منتديات سبيس باور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات سبيس باور

 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
EL Prince
رواية من خيالــــــي Vote_rcapرواية من خيالــــــي Voting_barرواية من خيالــــــي Vote_lcap 
乂دامي سبيس باور乂
رواية من خيالــــــي Vote_rcapرواية من خيالــــــي Voting_barرواية من خيالــــــي Vote_lcap 
دراج الشبح
رواية من خيالــــــي Vote_rcapرواية من خيالــــــي Voting_barرواية من خيالــــــي Vote_lcap 

 

 رواية من خيالــــــي

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالخميس أغسطس 06, 2015 10:06 pm



رواية من خيالــــــي 213221332


♥ الشخصيات الرئيسية : مروان ـ سَالِيس ـ حمزة ـ بوعزة





مقدمـــة


حين تاهت وتشابكت مسارات النجاة، أيقنت أن أمل الحياة قد خمد كشعلة متوهجة غلبتها طاقة الريـاح العاتية فاختفت. هـذا موعد المـوت فـي الزمان والمكان حيث نهاية أنشودة حياتي فـي نغمتها الأخيرة، وسط صحراء ثلجية وبعيدا عـن عالمـي ومحيطي وفـي وسط مهجور وسـاكن تأبى الأقدام العاقلة أن تدُبَّ فـي طرقاتـه أو تتجول عند نواحيه المظلمة والغامضة، وكأني بين طيات زمن مفقود، ابتلى بأسى لا محدود فقصي مـن الحيـاة والوجـود. دقائـق معدودة ستمضي.. ثـم تأخذني إلـى المرحلة الأخيرة من الاحتضار لتحين لحظات من مزيد من الألم والندم الشديدين على ماضٍ مضى، طوي وانتهى، في صفيحة ولـن يُنتسى.. وهـذه المـرة سيبزغ الفجر ليداعب بنوره بشرتـي الساكنـة والجليديـة لتكـون آخر حكايـة وآخر حـدث أرويه قبل موتي..




عدل سابقا من قبل اكادير الامازيغية في الأربعاء أغسطس 19, 2015 12:37 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالخميس أغسطس 06, 2015 10:10 pm


الفصل الأول

الحادث

مروان: كلما نظرت إلى ذلك الأفق، أسرح بخيالي، عسى أجد فكرة أو كلمة أجعلها عنوانا عريضا لحياتي. الحياة نقطة نابضة فـي هـذا الكـون الفسيح، وعبـارة عـن مجموعة أفكـار متسلسلة، وبعضهـا متشابكة، صنعته قرارات مخلفة نتائج فلسفية معقدة، لا تحاول التعاطي معها أو الغوص والتعمق فـي مغزاها؛ لأنها ـ على كل حال ـ تجسد واقعا لن يدوم، كتبعات، وإن كان بعضها كارثيا..
أتأمـل هـذا المنظر وقهوتي الساخنة علـى منضدتي الصغيرة تشاركني جلستي بنكهتهـا الدافئة وأنـا فـي شرفة غرفتي المقابلة لحديقة منزلنا فـي حيّ سكنـيّ غير شعبـيّ، أغلب ساكنيه من العجائز، لذا غالبا ما يكون هادئا..

اليوم.. الخميس ثمانية أكتوبر..

مضت عشرين يومـا، ولا زالت ذاكرتي تضجّ بأحداث تهاجم خيـالي مثل الكوابيـس، وذلك منذ الخـامس عشر من شتنبر المنصرم، كنت عائدا من إجازة فـي 'دِمنات'.. مدينة توجد في الشمال الشرقي لـ 'أكادير'، تبعد عن مراكش بـ 113 كلم تقريبا.. في طريق عودتي إلى 'أكادير'، تعرضت لحادث خطير بسبب تلوث منطقـة بالزيت؛ لكونهـا مَعْبرا لكثير مـن الشاحنـات المعبـأة بالسمك والمـواد الزيتية الأخرى؛ ممـا سمـح لسيارتي بالإنحراف بقـوة وأطاعت مسارهـا المنحرف نحـو منحدر قـاس جـدا مصطدمـة بصخرة كبيـرة منعتها من الانحدار بعمق أكثر، اتصل بالإسعاف أول شخص صادفني على تلك الحال..

لا زالت ساقي اليسرى مضمدة إلى الركبة بالجبس وساعدي الأيسر مع شجّة في رأسي أصِبتُ على إثرها بفقدان جزء مـن ذاكرتي.. لا أتذكر بالضبط مـا حصل قبـل العودة مـن تلك المدينة.. ضغطي معتدل، لكـن أعاني مـن طنين مزعج فـي أذني يجعل سمعي رهيفا نوعا مـا، لـم أكـن مـن ذلك النوع الذي يرتاد الأطباء بكثرة، لأيّ سبب كـان، إلا إذا بلغ دائي حده الأقصى، بحيث هـذا الطنين لم يتوقف عن فرض إيقاعه داخل رأسـي ليل نهـار.. وبعـد الكشف، فـاجأني طبيب الأذن - بنتيجة محبطة - أن أذنـاي نظيفتين ولا يـوجد أيّ تلف فيهمـا ممـا منحني إحساسا رهيبا بوجوب التعايش مـع هذا الطنين إلـى الأبد..

أمضي فترة نقاهتي في منزلي، حيث أعيش أنا وأمي.. أما أبي مات حين كنت في الرابعة من عمري، أمي وحدها تكبدت عناء تربيتي، وشربت مـن كأس الزمن المر حين تخلى عنهـا جميع أفراد أسرتهـا، باستثنـاء خالتي التـي تعيش حياة صعبة مـع زوجها المريض.. رفضت أمــي كـل مـن يتقدم للزواج منهـا منعـا مـن التسبب فـي فراقها عنـي، فواجهت الحيـاة بمفردها وعمِلتْ فـي مختلف المجالات مـن أجل تربيتي وإتمام دراستي.. وحيـن بلغتُ الثانية والعشرين، حصلت علـى إجـازة فـي كلية التجارة، امتهنت أعمالا ذات أجـر متواضع، اِستعنت بها علِّي أجد أحسن من ذلك أو أجد عملا من تخصصي.. استجاب الله لدعائي حين دلني بعض الأصدقـاء إلـى شركة تجاريـة تبحث عـن مدقق حسابات، تـم قبولي وعملت أخيرا لمـدة بدون أجـر (كفترة تدريبية)، وحين أصبح عملي رسميا، منعت أمي مـن العمل، قد حان دوري لأقوم بواجبي تجاهها.. يكفي ما عاشته فـي تلك السنوات الماضية والمريـرة.. فاقترحت عليهـا أن تنظـم إلـى جمعية لتعليـم الطرز والخياطة وغيرها مـن الأعمال اليدوية الأخرى حتى لا تبقى وحيدة في المنزل أثناء غيابي في العمل..

بلغت الآن الثامنة والعشرين.. حياتي ثابتة ومستقرة حاليا بعد خوض غمار معركة مضنية مع الحياة، فإذا بأمـي تزعزع هـذا الاستقرار كـل مـرة باقتراحها أن أتزوج بفتـاة معينـة، اختارتهـا مـن العـائلة أو بنـات صديقات مقربات إليهـا، لكني أتهرب من الزواج دائما وبأيّ طريقة بقولي « ليس الآن.. ليس الآن..!» لا يخفى علـيّ أبدا أنها تريد فتـاة مثل ابنة تتبادل وإياها الآراء، وتثرثران في المطبخ وفي غرفة الطعام وفي كل مكان وتتسوقان معا وتستشيرها في الأمور النسائية وغيرها.. لا أنكر أن هذا جميل لأنـي أشعر تمامـا بمدى إحساسها بالوحدة وطوقها لوجود شخص آخر في المنزل يتحرك ويتنقل في أرجائه، لكن بصراحة، لا أفكر فـي الزواج حاليـا، أو بالأحرى لا أعرف مـاذا أريد، لذلك أعجـز عـن الاستغنـاء عـن عزوبيتـي، والرضا ببقائي شابا طائشا يملأ تلفونه بأرقام الفتيات، وماسنجر يكاد ينفجر بإيمايلاتهن فيتشابهن، بحيث لا أذكر من كلمت أمس.. 'منيرة' أم 'سوسن' أم 'ربيعة'..!؟
أذكر جيدا آخر فتاة تعرفت عليها في يوليوز، عبر الماسنجر، أذكر أنـي تواصلت معهـا خمس مرات فقط، وكـل مـا كـان واضحا منهـا أن لهـا إسمـا غريبا مثـل.. 'ساليس'..! أو شيئـا مـن هـذا القبيـل.. فـي الـواحدة والعشرين مـن عمرها وتقيم فـي ' دِمنـات'.. كل مـا احتفظت به ذاكرتي أني حصلت علـى إذن بأخذ إجازة مدتها خمسة عشرة يوما.. وأول شيء خطر فـي بالي هـو زيارة تلك المدينة التي لم يسبق أن جالت أقدامي على أراضيها، خاصة، أن هـذه الفتاة تعيش هناك، وسأمضي وقتا رائعا فـي السياحة والاستطلاع والتسلية برفقتها.. كانت هـذه الفتـاة عنيدة جدا لرفضها بعث صورتها لأتعرف عليهـا، وبالمقابل لـم تتردد أبـدا بأخذ صورتي وتحميلها عندها حين بادرت أولا بإرسالها إليها..
بسبب فقدان الذاكرة لا أذكر هـل قابلتهـا فعـلا أم لا..! كـل اللحظـات التـي أمضيتهـا فـي تلك المدينة أشعر وكأنها لم تكن.
حاولت الاتصال بهـا فور إحساسي بالعافية لكـن هاتفها العنيد لا يرن أبـدا، تجيبني الرسالـة الصوتية بـأن هاتفها مقفول.. كمـا أن اتصالها الإلكتروني أصبح منعدما.. لا أعرف لمـاذا لكـن، هـذا أمـر دفعني لنسيان أمرها..

أنا إنسان مزاجي، وشديد التقلب، علاقاتي غير ثابتة، لا أقوى على حب شيء أكثر من يومين بالتحديد، مثـل طفل كبيـر وممـل يفتقر إلـى التمييز بيـن الأشيـاء.. أصدقائـي خاصـة الفتيـات.. يصفنني بالسخافـة المطلقة وحديثي يفتقر إلى اللباقة؛ لأن أسلوبي يغلب عليه اللامبالاة، وخالٍ مـن الذوق لا يحترم أنوثتهن فيغضبن مني.. لذلك لا تدوم صداقتي معهن أبدا.. لكـن ذلك لا يزعجني كثيرا لأني شخص يحب التغيير على كل حال، ويسعني دائما الإستغناء عن كل ما هو روتيني في حياتي..
لا أشبه والدي أبدا، لـو كنت كذلك لربمـا كانت حياتي أكثر صفاء فأنا عاصفة هوجاء مـن الانفعالات المتضاربة.. كلمـا نظرت إلـى صورته المؤطرة بإطـار خشبي: يذكرني بالأساتذة الجامعيين القدامـى بنظارتيه الكبيرتين وأسلـوب لباسه البسيط والمتواضع والمزركش.. مظهره عـادي جـدا ويبدو للوهلة الأولـى مثـل مغلـوب عليـه.. ولعل الشيء الوحيد فيّ الذي يذكر أمي بأبي هو ابتسامتي لأن لـي أنياب طويلة نسبيا عن باقي أسناني ممـا يجعل ابتسامتي كتكشيرة فـي وجوه الناس.. أما أمي فهي جميلة جدا والشبه الشديد بيننا هـو مـا منحني المظهر المقبـول
المتميز إضافة إلـى طـول قـامتي ووزنـي المعتدل وشعري الأسود الداكن والمجعد نسبيا..

رأيت من شرفة غرفتي الشخص الوحيد الذي يفتخر بي، إنها أمي، عادت من الجمعية، لم أنتبه إذ بلغت الساعة الخامسة والربع مساءً، لقد حـان الوقت لأعدَّ العشاء وإياها..
[/font]


عدل سابقا من قبل اكادير الامازيغية في الأربعاء أغسطس 19, 2015 12:36 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالخميس أغسطس 06, 2015 10:20 pm


الكابوس

كنت في طريقي إلى مركز التسوق الذي اِعتدت التبضع فيه، سأمر أولا بصديقي 'حمزة' الذي يعمل في الميكانيك.. وهـو الـذي يتولى اصلاح سيارتي السوداء 'بارادو' المشوهة.. أوصلتنـي التاكسي إلـى حيث يعمل صديقي العزيز، كـان غارقا فـي عمله، قامته معتدلة وجسمه معتدل لكنه يميل إلـى الامتلاء..علـى وجهه المستدير لحية بنية كشعر رأسه.. مظهره متواضع جدا، لكنه يتمتع بشخصية حازمة ويتميز بذكاء حاد وطيبة جعلاه محبوبا لدى الجميع، استقبلني بسعـادة وباستضافـة تليق بشخص مثلـي، حركاته خفيفة وواثقة حيـن بحث عـن كرسي نظيـف وأخذ واحدا نظفه بوزرته الملوثة بلطخـات جافة وقديمة مـن زيت السيارات.. اعتذر مني على عدم زيارته لي هذا الأسبوع لكثرة انشغالاته.. فابتسمت برضا.. صديق وفـيّ ورجل مكافح ومجتهد وصبور.. وإن لـم يتمكن مـن إتمام دراسته الثانوية، بسبب مشاكله الكثيرة مما أدى إلى رسوبه في الإمتحانات، ثـم اختار أن يكرس نفسه للعمـل بسبب حاجة أسرته للمال، إضافة إلـى مرض والده الذي أقعده وجعله عاجزا وأرغمه علـى ملازمة الفراش.. يحـاول دائمـا أن يبدو كمـن يستمتع بعمله كمجرد هواية، وهـذا يعد أسلوبـا جيدا وفعالا لدى البعض ليساعدهم علـى حب عملهم وعدم الشكوى مـن الروتين والرتابة..

سألني عن 'ساليس' هل لازلتُ على اتصال بها.. فأخبرته أني نسيت أمر تلك الفتاة حين عجزت تماما عن الاتصال بها بأية وسيلة إلكترونيا وهاتفيا، فتبادلنا مواضيع مسلية جعلتني أبقى معه مزيدا من الوقت حتى كدت أنسى الغرض الـذي خرجت مـن أجله.. فاستأذنته لأغادر.. المركز كـان قريبا لذلك سرت مشيا..

كم أكره نظرات بعض الناس إليّ.. كشخص مثير للشفقة..! لقد منحني هذا جزءً مما يشعر به البعض ممن يعاني من إعاقة مستديمة وأصبحت أرى نظراتهم مثيرة لاستفزازي..

كنت قريبا من مركز التسوق فسمعت فتاة تنادي.. تذكرت فتاة مزعجة لا يسعدني اللقاء بها أبدا، تابعتُ خطاي متجاهلا قبل أن تقع عيني عليها.. فلم تمض إلا لحظات أخرى حتى تكرر النداء عدة مرات.. ربما المقصود شخص آخر غيري.. لكن هذا الإعتقاد لم يسمح لي بتجاهل النداء خاصة حين اكتشفت أن هـذا الصوت كـان غريبـا؛ لأنهـا تنـادي بنفس الوثيرة وهـذا ألفتني وجعلني أقف لبعض الوقت وأنظر حولي، أبدو مثل عجوز يتخيل الأصوات في آذانه ولا يدري من أين تأتي..! نظرت في وجوه الناس التي بادلتني بنظرات محدقة بي في استغراب، وأخرى شاردة غلبتها الهموم وإيقاع الحياة السريع ويتجاوزون جسدي فـي شرود كمـا يفعلون مـع أيّ عمود ثابت.. خمنت أن هذا النداء آتٍ من رأسي لأني مصاب بالطنين المزعج واختلط بالأصوات المختلفة فجعلتني أتهيأ سماع اسمي..

بينمـا كنت أسير بهدوء فـي إحـدى ممرات مركز التسـوق وأدفع عربتي الصغيرة.. رأيت الفتاة المزعجة التي حدثت نفسـي عنها منـذ قليل، إنها 'شيماء'.. أحيانا مجرد التفكير بأشخاص معينين يؤدي إلـى اللقاء بهـم.. وهـذا يحدث دائمـا مـع من لا أتوق إلـى اللقاء بهـم أبدا.. صديقة قديمة، وليست كـأيّ صديقة.. إنها معتوهة وصاحبة بهتة لا تنافس.. لم تكن تتسوق.. تتسكع وتتسلى برفقة صديقة لها ولا تكف أبدا عـن اللعب بشعرها الخفيف كعادتها، إنـه أسلوبها الذي أعرفه كي تلفت انتباه المحيطين حولها خاصة وهـي متبرجة كصديقتهـا وبلبـاس يظهر مفاتنهمـا بـدون أيّ تحفظ، لا تتوقف أبـدا عـن تعديل حدود مكياجها كلما رأت ما يعكس صورتها حتى لو كان زجاج سيارة.. هكذا اعتدت رؤيتها ولم تتغير، طائشة وغير مسؤولة.. وقع نظرها علـيّ حيـن حاولتُ الاختفاء والإبتعاد عـن مجال بصرها لكـن، فات الأوان، رفعتْ حاجبيها الرقيقين فاتسعت عيناهـا أكثر وعـادت تضيقان حيـن ابتسمتْ وهـي تسير نحـوي بقامتها الطويلة والجذابة:

«'مروان'..! أيها الكارثة..! أين طال غيابك..؟»

قالت وهي تبادل نظرات سخرية ضاحكة مع صديقتها وكأنهما تتشاركان نكتة ظريفة لها علاقة بي ولا أحد يفهم مغزاها غيرهما، ثم ضربت يدها بيد صديقتها قائلة:

«ابقي في الجوار، سنلتقي لاحقا ولا تغادري المركز دوني.»

تريد قضاء الوقت معي.. فتاة مجنونة وقصصها لا تقل عنها جنونا؛ لأنها لا تقوى على العيش يوما دون أن تخلق لنفسها مشكلة.. لـم أرها منذ مدة حيـن أخبرتني عن سفرها القريب مع أهلها إلى ' الرباط'.. قلت وأنا أمد يدي للمصافحة:

«كيف حالك يا فتاة..؟»

تفوح منها رائحة عطر قوي وأخاذ يعبِّر عن شخصيتها الطائشة والمتقلبة:

« أنا بخير »

دفعتُ عربتي بيدي اليمنى السليمة لأواصل سيري وسارت أيضا بحذائها الذي يحدث كعبه وقعا مع كل خطوة تخطوها، ومع ذلك لازالت قامتي أطول وكان عليها أن ترفع رأسها لتنظر إليَّ، سألتني عن سبب إصابتي فأجبتها باختصار ثم قالت محاولة عدم إظهار استيائها مني:

« لماذا لا تتصل بي أبدا.. وتعاملني بلامبالاتك التي سئمت منها..؟»

ثم بشيء من الجدية قالت:

«لا يمكنك اعتباري مجرد شخص يمكنك قطع الاتصال به كلما راق لك ذلك..»

توقعتُ منها هذا الكلام وأنا آخذ أول منتوج، فوضعته في عربتي، سألتها وعيناي تتصفحان باقي المنتوجات:

« أخبريني أنت.. ماذا تفعلين هنا في 'أكادير'..؟ ألا يجدر بك أن تكوني في ' الرباط'..؟ أخبرتني سابقا أنك ستبقين هناك شهرين أنت وأهلك، أليس كذلك..؟»

أخذتْ منتوجـا عبـارة عـن كعك علـى شكـل رقاقات مغطـاة بالشكلاطة وأخبرتني أنهـا تكره 'الرباط' وعادت لوحدها تاركة أهلها هناك.. ثم قالت بود:

« ما رأيك إن دعوتك لحفلة عيد ميلادي بعد غد، هل ستأتي..؟»

فاجأتني رغبة قوية للضحك، فضممت شفتاي محاولا كتمانها لكنها انفجرتْ بداخلي بوضوح.. وبينما تجاهلتْ منظري الساخر، انتظرتْ بأسلوب جديّ سماع قبولي، لكنـي رافض للأسف فأنا أعرف ماذا تريد من حفلتها وأعرف غايتها، ستدعو صديقاتهـا لتتكابر عليهن وتخبرهن أنهـا استطـاعت أن تعيد علاقتنـا إلـى مجراها المعهود بكل سهولة، وأنها قادرة على الإيقاع بأعْنَد الشباب وستقوم بسلسلة من المحاولات  لتلفت انتباهي، لقـد مللت مـن هرائها الصبياني الـذي أصبح يثير فـيّ الاشمئزاز.. فهـي فتـاة شخصيتها تمزج بين الطيش والانحراف، وهذا النوع من البنات يُضجر منهن سريعا ولا أراها تروق لي بعد اليـوم ورفقتهـا مـا عـادت تسعدني، فلمـاذا لا تبحث لهـا عـن أحمق وتتوقف عـن إزعاجي وملاحقتي أينمـا ذهبت ودعوتي لحفلاتها السخيفة والصاخبة..! سألت أخيرا:

« هلا أخبرني ما الشيء المضحك في كلامي..؟»

« آسف عزيزتي.. لا أستطيع قبول دعوتك لدي أشياء عليَّ القيام بها.»

قطبت حاجبيها قائلة باصرار:

« ولم لا تؤجل تلك الأشياء ليوم آخر..؟»

رفضتُ بهدوء وأنا متيقن من اشتعالها غضبا، وبدوت كمن أشعل سيجارة فألقى بعود الثقاب على الزيت ويستمتع بمشاهدة النيـران وهـي تمد ألسنتهـا لاختطاف كـل مـا يمكنها حرقه.. احمر وجهها غيظا فأخذت كيس التشيبس لتضربني به لكني تنحيت وأصابت شخصا آخر كان خلفي ورمت بغلاف الكعك الفارغ في عربتي:

« ادفع ثمن هذا، أيها المتعجرف البخيل..»

قالت ذلك ثـم راقبتها وهـي تسير مبتعدة.. إنهـا مجنونة بالفعل.. على كل حال تخلصت منها أخيرا.. أخذتُ التشيبس الذي رمته لأعيده إلى مكانه والتفتُّ لأعتذر من ذلك الشخص، ففاجأتني عجوز غاضبة:

« أعتذر أيتها الجدة..!»

قاطعتني وخاطبتني مؤنبـة بشكل مبالغ فأثارت المحيط حولـي وجعلت الكـل ينظر إلـيّ باحسـاس وكأني قليل الاحترام.. لم أفهم شيئا مما تقوله.. توبخ وتؤنب لكني لم أقاطعها رغم كل شيء، تركتها تصب سهامها الغير المؤذية حتى اكتفت ثم سارت دافعة عربتها مما أتاح لي أخيرا المجال للاهتمام بشؤوني..
عدت إلى منزلي المهجور ليستعيد الحياة بوجودي.. جلست في الصالة وفي يدي كيس المكسرات وأشاهد برنامجا تلفزيوني.. كان مملا لذا جلست باسترخاء واتكأتُ بقافتي على مسند الأريكة لأغفو.. كـانت غفوتي خفيفة بحيث أستطيع سماع حوار البرنامج.. بعد لحظات شعرتُ فجـأة ببرودة جسم مر أمامـي وسمعت حركة.. استيقظت بهدوء لاعتقادي أنهـا أمـي.. لكنـي كنت مخطئا وأنـا أجد هـذا المكان بسكـون ليس بعده سكون وصمت يكاد يخترقه دبيب النمل.. استغربت لكني فسرت الأمر بكونـه مجرد حلـم.. فعدت إلـى وضعي مسترخيا.. الجو فـي هـذا المنزل شديد السكون إلـى درجة الإحسـاس بأدق الأشيـاء.. رن هاتفي بقربي مرة واحدة بصوت ضئيل.. إنها صديقتي الجديدة 'بثينة'.. اتصلت ثم ألغتْ الخط، تساءلت لماذا فعلت ذلك..! أتريد اِتصالا منـي..!؟ أستبعد ذلك فهـي غاضبة منـي لاعتقادها أنـي أسأت التصرف معهـا حيـن اتصلتْ بـي ذات يوم لتبلغني بامر فانقطع عنها الخط بسبب انخفاض جودة الإرسال في ذلك الوقت، فظنت أني أنا من تعمد تلك الفعلة الصبيانية.. فكرت الآن أن أتصل بهـا.. لكن قبل ذلك جاءتني رسالة منها.. هذا مثير للاهتمام.. لقد أخبرتني أن الرنة خاطئة ولـم تقصد الاتصال بـي.. علـى كـل حـال بهذه المناسبة أريد أن أكون أكثر لطفا وأدعي أني أجيد أصول الذوق فأرسلت رسالة أعبر فيها عن رغبتي الشديدة في محاولة استعادة علاقتنا التـي لـم تبدأ أصلا ولـم نسمح لأنفسنا لأنْ نتعرف على بعضنا أبدا ويجب أن تنسى ما قد مضى وأن تدع هذا العناد وشأنه وتعود إليّ، ثم وعدتها أني سأكون إنسانا متزنا وبعيدا كل البعد عن السلوك الأرعن ولن ترى مني إلا السلوك السليم وستندم إذا رفضتْ وعليها أن تفكر مليا قبل أن تصرح بقرارها النهائيّ.. لم تمض إلا لحظات حتى أجابتني سريعاً بعبارة واحدة تعكس إصرارها على استيائها مني وهي: ' لا تحلم '.. حسنا عزيزتي 'بثينة' كمـا تشائين.. قلت في نفسي.. هي تدعي فقط عدم الاكتراث لكي تكسب اهتمامي لكنها مخطئة، لست من صنف أولئك الشباب الأغبياء الشبيهين بالأطفال، يحبون فقط ما منع عليهم.. سأنفذ رغبتها بدون نقاش، وستتفاجأ ثـم ترون كيف ستتمنى لـو أتصل بها وأكرر عرضي بأن نعود معا، لكن سيكون قد فات الأوان.. وهذا مؤسف جدا..

في المساء أعددنا أنا وأمي العشاء وتبادلنا الحديث عن يومها كيف أمضته.. أنا أفتخر بها كثيرا.. فلولاها، بعد توفيـق الله طبعـا، مـا أتممت دراستي ومـا نلتُ عملا محترما الآن.. امرأة مجدة وجميلـة للغايـة وإن رسمت المعاناة والزمن خطوطا رفيعة عند عينيها وعند وجنتيها وتظهر بوضوح كلما ابتسمت، لكن ذلك لـم يخفي تقاسيم وجهها الجميل والجذاب، بـل ازدادت جمالا علـى جمالها حيـن  بدت أكثـر نضجـا وتعقلا ودراية بالحياة، من السهل دائما على الغرباء معرفة أنها أمي؛ لأني أشبهها كثيرا بتقاسيم وجهيْنا المتناسق.. أنهينا تناول طعامنا فساعدتها في تنظيف الأطباق.. ثم صعدت إلى غرفتي للنوم بعد أن تمنيتُ لها ليلة سعيدة وهانئة..

