إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين
( أَخْبَرَنَا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ } الْآيَةُ . فَأَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ ، ثُمَّ أَكَّدَهَا [ وَشَدَّدَهَا ] ، فَقَالَ : { فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ } . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَيْهِ ] وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وُجِدَ : كَقَوْلِهِ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } الْآيَةُ وَكَقَوْلِهِ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } ، وَكَقَوْلِهِ : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } . فَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] فَرَضَ هَذَا : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ . وَكَانَ مَعْقُولًا [ عَنْهُ ] أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ . فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ : قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ مِنْ أَهْلِ [ هَذِهِ ] السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ [ إلَى أَحَدٍ ] : حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا . ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) ، قَالَ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ) فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَا لَهُمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ ، [ وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ ] يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَاتُهَا . فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ : الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ ، وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ : الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ ، وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ . وَالْمَسَاكِينُ : السُّؤَالُ ، وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي ( كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ ) الْفَقِيرُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ : تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا ؛ زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ ، سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا . وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ ، أَوْ حِرْفَةٌ : [ لَا ] تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ : سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا : الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا : مِنْ السَّعَادَةِ ، وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعُونَتِهِ سَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ ، أَوْ فُقَرَاءَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : مَنْ وَلَّاهُ الْوَلِيُّ : قَبَضَهَا وَقَسَمَهَا . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ ، [ بِقَدْرِ ] غَنَائِهِ : لَا يُزَادُ عَلَيْهِ [ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ . ] . وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ : سَهْمٌ . وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ : أَنْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَحْسَبُهُ قَالَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ ، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) مِنْهَا : ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا . قَالَ : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ؟ غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ، مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ . فَإِمَّا زَادَهُ : لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا صَنَعَ ، وَإِمَّا أَعْطَاهُ : لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَا يَثِقُ مِنْهُ ، بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ النَّازِلَةِ قَالَ : وَالرِّقَابُ : الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ . قَالَ : وَالْغَارِمُونَ : صِنْفَانِ : ( صِنْفٌ ) : دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ ، أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ : فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي غُرْمِهِمْ : لِعَجْزِهِمْ . ( وَصِنْفٌ ) : دَانُوا فِي حِمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ ، وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ : تَحْمِلُ حَمَالَاتِهِمْ أَوْ عَامَّتَهَا وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ : [ مَا يُوَفِّرُ عُرُوضَهُمْ ، كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ ] حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ قَالَ : وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ : يُعْطَى مِنْهُ ، مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ ، فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا قَالَ وَابْنُ السَّبِيلِ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ ، إلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ : لِمَنْ مَرَّ بِمَوْضِعِ الْمُصَّدِّقِ مِمَّنْ يَعْجِزُ عَنْ بُلُوغٍ حَيْثُ يُرِيدُ ، إلَّا بِمَعُونَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ فِي غَيْرِ رِوَايَتِنَا إنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ .