" كتب عليكم القتال "
فَصْلٌ فِي أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) :
وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ ؛
أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ ، بِاتِّبَاعِهِ : حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا ، مَعَ عَوْنِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ )
، قُوَّةٌ : بِالْعَدَدِ ؛ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا . فَفَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِمْ ، الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كَانَ إبَاحَةً لَا فَرْضًا
. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } الْآيَةَ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } الْآيَةَ ، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، وَقَالَ : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } . وَقَالَ تَعَالَى { مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ } إلَى : { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } الْآيَةَ ، وَقَالَ تَعَالَى { انْفِرُوا خِفَافًا
وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا : تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ . فَقَالَ : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا
لَاتَّبَعُوكَ } الْآيَةَ فَأَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ ؛ مَعَ إبَانَتِهِ ذَلِكَ فِي [ غَيْرِ ]
مَكَان : فِي قَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } إلَى :
{ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
. قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : سَنُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ ، مَا حَضَرَنَا عَلَى وَجْهِهِ ؛ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } إلَى : { لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } ، وَقَالَ :
{ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } ، وَقَالَ : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ فَرْضَ الْجِهَادِ ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ .
.