هذه ليلة من ليالي فصل الخريف في نونبر.. دافئة وهادئة لا يكسر هدوءها إلا صرصور اِستوطن حديقتنا يغني بإيقـاع منتظـم دون توقف أو ملل.. أدخلت جسدي برفق فـي غطاء سريري وأطفأت المصباح وأظلم المكان فغرقت في نوم عميق..

هـذه أول ليلـة بدأت أعيش فيهـا عذابـا غير مفهـوم.. كابوس متكرر وعجيب عـن مشاهد مختلطة تجمع بيـن أحداث حاضري وماضيّ البعيد والقريب.. وأسير علـى غير هداية في مكان غريب.. وأخيرا اهتديت إلى منزلي لكن.. فاجأتني فتـاة نحيلة بفستـان أبيض جالسة في شرفة غرفتي على الكرسي الخاص بي.. لا يمكن تمييز ملامحها لبعدهـا لكنهـا تبدو جميلـة، بشرتها بيضـاء وشعرهـا ذي اللون البندقي منسدل بكامله علـى كتفهـا الأيمن تمشطه بهدوء وتكرر سحب مشطها من الفروة إلى أطراف شعرها وهي شاردة، مـع أنـي الوحيد الواقف لـم ترني ولـم تنتبه لوجودي فلزمت مكاني للحظات حتـى رأتني عفويا، رغـم بُعدهـا شعرت بالتقاء عينيها بعينيّ حين نظرتْ نحوي فأصابني إحساس غريب وكأنها تنتشل روحي من جسدي.. تغيرت نظرتها بعد حيـن وقرأت مـن خلالهـا وكأنها تتساءل عـن اللعنة التـي سببت بوصولي إلى هنا..! فوضعتْ المشط على المنضدة الصغيرة وقامت ثم دخلت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها..

من تكون..! وماذا تفعل في غرفتي..! غلبني الفضول فدخلت المنزل بتأن ثم صعدتُ إلى غرفتي واقتربت مـن بابهـا مختلسا الخطـى.. كـان مفتوحا بقدر سنتمتر واحد..  فقمت باستراق النظر.. لكني لم أتمكن من رؤية أيّ شـيء، فقمت بحركة بوليسية حيـن وقفت جانبا بهدوء ثـم دفعت البـاب برفق.. نظرت بالداخـل وجـالت عينيّ فـي المكان ولـم أجد ولا أي أثر لهـذه الفتاة..!

دخلت بثقة وبحثت في أرجاء غرفتي وفتحت باب الشرفة ربما عادت إليها، لكني لم أجدها حتى مشطها لم يعد في مكانه..! هل قفزت من هنا..؟! لا يمكن..! بقيت واقفا للحظات وحين رغبت بالعودة سمعت صوتا غريبا.. حاولت التعرف عليه وكان آت من الغرفة.. واستمر الصوت دون توقف وكان يشبه.. تشقق الجدار.. ما هذا بربي..!؟ من الذي يسبب هذا الصوت..!؟ عدت إلى الداخل بحذر لأتفقد الأمر.. فرأيت مشهدا عجيبا يقشعر له بدن أقوى الأقوياء فكيف بشخص عادي مثلي.. رأيت الحائط بكنف سريري يتموج كما لو صنع من المطاط، تجلى الفزع في وجهي وأنا أنظر إلى ذلك الشيء الذي يتموج طويلا داخل الحائط وفسرت ما أراه بعدة احتمالات خارج المنطق وانتظرت ظهور ما رسمته مخيلتي كثعبان ضخم متلهف للخروج ويبتلعني فورا أو مخلوق بعدة أطراف ذو شكل لا يمكن تصوره يرغب بسحقي.. بعد حين.. تفاجأت بشيء غير متوقع.. ظهرت يدا بشرية متصلبة وباردة وهي تخرج مخترقة الحائط وكانت تتخبط وكأنها تحاول الإمساك بأيّ شيء يساعدها على الخروج.. هذا جسد ما يوجد داخل الجدار يريد تحرير نفسه بجنون.. حدقت في ذلك الشيء مستغربا وجاحظ العينين متسائلا ماذا يحدث.. مشاعر الذعر والفزع تكاد تطيح بي أرضا لغرابة هذا المشهد، ورجلاي لا تكادان تقويان على حملي ولا أستطيع الحراك من مكاني.. بدأ هذا الجسد بالظهور مخترقا الحائط.. فتبيّن لي أن الجسد يكون لتلك الفتاة، لكنها لم تعد جميلة، صارت كجثة متحللة وبثياب بالية..! أصبحت واقفة ومنحنية أمامي وعلى بعد حوالي خمسة أمتار مني.. بقيتْ ساكنة لدقائق ثم تحركت لتستقيم واقفة.. أمام هذا المشهد، اِبتلعت ريقي وأنا أحدق بها.. لست مستعدا أبدا لأيّ شيء تنوي القيام به لأذيتي، فقد شُلَّت حركتي تماما.. تقدمت نحوي ببطء، بالكاد استطعت التراجع خطوة واحدة، فقد كانت تنظر إليّ بعمق ووجهها خالي من أي تعبير، إلا نظراتها.. عميقة وحادة.. جمدتني.. فجأة اِختفت.. اِختفت مخلفة دخانا أسودا تلاشى في الهواء فازداد خوفي أكثر.. نظرت في كل مكان وفي كل ركن والوجل باد عليّ.. ودون أن أشعر بما قد سيحصل.. ظهرت أمامي مباشرة بمظهر أشد إرعابا على شكل دخان أسود.. فاستيقظتُ من نومي بقلب وجل وجسد مبلل بالعرق والنبضات تنتفض في عنقي بقوة وأنفاسي متسارعة وغير منتظمة وأذناي اِزداد طنينهما.. شعرت وكأني سأموت وسط هذه الأحاسيس العنيفة.. حركتُ شفتاي مرددا المعوذتين بصوت قريب إلى الهمس واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، لعنه الله..  بالمصباح الذي بجانبي أنرتُ غرفتي التي كانت في جو هادئ وساكن، لا تعكس أبدا ما أحس به والضجة التي في رأسي بسبب ارتفاع ضغطي، لا يُسمع إلا ثواني المنبه وهدير الثلاجة الخفيف في المطبخ.. مسحت وجهي ونظرت حولي ثم تنهدتُ وحاولت الإسترخاء.. إنه مجرد كابوس.. سأشرب كأسا من الحليب سيساعدني لاستعادة هدوئي.

في الصباح التالي ذهبت إلى الطبيب المشرف عليّ منذ الحادث للكشف عن ساعدي الملفوف بالجبس وساقي.. لقد شفيتُ وأصبحت أحرك أطرافي بشكل جيد بعد جلسات ترويض.. ماذا جنيت من إجازتي المجنونة وذهابي إلى 'دِمنات'..!؟ حادث مميت.. وطنين مزعج لا يتوقف.. وفقدان الذاكرة.. من ذا الذي يبالي باِستعادتها..!؟

أعلمني 'حمزة' بإنهائه تصليح سيارتي.. أحسست وكأن هذا أول ركوب لي وأنا أسمع هدير االتشغيل الخافت.. اقترح عليّ 'حمزة' أن نقوم بحفلة صغيرة  مع الأصدقاء بمناسبة شفائي، وافقته وكانت الفكرة مسلية لأننا سنجتمع معا من جديد وإن كنت لا أحب الحفلات في منزلي.

دعوت الأصدقاء واجتمعنا معا في غرفتي بعد مغادرة أمي بعد الظهر، وأمضينا وقتا رائعا في تناول الحلوى والعصير وفي تذكر الأيام الخوالي، أيام الدراسة والمراهقة والطيش، صاح أحد الأصدقاء يذكرنا حين كنا نزعج الفتيات في الدرس؛ برميهن بكرات ورقية صغيرة دون دراية منهن بالفاعل، قال 'حمزة':

«أذكر أني رميت إحداهن لسخريتها مني في حصة الرياضة، وقالت شيئا عني وعلى مسمعي بالأمازيغية ولم أفهم شيئا مما قالته، لكنها جعلت الكل يضحك.. فنويت الانتقام منها لكن لحسن حظها رن جرس انتهاء الحصة وفرت إلى صالة البنات.. لكنها لم تنجو مني في حصة العلوم حين نجحت في إزعاجها بتلك الكرات الورقية فتأكدتْ أنه لا يمكن العبث معي أبدا.. لم تتجرأ يوما أن تشي بي عند الأستاذ لأنها تعرف جيدا أني سألقنها درسا آخر خارج المدرسة ولن أكتفي بالعبث معها بتلك الكرات الورقية..»

قال آخر مشيرا إليّ دون أن يتوقف عن الضحك:

« بينما فتاة أخرى لم تجد أية صعوبة في أن تلقي التهمة عليك يا 'مروان'.. بسبب مشكلة كانت بينكما..»

إنه على حق.. كم كان ذلك مضحكا..! لقد نعتها ذات يوم بالسمينة، فانفجرت غضبا وغيضا وأمَرتْ بالاعتذار منها فورا لكني أبيت، بل سخرتُ منها حين تقيأت في الفصل وأذكرها بذلك دائما.. فكانت تنتقم كلما سنحت لها الفرصة لتشفي غليلها مني، قال 'حمزة':

«رغم ذلك كان الأستاذ بطريقة ما لا يشك بك كونك تتخذ دائما صورة التلميذ المهذب حين ينكر أحدهم شهادة تلك الفتاة العصبية، لكن الأمر لا ينجح دائما..»
قال آخر:

« كان يطردنا جميعا من الفصل.. لعنة تلك الفتاة عليك يا 'مروان' كانت تشملنا جميعا.»

قضينا وقتا رائعا لم أندم عليه وإن أقلبوا غرفتي رأسا على عقب، انتهت الحفلة الصغيرة وغادر الكل مسرورا وعاد المنزل من جديد إلى وحشته..
في الليل عاودني الكابوس مرة أخرى وبنفس تفاصيله المخيفة، الفتاة نفسها تحاول جاهدة اختراق الحائط.. فأصبت بالذعر نفسه.. أيقظني الكابوس في الواحدة ليلا بطريقة عنيفة وبقلب ينتفض بقوة إلى درجة تشعرني باحتمال جموده في أيّة لحظة.. لماذا تكرر هذا الكابوس المزعج..؟ انتظرت للحظات لأهدأ قليلا.. ثم غادرت غرفتي لأشرب كأس حليب.. وسط هذا السكون في المطبخ، بدأت أشعر بالهدوء والطمأنينة تشمل أعصابي.. وبعد لحظات.. انتبهتُ إلى الصالة المظلمة حيث سمعت حركة ما.. فاعتقدتُ سريعا أن ذلك كان تهيئا بسبب الطنين الذي يمنعني من سماع الأصوات بوضوح.. لكن.. ألفتني جسم أسود على الأرض..! استطعت رؤيته في الظلام بسبب حركاته الغريبة.. نظرت إليه بدقة لأتأكد من صحة ما أراه.. إنه فعلا جسم أسود ذو شكل غريب يزحف على الأرض متوجها إلى ردهة الحمام.. لم تمض إلا لحظات حتى سمعت قرع باب الحمام على نحو عنيف ومثير للأعصاب.. وكأن شخصا ما علق بداخله.. ما هذا..!؟ تراجعت في ذعر وكأسي يهتز في يدي وقلبي ينتفض بقوة فزعا وأحسست بشلل في أطرافي لذلك أفلِت  الكأس من يدي وهوى على الأرض مصدرا ضجة.. أمسكت مرتعبا بطاولة المطبخ الموجودة خلفي وتساءلت في نفسي.. ماذا يكون ذلك الجسم الأسود..؟ هل أتخيل..؟ ماذا يحدث..؟ ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا ملتصق بجنون بطاولة المطبخ وأتراجع إلى الوراء منتظرا بعد توقف صوت قرع الباب حصول الأسوأ وبصري شاخص وثابت على ردهة الحمام.. لكن لم يحدث شيء لله الحمد.. تلوت بعض الآيات ثم انتظرت هدوء أعصابي لأجمع أشلاء الكأس المنتشر على الأرض..
مضت أيام وعاودني الكابوس.. بل أصبح هذا الشيء رفيق لياليّ ويتكرر كل ليلتين أو ثلاث.. لماذا..؟ هل هذه مجرد صدفة.. مع أن الصدف لا تأتي أبدا على هذا الشكل..! إذن هل له علاقة بشيء ما.. فما هو..؟

دعوت 'حمزة' إلى مطعم لتناول العشاء وكلمته بشأن الكابوس فأجاب:

«أظنك تبالغ قليلا يا صديقي.. وأعتقد أن هذا مجرد ما تبقى من أعراض صدمة الحادث الذي كدتَ تموت بسببه.. إنها تجربة صعبة، ستمضي الأيام وستشفى بإذن الله..»

أتمنى ذلك فعلا.. قلت في نفسي..


عدل سابقا من قبل اكادير الامازيغية في الأربعاء أغسطس 19, 2015 12:34 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالجمعة أغسطس 07, 2015 4:26 pm



الأجسام السوداء

في صباح يوم الاثنين، ارتديت بذلتي الأنيقة ووضعت عطري المفضل.. هذا أول يوم لذهابي إلى عملي بعد فترة طويلة من ملازمة بيتي.. أشعر وكأن هذا يومي الأول في هذه الوظيفة؛ مما جعلني أصاب ببعض أعراض المصابين برهاب العمل..

سلمت الشهادة المرضية لمديري فتطلع عليها لثوان.. لاحظت الصبغة الجديدة على شعره الخفيف الذي لا يكاد يغطي صلعته، ومع ذلك لا يزال واضحا بلوغه أواخر عقده الخامس، كان بدينا كأغلب مديري الشركات لقلة الحركة.. ووجه عبوس لا يجيد الضحك والمزاح.. يريد بذلك أن يحافظ على مزاجه العكر ليحافظ على هيبته أمام الموظفين:

« حمدا لله على سلامتك.. اذهب وعد إلى عملك.. العام يكاد ينتهي ولدينا عمل كثير.»

قال بأسلوب غير مبالي مستديرا مع  كرسيه نحو حاسوبه.. وأنا ذاهب إلى مكتبي مررت بعاملة التنظيف 'حورية'، الفتاة الجميلة بخدودها الوردية، حيَّتني بأسلوبها المعتاد، فهي تجيد تغيير المزاج العكر في ثوان؛ بسبب ابتسامتها المشرقة.. بادلتها التحية ووصلت إلى مكتبي لأجد ترحيبا لطيفا من زملائي مُهنِّئين بعودتي.. ألاحظ أن التغيير لم يطرأ على المدير فقط، الكل هنا تغير وفي طريقة اللباس بالخصوص وكأني غبت أشهرا عديدة.. لم أنسى طبعا مباركة هذا
التغيير حتى لا يتهمني أحد بقلة الملاحظة.. بدا الكل سعيدا فشكرت الجميع خاصة الزميل الذي تكلف بعملي أثناء غيابي..

مضت أيام وحمدت الله لأني لم أسمع أية أصوات ولم أرَ كابوسا مرة أخرى ولم تظهر لي أشياء غريبة بعد الذي رأيته وسمعته، لقد تخلصت من كل ذلك أخيرا وفرضية 'حمزة' كانت صحيحة كوني أعاني من حالة عابرة والأيام وحدها كفيلة للحد من تلك المعاناة.. لكن.. اكتشفت سريعا أن اِعتقادي باطل كليّا وأكد لي ذلك ما وقع ذات جمعة مساءً، كنت غارقا في عملي لكونه مضاعفا وكثيرا لسفر أحد الزملاء، فاضطررت إلى التأخر قليلا حين غادر الجميع ولم يبقى إلا أنا وعاملة التنظيف 'حورية'.. وبينما كنت أهم  بترتيب الملفات المبعثرة على مكتبي.. جاءت 'حورية' وبادرتْ بمساعدتي لنعجل  بالمغادرة.. فجأة..! سمعت صرخة فضيعة لامرأة..! فانتفض جسدي هلعا بينما لاحظتُ 'حورية' لم يطرأ عليها أيّ رد فعل أو أيّ انفعال تجاه ذلك.. وكانت هادئة.. هذه اشارة بأن الصرخة ليست حقيقية وأنا الوحيد من استطاع سماع ذلك.. لاحظتْ 'حورية' الحركة التي صدرت مني فسألت عن سبب هلعي.. فقلت:

« أعتقد أني سمعتُ شيئا..!»

« شيئا..! مثل ماذا..!؟»

استغربتْ وهي لا تصدق أبدا أن شخصا مجتهدا ومتفائلا مثلي ـ كما تعتقد ـ قد يعاني من شيء كالهلوسة، وهي طبعا لا تدرك أني أعاني من شيء أكبر من ذلك وقد تراءى لي جسم أسود.. فكان يستحسن بي سحب قولي وعدم نقاش شيء كهذا:

«لا عليكِ..»

بأسلوب مطمئن قالت:

« ربما يجدر بك العودة إلى المنزل فالإرهاق يبدو عليك واضحا..»

ليث الأمر يتعلق فعلا بالإرهاق..

أثناء قيادتي قاصدا المنزل، فكرت متسائلا.. هل ما يصيبني  دليل على أني مريض أو أعاني من مشكلة لا أعرفها..؟ لا أستطيع فهم هذ الأمر وفي ذات الوقت لا أرغب في فهم ما يحدث لأني إن فعلت سأكتشف تفسيرا لا يسرني بالتأكيد.. فجأة..! وسط الصراخ أدركت أني كنت شاردا ولا أعرف كيف حدث ذلك، واكتشفت عدم احترامي لقانون الأسبقية عند تقاطع الطريق..! لا أعرف كيف حدث هذا..؟ كدت أتسبب في كارثة.. أحدثتُ بلبلة في الشارع وتوقفت السيارات حولي وصاح فيّ أصحابها في غضب مرفقين أصواتهم بنفير سياراتهم الغاضب.. حام حولنا العديد من الناس ومحبي الكوارث لمشاهدة هذا الحدث القصير في ذهول.. لحسن الحظ لم يتضرر أحد ولا ضرورة لاستدعاء رجال الأمن ليطالب هؤلاء القوم بالتعويض عن أيّ ضرر.. عبرت عن أسفي بتحريك سيارتي لإعادة تعديل وجهتي وابتعدت عن صياح الجميع لتتبدد الجوقة..

عدت إلى منزلي مرهقا ولم أجد أمي.. فتذكرت أنها في زيارة عند خالتي لأن زوجها مريض جدا.. بعد صلاتي بحثت في المطبخ عن أيّ طعام معد سابقا لكني لم أجد شيء، فاكتفيت بملء معدتي الفارغة بحبتين من الخوخ الطازج، ثم ذهبت للنوم.

مضت أيام وازداد معها قلقي.. فإضافة إلى الكابوس المزعج نفسه تراءت لي أجسام غريبة أخرى في المنزل وبصورة متكررة، وأراها تسير وتخرج من غرفة إلى أخرى تشبه الدخان الأسود الناتج عن حريق  هائل.. ورأيت أيضا ظلالا لأجسام بشرية تطبع على جدران المنزل دون رؤية أصحابها فيصيبني ذلك بالهلع الشديد.. لماذا يحدث لي هذا..؟! أحيانا أحاول إقناع نفسي أن هذه الهلوسة سببها صحيّ؛ أعني أن جسمي يعاني من نقص وافتقار لفيتامين معين والأطعمة التي أتناولها ليست غنية به أو ربما أعاني من مشكلة على مستوى جهازي الهضمي فيعجز جسمي عن امتصاص هذا الفيتامين فتحدث معي هذه الأمور.. لا أشعر بالأمان.. أصبح خوفي مرضا ومرضي أصبح مخيفا وما عدت أحتمل شيئا.. ما الخطوة التي يجب فعلها لمعرفة سبب حدوث هذه الأشياء..؟

بعد عصر ذات يوم سبت.. كعادتي أشرب شاي الينسون وأشاهد التلفاز.. جاءت أمي بلباس الخروج.. فستان طويل مزين بأشكال زهرية جعلها تبدو كسيدة في أواخر الثلاثين.. من يصدق تجاوزها للخمسين.. لا أعتقد بوجود سيدات كثر أمثالها يتحدين الزمن بجمال منبعه عافية قلوبهن وصفاء نفوسهن ونقاء فكرهن المشحون بأسوأ النوايا فيصبح هذا التحدي جليا في وجوههن:

« ..أنا ذاهبة إلى منزل خالتك.. ربما سأبيت عندها لذلك لا تنتظرني.. عشاؤك في الثلاجة»

« لا تقلقي بشأني..»

غادرتْ وأغلقت الباب خلفها.. كنت قد وعدت 'حمزة' للذهاب معا ومشاهدة نهائيات الدوري المغربي لكرة القدم.. لكني ألغيت الفكرة حين فاجأني صداع الرأس أصابني بمزاج وهن لا يسمح لي بالخروج.. أفضل الإسترخاء على التسكع في مساء سبتٍ ملل وأكل بذور نوار الشمس المالحة..
في المساء.. قمت بتسخين عشائي في مايكرويف.. بيتزا بفواكه البحر.. رائحته شهية جدا.. وضعت صحني على طاولة المطبخ وتناولت عشائي في هدوءٍ لا يكسره إلا صوت ثواني الساعة الحائطية وبعض الضوضاء الخافتة جدا صادرة عن حركات الجيران، هذا منحني هدوءً لم يدم طويلا فبعد لحظات.. سمعت باب غرفتي قام أحد ما بدفعه بقوة مصدرا صفقة مجلجلة هزت جدران المنزل.. اضطربت معدتي وكدتُ أتقيأ بسبب هذه الضجة المفاجئة وكنت مشدوها.. بقيت ساكنا وأنتظر حركة تالية تُوضح ما يحدث.. أهذا بفعل الرياح..؟ لا أعتقد ذلك لأن لا مجال لدخول وخروج الرياح لتحرك الباب بتلك القوة، كما أن الجو هادئ جدا.. إذن قد يكون لصا دخل عن طريق الشرفة بطريقة ما.. إن كان كذلك أيمكن أن يكون غبيا بهذا الشكل ليعلن وجوده بتلك الطريقة..  بقي احتمال واحد.. ولا يحتمل الشك.. وهو ما خمنت فيه.. ولم تمض إلا لحظات فقط حتى سمعت صوت مخالب تخدش باب غرفتي كأسلوب تهديد.. ماذا تريده مني هذه الأشياء..؟ ماذا اقترفت دون شعور مني..؟ ماذا فعلته  ليزعزعوا استقرار حياتي التي لا تعنيهم..؟ هل هناك مقايضة أعتمدها ليدعوني وشأني..؟ كان حلقي جافا والماء يوجد بقربي لكن ذهولي منعني حتى من التفكير لمعالجة جفاف حلقي.. فسمعت بعد ذلك وقع أقدام تجري بقوة في سقف هذا المطبخ حيث توجد أرضية غرفتي.. أرى أن الأمور قد اتخذت منحىً آخر وأصبحت أكثر إثارة وفي غضون ثوان فقط..! أصبح الأمر جديّاً فازداد خوفي وفقدت إحساسي بأطرافي وكأني دمية.. مع ذلك يجب تحري ما يحدث، لا زلت أحتفظ بواحد في المائة من الشجاعة، وهي نسبة كافية على كل حال لأسير سير الرعديد وبعضلات مشدودة وأصعد السلم.. توجهت نحو غرفتي العجيبة.. وحين كنت قريبا منها.. سمعت صوت حركات تشبه من يقوم بالتنبيش والتنقل من هنا إلى هناك.. وحين توقف الصوت.. انتظرت بهدوء لأمنح لآذاني سماعا واضحا.. أظنه قد اختفى.. فتحت الباب برفق دون أن يصدر أي صوت.. كنت حذرا لأني أتوقع وجود قردٍ آدميٍّ بعينين حمروين يقفز وينط هنا وهناك فينهي مسار قفزاته العشوائية عليّ.. وجدت غرفتي لم يتحرك فيها شيء.. هي كما تركتها.. لكن.. مهلا..! رأيت ظل جسم ما عند جانب خزانة ملابسي في الجهة التي لا أبصرها.. حذقت فيه ثم تقدمت نحوه وأنا مستعد لرؤية شيء لن تسر له عينيّ أبدا.. فعلا تفاجأت بشيء مخيف أصابني بالهلع، فتراجعت بعصبية وكدت أسقط بسبب صندوق أحذية كان مرميا خلفي.. لقد رأيت إنسانا غريبا وبجسد غريب وبدائيّ لا يكاد يرتدي شيئا وهو جالس جلوس قرفصاء موليا ظهره ويردد مهمهما بكلمات غير مفهومة ويضم ركبتيه إلى صدره كشخص مرعوب، أفزعني مظهره البدائي وانتهت شجاعتي عند هذا الحد وخرجت من غرفتي هلعا وأغلقت الباب بقوة وجسدي يرتعد ويتصبب عرقا.. ماذا يكون هذا الذي رأيته للتو..؟ أنا على يقين بأن هذا ليس طبيعيّ وأني لست على ما يرام وأعاني من أمر ما.. إن بقيت متجاهلا سأصبح ضحية لهذه الأشياء.. أحتاج إلى شخص أثق به ولم أجد إلا صديقي 'حمزة'، فهو الوحيد الذي أستطيع الوثوق به دائما وأجده وقتما احتجته حاجة ماسَّة وفي أعقد الظروف ولم يخيبني يوما.. اتصلت به في اليوم التالي ودعوته للحضور إلى منزلي.

