السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السرقة عند الاطفال
تعتبر السرقة أو أخذ أشياء الآخرين من المشكلات التي يواجهها الأهل مع أطفالهم، ولكنهم لا يحبون الإقرار بها. فهم في البداية يشعرون بالخجل ثم الغضب، خصوصًا إذا كانوا مقتنعين بأنهم يوفرون كل شيء لأطفالهم، ولا يجدون مبرّرًا لهذه السرقة.
وفي المقابل، يرى اختصاصيو علم نفس الطفل، أنّ الأطفال الصغار دون الخمس سنوات، لا يعرفون معنى السرقة، ولا يدركون مفهوم الملكية الخاصة، وبالتالي من الخطأ أخذ أشياء أطفال آخرين. وعندما يبدأون الذهاب إلى المدرسة، عليهم أن يعرفوا أن من الخطأ أخذ أشياء الآخرين من دون علمهم، وإن كانوا يرغبون فيها.
وغالبًا يسرق الأطفال في هذه المرحلة لأنهم يجهلون كيف يسيطرون على رغباتهم. والطفل في سن ما قبل المراهقة يسرق فقط للمتعة أو لتقليد أصدقائه، أو لأنه يحاول التحكّم في حياته أو يريد ملء فراغ عاطفي.
ومهما يكن الدافع الى السرقة، على الأهل أن يتعاملوا مع هذه المشكلة بحكمة.
لماذا يسرق الطفل؟
هناك أسباب عدة وراء السرقة:
الطفل لا يستطيع أن يسيطر على نفسه
يصعب على الأطفال الصغار السيطرة على رغباتهم في الحصول على أشياء الآخرين. فالطفل الصغير قد يأخذ شيئًا رغم أنه يعرف أن هذا التصرّف خاطئ. ولكنه بكل بساطة لا يستطيع السيطرة على نفسه، وعلى الأهل إيجاد سبل يستطيع من خلالها الطفل الحصول على ما يريده بطريقة سليمة، أي ألا يبالغوا في إغداق الهدايا أو الألعاب عليه، بل عليهم تعويده أن ليس كل ما يرغب فيه، يجب الحصول عليه. فالإفراط في تدليل الطفل وتلبية كل رغباته يجعلانه يفكّر أن الأمر له، وإن رغب في شيء يجب الحصول عليه مهما كلّف الأمر.
شعور بنقص في احتياجاته الخاصة
من المعلوم أن الأطفال الصغار يتّكلون بشكل كامل على أهلهم في تلبية احتياجاتهم. والطفل الذي يشعر بعدم اكتفاء، يبادر الى تلبية احتياجاته بنفسه، والطريقة السهلة البسيطة للحصول على ما يريد أن يأخذ ما يحتاج اليه. فالاحتياجات الخاصة مسألة ذاتية، إذ قد يظن الأهل أن طفلهم لا يحتاج إلى هذا الشيء، فيما قد يشكّل هذا الشيء حاجة واقعية بالنسبة إلى الطفل. مثلاً إذا كان أصدقاؤه يحصلون على مصروف جيب وهو لا، لأن أهله يظنون أنهم يوفرون له كل احتياجاته، فيما الطفل في حاجة إلى أن يشعر بأنه مثل أقرانه وبالتالي فقد يسرق النقود من محفظة والدته ليكون مثلهم.
الحاجة إلى لفت الانتباه
يعتبر الشعور بالنقص العاطفي عند الطفل من الأسباب الرئيسة التي تدفعه الى السرقة. فالطفل الذي لا يلقى الاهتمام الكافي الذي يحتاج اليه من أهله، هو طفل يشعر بأنه غير محبوب أو أنّ أهله لا يهتمون به، وربما يكون شعوره صائبًا أو لا يكون. فالطريقة التي يلقى بها الطفل اهتمام أهله أكثر أهمية من الكمية التي يتلقاها، ونعني هنا الفارق بين اهتمام الأم باحتياجات الطفل الأساسية، أي الأكل والشرب... واهتمامها العاطفي، أي منحه الحنان، والإصغاء الى مشكلاته ومحاورته. الأطفال الذين يعانون نقصًا عاطفيًا يترجمون احتياجاتهم العاطفية وشعورهم بالقهر برغبات مادية. وبالتالي فالسرقة تسمح لهم بالتعبير عن شعورهم بالانزعاج والبحث عن الاكتفاء. فالطفل الذي لا تلبّى احتياجاته العاطفية يشعر بالفراغ، وبالتالي تكون السرقة بالنسبة إليه وسيلة لملء هذا الفراغ. وقد تأتي رغبة الطفل في السرقة من أنه يعاني صعوبات في المدرسة أو صعوبات في بناء علاقة مع الأصدقاء. وهو في الغالب غير مؤهل للتعبير عن مشاعره، أو لم تكن لديه الفرصة لذلك.
