْله تَعَالَى : " إِنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ " قَالَ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَكَعْب وَوَهْب يَقُول لِقَوْمِهِ " إِنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ " الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ " فَاسْمَعُونِ " أَيْ فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون خِطَابه لِلرُّسُلِ بِقَوْلِهِ " إِنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ " أَيْ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ " فَاسْمَعُونِ " أَيْ فَاشْهَدُوا لِي بِذَلِكَ عِنْده وَقَدْ حَكَاهُ اِبْن جَرِير فَقَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ خَاطَبَ بِذَلِكَ الرُّسُل وَقَالَ لَهُمْ اِسْمَعُوا قَوْلِي لِتَشْهَدُوا لِي بِمَا أَقُول لَكُمْ عِنْد رَبِّي إنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ وَاتَّبَعْتُكُمْ وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَظْهَر فِي الْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَكَعْب وَوَهْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَثْبَة رَجُل وَاحِد فَقَتَلُوهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَد يَمْنَع عَنْهُ وَقَالَ قَتَادَة جَعَلُوا يَرْجُمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ اِهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَقْعَصُوهُ وَهُوَ يَقُول كَذَلِكَ فَقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّه .
{26} قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ بَعْض أَصْحَابه عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُمَا وَطِئُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ حَتَّى خَرَجَ قَصّه مِنْ دُبُره وَقَالَ اللَّه لَهُ " اُدْخُلْ الْجَنَّة " فَدَخَلَهَا فَهُوَ يُرْزَق فِيهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ سَقَم الدُّنْيَا وَحُزْنهَا وَنَصَبهَا وَقَالَ مُجَاهِد قِيلَ لِحَبِيبٍ النَّجَّار اُدْخُلْ الْجَنَّة وَذَلِكَ أَنَّهُ قُتِلَ فَوَجَبَتْ لَهُ فَلَمَّا رَأَى الثَّوَاب " قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ " قَالَ قَتَادَة لَا تَلْقَى الْمُؤْمِن إِلَّا نَاصِحًا لَا تَلْقَاهُ غَاشًّا لَمَّا عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَة اللَّه تَعَالَى " قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ " تَمَنَّى وَاَللَّه أَنْ يَعْلَم قَوْمه بِمَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَة اللَّه وَمَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس نَصَحَ قَوْمه فِي حَيَاته بِقَوْلِهِ " يَا قَوْمِي اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ " وَبَعْد مَمَاته فِي قَوْله " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ " رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي مِجْلَز .
{27} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ
" بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ " بِإِيمَانِي بِرَبِّي وَتَصْدِيقِي الْمُرْسَلِينَ وَمَقْصُوده أَنَّهُمْ لَوْ اِطَّلَعُوا عَلَى مَا حَصَلَ لِي مِنْ الثَّوَاب وَالْجَزَاء وَالنَّعِيم الْمُقِيم لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِتِّبَاع الرُّسُل فَرَحِمَهُ اللَّه وَرَضِيَ عَنْهُ فَلَقَدْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَة قَوْمه . قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا هِشَام بْن عُبَيْد اللَّه حَدَّثَنَا اِبْن جَابِر هُوَ مُحَمَّد عَنْ عَبْد الْمَلِك يَعْنِي اِبْن عُمَيْر قَالَ : قَالَ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْعَثْنِي إِلَى قَوْمِي أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أَخَاف أَنْ يَقْتُلُوك " فَقَالَ لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِنْطَلِقْ " فَانْطَلَقَ فَمَرَّ عَلَى اللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ لَأُصَبِّحَنَّكِ غَدًا بِمَا يَسُوءك فَغَضِبَتْ ثَقِيف فَقَالَ يَا مَعْشَر ثَقِيف إِنَّ اللَّاتَ لَا لَات وَإِنَّ الْعُزَّى لَا عُزَّى أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا يَا مَعْشَر الْأَحْلَاف إِنَّ الْعُزَّى لَا عُزَّى وَإِنَّ اللَّاتَ لَا لَات أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا قَالَ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات فَرَمَاهُ رَجُل فَأَصَابَ أَكْحَله فَقَتَلَهُ فَبَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " هَذَا مَثَله كَمَثَلِ صَاحِب يس " قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ " . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَعْمَر بْن حَزْم أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ حَبِيب بْن زَيْد بْن عَاصِم أَخُو بَنِي مَازِن بْن النَّجَّار الَّذِي كَانَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب قَطَّعَهُ بِالْيَمَامَةِ حِين جَعَلَ يَسْأَلهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُول لَهُ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ؟ فَيَقُول نَعَمْ ثُمَّ يَقُول أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُول اللَّه فَيَقُول لَا أَسْمَع فَيَقُول لَهُ مُسَيْلِمَة لَعَنَهُ اللَّه أَتَسْمَعُ هَذَا وَلَا تَسْمَع ذَاكَ ؟ فَيَقُول نَعَمْ فَجَعَلَ يُقَطِّعهُ عُضْوًا عُضْوًا كُلَّمَا سَأَلَهُ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فِي يَدَيْهِ فَقَالَ كَعْب حِين قِيلَ لَهُ اِسْمه حَبِيب وَكَانَ وَاَللَّه صَاحِب يس اِسْمه حَبِيب .