بلغت الخامسة عصرا حين رن جرس الباب، اِرتديت الروب القطنيّ على ثيابي المنزلية.. استقبلت صديقي وكان بلباس شتويّ، كنزة وبنطلون الجينز، نحن على أبواب ديسمبر والجو بارد.. دعوته للجلوس وقمت بتسخين الشاي المُعد سابقا فقدمته مع صحن به حلوى منزلية.. حين جلست، لاحظ 'حمزة' تعبير وجهي الذي كان يعكس بالشكل الكافي ما أشعر به، القلق واضح عليّ، فاستفسر عن ذلك.. بعد سؤاله شعرت بالصمت يملأ المنزل فأصبح الكلام والحديث عن تلك الأشياء أصعب بكثير مما تخيلت.. نظرت حولي وكأني أشعر بوجودها متخفية حولنا أو مختبئة في مكان ما وتريد الإستماع إليّ فتنتقم مني وتهاجمني في أيّ وقت يروق لها ذلك.. فاستغرب 'حمزة' حركتي، لكنه فعل مثلي ونظر حوله أيضا وإن كان على يقين بعدم وجود شخص آخر غيرنا، فعاد ينظر إليَّ وسألني من جديد ليلفت انتباهي:

«'مروان'..! ما خطبك يا رجل..؟ لستَ على سجيتك، هل عاودتك الكاوابيس أم هناك مشكلة أخرى..؟ أخبرني فأنت تعرفني جيدا وتعرف أنه بإمكانك الوثوق بي والاعتماد عليّ دائما وأن تأخذ كل راحتك في أن تصارحني بأيِّ شيء يؤرقك.»

أومأت برأسي متفقا.. ثم بادر بسكب الشاي وناولني كأسي ثم قلت:

«الأمر لا يتعلق بالكابوس وحده الآن.. بل أشعر أن أمرا مختلفا ومخيفا يحدث لي.. لا أعرف معناه ولماذا.. وربما لن تصدقني..»

توقفت عن الكلام للحظات لأرتب الكلام في رأسي فيكون مفهوما؛ لأن الموضوع كله مبعثر ويحتاج إلى ترتيب.. أما 'حمزة' فقد كان كله آذان صاغية للإستماع إليّ:

«في الآونة الأخيرة، تراءت لي أشياء غريبة.. أجسام تشبه البشر، وأخرى لا أستطيع وصفها.. هي بلا شكل، سوداء كالدخان الأسود، بعضها يسير وبعضها الآخر يزحف على الأرض، تارة تبدو وكأنها لا تراني كما أراها، وتارة أخرى أشعر برؤيتها لي لكنها تتجاهلني.. لم يسبق أبدا أن حاولت الاقتراب مني وإيذائي أو حاولت التواصل معي بشكل أو بآخر أو سماع حوار بينها، كانت تكتفي بالنظر إليّ فقط حين تراني ثم تبتعد وتدخل إلى مكان ما وتختفي فيه.. وأرى ضلالا بشرية مخيفة وأسمع أصواتا تتكرر بشكل شبه يوميّ كقرع الأبواب بعنف أو خدشها فكانت تجلجل رأسي وأغلق أذناي، لا أعرف مصدر تلك الأصوات هل من رأسي أو من العدم أو من مكان آخر لا أعرفه. لقد عانيت من كل هذا منذ ثلاثة أسابيع أو أربع، اعتقدت أن ذلك سيختفي بمرور الوقت كمجرد حالة ثانوية ومؤقتة وستزول كما أخبرتني سابقا، لكن الأمر أخذ في تطور مفاجئ وبشكل جديّ لا يحتمل المزاح..»

أنهيت كلامي فبدا 'حمزة' متفاجئا بما سمعه:

« إن ما تقوله خطير جدا..! ألم تُجر أيّ فحص..؟ أنصحك بذلك قبل أن نقوم بتشخيص حالتك..»

كان يقصد إصابة رأسي فاقترح عليّ زيارة طبيب أعصاب لأخضع لفحصٍ قد يضع حدا لشكوكي.. أجريته وكانت النتيجة أني لا أعاني من شيء سوى أثر الإصابة التي تعرضت لها في الحادث، فأكد لي الطبيب شفائي منها تماما وليس هناك ما يمكن الإعتقاد أنه سبب الهلوسة التي أعاني منها.. بعد ذلك لم يكن من 'حمزة' إلا أن نصحني بزيارة فقيه خبير، وأخْبِر أمي فهي من سيساعدني في ذلك.. أخبرته أن أمي هي آخر شخص أوده أن يعلم فلديها ردود أفعال مبالغ  فيها، إن أخبرتها فحتما ستعتقد أني قد جننت، وسترغمني على زيارة الفقهَ المزيفين وبالتالي دوامة لا تنتهي، كما أني لا أحب زيارة مثل هذه الأماكن فهي لا تزيد إلا من مرض المريض، أفضل أن أرقي نفسي بنفسي:

« لا خيار أمامك.. أعتقد أنك تحتاج للخضوع للرقية شرعية عند فقيه.. أنا متأكد من ذلك..»

رفضت تلك الفكرة من أساسها مع أني على دراية تامة أن حالتي لن تتغير على كل حال، بل ستزداد سوءً بمرور الوقت كما لاحظت ذلك، لكني سأضع اقتراحه جانبا علّي أقتنع به لاحقا، سأستعين حاليا بوسائل علمية أخرى ربما أشفى من هذا العذاب، فاشترطت عليه أن يكون هذا بيني وبينه وألا تعرف عنه أمي شيئا، فوعدني بالكتمان.

بعد أيام.. خطر في بالي أن أزور طبيبا متخصصا في الأمراض العصبية.. لست مجنونا بالتأكيد.. لكنه قد يصف لي دواءً مناسبا ليضع حدا عذابي.. أخذت إذنا في عملي لأقصده حسب الموعد، فوصف لي نوعان من الأدوية وأخبرني أن لها آثارا جانبية بسيطة قد لا أرغب بها فنصحني ألا أقلق حيالها كثيرا لأن تناولها يتطلب فترة محدودة فقط..

أحسست بتحسن نسبي بعد تناولي لتلك الأدوية لكنها سببت لي اضطرابا على مستوى الجهاز الهضمي.. وحين انتهى الأسبوعين عدت إلى ذلك الطبيب وأخبرته الشيء الجديد في حالتي فوصف لي دواءً آخر لكنه أقل حدة من السابقين وأخبرني أن أتناوله لمدة شهر فقط وأعود إليه إذا لم تتحسن حالتي بعد ذلك حين أمتنع عن الدواء..

كانت استجابة جسمي له أقل حدة بالكاد أشعر بها لكن آثاره الجانبية الأخرى مركزة في انخفاض الوزن بسبب فقدان الشهية وهذا هو الشيء السهل على أمي ملاحظته..

مضت أيام ولاحظتْ أمي ـ كما توقعتُ ـ تدهور صحتي وقلة تركيزي وقد سألتني مرارا فأخبرها أن ليس بي شيء.. فسألتني مرة أخرى ذات يوم في شك مضيفة سؤالا عن السبب الذي يجعلني أغلق غرفتي بالمفتاح كلما خرجت، لم أمنحها أيّ جواب، فصاحت مؤنبة:

« أصبحت لا تعجبني.. تصرفاتك غريبة ولم تعد كما عهدتها.. إنك تخيفني.»

قلت في ضجر:

«هكذا هي دائما أقوالك عني، ألن تتخلي عن عادتك أبدا، ألا تلاحظين..! تبالغين وتعذبين نفسك للا شيء..؟ وإن..»
قاطعتني رافعة صوتها عليّ بشكل أزعجني جدا:

«وإن ماذا..؟ هل تحسبني غبية أو عمياء..!؟ لقد سئمت تجاهل  كذبك عليّ.. انظر جيدا إلى نفسك كيف أصبحت، إن كنت ستدعي أنك مصاب بالعمى فأنا لست عمياء، ومهما حاولت إخفاء كل ما يملأ عقلك فأنا أمك وأعرفك وأعرف أن هناك أمرٌ يشغل بالك وتفكيرك وستخبرني به الآن، وفورا.»

ألفتتني جملتها الأخيرة وأثارت فضولي:

« أمر يشغل بالي..!؟ مثل ماذا..؟»

نظرتْ إليّ للحظات بأنها مقتنعة تماما أني أعرف بالضبط ما تتحدث عنه، لكني أبديت عكس ذلك لأني لا أعرف حقا ماذا يدور في رأسها فوضعتني أمام الأمر الواقع وسألتني:

« هل تعرفت مؤخرا بفتاة ملأت عقلك وأفقدتك صوابك وفعلت بك شيء..؟»

بدوت وكأني لم أسمع، فسألتها مستوضحا:

« عفوا..؟!»

لم تغادر العصبية وجهها وقد سئمتْ من أسئلتي الساذجة، أعتقد أنها ذكرت في كلامها أن هناك فتاة قد ملأت عقلي، لكن أيّة فتاة..؟ فسألتها مرة أخرى:

« ما الذي جعلك تعتقدين بوجود فتاة أفكر فيها وقد ملأت عقلي..؟! اعتبريني غبيا وأوضحي لو سمحتِ.»

اقتنعت بغبائي وفاجأتني حين قالت بثقة:

«أثناء نومك دخلتُ إلى غرفتك لأطمئن عليك فسمعتك تتمتم وتكرر اسما غريبا.. لكن واضح جدا أنه اسم فتاة، هو 'ساليس'، من تكون صاحبة هذا الإسم..؟»

تكرر هذا الإسم في نفسي مثل الصدى متفاجأ.. إنها الفتاة التي تعرفت عليها عبر الماسنجر، لكن.. ما دخلها في أحلامي وأنا لا أعرفها..!؟ ولا أعرف أصلا كيف نطقتُ بذلك الإسم وقد تم حذفه من عمق ذاكرتي..!

« لا أعرف عن أيّ شيء تتحدثين..!»

قلت ذلك محاولا استبعاد فكرتها فقالت:

«مهما حاولت ادعاء الغباء، أنصحك، لأني أعرفك جيدا وأعرف مدى حماقتك لذا دع طيشك جانبا قبل أن تقضي عليك إحداهن فأخسرك بسبب لا شيء.»

لا أواعد أية فتاة حاليا ولم أكلم ولا واحدة منذ فترة، حتى 'بثينة'.. فكما تعلمون لقد أثرتُ غضبها وقطعتْ علاقتها معي بشكل نهائي.. على كل حال لا شيء يهمني الآن أكثر من تلك الأجسام الدخانية التي عادت للظهور من جديد مع تأكدي من احترام مواعيد الدواء وبالجرعات التي وصفها الطبيب بدون زيادة أو نقصان، والكابوس عاودني مرة أخرى.. وأخرى.. وأخرى.. وازدادت حالتي سوءً.. لم أعش هكذا قبلا، لقد كانت حياتي مستقرة جدا.. صحيح أنها ليست بتلك الغاية من المثالية، لكني لا أشكو من ذلك وأحمد الله على كل شيء، أما الآن.. حياتي أصبحت لا تطاق بتدخل تلك الأشياء، وقد سئمت من كل شيء حتى النوم بِتُّ لا أطيقه؛ لأني أعرف  تماما أن النوم يعني: لن يفوتني ذلك العرض المثير والمتكرر والعجيب.

في صباح يوم السبت من دجنبر.. كنت وحيدا في المنزل.. وهذا لم يعد يمنحني السكون.. أفطرت وأخذت دشا.. وأنا أجفف شعري بالمنشفة في غرفتي فكرت في ما قاله 'حمزة' عن الرقية، وأصبحت أعتقد أنها الحل الوحيد.. أما الحلول التي اعتمدتها لم تكن إلا مضيعة للوقت.. لم أعتقد يوما أني سأمرض بهذا الشكل ولم أفكر أني قد أكون ضحية لتلك المخلوقات.. وراء كل شيء  سبب ووراء مرضي سبب.. فجأة..! توقف تفكيري بعد سماعي لشخص أصاب زجاج نافذة الصالة في الأسفل بقوة محدثا ضجة..! فتبعه صمت لا يليه صراخ أو جري وهروب مسبب الضجة، ألقيتُ نظرة من خلال الشرفة فلم أضبط أحد، ربما الأداة التي ضُرب به الزجاج قذِف به من بعيد.. أغلقت الشرفة لأذهب وأتفقد الأمر في الأسفل، فإذا بي أسمع صوتا.. شخص ما يقوم بجمع أشلاء الزجاج المتناثر في الصالة.. غريب..! أمي غير موجودة في المنزل.. الفضول هو آخر شيء شعرت به.. لأني أعرف ماذا قد يكون ذلك.. حاولت الحفاظ على هدوئي قد يكون لصا.. ليثه يكون كذلك وسأكون شاكرا وأعطيه أكثر مما يريد ثم أسمح له بالرحيل، خرجت من غرفتي.. راقبت الصالة من الطابق العلوي ورأيت نوافذها سليمة كما لا وجود لأيّ بقايا لأشلاء على الأرض، انتظرت للحظات ثم تقدمت للنزول وأستطلع أكثر لكن.. تجمدت في مكاني على إثر أصوات جماعية غريبة تهمس مرددة بصوت منخفض:

« دعوه إنه لا يستحق.. بلى يستحق.. دعوه إنه لا يستحق.. بلى يستحق..»

من يقول هذا الكلام..؟! وهل المقصود أنا..؟ كانت الأصوات تهمس بالجملة نفسها حتى أثارت الرعب في نفسي خاصة عدم انبعاثها من جهة واحدة.. مصدرها بعيد تارة وتارة أخرى قريب إلى درجة أشعر وكأن القائل يوجد بقربي تماما فأنتفض فزعا وبتُّ أجهل إلى أين أبتعد.. ازداد الرعب في نفسي وكادت روحي تغادر جسدي من الذعر حين رأيت ضلالا لأجسام غير مرئية في جدران الصالة تسير ببطء، كانت تسير بعشوائية ثم رأيتها تتوجه نحو السلم للصعود، عدتُ إلى غرفتي بسرعة.. أغلقت بابها بالمفتاح ثم تراجعت خطواتي لأقف قرب خزانة ملابسي، حاولت الإتصال بـ'حمزة' فسقط الهاتف مني، لقد أصبحتْ يداي متحجرتين من الفزع، وما عدت أشعر بهما ولا حتى ضبط حركاتي.. وبينما الأصوات لا زالت تردد ذلك الكلام.. حدث أمر عجيب.. أمر لا يصدق وذُهل له بصري فصرت جامدا كصنم بارد.. فقد راح مظهر غرفتي يتغير إلى مظهر بالٍ ومخيف.. التصق ظهري بخزانة ملابسي وعينيّ تجولان بعصبية في كل أنحاء غرفتي التي راحت تتخذ مظهر غرفة أخرى غير الخاصة بي، أكاد أصاب بالجنون والأصوات لازالت تهمس دون توقف فأغلقت عينيّ بقوة وأغلقت أذناي بيدايّ بكل ما أوتيت من قوة بحيث ما عدت أرى ولا أسمع شيئا وأردد عدة مرات في نفسي «هذه مجرد هلاوس ويجب ألا أصدق ما أراه وما أسمعه..» بقيت هكذا مرددا للحظات ثم بدأت أرفع يداي ببطء عن أذنيّ وفتحت عينيّ على أمل زوال كل شيء، لكن.. لا شيء تغير، غرفتي قد اتخذت مظهرا عجيبا والأصوات لم تختفي وازداد الأمر سوءً.. فبعد هذا العرض، سمعت صوتا مألوفا، ذكرني بشيء كنت أسمعه في كوابيسي.. صوت تشقق الجدار.. ماذا يحدث..؟! لست نائما..! ولست في كابوس..! اختلجت عضلاتي وأنا أحاول معرفة الجهة التي يصدر منها هذا الصوت؛ لأنه شديد ويملأ الغرفة بكاملها، ظهرت قطرات عرق على جبيني سالت كالماء على وجهي.. بعد قليل اكتشفت مصدر الصوت واستطعت رؤية شيء يتحرك داخل الحائط بكنف سريري، تماما في المكان نفسه كما يحدث في الكابوس، لقد بدا الجدار كمجرد حائط مطاطي حين تحرك شيء بداخله، شعرت بتوقف أنفاسي حين بدت لي أصابع باردة تحاول الخروج، كنت شاخص العينين وأنا أشاهد هذا المشهد المألوف، ألن تهنأ حياتي بعد الآن إلى درجة حدوث هذا العرض في يقظتي أيضا..؟ اخترت الخروج من الغرفة وحاولت فتح الباب بالمفتاح لكنه علق، فحاولت كسره بدفعه بجسدي المرتعد الذي فقدت الاحساس به لذلك باءت محاولتي بالفشل، عدتُ أنظر إلى ذلك العرض.. الفتاة نفسها تخترق الحائط وكأنها تخرج من شرنقتها.. خرجت من الجدار بشكل كامل بمظهرها المخيف ثم عاد الحائط إلى هيأته المتجمدة والباردة.. تمنيت لو تبتلعني الأرض حين التفتت إليّ محدقة بعينيها الداميتين وكأنها تقول: ها أنا ذا من جديد.. وفي يقظتك بالتحديد..

كنت ملتصق الظهر بالحائط وعضلاتي مشدودة وكأني على حافة جبل وأنا أحاول الانتقال ببطء إلى أبعد نقطة منها وهي تراقبني، فاستقرت خطواتي عند زاوية من زوايا غرفتي، لن يغير هذا من شيء.. أنا محاصر في غرفة بابها مقفول ولا يوجد مكان أهرب إليه من هذا الشيء.. فكرت في الشرفة.. إنها فكرة انتحارية لكنها على الأقل المكان الوحيد المتبقي لي للهروب وإن أدى بي إلى الموت أو على الأقل كسور بالغة الخطورة.. فشعرتُ فجأة بالعجز وبقوة منعتني من الحركة.. تحركتْ خطى هذه الفتاة المخيفة نحوي خطوةً خطوة وهي مستمرة في التحذيق بعينيها الداميتين.. اصفر وجهي وشلت أطرافي أكثر كمقيَّد عاجز عن الحراك.. لا أنتظر سوى انتهاء أمري.. ودون أيّ سابق إنذار اختفت الفتاة ـ أو الوحش ـ مثل البرق مخلفة دخانا أسودا تلاشى في الهواء تماما كالكابوس.. نظرتُ في كل مكان بعصبية وبفزع كمجنون على وشك أن يفقد عقله خصوصا لمعرفتي بوجودها في مكان ما هنا.. ومع أني على استعداد للمفاجأة إلا أني أصبت بهلع هائل حين ظهر أمامي مباشرة دخان أسود خفيف تضاعف ليصبح مثل دخان ناتج عن حريق هائل.. عينيّ لم ترمش ولا مرة واحدة.. أفزعني مظهرها الجديد واقتربت مني أكثر وأحاط بي هذا الدخان الأسود فعاد ينكمش وكأنه يتسلل إلى داخل جسدي لأني أحس بما يشبه صدمات كهربائية خفيفة تلسعني بشكل متقطع، وحين أحسست بها في رأسي أصابني الألم الشديد وسقطت أرضا وأحسست وكأن زوبعة تطوف داخل رأسي مما أصابني بدوار عجزت عن مقاومته، ثم.. وقع لي شيء غريب شعرت معه حين رسمت مخيلتي أحداثا لم أكن أعلم بوجودها، كما لو كان لي حلما كنت قد نسيته فعاد إلى الوجود في مساحة ذاكرتي.. بدأت أشعر بفقدان الإحساس بسائر جسدي بشكل تدريجي وكأني أصارع الموت.. رن هاتفي على الأرض قريبا مني لكني عجزت عن تحريك يدي لأسحبه.. لقد أصبحتُ تحت رحمة هذه الأشياء التي حولت حياتي إلى جحيم دنيويّ لا ينتهي إلا بالموت.. ثم غبت كليا..
رواية من خيالــــــي <a href=رواية من خيالــــــي 434587081" />

تم الفصل الأول.. لي عودة ان شاء الله رواية من خيالــــــي <a href=رواية من خيالــــــي 575171977" />


عدل سابقا من قبل اكادير الامازيغية في الأربعاء أغسطس 19, 2015 12:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالأحد أغسطس 16, 2015 9:06 pm

أين الردود......؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟  Sleep
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
MariKoO
شمس المنتدى
شمس المنتدى
MariKoO


الأوسمة :
رواية من خيالــــــي LEy84916رواية من خيالــــــي GW176884

انثى عدد الرسائل : 19934
الدولة : رواية من خيالــــــي Iraq
الجنسية : رواية من خيالــــــي Iraqy
تاريخ التسجيل : 25/11/2009
السٌّمعَة : 32

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالأحد أغسطس 16, 2015 11:24 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالك خيتي ان شاء الله تكوني بخير؟؟
طبعا مااعرف شو اقول
القصةةةة حلوووووة جداااااااااااااااااااااااااا
بالبدايه عند سرد الاحداث ظنيتها شي قصة رومانسيه
تميل للاحداث الروتينيه بس بعدين هةهة اتفاجات لمن بدأ الرعب فيها
بعدين انتبهت ع صورة القصة طلعت رعب هةهة احب هالقصص
ههههههههههههه وصراحه انا نفسي اترعبت شوي بس تحمست وخاصة
لمن اتخيل الي يشوفه مروان ^^
صراحه اهنيك ع هذه القصة
وطريقة سردك الها رائعه وسهله ومفهومة وصفك للشخصيات
استمتعت بكل جزء بيها وبأنتظار التكمله واتمنى ماا تتأخري لان فعلا متشوقة
لبقيه الاحداث ^^
لازم يحطولك شي بنر ع هذه قصة لان تستحق القراءة ^^
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Amaya
مشرفة تقارير وصور الانمي والمانجا
مشرفة تقارير وصور الانمي والمانجا
Amaya


الأوسمة :
رواية من خيالــــــي 1ze8n5eرواية من خيالــــــي 1434606728541

عدد الرسائل : 3708
العمر : 58
الدولة : رواية من خيالــــــي Iraq
الجنسية : رواية من خيالــــــي Iraqy
تاريخ التسجيل : 02/01/2015
السٌّمعَة : 50

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 2:32 am







السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اهلين اختي اكادير كيف حالك؟ ان شاء الله بخير

بصراحة نا تابعتك من اول رد بس كنت استنى اخلص قرأة

هو صح انها مو كثير طويلة بس انا نادر اقرة روايات لهذا شوي بطيئة هههه

المهم انا قيمتك من فترة لانك فعلا تستحقي التقييم +

كل ما قرئت منها اعجبني خاصة اني احب الرعب و اسلوبك حلو

اكملي اختي وبارك الله بجهودك

و اوافق اختي ماريكو انو يكون له بنر

على العموم مشكورة و استمري Mad













استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون، وعدد الحركات وعدد السكون،
استغفر الله عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عنه الغافلون.


رواية من خيالــــــي P_64wn781

شكرا جزيلا غاليتي جروح على الاهداء الجميل


رواية من خيالــــــي I_e5854bb58c2

اهلي الطيبين لا تنسوني من دعواتكم الصادقة رواية من خيالــــــي 1%20(178)

رواية من خيالــــــي P_15220bv1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 9:04 pm

MariKoO كتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالك خيتي ان شاء الله تكوني بخير؟؟
طبعا مااعرف شو اقول
القصةةةة حلوووووة جداااااااااااااااااااااااااا
بالبدايه عند سرد الاحداث ظنيتها شي قصة رومانسيه
تميل للاحداث الروتينيه بس بعدين هةهة اتفاجات لمن بدأ الرعب فيها
بعدين انتبهت ع صورة القصة طلعت رعب هةهة احب هالقصص
ههههههههههههه وصراحه انا نفسي اترعبت شوي بس تحمست وخاصة
لمن اتخيل الي يشوفه مروان ^^
صراحه اهنيك ع هذه القصة
وطريقة سردك الها رائعه وسهله ومفهومة وصفك للشخصيات
استمتعت بكل جزء بيها وبأنتظار التكمله واتمنى ماا تتأخري لان فعلا متشوقة
لبقيه الاحداث ^^
لازم يحطولك شي بنر ع هذه قصة لان تستحق القراءة ^^

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك أختي العزيزة MariKoO على هذا النقد وبارك الله فيك
سأضع البقية إن شاء الله وأتمنى أن ينال إعجابك..

Basketball
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 9:38 pm

Amaya كتب:

 



 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اهلين اختي اكادير كيف حالك؟ ان شاء الله بخير

بصراحة نا تابعتك من اول رد بس كنت استنى اخلص قرأة

هو صح انها مو كثير طويلة بس انا نادر اقرة روايات لهذا شوي بطيئة هههه

المهم انا قيمتك من فترة لانك فعلا تستحقي التقييم +

كل ما قرئت منها اعجبني خاصة اني احب الرعب و اسلوبك حلو

اكملي اختي وبارك الله بجهودك

و اوافق اختي ماريكو انو يكون له بنر

على العموم مشكورة و استمري  Mad


 






السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك أختي العزيزة Amaya على مرورك وعلى التعليق الجميل،
خذي كل راحتك أختي هههههه اقرئي متى شئتِ لكن في وقت فراغك وأتمنى أن يعجبك الباقي من الرواية.

Basketball
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 10:23 pm

I love you

قبل أن أضع تتمة الرواية أحب أن أنبه بأني سبق أن نشرتها في منتدى آخر باسمي الرمزي amazighiya



تقبلوا احترامي أعزائي


عدل سابقا من قبل اكادير الامازيغية في الأربعاء أغسطس 19, 2015 12:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 10:38 pm




رواية من خيالــــــي 732178392



الفصل الثاني


في دمنات

تحت ألسنة أشعة الشمس الحارقة في يوم حار وساخن من أيام غشت في 'دمنات'.. كادت أنفاسي تضيق بهبوب الرياح الشرقية الساخنة.. أسير في متنزه مليء بالأطفال يلعبون هنا وهناك، نساء ورجال مشَكِلون جماعات متفرقة تحت ظلال الأشجار في كل مكان.. جالت عينيّ أبحث عنها، لا أرى إلا سرابا متموجا كالمياه أينما نظرت، رغم جهلي بشكل هذه الفتاة التي لم تصف لي نفسها، إلا أني سأحاول إيجادها بين هؤلاء الناس، ربما أفلح في التعرف عليها لسبب ما.. نفظت قميصي لأنعش جسدي قليلا وأجفف العرق السائل بغزارة..