الطفل يحتاج إلى الشعور بالسيطرة على حياته
يدرك الأطفال جيدًا ضعفهم، وأنه تنقصهم السيطرة على حياتهم، وبعض الأطفال لا يتمكنون من ذلك، وبالتالي فإن الطفل الذي يزعجه شعوره بأنه اتكالي، قد يجد في السرقة طريقة يتحكم من خلالها بحياته أو ليثور على وضعه.
ضغط شلّة الأصدقاء
يحاول بعض الأطفال تقليد أصدقائهم، فإذا كان الطفل عضوًا في شلّة أصدقاء يرى أفرادها أن السرقة أمر مثير، قد يندفع إلى السرقة ليثبت انتماءه إلى الشلّة، فيسرق ليبرهن لأصدقاء الشلّة أنه شجاع. وإذا كان الحال كذلك، على الأهل أن يتخذوا التدابير اللازمة لحل المشكلة.
ماذا على الأم ان تفعل عندما تشتبه بأن ابنها يسرق؟
البقاء هادئة، عليها ألا تبالغ في انفعالها عندما تكتشف أن ابنها سرق شيئًا، فليس بالضرورة أن يكون سارقًا أو أنه يميل إلى عالم الجريمة، فالسرقة لا تختلف عن الأخطاء الأخرى التي يرتكبها الطفل.
لا تنظر الى الأمر على أنه مسألة شخصية الطفل يسرق ليلفت الانتباه، فإذا سرق من محفظة والدته نقودًا، فالأجدر بالأم ألا تعتبر ذلك اعتداء شخصيًا، لأنها بذلك تعزّز السبب الذي دفع الطفل الى السرقة. لذا، عليها أن تقوم بالآتي:
عدم اتهام الطفل ومواجهته
يصرّ التربويون على هذه النقطة. وإن كان الأهل أكيدين من أنّ ابنهم سرق، فهذا لا يكفي لمواجهته واتهامه لأنه سوف ينكر، وبالتالي تصبح الأم مرغمة على تصديقه. وإذا قالت له إنها لم تصدقه، فهي تظهر له أنها لا تثق به، ولا شيء أكثر تدميرًا للطفل من أن يشعر أن أهله لا يثقون به. أما إذا اعترف فلا يجوز معاقبته، لأنه إذا أعاد الكرّة فسوف يكذب، وبالتالي يتعزّز لديه سلوك الكذب، فلا يعود يعترف بأخطائه، لأنه وجد أن من الأفضل له أن يكذب. لنضرب مثلاً: اكتشفت الأم أن خمسين ريالاً من محفظتها قد اختفت، بحثت ووجدتها في خزانة ابنها. في هذه الحالة عليها السيطرة على غضبها، وتجنّب مواجهته والقول له أنت سرقت نقودي، والتصرف بحكمة. مثلا تسأل ابنها: هل «أخذت» وليس «سرقت» من محفظتي 50 ريالاً، وإذا أنكر وهي متأكدة أنه أخذها، عليها ألا تقول له «كاذب»، وأنها وجدتها في خزانته، بل عليها أن تقول له ربما أضعتها، كنت أريد أن أعطيك إياها. هنا تشعره بالذنب وتدفعه الى التفكير في فعلته. أمّا إذا اعترف، عندها عليها أن تقول له: «كان عليك أن تُعلمني بذلك، أردت شراء شيء وشعرت بالإحراج لأنه لم يكن لدي المبلغ الكافي. في المرة المقبلة أطلب مني وسوف أعطيك».