بعد سير قصير رأيت فتاة جالسة لوحدها على كرسي طويل يتسع لسبعة أشخاص.. فاعتقدتُ مباشرة أنها هي ـ الفتاة المدعوة 'ساليس'، التي وعدتها عبر الانترنت بأني سآتي إلى مدينتها وألتقي بها في هذا المتنزه الذي اختارَتْه ليكون مكان لقائنا الأول.. كانت تطالع كتابا.. رفعت رأسها لتريح عينيها فإذا ببصرها يقع عليّ عفويا لتراني.. أبقت عيناها عليّ للحظات ثم تعرفت عليّ، فابتسمتْ بهدوء وأنا سرت بثقة وبخطوات هادئة، كما لو كانت فتاة سبق أن التقيتُ بها.. لفتني فستانها البسيط والجميل، وشعرها البندقي الذي ينسدل على كتفها على شكل ضفيرة، كفتاة صغيرة عادت لتوِّها من المدرسة.. استقامت واقفة من أجل التحية حين ألقيت تحية الإسلام.. كانت الرياح الدافئة والخفيفة تهب من حين لآخر وتعبر من خلال الخصلات المنفصلة عن شعرها المضفر بلطف فتتموج في الهواء بحرية.. وحين تمادت الرياح بعبثها أعادت بأناملها الناعمة ضم خصلاتها الحريرية بمقبضها فاستكانت، إلا بعض الشعيرات القصيرة المتراقصة على جبهتها الناعمة..
بطريقة ما.. لم أستطع منع عينيّ من النظر إليها ومن النظر إلى عينيها الواسعتين والمنخفضتين واللتين لا تكفان عن التهرب بحياءٍ غير مصطنع.. فقلت بتردد مقصود:

« أنت هي.. 'ساليس'..؟ أليس كذلك..؟»

أومأت برأسها ثم قلتُ:

« أنا 'مروان'.. حسنا.. أعتقد أنك عرفتِ ذلك.. لأني أرسلت لك صورتي.. تذكرين..؟..»

بدت هذه الفتاة مختلفة تماما عن الصورة التي رسمتها في مخيلتي.. أشعر بأنها متميزة ومختلفة وقد حركت مشاعري من النظرة الأولى، بطريقة لم تحركها فيَّ فتاة من قبل.. هذا مثير للاهتمام.. وإن كنت أعرف نفسي جيدا.. أعني لا أستطيع البقاء على شيء محدد، كوني شخص متقلب المزاج، وليس من السهل دوما الاعتماد على قاعدة معينة إذا كان الأمر يتعلق بميولي.. التفتُّ إلى الكرسي الطويل فاقترحت بأدب الجلوس.. كنت مزْعجا كعادتي حين جلستُ بارتياح في وسط الكرسي، وبأسلوب جعلني آخذ حيزا أكبر كما فردت ذراعي على المسند وكأني أتعمد خطة ما، راقبتها وانتظرتُ ردة فعلها فاختارت الجلوس في أبعد نقطة، لو كان الكرسي أطول بطوله مرتين لجلستْ على بعد أربعة أمتار مني.. فضَّلتُ ألا أزعجها في لقائنا الأول ورضيت بهذا البعد الذي بيننا والذي جعلنا نبدو كعميلين سريين.. سألتها:

«كيف حالك تحت أشعة الشمس القاسية..؟ عن نفسي أكاد أذوب.. أتساءل كيف تتحملون هذه
الحرارة الحارقة في هذه المنطقة..»

« نعم إنه جو حار.. ولا بأس به..»

« هل تقيمين هنا..؟ أعني في مكان قريب..؟»

« أقيم حاليا عند عمتي.. بشكل مؤقت.. أما منزلي يوجد في القرية.»

أومأت برأسي متفهما، وفهمت من قولها أن لقاءنا قد يصبح على فترات متباعدة إذا ذهبت إلى منزلها في القرية.. سألتها عن ذلك.. وقبل أن تجيب توجهت ببصرها إلى نقطة ما، واكتشفتْ وجود شخص معين.. تحركتْ قائمة بشكل فوري، فقمتُ بدوري وسألتها عن سبب انفعالها المفاجئ..! فوجهتُ نظري إلى حيث نظرتْ ورأيتُ مجموعة من الناس، من بينهم شخص مألوف بالنسبة لي لكنه ليس بذي أهمية كبيرة.. شخص ما يخيفها وجوده وهي هنا، فاقترحتُ عليها الإبتعاد عن هذا المكان الذي أثر على راحة مزاجها ونذهب بسيارتي فورا إلى مكان أكثر أمانٍ كالنزل مثلا لنتمكن من الحديث دون أي إزعاج.. رفضت عرضي.. وقبل أن تهم بالمغادرة، اقترحتُ مرة أخرى إذا كان ممكنا أن نلتقي في وقت قريب جدا، لكنها اعتذرت وغادرت فراقبتها وهي تسير مبتعدة ومتجنبة بخفة الاصطدام بالناس والأطفال الذين يجرون بتهور وبدون انتباه.. يا له من لقاء بارد..! تبا يا فتاة.. أين الإثارة التي جئت من أجلها إلى هنا..؟!

عدت للجلوس.. لقد تركت كتابها.. تصفحته لأجد مجموعة أمثال وقصص عربية قديمة..

رواية من خيالــــــي 434587081

في الصباح التالي، وهو اليوم الرابع من إقامتي في 'دمنات'، استيقظت الساعة العاشرة في غرفتي بنُزل متواضع وبإمكانيات متواضعة موجود في بلدة بسيطة وصغيرة في 'دِمنات'.. مظهر هذه البلدة يمزج بين المدينة بالسيارات والدرجات النارية، والقرية بهدوئها وبنيانها العشوائي البسيط، والتلال الخضراء القريبة وصوت بعض الحيوانات في الصباح كالدجاج وصياح الديَكة ونهيق الحمير.. حاولت فتح النافذة بضرب مقبضها المتآكل، لقد اعتدت عنادها ولا تستجيب بسهولة حتى أستهلك طاقتي.. أضطر كل ليلة إلى غلقها بسبب دخول حشرات كالناموس ـ وهي بحجم كبير ـ تزعجني بصوت أجنحتها وتُخلف على جلدي بقع حمراء كل يوم، لا أكف أبدا عن حكها بعنف مثل القردة لم أكتسب بعد مناعة ضد سمها المزعج.. إضافة إلى الصراصير التي تزحف وتدخل عبرها وأحيانا تطير وتحط على وجهي مباشرة كما لو كانت عليّ قوة مغناطيسية جاذبة للصراصير.. هذا كله يمنعني من النوم ويزعجني ويضطرني إلى غلق النافذة ليلا والتعب معها في الصباح من أجل فتحها.. فتحتها أخيرا وألقيت نظرة على الزقاق المليء بالأوراق الانتخابية المنتشرة على الطرقات، إن البلدة على أهبة لترشيح رئيس جديد للبلدية التابعة للبلدة.. أشم رائحة البهائم.. قد مر قطيع غنم بجانب هذا النُزل منذ مدة قصيرة وبقيت الرائحة بسبب الحرارة الشديدة، والناس يسيرون ذهابا وإيابا دون مبالاة للحرارة.. لا يتحدثون إلا الأمازيغية وهم يمرون بجانب نافذتي لذلك لم أشعر بالغربة أبدا وإن لم يكن حديثهم يشبه حديثنا تماما..

استحممت لأنعم بشيء من البرودة مع أن الاستحمام هنا هو فكرة سيئة؛ لأن المياه تنقطع باستمرار بين الفينة والأخرى وهذا مزعج جدا..!

غادرت النزل وأنا في قميص أزرق فاتح اللون وذو أزرار وبأكمام قصيرة وبنطال أبيض خفيف.. وأنا أسير أشعر بانتعاش البرد الذي بدا لي باردا بالبلل الذي لم يجف من شعري وقطرات الماء تنزلق على عنقي وتبلل قميصي فيلتصق بظهري كمنديل ورقي، لا أخشى أبدا إصابتي بمرض الحساسية أو 'الإنفلوانزا' فهذه الحرارة لا تحتمل وسأجف بعد حين..

توجهتُ إلى 'مقهى بوعزة' القريب لأتناول إفطاري واشتريت جريدة من بائع على الطريق.. طويتها ثم دخلت إلى هذا المقهى حيث تنبعث إحدى الأغاني الصباحية ذات الإيقاع المغربي الكلاسيكي من الراديو بصوت منخفض على إذاعة محلية، ويصاحب ذلك صوت أجنحة ذباب طار لما زعزعتُ أمنه حين داست قدمي على بقعة ماء عفن تكاد تجف وكان الذباب مجتمع حوله فحلقت حولي بعشوائية.. تجاوزت البقعة وتوقفت عن ملاحقتي وعادت تسابق بعضها بعضا إلى ذلك المكان العفن..

المقهى يكاد يكون خالي من الزبائن إلا طاولة واحدة يجلس حولها ستة شبان عاطلين عن العمل يملأون وقتهم الشاغر بلعب الورق، لقد اعتدت رؤيتهم كلما جئت إلى هنا في الصباح حتى حفظت وجوههم؛ كما اعتدت نظراتهم الفضولية إليّ وإن سبق ورأوني وعرفوا أني لست ابن هذه البلدة وواضح أيضا أني سُوسِيٌّ من 'أكادير' ببشرتي البيضاء، ومع ذلك كلما جئت إلى هنا يرمقونني بالنظرات نفسها وكأن وجودي هنا خطأ فادح، خاصة.. ذلك الرجل المألوف الذي رأيته في المتنزه يوم أمس، فقد تعرفت على وجهه هنا.. تجاهلت نظراته البشعة وجلست عند الطاولة المعتادة بكنف النافذة المطلة على الشارع وفتحت جريدتي لقراءتها غير مكترث لنظرات أولئك العاطلين، فعادوا إلى لعب الورق مصدرين ضجة بضرب الطاولة بأياديهم الضخمة وصياحهم بكلمات سَبٍّ مخجلة وروتينية بينهم..

جاء النادل بوجبتي المعتادة.. كأس قهوة بالحليب وقطعة حلوى مزينة بكريمة الحليب مع ذبابة تطير محلقة حولها تبحث عن فرصة لتذوقها قبلي..

قلبت صفحات الجريدة فصادفت موضوعا عجيبا لكاتب يغِير على بلدَتِه.. عن جرائم قتل عنيفة تكررت وجلجلت بصداها جبال 'دمنات' الشامخة والخضراء، لقد حدثت في الشهور القليلة الماضية ضد فتيات بريئات بدعوى الشرف على يد آبائهن.. هذا عجيب ومشين..! هل لازلنا في القرن الثامن عشر..!؟ شيء لا يصدق..! لقد ظننت أن الناس هنا في هذه البلدة ببساطتهم - لأن أغلبهم يعيش فقط على الفلاحة - لن يشهدوا أبدا عمليات عنف متطرفة من أيّ نوع كانت، لكن أكتشف الآن كونهم أشخاص بدائيون ومتشبثون بالأساليب القديمة والمتخلفة والغير قانونية لتنفيذ العقوبات خاصة المتعلقة منها بالشرف وإن كانت الفتيات بريئات مما ينسب إليهن.. تابعت قراءة الموضوع.. الشرطة قبضت على المذنبين فتفاجأت حين قرأت أيضا أن أولائك الشباب أغلبهم من 'أكادير' جاءوا إلى هذه المدينة وبالغوا في التسلية إلى درجة الهتك بأعراض الناس.. وفكرت.. ألذلك يرمقونني أولئك العاطلين الستة بتلك النظرات الفضولية..! بأني من 'أكادير'..! كما نقول بالعربية العامية (حبة طماطم واحدة فاسدة تفسد السلة بكاملها).. مثل غير عقلانيّ للإعتماد عليه لتحديد طبيعة الناس للتعرف على الصالح والطالح، على الأقل بالنسبة لي.. إلى متى سيغير الناس هذه المفاهيم وترقى عقولهم إلى الدرجة المتحضرة التي لا تسمح بمعالجة الجرائم بجريمة أفظع من سابقتها وقتل الفتيات دون معرفة إن كن فعلا مذنبات أم لا من أجل الحد من هذا العنف ضدهن.. ففكرت مرة أخرى بعدما قرأت هذا الموضوع.. لم أعد أستغرب طبيعة 'ساليس' حين التقيت بها.. إن رغبت في إنهاء علاقتها بي فلن أمانع في ذلك أبدا، وإعجابي بها لن يغير شيئا إن فضلتْ الابتعاد بشكل نهائي وسأعطيها حرية اختيار ما تريده لأن علاقتي بها، على كل حال، لن تستمر طويلا وقريبا أعود إلى مدينتي وننسى كل شيء فأنا شخص لا يهوى توريط نفسه داخل حفر أنا في غنىً عنها.. تنهدت وأنا أقلب هذه الصفحة.. الله يسترنا ويستر جميع المسلمين.. طالعت أخبارا أخرى مسلية لأرفه عن نفسي وأحتسي قهوتي بالحليب وأستمتع بالموسيقى المغربية الهادئة وبالهواء النقي كما كنت أفعل في شرفة غرفتي..

بعد قليل لفت انتباهي زبون عمره في بداية العقد الرابع تقريبا، دخل إلى هنا ولم يكن زبونا عاديا.. رأيت صورته على جدار المقهى من الخارج والداخل.. هو مترشح لنيل لقب عمدة البلدة وكان مترئسا لائحته المتكونة من رجال بنفس هيئته.. ضخم الجثة وله شارب كث ولحية خفيفة وملابسه في غاية البساطة.. قميص وجينز قديم عليه لطخات تراب كما لو كان منشغلا بعمل ما، وعلى رأسه قبعة للحماية من الشمس الحارقة، حين رفعها رأيت وجهه الأسمر وأثر ندبة قديمة بالسكين على وجنته اليمنى منحته هيئة وحشية خصوصا عيناه الضيقتين وحاجبيه المقطبين.. لقد ذكرني بالبدويِّين العنيدين أصحاب الرؤوس الصلبة لا يتراجعون عن أمر مهما كان، ولا يمكن إقناعهم أو تغيير رأيهم بسهولة وإن كانوا مخطئين.. قام بإعادة تعديل شاربيه ثم سار بخطوات بطيئة وواثقة.. ما إن رآه النادل حتى أسرع في إظهار تفانيه في العمل.. أهذا البدويّ هو مالك هذا المكان..؟ هذا ما استنتجته من خلال ردة فعل ذلك النادل خصوصا حين طلب الرجل الشاي بصيغة الأمر:

« أريد كأس شاي.. أسرع.»

كمن يطيع سيده أسرع النادل بتنفيذ أمره بينما هو سار بالخطوات نفسها متوجها للجلوس، فوقع بصره عليّ لأني ألفت الانتباه لكوني غريب عن هذه البلدة وأيضا بجلوسي منفردا في طاولتي، حذق بي أولئك العاطلين الستة وكأنهم ينتظرون حصول شيء؛ مما أشعرني ببعض القلق، لاحظ هذا البدوي الضخم إزعاجهم لي بتحملقهم فصاح فيهم:

« تبا لكم.. فيم تحملقون أيها الأغبياء..؟»

لاحظتُ هلعهم وهم يجيبون جميعا بتناوب:

« لاشيء.. لاشيء..»

فاستداروا عائدين إلى ما كانوا يقومون به، لكن بدون ضجة هذه المرة، غير الرجل وجهته وتقدم نحوي بجثته الضخمة، أبدو أمام ضخامته نحيلا وعاجزا.. طويت الجريدة ووضعتها جانبا لأعتدل واقفا.. كاد الكرسي يتعثر خلفي وكأنه تأثر بإحساسي، فقال بأدب غير متوقع لعدم توافق هيئته مع هذا السلوك:

« السلام عليك ورحمة الله.»

صافحته وأجبت تحيته.. كانت قبضته قوية ومؤلمة على يدي وهو يصافحني، يقصد بذلك ترحيبه الحار بي، ثم أشار بالجلوس.. قام بسحب كرسي إليه ليشاركني طاولتي، لا يمتعني أبدا الخوض في أيّ حديث مع الرجال أمثاله خصوصا كونه سياسي.. جاء النادل بكأس الشاي وضعه أمامه ثم سأله عن خدمة أخرى فأشار البدوي بيده مثل السلطان في العصور الغابرة:

« شكرا.. أما ضيفي فأحظر له مزيدا من القهوة بالحليب.»

ذهب النادل مطيعا وعاد هو ينظر إليّ وقال بهدوء:

«مرحبا بك في 'دمنات' أيها الشاب، أنا سعيد جدا لترددك إلى هذا المقهى.. أعتقد أنك سوسي من 'أكادير'، أليس كذلك..؟ استنتجت ذلك من خلال لكنة حديثك..»

رآني أكثر من مرة هنا مع أنها المرة الأولى التي أراه أنا فيها، أجبته بهدوء مماثل وأنا أقول:

« نعم لقد أصبت.. أنا من 'أكادير'.. وأنت..؟»

« أنا ابن هذه المدينة لكني ولدت في 'الرباط'.. هلا تشرفني باسمك..؟»

حين أجبته ارتشف القليل من الشاي المركز الغامق مصدرا صوتا مزعجا ثم أومأ برأسه مستحسنا مذاقه فعدل شاربيه من جديد ثم نظر إليّ بعينيه الثاقبتين وقال:

« تشرفت بمعرفتك.. إسمي 'بوعزة'.. ومالِكُ هذا المقهى..»

سبق أن استنتجتُ ملكيته لهذا المكان، فسألني:

« لا أقصد التطفل.. لكن هل سبق أن جئت إلى هذه المدينة وهل جئت من أجل غرض ما..؟»

« هذه أول مرة وطَأت قدمي أرض هذه المدينة وقد جئت للتعرف وحسب.»

فسألني مبتسما بمكر:

« التعرف..؟ على من..؟»

ابتسمت أيضا وقلت:

« المدينة.. أقصد التعرف على المدينة..»

قطع حديثنا مجيء النادل وهو آت بكأسي الإضافيّ من القهوة بالحليب ثم أخذ كأسي الفارغ، وحين استدار عائدا سقطت ذبابتي المجنونة ـ التي كانت تلاحق شطيرتي ـ في كأس شاي 'بوعزة'.. حاولتْ إنقاذ نفسها بيأس بسبب ثقل أجنحتها المبللة فأخفق 'بوعزة' محاولتها اليائسة حين أغرقها بهدوء في كأسه بطريقة أقرفتني ثم أخرجها وقذف بها، هذه عادة يقوم بها البعض من الناس اعتقادا أن أحد الجناحين يحتوي على البكتيريا والآخر يحتوي على مبيدها.. كم كان ذلك مقرفا..!

نظرات هذا الرجل غير عادية ومزعجة لأنه لا يتوقف أبدا عن النظر إليّ بطريقة دقيقة وكأنه اعتاد على دراسة كل غريب والتأكد من مدى تناغم أقوالي مع ملامحي وكأني في استجواب حتى وإن كان كلامي عن الرياضة التي أهواها.

ارتشف الشاي مرة أخرى بالطريقة نفسها بتلذذ، لو كنت مكانه لسكبت الشاي وغسلت الكأس بالصابون:

«لم أخرج من هذه المدينة مطلقا منذ أن جئت إليها من 'الرباط' حين كنت في الثانية عشرة من عمري؛ لأني لا أجد مكانا أحسن من القرية ومن مدينتي 'دمنات'.. أنا متأكد أن هذه ستكون ملاحظتك أيضا ولن تكون المرة الأخيرة التي ستأتي فيها إلى هنا.. كن على يقين أنها ستعجبك وستود العودة إليها آلاف المرات..»

قلت مؤيدا كلامه:

«أحببت هذه المدينة فعلا مع أني لم أزر بعد أماكن كثيرة، لكن الشيء الذي لاحظته هو عدم اكتظاظها بالناس وهذا ما أحبه لأني شخص يميل كثيرا إلى الهدوء.»

أجابني موافقا:

«أنت على حق.. 'دمنات' مدينة هادئة وجميلة بهوائها النقي والخضرة التي تراها في كل مكان والشلالات ذات المنظر الخلاب.. إن موقع المدينة الجغرافي منحها طقسا مطريا وأغلب السكان هنا يعيشون على الفلاحة وهذا يمنح هذه البلدة بيئة نظيفة جدا خالية من السموم التي تطرحها المصانع.. اسمع.. إن أحببت سأدعوك لتقوم بجولة وأريك كنوز هذه المدينة فهي مختلفة جدا عن باقي مدن المغرب.. وإن أحببت أيضا سأصطحبك إلى مغارة ' إمي ن إفري'.. ذلك المكان يرتاده الكثير من الزوار لجماله.»

ابتسمت شاكرا:

«هذا لطف منك..»

بعد قولي أومأ الرجل برأسه بأنه على الرحب والسعة ثم اتكأ على مسند كرسيه بثقة وارتياح وراح يتأمل جدران المقهى كأيّ مسؤول يتأكد من سلامة أملاكه.. بعدها انتبه إليّ حين بادرتُ بالخوض معه في الحديث عن حياته العملية فأخبرني أن والده ترك له أراضي فلاحية ويستخدم مجموعة من الفلاحين للعمل عليها.. واضح أن هذا الرجل البدويّ فاحش الثراء ـ ويبدو أن الأناقة لا تستهويه أبدا ـ يكفيه ما يملك من المال الكافي الذي يجعله ذو سلطة ونفوذ في هذه البلدة الصغيرة وذلك واضح جدا من خلال ردة فعل أولئك العاطلين الستة حين صاح فيهم ـ مع أنهم يُعتبرون زبنائه المخلصين في هذا المقهى ـ ..!

نظرتُ إلى صورته التي على الحائط فلاحظ ذلك وقال:

« رشحت نفسي للانتخابات البلدية.. وآمل أن أفوز لأعمل على تحسين بلدتي.»

إنه فعلا رجل مثير للاهتمام.. تمنيت له أن يمن الله عليه بالتوفيق.. ثم دار حديث قصير بيننا ليقرر أخيرا المغادرة، أحسست بالراحة حين شرب ما تبقى من الشاي المقرف دُفعة واحدة وضرب بالكأس على الطاولة ثم هب قائما بخفة:

«حسنا أيها السوسي.. لقد سررت بمعرفتك وآمل أن ألتقي بك مجددا.. لا تنسى فأنا عند وعدي بأن تزور الأماكن التي لم تخطر على بالك ابدا، ولن تعود إلى 'أكادير' إلا إذا حدث ذلك..»

ابتسمت شاكرا ثم سار متوجها إلى النادل وأمره بشيء، فاختطف هذا الأخير نظرة واحدة إليّ وكأن الحديث كان بشأني، ثم غادر.

حين أنهيت إفطاري ألقيت نظرة على ساعة يدي.. بلغت الحادية عشرة والربع.. أخرجت محفظة نقودي لأترك المال، فأشار النادل بيده بأن لا داعي، أظن أن هذا ما همس به 'بوعزة' منذ قليل.. ما سبب طيبة هذا الرجل معي..!؟ على كل حال أعدت محفظة نقودي بكل سرور وأخذت جريدتي ثم غادرت لأعود إلى النُّزل وأعد غذائي..

رواية من خيالــــــي 434587081

مضى يوم آخر وخطرت 'ساليس' ببالي لذلك فكرت.. ثم حاولت الاتصال بها لكني عجزت عن ذلك وتخبرني رسالة صوتية أن الرقم خارج التغطية، إنها فعلا فتاة عجيبة وغامضة، أجد صعوبة حتى في الاتصال بها..

بعد هذا اليوم.. مضت ثلاثة أيام ولم أرَ هذه الفتاة التي قدمتُ من مدينتي إلى هنا من أجلها.. إنها تجتاح تفكيري بين لحظة وأخرى.. لاحظت أنها غابت تماما عن هذه البلدة، ربما عادت إلى القرية كما أخبرتني.. إذن هل سيطول غيابها..؟ على كل حال قضيت معظم أيامي في التسلية بإمضاء الوقت في المقاهي ومشاهدة المباريات المحجوزة وأمضيت الوقت أيضا بالذهاب لزيارة أماكن مختلفة وأختار عادة التجول في المدينة حيث توجد الحركة بشكل أكثر وقد أتاح لي ذلك التعرف على عدد لا بأس به من الفتيات المتحررات بغرض الترفيه برفقتهن ولعب البلياردو معهن.. وحين يهبط الظلام أسهر مع الساهرين وأحيانا أخرى أعود إلى غرفتي بالنزل لأضفي عليها جوا مملا لا يطاق..

في ظهيرة اليوم التالي اشتدت الحرارة وبلغت ثمانية وأربعين درجة.. بللت شعري وشربت من قنينة ماء بارد طلبتها من صاحب النزل 'عم الحسين'.. أعددت طاجينا للغذاء.. أعرف أني لست طاهي جيد لكن لا بأس في تناول طعام غير مقبول أعددته بنفسي، ثم تركته لينضج وسكبت لنفسي كأس شاي.. جلست على الأريكة في صالة النُزل فهي أقل حرارة، كل الغرف التي تجاور غرفتي مقفلة إلا الخاصة بي لذا أشعر بالراحة والحرية لكوني الزبون الوحيد هنا وهذا منح المكان مزيدا من الهدوء، كما أن 'عم الحسين' قليل الحركة في الطابق العلوي إلى درجة نسيان وجوده..
ذهبت إلى المسجد للصلاة.. وفي طريق عودتي صادفت مرة أخرى 'بوعزة' وألقى التحية ودعاني للغذاء فعبرت له عن امتناني واعتذرت منه بأدب ووعدته بأني سأقبل دعوته في المرة المقبلة..
حين أنهيت غذائي وهدأت معدتي استلقيت على سريري.. لا أعرف لماذا كلما أغلقت جفنيّ واسترخت عضلاتي واستكان عقلي أفكر في تلك الفتاة الغريبة التي التقيت بها مرة واحدة فقط في المتنزه وبالكاد تعرفت عليها، ومع ذلك أشعر بإحساس ينمو بداخلي.. إحساس يجعلني أشعر أن هناك شيء جميل في انتظاري لأكشف عنه.. إن هذا لشعور غريب ومتناقض مع ما كنت أفكر فيه من رغبتي في الابتعاد عنها.. رغبت في صفع نفسي بقوة ربما أعيد تثبيت أفكاري المتناقضة.. زعمت سابقا أني لن أمانع لو طلبتْ أن أبتعد عنها وألا أراها من جديد.. لكني أتساءل الآن في نفسي كيف ستكون ردة فعلي إذا حدث ذلك فعلا..! لم أتوقع حصول أيّ شيء من هذا ولم أعمل له أيّ حساب لظني أن لا وجود للفتاة التي ستستطيع الإيقاع بي وأن تحرك فيَّ شيء إلا بإذن مني.. وما كنت لأسمح بذلك لأني لففت حول قلبي قيدا سميكا يصعب فكه.. فإذا بي أجد نفسي منهزما وعاجزا عن المقاومة أمام فتاة في غاية البساطة والأهم من ذلك بالكاد أعرفها.. أتساءل هل أنا فقط من يفكر هكذا..؟ هل تراودها أيضا مثل هذه الأفكار الغريبة وتشعر بشيء تجاهي ولو بنسبة يسيرة..؟ لا أظن ذلك.. ماذا فعلته بي هذه الفتاة..؟

حاولت إرغام نفسي على عدم التفكير كيلا أصدق أن هناك شيء حقيقي يجذبني إليها.. فأغلقت عينيّ لأغفو وتركت عقلي يستريح بهدوء.. وبعد قليل، دون أيّ شعور مني.. أو دون أية إرادة مني.. خطرتْ لي ملامحها وخصلاتها التي تحركها الرياح الدافئة بخفة وتتموج بشكل ساحر على وجنتيها الورديتين مما منحني احساسا بالاطمئنان والابتسامة مرتسمة على شفتاي، غموضها يمنحها قوة جاذبة وغريبة تجعلني لا أستطيع التكهن بما تفكر فيه.. أشعر بردة فعل جميلة في كل نقطة في جسدي وفي كل جوارحي.. هل هذا ما يسمونه الحب..؟ هل أنا متيم بها..؟ كم هذا سخيف ولا يصدق أبدا..!

بعد أقل من نصف ساعة من غفوتي استيقظت وشعرت براحة جسدية وفكرية فعبأت حساب الإنترنت؛ لأني لم أتواصل مع أحد منذ أن جئت إلى هذه البلدة.. فتحت الماسنجر في الكمبيوتر المحمول وذهبت إلى صالة النزل لتحسين الإرسال.. فإذا بي أجد أيقونة اتصال 'ساليس' في وضع نشط فغمرتني السعادة لذلك، بعثت سلامي عبر نافذة المحادثة وانتظرت ردها لما يقارب خمسة دقائق فبعثت بالرد أخيرا:

« وعليك السلام ورحمة الله.. كيف حالك..؟»

« أنا بخير شكرا لك..»

استفسرت منها سبب عدم قدرتي على الاتصال بها، فأخبرتني أنها كانت في منزلها في القرية وإرسال الهواتف منعدم هناك.. فسألتها عن سبب رحيلها في ذلك اليوم هل كان بسبب إساءة صدرت مني بغير قصد، فأجابت بأن طبيعة عائلتها متشددة جدا وأخبرتني أن انتقالها من قريتها إلى هذه البلدة ليس إلا بسبب مرض زوجة عمها لأنها أحيانا تصاب بعجز في ركبتيها وهي أرملة ووحيدة وليس لديها سوى ابن واحد يغيب كثيرا عن المنزل ولا تجد من يعتني بها ويساعدها لذلك يأمرها والدها بالمجيء إلى هذه البلدة كلما تفاقمت حالتها.. تفهمت الأمر وكتبت معلقا عن أسفي لمرض عمتها.. بعد هذا الحديث سألتها كاتبا:

«أخبريني يا 'ساليس'، هل هناك مانع إن طلبت رؤيتك مباشرة وأن نلتقي في المتنزه نفسه الذي التقينا فيه آخر مرة..؟ أعرف أنك قد تجدين مشكلة في ذلك.. لكن أحتاج لأن أفهم بعض الأمور عنك وكذلك تتعرفي عليّ بشكل أفضل وهذا لن يتم إلا إذا التقينا مباشرة..»

انتظرت تعليقا منها ولم أبادر بكتابة شيء، وبعثتْ:

«سأقترح يوم الثلاثاء المقبل لأن ابن عمي دائم التجوال في البلدة، سيذهب يوم الثلاثاء إلى القرية كما يفعل كل أسبوع وسيغيب أياما هذه المرة بسبب كثرة أشغاله.. يمكننا أن نلتقي في ذلك اليوم..»

اليوم هو السبت، بقي ثلاثة أيام.. يمكن للمرء أن ينتظر هذه المدة للالتقاء بهدوء بمن يحب، فكتبت لها:

« «حسنا.. أراك إذن يوم الثلاثاء بعد العصر لأن حرارة الجو تنخفض قليلا في ذلك الوقت..

أنهيت محادثتي بعد أن فعلتْ ذلك أولا حتى لا أبدو قليل الذوق..

لن أخبركم بماذا أحس.. لا أستطيع أن أصف لكم شعوري.. أحس بسعادة كبيرة لا تتسع لها هذه الدنيا كلها ويهيأ لي أن الزمن يمضي ببطء شديد وأتمنى لو يسرع قليلا، أفكر كل لحظة كيف سيكون لقائي بها وكيف سيكون حديثي معها.. أشعر وكأن هذا اليوم لن يأتي من شدة رغبتي للقائها..

جاء أخيرا يوم الثلاثاء وكنت سعيدا لأن هذا اليوم يعني لي الكثير، سألتقي بالفتاة التي لطالما رغبت في الالتقاء بها طيلة حياتي الماضية وها قد تحقق حلمي أخيرا لأن هذا ما سيحدث بعد العصر..

في هذا الوقت تأنقت مرتديا ثيابا خفيفة عبارة عن قميص بنصف كم أغلقت أزراره وبنطال أبيض خفيف.. بخختُ عطري المفضل فأصبت بالحساسية.. وأنا أمسح أنفي بالمنديل الورقي، تذكرت كتابها الذي كدت أنساه، إنه داخل درج الطاولة الصغيرة قرب سريري أخذته معي وقدت سيارتي متجها إلى المتنزه الذي سبق والتقينا فيه.. لا أحد يجلس على الكرسي، كما لو كان خاص بنا نحن الاثنين فقط.. جلست وانتظرت قدومها وكان الكتاب في يدي، فتحته لأقرأ بعضا من صفحاته إلى حين مجيئها..

مضى الوقت فخشيت أن يمر هذا اليوم أيضا دون أن أراها.. مضت ساعة إلا ربع على جلوسي هنا منتظرا، لكني بقيت مزيدا من الوقت وأحاول ألا أفقد صبري وأتابع قراءة الكتاب.. وحين بلغت صفحة اكتفيت وقطفت وردة وردية اللون من باقة ورد من إبداع الخالق نبتت بجانب الكرسي.. جمالها يوازي روعة عبيرها.. وضعتها في الصفحة التي بلغتها ثم أغلقت الكتاب بلطف.. أعتقد أن هذه الفتاة لن تأتي وقد منعها مانع من الحضور لذلك أعتقد أن الموعد قد ألغي ولا حاجة لأن أجعل انتظاري يطول أكثر قد بلغ صبري منتهاه.. حين رفعت رأسي رأيت فتاة ـ أحسب أنها هي ـ فعلقت أملي بألا يكون بصري مخطئا.. لا.. هذه المرة أصبح الحظ حليفي واستبشر وجهي.. لقد كان رد فعل مشاعري أقوى بكثير مما توقعت، وكنت حريصا على منع جلاء ذلك عليّ.. لذلك أعتقد أن مظهري هادئ وأنا أقف من أجل تحيتها.. إنها آتية ولا يخفى عليّ أبدا أنها بدت لجمالها مثل الوردة التي قطفتها لتوي وخفق لها قلبي بقوة.. لقد اختفى كل شيء حولي وما عدت أبصر أحدا إلا هي مثل وردة مشرقة في الصحراء.. قد تكون مجرد خيال أو سراب.. وإن كانت كذلك فلن أزور طبيب عيون أبدا.. سارت نحوي بخطوات هادئة وبدت وكأن قدميها لا تطئان الأرض أبدا.. مثل ملاك جميل يتقدم نحوي بهدوء وبدون عناء على سحابة وردية كالسجادة السحرية.. أصبحت أمامي الآن وفاحت منها رائحة عطر زكي استنشقته وأحسست بجريانه في عروقي مثل الدم وقد غذى مشاعري وروحي وتفكيري وكل خلية فيّ، حقا كيف يمكنني الابتعاد عن فتاة مثلها وقد أحيت قلبا كان في نوم وسبات عميق لسنوات وأصبح في هذه اللحظات ينبض بالحياة وبقوة من شدة فرحه بحلول فصل الربيع..

إنها ترتدي فستانا طويلا وبسيطا كالعادة مزين بورود حمراء، إن بساطتها وعدم تكلفتها هما سر ذوبان قلبي وخفقانه في كل دقيقة تخطر فيها على بالي، ومع ذلك فإنها تبدو ـ رغم بساطتها- كأجمل ملكات الكون بأسره، ارتسمتْ ابتسامة ساحرة على شفتيها:

« مرحبا.. آسفة لقد تأخرت عليك لأني..»

رفعتُ يدي مقاطعا:

« لا تقولي شيئا.. المهم عندي هو أنك الآن هنا.. تعالي لنجلس..»

لقد بدت أكثر ارتياحا من المرة السابقة.. لقد أسعدني ذلك.. جلسنا ولاحظت أنها لم تجلس بعيدا هذه المرة بل كانت قريبة ولا تفرقنا إلا مسافة شبر واحد ويكاد فستانها يلامس بنطالي.. أكان وجود ابن عمها في البلدة يمنعها من التصرف بحرية ويسبب لها كل ذلك الخوف والقلق الذي شعرت بهما حين كنا في هذا المتنزه في المرة السابقة..! إذن لا أظنه رجلا عاديا:

« كيف حالكِ هذا اليوم..؟»

أومأت برأسها وقالت:

« بخير.. وأنت..؟»

« «أنا كذلك الحمد لله... بل الآن أحسن حالا.

وصلها فحوى كلامي فابتسمتْ وتوردت وجنتيها في حياء وقد زادها ذلك جمالا على جمالها فقلت مؤكدا:

« أنا أقصد ذلك فعلا..»

شعرتُ برغبة شديدة لأن أستبق الأمور وأخبرها بما أحسه نحوها، لكني كنت خائفا وانتابتني أحاسيس سلبية بأني قد لا أكون الشخص الذي رسمته في مخيلتها كفارس أحلامها أو ربما تتغير أحاسيسها ونظرتها إليّ وخشيت رفضها الذي سيصيبني بصدمة وبخيبة شديدة، لذلك كتمت كلامي في نفسي إلى أن يحين الوقت لذلك، إنها تملك سحرا خاصا جدا، لم أكن أعرف باحتمال وجود شخص في هذا العالم بمثل سحرها، لقائي بها يعادل لقاء ملاك في الأحلام.. بعد حديث مطول سألتها:

« أخبريني يا 'ساليس'.. إسمك جميل جدا لكنه غريب نوعا ما لم يسبق لي أن سمعته..»

«هذا اسم أمازيغي أسمتني إياه أمي وقد كان اسم أمها وهو غير مدون في دفتر العائلة لأنه غير
مقبول إداريا فأسموني 'فاطمة'، لكن أمي لم تستغني عن ذلك الإسم وكانت تناديني به دائما حتى اعتدت عليه..»

ابتسمتْ وقالت:

«قد يضحكك اسمي حين تعرف معناه.. لقد سألت أمي يوما عنه فأخبرتني أن اسم 'ساليس' هو بمعنى الفتاة المتعالية أو الشيء العالي..»

لم أستطع كبت ضحكتي وشاركتني ضاحكة:

« على كل حال هو اسم جميل..»

أومأت شاكرة فاقترحتُ عليها قائلا:

«هل تحبين أن تأكلي شيئا..؟ دعينا نذهب إلى أقرب مطعم واِسمحي لي أن أقترح عليك تناول ساندوتش مع العصير..»

دعوتها وقبلت دعوتي وتناولنا الوجبة في مطعم قريب وتمشينا قليلا وأثناء حديثي معها أعطيتها المجال لتتعرف عليّ أكثر بإخبارها بكل ما يخصني وكل شيء يجب أن تعرفه عني كما استطعت التعرف عليها ومعرفة بعض جوانب من شخصيتها كنت أجهلها، كلما عرفتها أكثر كلما تعلق بها قلبي أكثر وكلما شعرت بأني لن أعيش من دونها ولن أستطيع ذلك مهما حاولت.

بعد هذا اللقاء مضى يومان والتقينا مجددا في نفس المتنزه واخترنا الجلوس على العشب ودار بيننا حديث مطول عن جذورها وأخبرتني أنها الابنة الوحيدة وليس لديها إخوة وقد وُلدت في الرباط لكنها كبرت وترعرعت هنا واعتادت العيش في قريتها الجميلة كما وصفتها..

وسط هذا الانسجام، دارت أفكار كثيرة في رأسي.. هل سأعتبر نفسي قد وجدت نصفي الآخر، النصف الذي سيسعد أمي حتما خصوصا لكونها أرق فتاة في هذا الكون..؟ فسألتها عن مسكنها:

« لقد أخبرتني أنك تقيمين في القرية.. هل يمكنك أن تخبريني أين بالضبط..؟»

«قريتي توجد في أعلى تَلٍ يُعرف باسم 'أمَادْل نْ تاﭽوتْ' أي بالعربية 'تل الضباب' لكون الضباب يجتمع بكثافة نوعا ما في ذلك التل، وهي بعيدة عن هذه البلدة بتسعة أميال تقريبا..»

فكرت قليلا ثم قلت:

« حسنا.. أعتقد أني سأقابل والدك.. وأحتاج إلى التعرف على مكان بيتك بالضبط.»

بعد قولي لاحظت أنها تخفي عني شيئا حين بدوت أكثر جدية فامتقع وجهها لسبب لا أعرفه لكنها تأبى الإفصاح عما تخفيه حين سألتها:

« هل هناك مشكلة..؟»

لزمت الصمت للحظة قبل أن تجيبني بالنفي.. ثم أخبرتني أن لها أب عصبي بعض الشيء..

جوابها لم يقنعني هناك أمر آخر تخفيه عني وكان ذلك واضح جدا من خلال عينيها المتهربتين من عينيّ الثابتتين في وجهها، لا أعرف إن كان هناك إحراج أو مشكلة في لقائي بوالدها، لكن أمام رفضها لمصارحتي لم أحاول أبدا الإصرار أو الضغط عليها لتجيبني فتجاهلتُ ملاحظتي واكتفيت بجوابها:

«حسنا.. لن أذهب طبعا لأشن حربا ليكون أبوكِ عصبيا معي، أو لأعقد صفقة.. أنا فقط إنسان محترم وأرغب بعيش حياة محترمة ومستقرة مع زوجة تفهم وتقدر ذلك جيدا.. هل أخطأت في ذلك..؟!»

أبقت عينيها منخفضتين للحظات وبدت وكأنها تفكر ولا أعرف في ماذا، ثم رفعتهما ناظرة إليّ وقالت:

«أبي معروف في قريتي باسم 'الحاج عبد الرزاق التاجر'.. إن وصلتَ إلى قريتي اسأل أي شخص عنه فسيدلك على بيتي.»

أومأت برأسي متفقا.. لقد طال حديثنا ولم أنتبه إلى الشمس التي أوشكت على الغروب وكان منظرها ساحرا كسحر هذه الفتاة الغامضة..

أوصلتها بسيارتي بسبب قرب الظلام حتى بلغتُ مشارف حيها:

« حسنا.. ابعثي لي برسالة من هاتفك حين تصلين إلى بيتك لأطمئن على وصولك سالمة.»

تذكرتُ الكتاب الذي كدت أنساه مرة أخرى:

« خذي.. هذا كتابك، لقد كدتُ أنساه.»

أخذت الكتاب من يدي ثم ودعتني بابتسامتها الجميلة والرقيقة والتي ظلت في رأسي حتى بعد الفراق.. لا أقدر أبدا على بعدها عني.

رواية من خيالــــــي 434587081
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 10:54 pm


الحقيقــــة المُرة


في اليوم التالي بعد العصر.. سأذهب إلى قرية 'ساليس' لأقابل الوالد العصبيّ، آمل أن أجده في مزاج رائق، لا يزال الجو حارا لذا ارتديت ثيابا خفيفة ولائقة ووضعت نضرات شمسية ثم انطلقتُ بسيارتي متجها إلى 'تل الضباب'.. كنت أقود بسرعة ثمانين كيلومتر في الساعة وقد كان الطريق طويلا وخاليا من رجال الأمن لذلك كنت أقود بكل حرية.. مررت بلافتات ترشد إلى 'تل الضباب' وإلى قرى مجاورة.. مضت نصف ساعة حين وصلت إلى طريق جانبي وعر يؤدي إلى هذا التل فانعطفت يسارا نحوه.. بدأت سيارتي بالإهتزاز بسبب الهضبات الصغيرة والأحجار التي أحاول قدر الإمكان تجنبها، أنا لن أقلق على سيارتي فهي من نوع الـ 'بارادو' أي مجهزة لمثل هذه الطرق الوعرة.. تابعت القيادة وبدأت بصعود التل لأصل إلى القرية التي لا أعرف كم تبقى من مسافة لبلوغها.. أمر بين حين لآخر ببعض السكان المحليين يجرّون حميرهم طلبا للماء، والكل ينظر بفضول.. لم يكن صعود التل بالسيارة صعب جدا بحد ذاته لكن الأحجار التي تملأ الطريق جعلته كذلك وبعض الحفر حفرتها الخنازير البرية موجودة هنا وهناك.. تجنبتها لكني فشلت في تجنب واحدة فعلقت عجلة سيارتي الخلفية.. حاولت تجاوزها لكن العجلة اكتفت بالدوران حول نفسها محدثة ضجة وغبار كثيف.. توقفت وانتظرت قليلا حتى رأيت مجموعة من الشبان ودون أيّ طلب مني عرضوا عليّ مساعدتهم.. قاموا بدفع السيارة وأنا أضغط دواسة السرعة وقد نجح ذلك حين قفزت العجلة أخيرا إلى خارج الحفرة.. حمدا لله.. شكرت أولائك الشباب شكرا جزيلا ثم واصلت القيادة حتى اقتربت من القرية..

لم تمض إلا عشرة دقائق فبلغت القرية أخيرا.. أوقفت محرك سيارتي عند ظل شجرة فعاد الهدوء إلى رأسي.. ترجلت ثم فعَّلت قفلها.. كان المكان خاليا من الناس إلا طفلا كان يعبث بالحصى وطلبت منه أن يدلني على منزل هذا الحاج فأعطيته قطعة نقدية:

«بكل تأكيد يا عمي.. تعال واتبعني.. سأرشدك إلى متجره لأنه على الأرجح يوجد هناك وليس في المنزل.»

سرنا أنا وإياه حتى بلغنا المتجر فشكرت الولد ووعدته بقطعة نقدية أخرى قيمتها خمسة دراهم مقابل انتباهه لسيارتي..

سرت إلى المتجر.. المكان يسوده الصمت والسكون لا أسمع إلا وقع أقدامي وأنا أدوس التراب والأحجار التي تعثر سيري وأصوات العصافير والحشرات المختلفة بسبب الحرارة المرتفعة.. مسحت بمنديلي العرق المتلألئ على جبيني..

توقفت عند المتجر ورفعت نظاراتي الشمسية فوق رأسي.. وجدت الحاج منحني الظهر وغارق في فك لصاق صناديق السلع بسكين كبير، لقد بدا رجلا طيبا وهيئته تبدو عكس ما قالته ابنته..
كان مرتديا جلبابا متواضعا رمادي اللون وطاقية بيضاء.. أعلمته بوجودي حين ألقيت تحية الإسلام.. بسبب طول انحنائه اعتدل واقفا ببطء كأيّ مسن أرهقه العمل.. بعد أن استعاد توازنه نظر إليّ نظرة شاملة قبل أن يقول:

« وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. هل من خدمة..؟»

« لا أبدا.. جئت فقط قاصدا الحديث معك في أمر.. هذا كل شيء..»

كان كلامي مثيرا للاهتمام فأظهر رغبته في الاستماع إليّ:

« نعم.. أسمعنا الله أخبار الخير..»

«خير إن شاء الله.. أولا أود أن أعرفك عن نفسي.. أنا 'مروان' من مدينة 'أكادير' وأعمل موظف في شركة تجارية و..»

قاطعني وقد طُبع الملل على ملامح وجهه وبدا كمُتكهنٍ بوراء قدومي إليه، اتضح لي انخفاض رغبته في الاستماع:

« نعم.. نعم.. بكل اختصار ماذا تريد..؟»

نظرت إليه للحظات ثم قلت:

« حسنا.. لقد جئت لأني أرغب في طلب يد ابنتك للزواج على سنة الله ورسوله.»

بعد قولي فاجأني حين عاد إلى ما كان يقوم به وهو يقول:

« ابنتي مرتبطة وستتزوج قريبا..»

لم أفهم ما قصده:

«أوَ لست بـ 'الحاج التاجر'..! لقد سألت الناس عن الفتاة التي أقصدها، فأخبروني أنها ابنتك وهي غير مرتبطة.»

أومأ برأسه وأجابني:

« بلى أنا أبُ 'ساليس'.. وأنا أعلم بها وليس الناس هم من يعلم.»

فجأة تحطمت حولي كل أحلامي التي كانت سراجا مضيئا أضاء حياتي، فعاد كل شيء أسود مثل الدُّجى وما عدت أقوى على شيء إلا التفكير في أمر واحد: 'لماذا لم تخبرني 'ساليس' بأيّ شيء عن هذا..؟!'

لقد تعكر مزاجي... لا أعرف كيف أصف حالي.. لقد تبعثرتْ وتناثرتْ أجزائي كلها.. عاد السؤال إلى رأسي: 'لماذا لم تخبرني 'ساليس' أنها ستتزوج من شخص آخر..؟'، كنت متأكدا من أن هناك أمرا تخفيه عني، فأسلوب حديثها كان مبهما حين رغبتُ في لقاء والدها.. لكن ما معنى هذا كله..!؟ نظرت إلى ساعة هاتفي وتشير إلى السادسة إلا ربع، عدت إلى سيارتي.. أبطلت قفلها ثم جاء الولد منتظرا القطعة النقدية التي وعدته بها.. لقد نسيت، أخرجتها من جيبي لكنها لم تكن خمسة دراهم بل كانت قطعة نقدية قيمتها درهمين، وليس عندي غيرها فأعطيتها له:

« آسف يا ولد.. لقد ظننتها خمسة دراهم.. إنك الآن تدين لي بثلاثة.»

لا أظن أني سأستطيع تسديد ديني لهذا الولد لأني لا أعتقد أن قدماي ستطآن هذا المكان مرة أخرى.. سأترك قدري وحده يحكم بذلك.

قدت سيارتي لأعود وحين وصلت إلى الطريق المؤدي مباشرة إلى البلدة زدْتُ في السرعة لأن ذلك يشعرني بالسكينة، لا وجود لرجال الأمن ومراقبي سرعة السيارات لذا أنا حر في القيادة..
وصلت إلى النُزل وشعرت برأسي يكاد ينفجر لذا أغلقت عيني وتركت الماء البارد ينصب من الرشاش على رأسي ربما تنطفئ ناري..

في الصباح التالي خرجت قاصدا المقهى.. لكن ليس مقهى 'بوعزة' فليس لدي أي مزاج لتحمل تحملقاته المزعجة وسماع مديحه الزائد لنفسه ولبلدته الكئيبة.. تناولت إفطاري بهدوء.. أخرجت هاتفي ثم اتصلت بها وأجابتني.. ألقيت تحية الصباح فظلت صامتة لأن نبرة صوتي كانت غريبة على مسمعها:

«لقد ذهبتُ إلى قريتك أمس وقابلت أباكِ.. أخبريني، لماذا قال لي أنك قريبا ستتزوجين..؟ ألأن ذلك كان صحيحا..؟»

انتظرتُ ردها فقالت وكأن الكلمات صارت أثقل من الصخور العظيمة:

« حسنا.. أبي قد فرض عليّ الزواج من ابن عمي..»

بعد قولها قلت مستنكرا:

«أتقولين ذلك أخيرا..؟ وبكل بساطة..؟ لمْ تخبريني بأيّ شيء من ذلك.. لماذا..؟ كيف يعقل ذلك..!؟ أتعبثين بي.. أكانت نواياي بالنسبة لك مجرد لعب..؟ أو تعلمين إذن..؟ لا يهمني أمرك.. كيف عساي أعبأ بلعوب مثلك..! فلتتزوجي من شئت و..»

سمعت رنين انفصال الخط.. لقد أنهت المكالمة.. أنا غاضب ومنزعج جدا.. لماذا أخفت عني كل ذلك الكلام..؟ والأهم من ذلك.. ماذا تريده مني وهي ستتزوج من ابن عمها..؟ هذا شيء يكاد يفقدني عقلي.. أم ربما أخفت الأمر إذ بعد علمي سأنسى أمرها.. على كل حال ما لزوم ذلك.. لا أرى أيّ سبب يبرر تصرفها..

رواية من خيالــــــي 434587081

بعد كل هذا، كان من الصعب عليّ نسيان أمرها ومحو صورتها من رأسي وهذا شيء يثير جنوني.. حاولت تهدئة أعصابي فاخترتُ هذه المرة الذهاب إلى مقهى 'بوعزة' بعد عصر هذا اليوم لأشاهد الدورة الأوربية لمباراة في كرة القدم وكانت بين الفريقين الريال والبرصا.. هدأت قليلا حين وجدت المكان مكتظا بالشباب في جو مليء بالحماس على صوت الجمهور وطبول المشجعين على الشاشة منتظرين ساعة بدء المباراة.. رأيت طاولتي ولاحظت أن لا مكان لي فيها، سبقني إليها خمسة شبان لذلك ذهبت إلى طاولة أخرى لأنضم إلى ثلاثة آخرين فجلست بهدوء قبالة الشاشة الكبيرة الموضوعة فوق رُفٍ عالي في زاوية السقف..

انتهت المباراة بتعادل بهدف لمثله في انتظار ما ستُسفر عنه المباريات القادمة في الأيام المقبلة.. قام الكل وغادرتُ مقهى 'بوعزة' وشكرت الله لأني لم ألتق بذلك الرجل.. ذهبت لأتمشى قليلا.. الشارع أصبح نشيطا بالحركة لأن التمشي لا يحلو إلا بعد العصر لانخفاض الحرارة في هذا الوقت.. بعد قليل وقعت عينيّ على فتاة.. إنها 'ساليس' كانت تحدث فتاة أخرى وتحمل في يدها شيئا اشترته من الدكان وحين ودعتها استدارت لتعود إلى منزلها فوقع بصرها عليّ وأزالت نظرها فورا بشكل عفويّ وكأنها لا تعرفني.. لا ألومها.. لماذا ستدعي أنها تعرفني وهي ستتزوج ابن عمها قريبا.. لم أعد أشعر بأيّ فرق بينها وبين فتاة أخرى، الفرق الوحيد هو احتلالها عقلي دون الكثير من البنات..

شاءت الأقدار أن ألتقيها حين ذهبتُ إلى السوق الأسبوعي المتواضع يوم الخميس.. كنت قد اشتريت بعض الأشياء التي سآخذها حين أعود إلى مدينتي، التقيتُ بها صدفة تحمل سلة مليئة بالخضر وبقبضتين من المقدونس متدليتين على جانب السلة وكانت عائدة إلى المنزل، فتعمدت محاصرتها بوقوفي أمامها فقالت متجنبة النظر إليّ:

« أفسح لي الطريق ودعني أمر..»