ماذا تفعل الأم إذا فوجئت بأن طفلها سرق صديقه؟
لا تطلب منه تفسيرات، ولا تلقي عليه محاضرة أخلاقية طويلة، بل تشرح له ببساطة أنه لا يمكنه أن يأخذ شيئًا لا يخصّه. «لا يجوز السرقة، فأنت لا تحب أن يسرق أحد لعبتك. إذًا لا يجدر بك أن تسرق لعبة طفل آخر». ويجدر بالأم أن تتفادى نعت طفلها بالشرير، فهو ليس كذلك، أو أن تقول له إنّه لص، أو شخص سيئ أو كاذب، أو أي شخص لا تريد أن يكون طفلها مثله، فهذا يدفعه الى أن يكون مثل الشخص الذي لا تتمنى الأم أن يكونه. وفي المقابل، قد تُفاجأ الأم بأن ما «سرقه» ابنها يملك مثله. هنا عليها أن تتحقق من الأسباب التي دفعته إلى سرقة أشياء لديه مثلها.
كيف يمكن تصحيح الخطأ؟
إذا سرق الطفل شخصًا غريبًا، على الأم أن تعلّمه كيف يصحّح خطأه. فإذا سرق من متجر أو جار أو زميل له، عليها أن تطلب منه إعادة ما سرقه، وتعلّمه كيف يعتذر من زميله لأنه أخذ ما ليس له. أما إذا سرق من جاره الراشد، فترافقه لمساعدته في تصحيح الخطأ، لأن الطفل سوف يشعر بالإحراج وربما بالذل إذا قام بالاعتذار وحده، وهو في حاجة إلى أمه لتدعمه وتسانده، وتجنّبه رد فعل الجار أو صاحب المتجر الذي ربما قد يكون عنيفًا، ونقصد هنا عنفًا كلاميًا، ووقوف والدته أو والده إلى جانبه يؤكد له أنهما يهتمان به، وإن أخطأ.
إذا سرق الطفل نقودًا، يمكنها تقدير المبلغ الذي سرقه الطفل وتقول له إنه دين وعليه إعادته إليها. ويكون ذلك من طريق تكليفه بأعمال في المنزل، ويمكن أن تعطيه نقودًا كافية ليسدد دينه خلال شهر.
يجب نسيان الحادثة. إذا لم تتكرر حادثة السرقة، على الأم ألا تذكّره بفعلته، لأن الطفل في الأصل يدرك أنه قام بسلوك خاطئ، ويرغب في نسيانه.
أن يكون الأهل نموذجًا. من المعلوم أن الأهل هم القدوة أو المثال الذي يحتذي به الطفل. لذا عليهم قبل أن يعاقبوا أو يلوموا طفلهم إذا أخذ أشياء الآخرين عنوة، أن يفكروا في سلوكهم، هل يسمع الطفل مثلاً «برافو عليه لأن فلانًا أخذ شيئًا بالقوة»؟ هل يحترم الأهل ملكيات الآخرين، فيعيدون ما استدانوه أو أخذوه من طريق الخطأ. مثلاً عندما تعود الأم من السوبرماركت وتكتشف أنها أخذت كيسًا من طريق الخطأ ولم تدفع ثمنه، عليها فورًا أن تذهب إلى السوبر ماركت وتعيد الكيس، لأن الاحتفاظ به يبعث رسالة إلى الطفل بأن لا بأس إذا احتفظنا بشيء أخذناه من طريق الخطأ.
أن تسأل الأم نفسها لماذا يسرق طفلها؟
إذا كان في حاجة إلى لفت انتباه، عليها بذل مجهود لمنحه الاهتمام. إذا كان في حاجة إلى الشعور بالتحكم في حياته، يمكن زيادة مصروف جيبه والسماح له بأن يصرفه كما يراه مناسبًا. إذا كان في حاجة إلى بعض الأشياء ليكون جزءًا من شلة الأصدقاء، طمئينه الى أنه سيحصل على ما يريد... شرط أن تعرفي ما يدور بين شلّة الأصدقاء، أي أنهم ليسوا السبب في دفعه إلى السرقة.
على الأهل أن يدركوا أن السرقة هي من الأخطاء التي يرتكبها معظم الأطفال، فهم لا ينوون السرقة بقدر ما يريدون حيازة ما لدى الآخرين.
ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الرغبة في الحصول على أشياء الآخرين، تساهم في شكل كبير في حل المشكلة بسرعة وسهولة.