تجاهلتُ طلبها وقلت:

«لقد سئمت من كلامكِ الغريب والمتناقض والناقص.. هلا أسمع منك توضيحا كاملا بدل توضيح نقطة بنقطة على حدة..»

أجابت بعبوس:

«وهل تركت لي فرصة أو مجال وأنت تصرخ دون انتباه في وجهي عبر الهاتف..؟ أضف إلى ذلك.. كيف تريد توضيحا ألست أنت من قال لم يعد أمري يهمك..!»

تنهدت وأردت أن أستعيد هدوئي وأنا أقول:

«حسنا أنا آسف وأعتذر بسبب كلامي.. أما الفرصة فقد كانت دائما متاحة لتخبريني ولم تفعلي.. على كل حال.. وقع ما وقع فدعينا ننسى الأمر..»

كان المكان مليء بالناس ورغم غضبها مني فقد سمحت لي بأن أحمل عنها السلة حين بادرت بذلك، فقلت مقترحا:

« دعينا نبتعد عن هذا المكان المزدحم بالناس فاللصوص تحب الأماكن المكتظة للسرقة.»

عاد إليها الهدوء ووافقتني وسرنا مبتعدين ولم نتحدث عن أيّ شيء إلى أن ابتعدنا من ضجيج الناس وصياح البائعين فأحسست بعدها بالهدوء أيضا.. وقفنا تحت ظل شجرة كانت بعيدة شيئا ما عن الحي الذي تسكن فيه ثم وضعت السلة على الأرض ونفضت يديّ ثم سألتها:

«أنا لن أتدخل في حياتك.. إن كنت راضية بالزواج من ابن عمك..»

قاطع كلامي مزاجها العكر فأبقت عيناها منخفضتين فأحسست بأنها تحاول إخفاء دموعها وتحاول تمالك نفسها وكتمان بكائها:

«ليست لديك فكرة عن حالي.. سامح الله أبي.. لم يعبأ بي يوما ولم يعبأ بمستقبلي، لقد كان في الماضي مدمن قمار من الدرجة الأولى وباع كل ما تركه له جدي من أراض وأنفق كل ما لديه من مال في القمار حتى أصبحنا لا نملك شيئا.. بينما عمي المتوفي كان رجلا ذكيا حين حافظ على أملاكه وعلى أراض زراعية تعود عليه بأرباح طائلة وكان يستثمر أمواله بإنشاء مقهى أسماه باسم ابنه 'بوعزة' الموجود في هذه البلدة..»

'بوعزة'..!؟ قلت في نفسي.. أذلك الرجل الضخم صاحب الشوارب الكثة يكون ابن عمها الذي ينوي أبوها بأن يزوجها له..؟ فتابعت 'ساليس' قائلة:

«لقد وعد 'بوعزة' أبي أن يمنحه بعض أملاكه إضافة إلى صداقي الذي سيعطيني إياه إذا قبل أن يزوجه بي.. أنا مجرد صفقة مربحة لأبي لذلك فرض عليّ ألا أتزوج أحدا غيره لأنه فاحش الثراء وسيغنينا بقية حياتنا ولن نقلق حيال المال في المستقبل أبدا..»

« حسنا.. وهل أنت راضية بذلك..؟»

لم تستطع تمالك نفسها أكثر فانفجرت باكية وصاحت معاتبة:

« هل أنت مجنون..!؟ أأبدو لك سعيدة بذلك..؟»

بسبب بكائها تحملق فينا بعض المارة بقربنا:

« أرجوك اهدئي نحن في مكان عام هذا لن يحل المشكلة..»

بعد لحظات تمالكت نفسها ثم قلت:

«اسمعيني.. إذا كان المال عند أبوك هو شغله الشاغل فسأعرض عليه أنا أيضا ما يرغب به ليقبل بي زوجا لك..»

أعطيتها منديلا ورقيا لتمسح دموعها، وبينما هي تفعل ذلك، نظرتُ حولي ورأيت رجلا من بعيد ينظر إلينا بشكل ملفت جدا، ففكرت ألا أطيل الوقوف معها فإنها تكون ابنة عم رجل مهم في هذه البلدة، لذلك يحملق فينا ويحملق كل من يمر بنا، سِرنا أنا وإياها دون أن ننطق بأية كلمة ولم يدر بيننا أيّ حديث، فقد تجمدت الكلمات بصقيع شبح الفراق الذي يحوم حولنا.. لكن.. مع ذلك، خطاب أبلغ وأقوى من أيّ كلام كان داخل كلينا ولا أيّا كان يقوى على فصله.. أسمعها بوضوح مثلما تسمعني بوضوح.. اقتربنا من الحي الذي تسكن فيه، فقالت شاكرة:

« سأحمل سلتي من هنا لأعود إلى المنزل.»

رغم ذلك الأمل الذي وعدت به، شعرت بأني سأفقدها رغم كل شيء، لا أعرف سبب هذا الإحساس المشؤوم الذي أرسل غيمة سوداء إلى سماء أحلامنا الوردية.. هذه الفتاة إن لم تكن من نصيبي يوما فذلك لن يغير مكانها في قلبي وإن طال بي عمري.. رفعتُ يدي لأزيل بعض الخصلات المنسدلة على جبينها وقلت بصوت قريب إلى الهمس:

«حسنا.. اذهبي يا 'فاطمة' واهتمي بنفسك جيدا وإذا احتجت لأيّ شيء لا تترددي فيسعدني أن أكون في خدمتك دائما.»

ناولتها السلة ثم ودعتني بعينيها وبادلتها نظرات تركتها تقرأ الحزن فيهما وقد جعلها ذلك تستدير ذاهبة قبل أن تنفجر باكية.. رغبتُ بالإمساك بها وأمنعها من الابتعاد.. لكن.. تحجرت أصابع قبضتي وعجزت واكتفيت بمراقبتها منهزما وهي تبتعد آخذة روحي معها..

حين غابت تحركتُ لأذهب أيضا.. لكن دون أن أتوقع.. رأيت شخصا.. شخصا لم أحسب له أيّ حساب.. لقد كان يراقبنا من بُعد أكثر من خمسة عشرة مترا تقريبا.. إنه.. ' بوعزة'.. مثل عفريت مارد لقد عاد بسرعة من القرية.. ألم تقل 'ساليس' هو لا يزال هناك..! أم شخص أبلغه بشيء عبر الهاتف فجاء بسرعة البرق.. هذا احتمال وارد بسبب ملاحظتي لعدد لا بأس به من الأشخاص الذين يراقبونني حين كنت برفقتها.. رغم بعده فأنا أعلم أنه ينظر إليّ بعينين مستعرتين وغاضبتين، لقد رأى وقوفي مع 'ساليس' ابنة عمه ـ وهذا شيء غير متوقع فعلا ـ لاحظ الود الذي بيننا.. أكيد هو لا يبارك لنا ذلك.. لكنه لم يحرك ساكنا.. اكتفى بالنظر إليّ فقط، فأزحت نظري عنه.. ربما لم يصدر منه أيّ رد فعل لأنه لا يريد لمْ الناس حوله إذا جاء إليّ راغبا في النزاع أو في أيّ مشادة كلامية مثيرة لمحبي المصائب.. لقد رشح نفسه للانتخابات ولا يريد تلطيخ سيرته ونشر الإشاعات حوله فيصبح اسمه على كل لسان ويخسر الأصوات..

قمت بجولة قصيرة قبل أن أسير عائدا إلى النزل وأنال قسطا من الراحة.. إن النزل الذي أقيم فيه هو على بعد خطوات فقط من مقهى 'بوعزة'، لذلك سرت في طريق آخر حتى لا أصادفه لكوني في مزاج لا يتيح لي قبول أية مناقشة.. لكن.. كما نقول نحن الأمازيغ: 'أذكر النمر.. تراك ممسك بذيله'، لقد وجدت 'بوعزة' فجأة واقفا أمامي مباشرة بهيئته الهمجية.. استقرت خطواتي أمامه.. لقد كان باردا وهادئا:

« تعال معي إلى المقهى ولا تجعلني أكرر كلامي.»

لا يدعوني لتناول العشاء طبعا وأعرف ماذا سيقول، لقد أمرني باستعلاء وأنا لا أحب هذا الأسلوب للمخاطبة.. لكني مبدئيا سأحافظ على أعصابي.. جلسنا على كرسيين موجودين حول طاولة عند مدخل المقهى.. فمال نحوي ثم قال بصوت قريب إلى الهمس:

«تلك ستكون آخر مرة أراك فيها مع ابنة عمي، ولقد اكتشفت من قليل أنك لا تلتقي بها من ورائي وحسب، بل وتتصل بها عبر الانترنت وعبر الهاتف.. وسأخبرك بأنها خطيبتي وستكون زوجتي عما قريب ولن أحاسبك على شيء الآن.. لكن.. إن حاولت اتخاذ طريقا إليها بعد هذا الذي قلته لك واستهنت بي وبكلامي فلن تجدني ودودا بالمرة.. ولا تحسبني أخاف من فضيحة ما، اليوم هو الآخِر في جمع الأصوات الانتخابية وهناك احتمال كبير لفوزي بلقب عمدة هذه البلدة، لذلك لن أتردد في تهشيم وجهك والزج بك في السجن إن فكرت فقط في رؤيتها مرة أخرى.. لذا احذر,,»

لم يسبق أن تلقيت تهديدا.. خاصة بالسجن.. كم هو مضحك..! أنهى حديثه بالنظر في عينيَّ بنظرات جادة وثاقبة وكنت جادا بدوري وتعمدت أيضا تثبيت عينيّ في عينيه بجدية تامة مع أني كنت ساخرا في نفسي وفكرت: لم يَعُد مُرَحَباً بي في هذه البلدة ولا يسعده أبدا وعده باصطحابي لزيارة مغارة 'إمي ن إفري'.. لم أتوقف عن التحديق فيه ولا أنوي فعل ذلك إلى أن يختار هو أولا إزاحة عينيه الثاقبتين عن عينيّ، ففعل ذلك واستقام واقفا ثم انصرف دون أن يزيد كلمة أخرى..

هكذا كان الحديث الذي دار بيننا.. انصرفت أيضا.. يظن أنه قد ترك في نفسي شيء من الجزع والخضوع والإذعان لأمره.. لكن الحقيقة لم تتغير ولا أنوي التخلي عن هذه الفتاة، لو كان يعرف ذلك لعجل في تنفيذ ما هددني به للتو.. فليفعل ما يحلو له..

في اليوم التالي تم الإعلان عن المترشح الذي نال الأصوات.. إنه بالطبع 'بوعزة'.. لقد أصبح عمدة هذه البلدة وصارتْ له السلطة..

رواية من خيالــــــي 434587081

مرت ثلاثة أيام.. التقيت والد 'ساليس' في البلدة وحين حاولت التكلم معه رفض الحديث معي وأضاف تهديدا مثلما فعل ابن أخيه المجنون 'بوعزة'.. واكتشفت بعدها أن ليس بيدي حيلة، لقد جربت كل الوسائل لتكون ابنته لي لكن وسائلي باءت بالفشل كما توقعت.. لقد فاز العمدة وإني آسِفٌ حقا لذلك..

لقد اشتقت إليها، فمنذ ذلك اليوم حين رأيتها عند السوق الأسبوعي لم أرها بعد ذلك فازداد شوقي إليها، لم أحاول الاتصال بها، ليس لخوفي على نفسي بل لخوفي عليها.. فشعرت بأني أحتاجها أكثر من أي وقت مضى.. بدأتُ أشعر بأعراض الإفتقاد إليها.. إنها أعراض مميتة وأسوأ من افتقاد النيكوتين.. هي بالنسبة لي الطاقة التي تمنحني القوة وتمنحني الرغبة والاستمرار في هذه الحياة التي أصبحت سرابا من دونها والعالم أصبح فارغا.. ليثني أستطيع رؤيتها ولو رؤية خاطفة.. يبدو أني فقدتها إلى الأبد، نظرت بأسف إلى القمر في كبد السماء مضيءً حوله لطخات ضبابية خفيفة كلوحة فنية ويضيء هذه البلدة الكئيبة والمظلمة في عينيّ.. لا أرغب بالنوم.. كنت أقرأ كتابا فانقطع النور فجأة كما يحدث دائما هنا بسبب الإمكانيات المحدودة لهذه البلدة وهذا النزل بالخصوص فاستعنت بالشمعة للحظات فقط ثم أطفأتها بسحق شعلتها بأصبعيّ واكتفيت بالجلوس في الظلمة على الأريكة بجانب النافذة وأنظر إلى القمر أخاطبه في نفسي.. كيف يغمض لي جفن وفتاتي بعيدة عني ولا أعرف عنها شيئا ولا أستطيع رؤيتها بعد اليوم..؟ لقد توقف الزمن والمنظر حولي أراه شفافا وذابلا بلا معنى.. لقد سُرقتْ مني سعادتي كما يخطف الطائر الجارح ضحية كانت تنعم بحياة بريئة وفجأة في لحظة سهو قاتلة غُرست مخالب حادة في جسدها متشبثة بها بحيث لا تترك أيّ مجال لنجاتها ثم يضرب الطائر بجناحيه محلقا بعيدا في رحلة بلا عودة إلى الموت..

بعد قليل رأيت من مسافة غير بعيدة تحت ضوء القمر، أنثى الخنزير البريّ يتبعها ثلاثة من صغارها يبحثون عن طعام في النفايات التي يركمها الناس في صندوق كبير وممتلئ، تسربت القمامة على جوانبه بهزة خفيفة من الخنزيرة.. كنت أتساءل دوما من يقلب هذا الصندوق بتلك الطريقة وظننت أن مدمني الكحول هم من يفعل ذلك وهم يتسكعون.. هذه البلدة لا تلقى أية عناية من المسؤولين، فقد مضت ثلاثة أيام ولم أرى جامعي الأزبال، لقد انتهت مدة الانتخابات وعادت البلدة إلى التهميش والإضرابات..

انتهت إجازتي.. هذا آخر يوم لي هنا، غذا سأعود لـ'أكادير'.. إلى دياري، لذلك قمت بجمع أمتعتي وملأت خزان سيارتي بالوقود.. لا أشعر بأني بخير.. أشعر بأني على وشك ترك شيء يخصني وهو جزء مني.. وليس أيُّ جزء.. هو أهم قطعة فيّ وعليه يعتمد جسمي ليبقى حيا.. لقد انتهى كل ما كان بيني وبينها وإلى الأبد، أصبح كل شيء نسيّا منسيّا تماما كالعمر عندما ينتهي ولا يعود..
ذهبت للتمشي بعد عصر هذا اليوم.. هذه آخر جولة لي.. تعمدت السير قرب الحي الذي تقيم فيه فتاتي، اشتريت جريدة ووقفت عند المتجر نفسه حيث تتردد 'ساليس' كثيرا.. كنت أطالع الجريدة وكانت تغطي وجهي حين جاءت 'ساليس' إلى المتجر، لم أعرف أنها هي حتى سمعت صوتها، فأزلت الجريدة أمام وجهي بسرعة وحين رأتني أسرعتْ بأخذ ما طلبته لتعجل بالانصراف ولحقت بها وأمسكتُ بها وأدرتها إليَّ فقالت برجاء وهي تحاول تخليص يديها من قبضتاي:

« أرجوك دعني يا 'مروان'.. أنت تعرف ماذا سيصيبك إذا رآنا ابن عمي معا.»

«وما أدراك بأني أهتم لما سيصيبني..؟ كما أني لست خائفا منه.. أنت أهم عندي.. لا يمكنني التخلي عنك هكذا بكل بساطة..»

صاحت في جزع:

«أنت مجنون..!»

فجأة صاح ذلك الرجل 'بوعزة' مثل العفريت مناديا عليها، فانتفضتْ لصوته فزعا وحين رأته أسرعتْ بالاختباء خلفي.. راح الناس يحومون حولنا مهمهمين بكلمات الهلاك بأنه سيقضي عليَّ، فقال صائحا في غضب شديد ليُسمع كل من حوله وكأنه على خشبة المسرح:

« ألم تفهم ما قلته سابقا بخصوص هذا أيها السوسي الحقير..؟»

« انتبه..! لا تنعتني بالحقير.»

تقدم نحوي أكثر وبدا كالكلب المسعور وعيناه تكادان تحرقان أيّ شيء يقع عليه بصره من شدة الغضب، ودون أن يزيح عينيه عني صاح في 'ساليس' التي تختبئ خلفي:

« عودي إلى المنزل أيتها الخرقاء وحسابي معك بعد حين.»

أبت الحراك من مكانها خلفي حتى أمرتها بهمس ووعدتها بأن الأمور ستكون على ما يرام.. فالعدو اللدود دائما حسود وعليه وحده في النهاية تلتف القيود وإن كان ذو سلطة أو نفوذ.. تماما كالضفدع كما يقال.. إن وضعته على كرسي وإن كان من ذهب.. عاجلا سيقفز إلى المستنقع..

تساقطت الدموع من عينيها وهي تعود جارية إلى المنزل فعاد 'بوعزة' إلى خطابه معي:

«ألم يحن الوقت بعد، أيها المتطفل، لتعود إلى ديارك وإلى مدينتك الملعونة والبائسة..؟ أغرب عنا وابتعد عنها ودعنا نعيش بسلام، ألن تفهم ذلك إلا بالقوة..؟»

«إن أردت أن أبتعد عنها وأن لا أراها مجددا.. فليس لك إلا خيار واحد وهو أن تمنعني بنفسك.. لأني لا أنوي فراقها أبدا فافعل ما شئت..»

أعرف.. أنا أبدو كجاهل يلعب بالنار.. نعم.. لكني أعني تماما ما أقوله وسأكون على قدر كلماتي وإن كنت أعرف أن لا وجود لأيّ تكافئ بيني وبينه لأن هيأته تصلح للقتال وكأنه آتٍ من حلبة المصارعة الحرة.. بينما أنا أملك جسدا لا يصلح إلا لملأ صفحات المجلات الإشهارية بآخر الصيحات في عالم الموضة لأزياء رجالية فاخرة.. لقد لاحظتُ انقباض عضلة ذراعه اليمنى حين جمع أصابع يده بقوة فوجه سبابته إليّ فصاح:

«حسنا أيها السوسي المخبول، أتحسب نفسك قادر عليّ..! هذا لا يدل إلا على جهلك وقلة معرفتك بي.. أنت بالنسبة لي كالعبث مع النمل ويمكنني التخلص منك بسهولة تماما كرماد السجائر.. لكن لا بأس سآخذك على قدر عقلك وقدرتك الإدراكية المتواضعة.. أنت من جلب ذلك لنفسك ووضعت نفسك في موقف يثير شفقتي.. أنا أحذرك لآخر مرة وأنا جاد.. أقسم لك أمام هؤلاء الناس بأني سأهشم وجهك وأقتلع عينيك وأبعثر شملك وأجعلك عبرة لمن يعتبر إن رأيتك معها مرة أخرى أو سعيت فقط إلى ذلك..»

كان أنفه منتفخا مثل أنف الثور الهائج الذي يستعد لنطح عدوه بقرونه القاتلة.. كيف أمكنه فرض نفسه عليها وهي لا تريده.. أنهى خطابه بنظرة كبرياء وتحقير ثم سار مخترقا الحشد المحيط حولنا في تطاولٍ عائدا إلى منزله.. إن أصاب فتاتي بأيّ مكروه فأنا قادر على قتله، صحيح أني لست قويا مثله لكني لست أيضا جبانا.. الرجولة لا تقاس أبدا لا بالقوة الجسدية ولا بالسلطة أو الكبرياء والتطاول.. أملك النفس التي تجعلني رجلا حقيقيا ولن أسمح له بتهديدي مرة أخرى.. راح الناس ينظرون إليَّ، لقد أصبحت مشهورا خلال دقائق ووجهي الذي كان دائما غريبا أصبح الآن معروفا.. بدأوا بالإنتشار ليذهب كلٌّ إلى مقصده فقد انتهى العرض.

رواية من خيالــــــي 434587081
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالإثنين أغسطس 17, 2015 10:59 pm



ليلـــــة الفراق


غربت الشمس مودعة نهاري الأخير هنا.. فهِمْتُ ليلا في طرقات هذه البلدة كشخص بلا مأوى.. أشعر أني كذلك، مجرد صعلوك يسير بتثاقل على غير هداية في الأزقة يحمل في ذاكرته حكايات عن ماضيه الموجع الذي أوصله إلى حاضره المحزن..

الساعة تشير إلى العاشرة حين دخلت إلى مقهى لم يسبق أن دخلته، فجلست مقوس الظهر ومطأطئ الرأس.. خطر في بالي أن أطلب كحولا علها تريحني وتخدرني ولو لساعات قليلة وأعبر عن حبي لها بدون قيود ثم يغمى عليّ.. لكن للأسف.. والألم يعتصر قلبي ألغيت فكرتي المجنونة في آخر لحظة واستعذت بالله من الشيطان الرجيم.. ربما قد هزمت لكن الهزيمة في هذه الحياة ليست إلا نهاية لمرحلة من مراحل لعبتها.. والأمل لا ينقطع إلا بخروج الروح من الجسد.. وبما أني لازلت حيا أتذوق مرارة هذه الهزيمة بلحظاتها وثوانيها فلن أستغني عن الأمل وإن كان بعيدا.. أحضر النادل كأس الحليب شربته رشفة رشفة وأنا شارد الذهن وعجزت عن تبين مذاقه..

بعد قليل دخلت ثلاث نساء مومسات.. وحين وقع بصرهن عليّ تهامسن بينهن وضحكن ثم ذهبن للجلوس على كراسي حول طاولة غير قريبة مني، كنت أكتفي بسماع كلمات يقلنها يقصدنني بها ويضحكن ولم ألتفت إليهن ولو بنظرة خاطفة.. لا ألومهن.. أعرف أن مظهري مضحك كشخص مهموم تلاعبت به صروف الأقدار كيفما شاءت كتلاعب البحر بحبات الرمل، أو ورقة ضعيفة صفعتها هبة رياح قوية وفصلتها عن غصنها الذي تتغذى منه وطارت بها بعيدا لتتركها وحيدة في الطرقات وتجف ثم تأتي أقدام تدهسها وتبعثر شملها ثم ينتهي عمرها.. هكذا أنا الآن.. عود رفيع ويابس.. ضربة واحدة ستكسرني.. وضعيف تؤذيني أدق قطرة ماء سقطت من السماء، نسيت الوقت ونسيت دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها ونسيت نفسي وكأني في قارب يطفو بي على البحر في حالته الهادئة ولا أرجو وجهة تقودني إلى البر.. فقط الموجات الصغيرة والشاردة تلاطم قاربي بلطف بارد متجهة بي إلى لا شيء.. وأنا لا أشعر بشيء..

سمعت ضجة فاستيقظت من سهوتي ورفعت رأسي المتكئ على راحة يدي.. النادل بدأ بحمل الكراسي وقلبها على الطاولات معلنا توقف الخدمة فتركت المال ثم خرجت برفقة حزني الذي شاركني طاولتي ليعود معي إلى غرفتي بالنزل حيث تنتظرني الوحدة والوحشة بين الجدران.. الأزقة هادئة ومهجورة لا أحد يسير إلا أنا ومجموعة من الفئران التي تسابق خطواتي وتسابق بعضها بعضا..

وأنا أفتح باب غرفتي، شعرت وكأنها لم تعد تقبل بي وقد ملت من وجودي ولا ترحب بي أبدا.. على عكس غرفتي في بيتي التي اعتادت على حياتي البريئة والتعيسة.. بل تشاركني تعاستي وأسراري بصمت وجدرانها هي ملاذي الوحيد والحضن الذي يحتويني..

غلقتُ النافذة ثم نفضت فراشي ووسادتي فوجدت صرصورا قذفت به أرضا وقتلته ثم رميت جثته في القمامة.. استلقيت على سريري.. يجب أن أنام فتاريخ اليوم الرابع عشر من شتنبر وغدا الخامس عشر، أي تاريخ عودتي إلى مدينتي 'أكادير' التي اشتقت إلى رياحها ورائحة بحرها وصوت أمواجها الهادئة التي تتسلل إلى آذاني مثل معزوفة مألوفة أتابع أنغامها متوقعا مسار لحنها العذب، ورياح شواطئها القوية، رغم قوتها تلامس بشرتي بنعومة كالحرير حاملة معها رذاذ البحر وأتذوق ملوحته على شفتاي..

هذه الليلة أشعر بصعوبة شديدة في النوم وكنت أتنهد بملل بين لحظة وأخرى وأنا أتململ فوق سريري وأغير وضعيتي تحت غطائي الخفيف علِّي أجد طريقة أمثل تجعلني أنام غصبا عني.. إنها ليلة طويلة ودافئة يكاد هذا الجو يصيبني بالاختناق، الدقائق تمر ببطء شديد كالسلحفاة والساعة الرقمية تشيرإلى منتصف الليل وكأن الثواني تتسابق للخلف.. لا أسمع سوى صدى نباح كلاب بعيدة تنهي نباحها بعويل كذئب جائع تحت ضوء القمر تتسرب أشعته عبر زجاج نافذتي.. هذا جو أرسل إلى وجداني إحساسا جعلني أفكر.. ليس ببعيد أبدا أن أكون من الأموات وتكون هذه آخر ليلة لي في هذه الحياة ولن يعرف أحد ما أشعر به وما يدور في عقلي من أفكار تتقاذف فيما بينها تقاذف أمواج البحر الهائجة إذا اختلط بماء المطر، فتعود إلى الركود مثل نار خمدت ولم تترك إلا رمادا حين أدرك أن لا مجال لمزيد من الأحلام، فإنها أشبه بسحابة شفافة تنبعث من العود المعطر ولا تدوم إلا ثوان وسرعان ما تذوب في الفضاء كخيال فتاتي حين يغيب أمام عينيّ ويغيب معها تفكيري وأعود شاردا كمن حقن بمخدر.. الحياة قاسية جدا.. من أحبها ليس لأنها انجرفت مع تيار رغباته وإنما تعلم كيف يتفاعل ويتأقلم مع همومها، ولو لم تكن قاسية لما كان للخير والشر معنى.. إلى كنف ذلك فالشيء الإيجابي هو أن جمال الحياة أنت من يصنعه لأن الخير والشر هما خياران مرتبطان بما نتمناه لأنفسنا.. وفي حالتي الآن لا أعرف ما أنا عليه هل هو صواب أم خطأ.. إن كان صوابا فلن ينصفني أحد.. وإن أخطأت فإن هذا الخطأ هو ما جعلني أدرك أن الإحساس وحده يكفي لأن يقلب حياتي ويجعلني أرى كل الأشياء في هذه الحياة جميلا حتى القبيح منها.. والأجمل هو تجربتي التي لن أنساها حين عشقت فتاة.. ولم تكن أية فتاة.. إنها التي أحببت الحديث عنها وأحكي لمن يسمعني ويكتم السر.. كالشجر والحجر.. والسماء التي ترسل المطر.. دون أن تبوح بسري لرفيقها القمر -وهي ﻻتدري - فهو أدرى بعيوني التي أرهقها السهر.. عن الفتاة التي أراها في مخيلتي مثل ملاك ليس من البشر.. وأرى سعادتي من خلال عينيها البريئتين وإن ساء القدر.. إنها مثل ضيف عزيز.. وإن كانت ضيفا غير مؤذب بدخولها إلى مملكتي بدون استئذان وألغت كل أنظمة الحماية التي أبقت قلبي في أمان منذ زمن ولم تمنحني الوقت أو الفرصة لأخاطبها مستنكرا.. وكيف لي ذلك وقد توقفت الكلمات في حلقي أمام رقة طاغية ومميتة وأصبح قلبي ملك لها واتخذته منزلا وانقلبت الأدوار وأصبحتُ أنا الضيف المقتحم وهي المضيفة.. وما أحلاها من مضيفة حين تستقبلني في وحدتي وفي فصل شتاء بارد بابتسامة دافئة تذيب لها أعظم الجبال الجليدية وتنشق لها كل أراضي 'دمنات' الخضراء.. كلما أغلقتُ عينيّ أجدها في مخيلتي وكأني أراها بوضوح أمامي وأكلمها وتكلمني وأختار مواضيع لطالما أحببت أن أخوضها معها بإسهاب في أرض الواقع عن شعوري نحوها وعن العالم كيف سيصبح لو هي غابت.. فغيابها أشبه بليالي الشتاء الطويلة والحزينة وإذا أشرقت الشمس.. تشرق محملة بحزني لفراقها فتُذبل الورود حين تتذوق أشعتها المرة وتوقظ الطيور لتغني لحنا تبكي له الصخور الصلدة والقاسية ويذرف القمر دموعي ليلا بقطرات الندى في ليلة باردة.. يا لهذا العالم الحزين الذي يصور حزني كلوحة سوداء بريشة رسمت خطوط آهاتي وشوقي كشوق غريب أخذته الأيام عنوة وحرمته دفء الوطن ونعمة العيش بين الأهل الأحباب..! إلى متى أبقى غريبا وعالمي يظل كئيبا..؟ وإلى متى سيطول انتظاري..؟ متى يأتي اليوم الذي أكون فيه مع فتاتي فيخمد وجع قلمي الذي فاضت منه الكلمات لا تنفك تنادي..؟ متى يأتي هذا اليوم لتنتهي حيرتي ويستكين أنين همومي وينادي الربيع 'أنا آت' فتشرق هذه المرة شمسي وتغذي الأرض فتحييها بدل قتلها.. وينير القمر السماء ويسحر الليالي دون أن يذرف دموعي..؟ إلى متى..؟

قطع تفكيري صوت باب النزل يقرع بقوة وبشكل متسارع مثير للفزع يعبر عن خوف واستعجال الطارق.. فقفزت جالسا.. ومتفاجئا.. انتظرت تكرار الطرقات، فإن لم تتكرر أعود للاستلقاء وأريح أعصابي فقد يكون مجرد سكيرٍ أخطأ الباب فذلك يحدث كثيرا.. وبعد قليل هب الطارق على الباب مجددا وبأسلوب أكثر جدية فانتفض قلبي وهب جسدي قائما وارتديت قميصي بسرعة وأغلقت زرين غير متقابلين فخرجت من غرفتي بمظهر مبعثر.. وجدت 'عم الحسين' قد سبقني إلى الباب وسأل.. ففاجأنا صوت صاحبه ينتحب باكيا.. والمفاجأة الحقيقية أن الصوت كان يشبه صوت 'ساليس' وهي تطالب برجاء فتح الباب، فبادرتُ بدل 'عم الحسين' وأظهر انزعاجه مني قائلا:

«أو تعرف لماذا لا أحضى بكثير من الزبائن..؟ لأني لا أسمح بمثل هذا ولا أستأجر الغرف لأجل إشباع النزوات.. لا أرغب في أية مشاكل ولا سماع عراك أو صراخهن فيشكي مني الجيران..»

أضحكني قوله فقلت محاولا تعديل مزاجه:

«لن أسبب أية مشاكل فالأمر لا يتعلق بما يدور في رأسك أبدا.. إن سببت إزعاجا.. فلا مشكلة.. يمكنك طردي..»

بعد قولي تمتم عابسا وهو يعود صاعدا الدرج إلى الطابق العلوي ببطء.. فتحت الباب ففاجأتني بدخولها مباشرة بشكل مندفع يفسر مدى هلعها.. أغلقتُ الباب بهدوء ثم التفتُ إليها وقلت مستنكرا وبصوت منخفض:

« ماذا تفعلين خارجا بالليل..؟ وما سبب خروجك من المنزل في هذا الوقت.. هل جننت..؟»
النزل كان مظلما ولا يضيئه إلا أشعة القمر الخافت ورغم ذلك عرفت أن دموعا غزيرة تنهمر من عينيها من خلال صوتها وهي تقول منتحبة دون أن تخفض صوتها:

« لم أعد أحتمل.. أرغب حقا بالموت.. ليث أحدهم يقتلني لأموت بسلام وأتخلص من نفسي..»

أفزعني كلامها وبكاءها لذا عجلتُ لأضئ مصباح صالة النزل وكان نوره خافتا لجودته الناقصة:

«يا إلهي أستغفر الله.. استغفري ربك وهوني عليك ما هذا الكلام الذي أسمعه منك..؟ واخفضي صوتك رجاءً..»

مسحتْ وجهها المتورم من البكاء، ثم فجأة انقطع النور ثانية ففاجأتني حين انتفضت متشبثة بي من شدة الهلع:

«هوني عليك يا فتاة.. من يرَ ردة فعلك يظن أنك لست ابنة البادية، هذا غير متوقع منك لأني أعرفك فتاة شجاعة..»

لم تكن الظلمة حالكة، فعلمت أن أمرا غير يسير وثرها وأزعجها وجعلها خائفة وأرغمها على الهروب خلسة من بيت عمها.. ومع أني سعيد جدا لوجودها معي في هذه اللحظات، إلا أنها ارتكبت خطاءً لا أظنها تشعر به بقدومها إلى نزل حيث يقيم شاب لوحده.. فهي فتاة جميلة وأنا شاب وسيم وقد تتلاعب الأفكار المجنونة في رأسي وقد أخفق في محاولتي لمقاومتها.. لكنها فقط محظوظة، فرغم أني شاب سيئ ولست بملاك و'طائش ومتهور' إلا أني، في النهاية، لست بـ'طائش ووضيع'، فمهما بلغ بي الطيش حده الأقصى فالوضاعة والاستغلال لم يكونا يوما من صفاتي..

أحسست بهدوئها حين قلَّ انتحابها فرافقها برفق للجلوس على الأريكة وجلستُ بعدها:

« حسنا.. اهدئي الآن وأخبريني ماذا جرى لك.. أعرف أن لإبن عمك علاقة بكل شيء..»

تمالكت نفسها قليلا ثم أخبرتني أنها تشاجرت معه، توقعت ذلك ولم يكن جديدا:

« وبعد.. هل عنفك ذلك الـ....؟»

لم أستطع قولها لأني لم أنسى.. فبالرغم من كل شيء هو قريبها ولا يحق لي نعته بـ 'الحقير' أمامها.. أومأت برأسها نفيا ثم قالت:

«لقد صرخت في وجهه أثناء جداله معي وأخبرته أشياء أثارت غضبه بأني أكرهه ولا أرغب بالزواج منه.. لم أكن صريحة من قبل مثلما فعلت.. لقد كنت صامتة طول المدة التي كان هو وأبي يخططان لزواجي وكنت غير مبالية ولم أتكلم من قبل أو أتحدث عن حقيقة مشاعري نحوه ولم أبْدِ أي قبول أو رفض وكنت سأتزوج وحسب كما يفعل الناس، لكن الأمور اختلفت الآن وأعرف ماذا أريد وقد صارحته.. لذلك تحول إلى مجنون وراح يصرخ في وجهي وغضب غضبا شديدا وأخبر أبي عبر الهاتف أنني أخرج معك وبيننا علاقة انتقاما مني، فأجابه بأن يعيدني إلى القرية فورا.. أعرف جيدا كيف يكون أبي حين يشتد به الغضب، لقد كان يصرخ عبر الهاتف إلى درجة امتداده إلى مسمعي.. لذلك لا أستطيع العودة إلى القرية.. لن أذهب إلى حتفي..»

شعرتُ أن الأمور قد صارت أكثر تعقيدا:

«أظن أنك تسرعت قليلا في الخروج من منزل عمك، فلجوئك إليَّ وأنا وحدي في هذا النزل لن يحل المشكلة بل سيمس بسمعتك وأرى أن أعيدك قبل تفاقم الوضع أكثر، ربما غدا تتغير الأمور وتكونين..»

قاطعتني وامتقع وجهها قائلة في عصبية:

«ستتغير الأمور..؟ كيف ستتغير برأيك..؟ ما عدتُ أطيق.. هل تقصد أن وجودي هنا يزعجك..؟ إذن سأغادر ولن أسمح لك بأن تكلف نفسك بمرافقتي، سأرحل لوحدي..»

همت بالنهوض فمنعتها من ذلك حين أمسكتها وعادت جالسة، فقلت وأحاول ألا أبدو فضا:

«ما هذه الخزعبلات التي صدرت منك..؟ هلا هدأت قليلا.. أريد حقا أن نكون معا لكن ليس بهذه الطريقة.. أنا أحاول تجنيبك الوقوع في مشكلة لا أنت ولا أنا نقدر عليها في ظل هذه الظروف.. هل يصعب فهم ذلك..؟ إن ابن عمك لن يجدك في المنزل في الصباح وهذا سيزيد من حجم المشكلة وسيجد ما سيقوله عنك أكثر مما قاله.»

بعد قولي عادت تذرف الدموع وتنتحب بصمت.. أحضرت لها كأس ماء وضعته في يدها ثم عدت إلى مكاني.. بعد صمت قصير بحثتُ عن كلمات مناسبة ثم قلت:

«أعرف جيدا ما تحسين به وأنك حزينة وتتألمين.. فلا تكوني أبدا مخطئة باعتقادك أنك الوحيدة من يتألم هنا.. لكن ماذا عساي أفعل..!؟ لقد أظهرت نواياي الحسنة لكن أبوك رجل رأسه صلب كالحديد وجشع أيضا..»

قالت معترضة:

« لا تتكلم عن أبي بهذه الطريقة لو سمحت.»

بعد قولها توقفت عن الكلام الذي ساد محله الصمت.. هكذا ستسير الأمور أخيرا.. لذلك خفضتُ رأسي مستسلما وأحسست بالضيق ورغم ذلك لا يمكنني أن أصر بإعادتها إلى منزل عمها.. أعلم جيدا أن اليوم التالي لن يكون يوم سعد لي ولها على حد سواء، لذلك كان لابد من اﻻستعداد للأحداث المتوقعة.. على رأسها 'بوعزة'..

ذهبت إلى غرفتي وأضأتها بشمعتي.. رتبت سريري وأزحت الأغراض التي تجعل غرفتي ذات مظهر فوضوي وجمعت غطائي ووسادتي واستبدلتها بغطاء آخر ثم خرجت من الغرفة:

«يمكنك الدخول للنوم.. إعتبريها غرفتك وخذي كل راحتك.. أنا سأنام هنا في الصالة.. وأعتذر منك.. إذا كنت فظا..»

أومأت برأسها متقبلة اعتذاري ووجهها لا يزال محتفظا بوجومه.. تذكرتُ النافذة المغلقة وسألتها مشيرا إلى الداخل:

« هل تفضلين أن أفتح النافذة أم أبقيها مغلقة..؟ لأن الناموس يدخل من خلالها.»

«الحرارة منخفضة قليلا هذه الليلة ولن يزعجني الناموس، يمكنك الذهاب للنوم سأفتحها بنفسي في حال شئتُ ذلك..»

بعد قولها عدت إلى الداخل لأني الوحيد الذي يعرف طبيعة نافذتي فقمت بدق مقبضها العنيد للحظات.. وحين أنهيت تمنيت لها نوما هانئا وإن كان ذلك صعبا، فابتسمتْ شاكرة وتأملتُ للحظات ابتسامتها السطحية التي تلاشت سريعا عاكسة تضارب أفكارها حول التوقعات المحتملة في الغد.. لقد سبق أن أخبرتها بأن هروبها كان قرارا متسرعا وغير حكيم.. لكن.. من جانب آخر من المهم جدا إدراك معنى أن يعيش المرء تحت ظروف كلها ضغوط وإكراهات مصيرية لا تحتمل وتكاد تحبس الأنفاس وتجبر المرء على اعتماد ردود أفعال عشوائية لا يمكن التراجع عنها بعد ذلك أبدا.. تماما كضربة المقص على الشعر..

رجوتها أن تلزم الهدوء في الصباح حتى لا يلاحظ أحد وجودها وألا تغادر أبدا حتى نفكر معا ماذا سنفعل.. وإذا جاء فردا من عائلتها يبحث عنها سأحاول معالجة الأمر وأحاول ألا يتآذى أحد وإن كنت الشخص الغير المناسب للقيام بذلك.. خرجتُ من الغرفة وأغلقتُ الباب خلفي وألقيت الوسادة على الأريكة ورميت جسدي عليها.. يا لها من ليلة..! لقد وصفتها منذ قليل بليلة صامتة لكنها لم تعد كذلك..

في الصباح التالي.. أيقظني قرع الباب.. لقد كان قويا فقمت سريعا إلى غرفتي أولا فلم أجد 'ساليس'..! أين ذهبت..!؟ لقد خرجتْ.. تبا.. لماذا لم تعمل بقولي..!؟ كنت أشعث الشعر وأنا أسير إلى الباب.. وحين فتحته اِستقبلتُ 'بوعزة' فطار كل النعاس من عينيّ وسألني عنها أجبته بـ 'لا أعرف' فثار جنونه فأقحم جسده متجاوزا الباب ودفعني وضرب فكي بقبضة يده بقوة فاندفع جسدي ساقطا على كرسي فانقلب وسقطتُ أرضا:

« أتحسبني غبيّ أيها الأحمق..!»

ذهب بسرعة إلى غرفتي المفتوحة كالثور الهائج، ولم يبالي بأيّ شيء أمامه كالمجنون فلم يجدها.. راقبته وهو يحاول بجنون فتح أبواب الغرف الأخرى الشاغرة على حدة لكنها مقفلة.. وكأني إرهابيّ ومجنون أهوى احتجاز الناس.. فعاد إليَّ وأمسكني من ياقة قميصي ورفعني عن الأرض وصاح:

«ألن تخبرني أين هي..؟ لقد باتت معك.. لقد دخلتْ إلى هنا.. ماذا فعلت بها..؟ أخبرني وإلا جعلت من يومك هذا يوما لا يُرى حتى في الكوابيس..»

استيقظ 'عم الحسين' وصاح أيضا:

« ما هذه الفوضى التي أراها هنا في نزلي..؟ »

فككت نفسي من قبضتيْه:

«إليك عني أيها البدويّ الكريه.. ألم تجدها في غرفتي..؟ إذن أغرب عن وجهي وابحث عنها في مكان آخر فأنا لا أخبئها عندي..»

ثار جنونه وصرخ وعيناه تكادان تقفزان من محجريهما:

«هذا يكفي.. لقد مللت منك أيها المتطفل.. إذا كنت لا تريد الاختفاء من حياتنا فسأضع أنا حدا لحياتك إلى الأبد لتدعنا نعيش بسلام..»

فجاء طلبا للعراك ليشفي غليله مني وحاول أن يمسكني ليقذف بي على بعض الأثاث لكني توقعت حركته هذه فقاومته وتعاركنا بعنف مثل ثورين وأسقطنا أثاثا وأحدثنا فوضى وصاحب النزل يراقبنا بانهيار وكل شيء ينهار أمامه.. لقد كان 'بوعزة' قويا جدا ونال مني حين دفعني بقوة على أريكتي فتأثرظهري بالاصطدام فلم أقوى على النهوض فجاء محاولا خنقي حين أمسك بعنقي بقوة ليقتلني فخانتني قواي.. حاولت عبثا فك نفسي.. تدخل 'عم الحسين':

« توقف أيها الرجل.. لا أريد جرائم في نزلي.. توقف وإلا أتصل بالشرطة..»

إنه يريد قتلي.. كنت سأموت لو لم يبادر 'عم الحسين' وأمسك 'بوعزة' محاولا فك قبضتيه بينما هو بقي متشبثا بي إلى أن قرر بنفسه وقف محاولته لقتلي وتركني أخيرا واعتدل قائما بشموخ للضرر الذي لحقه بي.. هز أصبعه مهددا من جديد:

«اسمع يا هذا.. إن حدث لها أي مكروه فقد أعطيتني إذنا قويا لأقتلك، حتى وإن عدت إلى ديارك سألحق بك لأسحقك وأنال منك.. آمل أن يروقك درسي لهذا اليوم وقد عرفتَ من أكون وعرفتَ أيضا من تكون وتعلمت ما يكفي لتدرك ما أنا قادر على فعله.. وإذا نسيت.. يمكنني أن أعيد الدرس لكني سأكون جادا وأرسلك إلى الجحيم.. صدقا.. كم سيروق لي ذلك..!»

تأمل الفوضى التي أحدثها في الصالة ثم خرج مثل نمر غاضب..

بقيت للحظات دون حراك بسبب الألم.. فحاولت بتأن رفع جسدي عن الأريكة فسقطتُ أرضا وسعلت بشدة.. لقد كاد يسحق رقبتي.. تحسست بألم زاوية شفتاي فوجدت دماً.. يا له من حقير..! جاء إليّ 'عم الحسين' فساعدني على الوقوف ثم سألني للاطمئنان.. عجزت عن الكلام فأشرت فقط بيدي بأني سأكون بخير وأعطاني كيسا به قطع الثلج لأضعه مكان إصابتي فشكرته ثم سرتُ ببطء متوجها إلى غرفتي.. أين ذهبت يا ترى.. ولماذا لم تستمع إليّ..؟ اتصلت بها لكن هاتفها مغلق.. يا لها من مصيبة..! إذا كانت غير موجودة في غرفتي وليست في منزل عمها، أين ستكون إذن..؟ أخشى أن تفكر في إيذاء نفسها بسبب ما كانت عليه في الليلة الماضية..
رن هاتفي فعجلت بالإجابة ظنا أنه اتصال منها لكني أخطأت لقد كان رقما يتصل صاحبه من ' أكادير' في مخدع الهاتف.. أجبت المكالمة:

«'مروان' أنا خالتك.. متى ستعود إلى هنا..؟ لقد أخبرتني أمك أنك ستأخذ طريقك إلى 'أكادير' هذا اليوم..»

أفكاري تناثرت ولم أعد قادرا على الربط فيما بينها وكانت إجابتي تلقائية بأني لا أدري فسألتني:

« ما الأمر..؟ صوتك غريب، هل حصل لك أمر ما.. هل أنت مريض..؟»

سحبت منديلا ورقيا من صندوقه ومسحت الدم:

«لم يحصل معي شيء.. لقد استيقظت لتوِّي.. أخبريني لماذا اتصلت..؟ أين أنت الآن..؟ هل توجد أمي معك..؟»

« لا أحب أن أخيفك.. أمك متوعكة قليلا منذ يوم أمس فبقيت معها..»

أثارت قلقي فقلت:

« ماذا حدث لها..؟ هل أصيبت بمكروه..؟ ما مدى سوء حالتها..؟»

«لا تقلق حالتها ليست سيئة كثيرا.. هون عليك، أرغب بعودتك إلى 'أكادير' خشية وقوع أمر طارئ لأني أنوي العودة اليوم إلى منزلي، أواجه مشكلة بسيطة مع زوجي المريض.. هل ستأتي هذا اليوم..؟»

سؤالها كان في غير موقته.. لقد انتهت مدة إجازتي فعلا لكني عجزتُ عن الإجابة بسبب تضارب أفكاري:

«لا أدري.. أعني.. سآتي بإذن الله.. شكرا على اتصالك ولعنايتك بأمي.. أتمنى الشفاء العاجل لعمي وبلغيه سلامي..»

« حسنا.. رحلة موفقة..»

أنهيت المكالمة..

بعد استحمامي بالماء البارد عاد الصفاء إلى ذهني.. اتصلت بـ 'ساليس'.. مرة أخرى هاتفها ظل مغلقا.. انتظرت الرسالة الصوتية التي تتيح لي اختيار ترك رسالة:

«أرجوك عزيزتي 'ساليس'، لا تؤذي نفسك.. إذا كنت لا تريدين أن تفعلي ذلك من أجل نفسك، فافعلي من أجلي أنا.. لأني أعزك كثيرا ولن أستطيع العيش من دونك ولن أسامح نفسي أبدا إن أصابك مكروه.. الآن سأعود إلى 'أكادير' لقد انتهت مدة إجازتي كما أني تلقيت للتو اتصالا من خالتي تخبرني أن أمي مريضة.. سامحيني لأني أتركك لمفردك تواجهين مشكلتك مع أبوك وابن عمك.. لكن.. أعدك بأني سأعود.. وسأبقى على اتصال بك.. سأشتاق إليك كثيرا، بل إنني أشتاق إليك منذ الآن..»

لم أجد كلاما أكثر من الذي قلته فأنهيت الرسالة، ثم جمعت الأشياء المنكسرة ورميتها في الأزبال وحاولت إعادة كل شيء إلى مكانه لأعيد ترتيب مظهر الصالة قدر ما استطعت ثم جمعت أغراضي في حقيبتي وأخذتها إلى سيارتي وقلبي أشعر بانقباضه.. عدتُ لأعتذر من 'عم الحسين' على الإزعاج الذي سببته مرتين في الليلة الماضية وفي الصباح حين جاء 'بوعزة' فقال:

«على كل حال كنت أنيسي وزبوني الوحيد في هذا الشهر.. وإن كنتَ فعلا مزعجا.. لكني لا زلت أتمنى ألا تكون هذه آخر مرة أراك فيها.»

عبرت له عن امتناني فهو رجل طيب جدا.. لا أرغب بمغادرة المدينة وفي نفس الوقت أشعر برغبة قوية للرحيل ونسيان ألمي ونسيان كل ما له علاقة بهذا الألم ويذكرني به.. قدمت له تعويضا عن الخسائر ثم ركبت سيارتي وانطلقت بها.. ليثها بقيت في غرفتي.. لا أعرف سبب هروبها.. لو بقيت لكانت معي الآن.. ما عدت أريد التفكير في هذا وفي أيّ شيء وخلق إفتراضات أتمنى لو وقعت أو قمت بها لأن ذلك يزيد تحسري.. لذلك ما إن بلغت الطريق السريع ضاعفت السرعة إلى ثمانين كيلومتر في الساعة فذلك يشعرني بالسكينة كما أسلفت.. وحين وصلت إلى 'تارودانت' وبلغت الجزء الخطير من الطريق بسبب تلطخه بمادة زيتية خفضت السرعة حين رأيت كلبا كبيرا يعبر الطريق فحاولت تجنبه لكن المادة الزيتية حالت دون ذلك فانزلقتْ بي السيارة عند منحدر قاس جدا..

هكذا انتهت أحداث قصتي في 'دمنات'، لقد مضت خمسة أشهر على ذلك الحادث.. إنها مدة طويلة.. ما الذي قد يحدث لفتاتي بعد هذه المدة..؟ لماذا لم تحاول الاتصال بي..؟ هل فات الأوان..؟ هل تزوجت بابن عمها..؟ إن فعلت فأرجو لها السعادة من كل قلبي..

رواية من خيالــــــي 434587081

رواية من خيالــــــي 575171977

تم الفصل الثاني.. لي عودة ان شاء الله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالثلاثاء أغسطس 18, 2015 3:18 am



رواية من خيالــــــي 750830609

الفصل الثالث (والأخير)

الرحلة إلى تل الضباب


فتحت عينيّ لأجد نفسي حيث وقعت في غرفتي بمنزلي بعد ما حدث لي في الصباح من سماع أصوات وخروج الفتاة العجيبة من الجدار.. كأنه كابوس.. شعرت بوجع شديد في رأسي بسبب السقطة فنهضت بألم وأحاول ألا أفقد توازني وأنا أتوجه إلى سريري، جلست وأمسكت رأسي منتظرا زوال الدوار.. الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف.. مضت ساعتين على إغمائي..

سمعت حركة أمي في الأسفل، قمتُ من مكاني بعدما استعدت قليلا من حيويتي.. انحنيت لآخذت هاتفي الذي وقع مني لأجد مكالمة فائتة من 'حمزة'.. نظرت في المرآة ورأيت وجهي عبوس وشاحب ومخيف بسبب الدوار.. لا أستطيع أن أنزل بهذا الوجه فتراني أمي.. لذا أخذت قنينة ماء على منضدتي الصغيرة ثم توجهت إلى شرفتي وبللت وجهي لأعيد لونه ولو بنسبة يسيرة.. استنشقت الهواء النقي للحظات وشعرت بنفحات البرد الخفيف أنعشتني وأعادت إليّ الهدوء.. عدت إلى الداخل وجففت وجهي ولاحظت في المرآة أني نجحت في تخفيف شحوبي..

وأنا أنظر إلى صورتي في المرآة فكرت في 'ساليس' وفكرت معها في الفتاة التي كنت أراها في حلمي.. فمع أن هذه الأخيرة لم تكن ملامحها واضحة، إلا أني ألاحظ وجود شبه كبير بينها وبين 'ساليس'؛ لأن لون بشرتهما واحد ولون شعرهما كلاهما بندقي.. لكن ما معنى ذلك..؟ لماذا أراها في حلمي..؟ ولماذا أراها دائما في المكان نفسه في شرفة غرفتي..؟ ولماذا تتغير بعد ذلك إلى ذاك الشكل المخيف حين تخترق الحائط..؟ ولماذا تتكرر أحداث هذا الحلم..؟ هل لذلك معنىً ما.. هل تعرضتْ للأذى بسببي..؟ وهل السبب الذي يجعلني أرى هذا الكابوس هو السبب نفسه الذي يجعلني أهلوس نهارا وأرى مخلوقات عجيبة..؟ قد تكون هذه الأسئلة مترابطة بحيث إجابة واحدة تكفي.. أو ربما العكس إذ لا علاقة بينها فتكون هذه التساؤلات مجرد فرضيات لا تغني عن جهلي بشيء..

توقفت عن التفكير ورتبت شعري وغيرت ثيابي ثم نزلت إلى الصالة بهدوء..

وجدتُ أمي تقوم بتحضير طاولة الغذاء وتسير ذهابا وإيابا من المطبخ إلى الصالة فرأتني وفاجأتها بغيابي إلى وقت متأخر.. لقد ظنت أني خارج المنزل وصاحت بذلك وسألت بقلق عن سبب نومي حتى هذا الوقت، طمأنتها وكذبت قائلا:

«لا تبالغي في قلقك عليّ من جديد يا أمي.. لقد كان إرسال الانترنت بطيء جدا في الليلة الماضية وكان عليّ إنهاء عملي فجعلني ذلك أسهر قليلا، هذا كل شيء..»

فسألت معاتبة:

«لماذا إذن أغلقت غرفتك بالمفتاح..؟ ألم أقل لك أن توقف هذا التصرف..؟ عدتُ من منزل خالتك منذ ساعة فوجدت المنزل ساكن، لذا رغبتُ في إلقاء نظرة عليك لكني لم أستطع، فجعلني هذا أعتقد أنك خارج المنزل.. عدني الآن أنك لن تعيد هذا التصرف منذ اليوم لأن لا شيء يمكنه طمأنتي..»

أومأت برأسي مثل ولد مطيع ثم توجهت إلى طاولة الطعام لتناول الغذاء معا..

كنت صامتا وهذا جعلها تحذق بي وتراقبني طويلا وأنا آكل على وثيرة واحدة ولم أبادر بأيّ كلام على غير عادتي.. بدوت هادئا لأني تجاهلت تحذيقها.. كسرت الصمت وقالت بأسلوب واثق:

« يوما ما سأكتشف ما يوجد في باطن رأسك يا عزيزي.. لأني أشعر دائما أن هناك خطب ما بك..»

بلا مبالاة أومأت برأسي وقلت بهدوء:

« نعم كما تشائين..»

فقالت بنفس الأسلوب:

«أتحسبني أصدق ما قلته لي عن بطء الإنترنت في الليلة الماضية..! إذا سهرت لوقت متأخر حسب قولك طبعا.. فلماذا لاحظت أنك أفطرت في الصباح واستحممت..! هل بعد هذا كله عدت للنوم..!؟ هذه ليست عادتك..»

« وما الغاية التي ستدفعني لأكذب عليك..!؟»

بعد قولي بقيت نظرتها موجهة إليّ وكأني أخفي عنها سرا عجيبا أتجنب الإفصاح عنه.. واصلت الأكل ولم أضف قولا يضع حدا لشكوكها المفرطة لأنها لا تنتهي أبدا..

خرجت عصرا لأقصد المرآب حيث يعمل 'حمزة'، فسألني عن السبب الذي منعني من الرد على مكالمته في الصباح.. أجبته بشأن ذلك حين أغمي عليّ وسردت عليه أحداث ما وقع لي هذا الصباح وكيف استعدت ذاكرتي والأحداث التي شهِدتها في تلك المدينة باختصار شديد ثم قلتُ:

«ربما ستحسبني أخلط الأمور.. لكن لدي شعور بأن ما يصيبني من هلوسة له علاقة بأمر قد حصل في تلك المدينة.. هل تصدق ذلك..؟»

عجز عن التعليق فتابعت أنا قائلا:

«أذكر جيدا الفتاة التي كنت أحلم بها وهي جالسة في شرفة غرفتي وتمشط شعرها.. فرغم عدم وضوح ملامحها إلا أن اعتقادي صار يقينا بأنها 'ساليس'؛ لأن الشبه بينهما شديد جدا.. ورغم فقدان الذاكرة الذي أصبت به إلا أن عقلي الباطن لا زالت الأحداث راسخة فيه.. لكن ظهورها بعد ذلك بتلك الصورة وهي تخترق الحائط هو الأمر الذي لا أفهمه.. أيمكن افتراض أن أمرا ما قد حصل..؟»

انتظرتُ رأيه وأظهر تضامنه معي وإن كان ما خمنت فيه قد يصعب جعله في خانة المنطق:

« حسنا.. لنفترض أن ذلك صحيح.. فماذا إذن تنوي القيام به..؟»

« أفكر بالعودة إلى تلك المدينة..»

اقترحت عليه مرافقتي لكنه وجد ضيق في وقته الراهن ومشاغله تمنعه من السفر حاليا.
لولا ما حصل في ذلك الصباح، حين فقدت وعيي، لما استعدت ذاكرتي.. أذكر الآن كل دقيقة مضت وأنا في تلك المدينة وأذكر أيضا تعلقي اللا نهائي بهذه الفتاة وأتوق لرؤيتها، لكن لا أعرف كيف تجري الأمور هناك الآن.. كل ما أعرفه، أن ما سأقوم به قد يبدو جنوني، لكن فضولي طغى على التفكير السليم..على كل حال لن أسافر إلا لأعرف ما قد وقع لفتاتي.. هذا كل ما في الأمر..

تلقيت اتصالا من 'حمزة' وقد غير قوله وسألني في أيّ يوم سأبدأ فيه رحلتي.. وحين أخبرته غدا السبت وأعود مساء يوم الأحد قال:

«حسنا.. سأرافقك وإن كان ذهابنا في هذا الوقت من العام لا يريحني.. هل أنت متأكد من علمك بأن مناخ المنطقة، حيث توجد تلك المدينة، كما تكون شديدة السخونة في الصيف تكون أيضا شديدة البرودة في الشتاء..؟ كما ترى نحن في 'دجنبر' ستنخفض الحرارة إلى الدرجة التي لن تحتمل.. والطريق ستكون وعرة بسبب سوء الأحوال الجوية كما أشارت إليه الأرصاد.. أقترح أن نترك هذا لوقت لاحق، أعني حتى يفوت هذا الشهر على الأقل..»

«أعرف ذلك، سآخذ عدتي.. لا أستطيع الانتظار أكثر يكفي ما قد مضى، إذا كان السفر يتعبك فلا تلزم نفسك..»

«لا ألزم نفسي أبدا، أحاول فقط التفكير معك من أجل ما هو أفضل.. لكن، مهما كان ما ستقوم به سأكون معك.. هل أنت راض..؟»

يوم السبت.. استيقظت فجراً وصليت صلاتي.. ارتديت فوق كنزتي قلنسوة دافئة ذات لون أزرق غامق بغطاء الرأس وغطيت يديّ بقفاز صوفي ثم علَّقت حقيبتي الصغيرة على كتفي، لا تحتوي إلا على أغراض قليلة لأني سأمضي يوما واحدا فقط.. تناولت إفطاري الذي أعددته بنفسي، لم تستيقظ أمي ولم أشأ إزعاجها تركت فقط رسالة صغيرة أصف حبي لها بكلمات قليلة تحمل معاني كثيرة فأسندت الورقة بكنف المزهرية على طاولة الصالة ثم خرجت..

الجو بارد جدا.. والظلام خف قليلا بنور الشمس الخافت الذي رسم خطوطا طفيفة مخترقة الغيوم الكثيفة..

شعرت بهزة خفيفة من هاتفي في جيب الجينز.. رسالة من 'حمزة' يسألني إن كنت في الطريق إليه فأجبته برسالة أيضا أني كذلك.. انطلقت بالسيارة متجها إلى بيته وكان ينتظرني مرتديا لباسا بسيطا عبارة عن جينز أسود وكنزة صوفية وفوقها سترة قطنية ذات ياقة عريضة.. مظهره يذكرني بأفلام 'جيمس بوند' القديمة:

« صباح الخير.. ضع حقيبتك في الخلف وتعال واصعد..»

الجو دافئ داخل السيارة، لزمنا الصمت ولا يكسره إلا هدير المحرك الخافت.. بقينا صامتين لمدة ربع ساعة.. مدة طويلة بالنسبة لشخصين داخل سيارة ولا يدور بينهما أيّ حديث لذلك بادرتُ بالكلام:

«أخبرني يا أخي.. كيف حالك..؟ لا أراك نشيطا هذا الصباح.. أظن أنك اعتدت النوم لوقت متأخر.. أليس كذلك..؟»

ابتسم وقال:

« لا أظن أن هناك من يحب مغادرة فراشه الدافئ في صباح باكر وبارد..»

قال ذلك يمازحني فقلت:

« آسف لأني جعلتك تضطر لفعل ذلك.»

«لا تأسف.. لأني سآخذ منك تعويضا.. عندي لك عمل سوف تساعدني فيه لتنظيم حفلة رأس السنة الميلادية..»

« هذا فقط.. حسنا لك ذلك..»

أسرعت بسيارتي في الطريق السريع وخرجت من 'أكادير' وأخذت الطريق صعودا إلى الشمال الشرقي نحو مدينة 'دمنات'.. لا يزال هناك طريق طويلة، وهذه المرة صعبة بسبب هطول الأمطار بين الفينة والأخرى وبين غزيرة وقليلة، وما يزيد من صعوبتها بعض البرك المائية التي نصادفها نظرا لعدم استقامة الطريق.. يبادر 'حمزة' بالقيادة أحيانا لأعطي لنفسي بعض الراحة.. توقفنا عند محطة البنزين لأزود خزان السيارة بالوقود ونتناول اللمجة، الوجبة الخفيفة ما قبل الغذاء..

عند الساعة الثالثة بعد الظهر، وصلنا أخيرا إلى 'دمنات'، استغرقت الرحلة عشر ساعات.. النعاس والإرهاق الشديد بادٍ على كلينا.. استشرت 'حمزة' في اختيار مطعم لتناول الغذاء واخترت أنا طاولة بجانب الزجاج المطل على الشارع.. شعرتُ بالهواء الدافئ الذي يرسله المكيف لذا خلعت القلنسوة وعلقتها على مسند الكرسي.

عبر زجاج النافذة رأيت تسلل أشعة الشمس بين كومات الضباب ورسمت منظرا جميلا خصوصا انعكاس ضوئها على بقع الثلج المتناثر في كل مكان، قال 'حمزة':

«هل هذه الآن هي 'دمنات'..! منظرها لا يختلف كثيرا عن منظر 'أكادير'، الفرق الوحيد بينهما هو تساقط الثلوج..»

قلت معلقا على قوله:

«أغلب المدن هنا في المغرب متشابهة تقريبا، لكن في البوادي قد تجد اختلافا.. كما أنك لم تذهب إلى أي مكان بعد لتقوم بالمقارنة، الآن نحن في المدينة وسنذهب بعد قليل إلى البلدة حيث نزلت، وسترى حتما المناظر التي ستشعرك بالفرق..»

جاء النادل بطلبنا وتناولنا الغذاء.. طاجين بلحم الدجاج وبطاطس مقلية وصحن به سلطة أرز كاملة..
بعد تناول الغذاء قمنا بجولة قصيرة في المدينة قبل أن نعود إلى السيارة، قال 'حمزة' وهو يضع حزام الأمان:

« كم تبعد البلدة عن هنا..؟»

شغلت المحرك وقلت:

«خمسة أميال على الأكثر، حسب تقديري.. ليست بعيدة جدا.. ما إن نصل إلى هناك سنأخذ استراحة.. هل هذا جيد..؟»

وافقني ثم انطلقت بسيارتي متجها شرقا إلى البلدة.. الحديث والموسيقى أبعدا عنا ملل الطريق.. أصبحنا قريبين جدا.. لاحظت عددا لا بأس به من الناس الذين ينظرون إلينا بشكل ملفت وسأل 'حمزة' عن سبب ذلك:

«لا يفاجئني هذا بالمرة.. إنهم سكان البلدة الذين يتسكعون في المدينة.. هم معروفين جدا.. سبق أن نلت ما يكفي من التحملق بحيث صرتُ معتادا، ما عليك إلا تجاهلهم.. بعضهم يحب النظر بدقة إلى الزوار دون أيّ عذر مع أنهم أكثر الخلق غرابة وهذا واضح جدا..»

اقتربنا من البلدة ولاحظت كلما تقدمنا، يقل عدد الناس، والغريب أكثر هو الطريق؛ لأنها تزداد صعوبة وأذكر جيدا أنها لم تكن كذلك:

« عليك أن تنتبه..!»

قال 'حمزة' منبها فقلت أنا مستغربا:

«غريب..! لا أذكر أن الطريق كانت بهذا السوء حين أتيت في المرة السابقة.. صحيح أنها لم تكن سهلة بالكامل ـ كونها ليست رئيسية ـ لكنها على الأقل صالحة لعبور السيارات.. أما الآن فقد أصبحت مليئة بالأحجار الكبيرة والحفر وكأنها لم تكن يوما معبرا للوصول إليها..!»
ضحك 'حمزة' ساخرا:

«لديك ذوق عجيب يا صديقي.. أهذا ما وعدتَ به من مناظر خلابة التي ستشعرني بالفرق..؟ إليك إذن ملاحظتي: فعلا أشعر الآن بالفرق.. لكن بشكل آخر..»

تجاهلت مزحته لأني رأيت ما شدَّ انتباهي.. بلغت مشارف البلدة ولم أر أيّ انسان.. والمنازل بدت خاوية من بعيد.. قدتُ بتأن وأنا أدخل البلدة وأمر قرب منازلها.. إنها فعلا مهجورة..! استغربت وتفاجأت وكان ذلك باد على وجهي، أما 'حمزة' فقد كان بمزاج يتيح له المزاح إذ قال وعيناه لم تتوقف عن التفرج ومشاهدة المنازل المهجورة وكأنه في جولة لدراسة الحضارات التي غبرها الزمن:

«أَقسمْ لي يا 'مروان' أنك نزلت هنا في هذه البلدة المهجورة.. هل فعلت ذلك حقا..! لا شك إذن أنك نزلتَ بالمجان..»

بقيت الدهشة على وجهي:

« لا أصدق هذا..! لماذا تُركتْ البلدة هكذا.. أين أهلها.. ماذا حدث..؟»

المنازل كلها مكسورة الأبواب والنوافذ وبعض أجزاء الأثاث متناثر في كل مكان بشكل أصبحت معه البلدة في حالة يرثى لها وكأن إعصارا مر بها وأحدث فيها هذه الفوضى.. توقفت عند النزل حيث نزلت.. ترجلنا وصفقنا بباب السيارة وأحدثت الصفقة صدىً أشعرنا بوحشة هذا المكان.. سرنا أنا وإياه بخطوات نحذر الانزلاق على بقع الثلج ومع ذلك، كنت مضحكا حين كدتُ أسقط فأمسكني 'حمزة' سريعا وأعاد رفعي ضاحكا:

« ما بك أيها العجوز..!»

تقدمنا نحو النزل ودفعت بابه.. كنت حذرا وأنا أدخل وأقدامي تطأ أثاثا مكسورة ومبعثرة على الأرض، شعرتُ باصطدام وجهي بشبكة غير مرئية لعنكبوت، مسحت وجهي ثم تأملت المكان كله وبدا وكأنه تعرض لكارثة أو لقصف جوي قويّ.. لقد حدث أمر ما هنا ولا أعرف ما هو ولا حتى خلق أيّ افتراض.. فسألت نفسي جهرا:

«أكاد أشك في نفسي، هل الخمسة عشرة يوما التي أمضيتها هنا كانت مجرد حلم..؟ تحليل غير معقول..!»

ألقيت نظرة على غرفتي ثم صعدت إلى الطابق العلوي حيث يسكن 'عم الحسين'.. لا وجود لملابسه ولا لأغراضه، فقلت:

«يبدو أن الناس هنا أُعلموا سابقا بأمر ما سيحصل ثم جمعوا أغراضهم من أجل النجاة.. لأننا لم نجد أيّ أثر لضحايا أو دماء.. أظن أن البلدة قد تعرضت لهجوم من نوع غوغائي حسب مظهرها..»

« أجل.. لكن من سيسبب بهذا الهجوم الغوغائي..!؟»

سأل 'حمزة' في استغراب واكتفينا بالنظر فقط للحظات ثم سار إلى الدرج وقال مقترحا:

« هل نذهب..؟ يكفي الآن أحتاج إلى الراحة يكاد رأسي ينفجر..»

عدنا إلى السيارة لننام على المقعد جالسين:

« هذا أحسن من عدم حصولنا على الراحة.. أليس كذلك..؟»

انتظرت رأيه وهو يغلق باب السيارة:

« نعم.. بالتأكيد..»

مضت نصف ساعة استيقظت بعدها.. لم أجد 'حمزة' في مقعده فخرجت من السيارة لأتفقد المكان خارجا.. نظرت حولي.. المنطقة تبدو موحشة وأنا بمفردي.. سمعت صدى حركة صدرت من إحدى المنازل المجاورة فرأيت 'حمزة' وهو يخرج من المنزل فقلت رافعا صوتي فتردد صداه:

« ماذا دهاك يا رجل.. أين غبت..؟»

كان يجمع أشياء صغيرة على الأرض ثم عاد إليّ ومد يده وقال:

« أنظر ماذا وجدت..»

إنها أقراط من ذهب خالص..!

«هناك شيء غريب ومخيف قد وقع هنا أدى بالناس إلى الهروب بسرعة قبل الفتك بهم.. هذه
إشارة غير مطمئنة وأظن أن وجودنا هنا يشكل خطرا علينا..»

بعد قوله لزمت الصمت للحظات وأنا أفكر في تفسير آخر بديلا عن ذاك الذي أشار إليه.. لكني فشلت وسرت وحسب إلى سيارتي بينما هو بقي في مكانه متأملا ولم يلحق بي إلا بعد حين..
تابعت القيادة متوجها إلى الطريق الذي يأخذ إلى قرية 'تل الضباب'..

رواية من خيالــــــي 434587081
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالثلاثاء أغسطس 18, 2015 3:25 am



الفراق والضيـــــــاع


مضت ربع ساعة ونحن في الطريق وبدأ الضباب يعم المكان وهذا عادي جدا لأن حالة هذا التل ينتسب إلى اسمه.. لكن بعدما رأيناه أصبح لـ'حمزة' حدس قويّ حين قال بنبرة لم تخلو من القلق:

«لا يعجبني هذا أبدا.. لا وجود للبشر.. ولم نلتق بعد أيّ شخص هنا.. تبدو المنطقة غير آمنة بينما
نحن نبدو مثل أحمقين.. لا أعرف لماذا نستمر في التقدم..؟»

الأمر يبدو لي أيضا.. لا أعرف لماذا حولنا كل هذه المناظر التي توحي بأن أحداثا سيئة قد وقعت هنا.. لكن العودة هي آخر شيء أفكر فيه..

بعد لحظات من قيادتي لاحظت شيئا لم أرغب في الحديث عنه والإشارة إليه كيلا أثير في ' حمزة' مزيدا من الشك.. لقد لاحظت عدم وجود أية لافتة لإرشاد الطريق مع أني كنت قد رأيتها سابقا عند قدومي لأول مرة، كما لاحظت أيضا أن الطريق إلى 'التل' أصبحت غريبة، تماما كالتي رأيت عند توجهي إلى البلدة..! على أكنافها أشجار مكسورة ومرمية هنا وهناك على الأرض.. ما نوع الهجوم الذي تعرضت له هذه المنطقة..!؟ وهل يمكن أن تكون 'ساليس' وأسرتها في منزلهم الآن..!؟

واصلت القيادة حتى تبينت لنا أخيرا من بعيد لافتة فاقتربنا منها أكثر وكانت على الجهة اليمنى لنا، حيث يجلس 'حمزة' فأنزل زجاج النافذة وقرأ:

« انتبه..! المكان غير آمن.. إذا تجاوزت هذه اللافتة اعتبر نفسك ميتا.»

بعد قراءته نظر إليّ:

« ما هذا..؟! ألم أقل لك إننا نبدو كأحمقين..! قلت لك سابقا أن لا شيء يبدو مريحا هنا..!»

« ليست إلا مسافة قصيرة ونصل إلى القرية ولا بأس أن نستمر قليلا..»

اعترض قائلا:

« لا أرى ذلك تصرفا حكيما.. اللافتة واضحة بشأن هذا الطريق الذي نسلكه..»

«ليس هناك طريق أخرى فنحن في غابة كما ترى، أضف إلى ذلك، أحيانا توضع لافتات في غاية الظرافة من أجل الإخافة.. من يصدق هذا..! كيف نموت إذا تجاوزنا اللافتة..!»

تقدمتُ متجاوزا.. فما إن هم بإضافة تعليق يعبر عن استيائه قلتُ مستغربا:

« ما هذا..!؟ إنها الشرطة..!»

لقد عكست مرآة سيارتي سيارة الشرطة يركبها شرطيين ويشيران لي بأضواء بأن أتوقف.. ربما كانا يتعقبان سيرنا.

خفضتُ السرعة لأنحرف عن الطريق وأوقف السيارة.. تنهدت في ضجر حين رأيت من خلال المرآة ترجُّل أحد الشرطيين وتقدم نحونا، أخذت رخصة قيادتي في يدي وأنزلت زجاج النافذة حين وقف عندي مباشرة، انحنى لينظر إلينا مستخدما مصباحه اليدوي الصغير مع مسدسه الذي أخافنا به حين شهره في وجهينا وكأنه متأهب لشيء.. وبعد رؤيته لشابين غريبين عن المدينة ظهرت الطمأنينة عليه وهو يعيد مسدسه إلى مكانه:

« أرني رخصتك وبطاقتكما الشخصية.»

أعطيناه ما أراد واطلع عليها لثوان ثم أمرنا بالخروج وأن أفتح الغطاء الخلفي للسيارة.. فككت حزام الأمان ثم فتحت الغطاء الخلفي وتركته يفتش كما يحلو له.. يظن أننا جئنا بجثة لدفنها في هذا الخلاء.. بعد تأكده من عدم وجود أيّ شيء مشبوه، قام بتفتيش ثيابنا بشكل سريع، قد نحمل مخدرات أو شيء من هذا القبيل لكنه لم يجد شيئا من ذلك.. سألني:

« لماذا لم توقف سيارتك حين أشرتُ..؟»

«حقا..؟ آسف.. لكني رأيت إشارتك فأوقفت السيارة فورا.. أظن أن كثافة الضباب سببت عسر الرؤية ولم ألاحظ الإشارة إلا بعد حين..»

بعد قولي ظل ينظر إليّ للحظات ثم أومأ متجاوزا:

« حسنا.. أنتما من 'أكادير'، ماذا تفعلان هنا.. وإلى أين أنتما ذاهبان..؟»

« كنا نقصد القرية التي توجد في أعلى التل.»

قال بشيء من التأنيب:

«أظن أنكما قد صادفتما اللافتة التي كانت واضحة بشأن عدم المرور بـ'اللغة العربية'، فالطريق ممنوعة.. وتصرفك هذا يعتبر مخالفة.. ألا توجد أية أماكن أخرى للتجوال دون هذا المكان..!؟»

فسألته قائلا:

« لماذا..؟ لقد جئت إلى هنا الصيف الماضي ولم تكن الأمور هكذا.. ماذا حدث..؟»

أجاب منذرا:

«سأعتبركما طائشين كونكما أجنبيين.. أنصحكما بالعودة وإلا فلن تلوم إلا نفسك.. لقد انتقلت حيوانات مجهولة إلى هنا وتلتهم البشر ولا تبقي فيه شعرة ولا عظمة إلا أكلتها.. لذلك لا أحد يعيش هنا لأنها تنتشر بعد العصر بساعتين في التل وفي المناطق المجاورة كالبلدة القريبة.»

بدا هذا الكلام المختصر أشبه بقصص الرعب التي يرويها الكبار للصغار ليلا عن الوحوش التي تقتحم المنازل ليلا وتبحث عن ضحاياها الذين هم الأطفال المشاغبين ليكفوا عن الشغب نهارا، بينما 'حمزة' طبعت على وجهه علامة تأثره بما قاله الشرطي الذي قال:

«عودا إلى السيارة ولا داعي لإثارة المشاكل وعودا أدراجكما قبل أن تحين الساعة فتصبحا من الهالكين.. لن أقول أكثر من ذلك..»

ركبنا السيارة لنعود أدراجنا لاحقين بسيارة الشرطة وكان 'حمزة'راضيا بتصرفي.. لكن الأفكار عادت تجري في رأسي وفكرت في 'ساليس'.. لا يمكن أن أعود إلى دياري دون أن أعرف عنها شيئا ومن المستحيل أن أجعل من مجيئي إلى هنا هباءً منثورا وأعدل عن قصدي بكل بساطة بسبب تفاهة.. لذلك أوقفت السيارة ونظر إليّ 'حمزة' مستنكرا توقفي فجأة، فكما قال الشرطي بعد العصر بساعتين فقط تنتشر تلك المخلوقات اللاحمة، لقد مضت ساعة بعد العصر وبقيت ساعة أخرى، وقبل أن أسمع تعليقا منه قلت دون أن أنظر إليه:

«الوقت يمر.. لا أعني الوقت الذي قاله الشرطي عن ظهور تلك الحيوانات بعد العصر، فأنا لا أصدق تلك النكتة.. بل أنوي الوصول إلى القرية قبل حلول الظلام، وسآمرك قبل أن تغيب سيارة الشرطة بأن تذهب معهم إلى المدينة لتعود إلى 'أكادير'..»

نظر إليّ وصاح مستنكرا:

«هل أنت مجنون..؟ لن أذهب إلى أيّ مكان لوحدي.. يجب أن نعود معا كما أتينا معا وستفعل ذلك رغما عنك.. ألا يكفيك ما رأيناه من دمار في البلدة الملعونة وخلوها من الناس لتتأكد من صحة كلام الشرطي..! لنفترض عدم صحة أقواله أنا متأكد أن هذه المنطقة ليست آمنة مهما كانت وأعتقد أن دوري لأتحكم بزمام الأمور قد حان، لأنك صرت على غير ما يرام ولن أسمح لأنْ تكون السبب في هلاكنا.»

« ومن تحدث عن هلاكك أنت..؟ عد فورا مع الشرطة ودعني أواصل الطريق وحدي.»

قال في حدة بصيغة الأمر:

«بل إنك ستدير محرك السيارة لنعود إلى منزلنا.. هذا ما أردته منذ دخولنا إلى تلك البلدة اللعينة فلا فائدة من مجيئنا.. والسبب الذي أتيت من أجله لم يعد موجود وعليك نسيان الأمر برمته.»

قلت مصرا:

«لن أعود بعد أن سلكت كل هذه الطريق ولم تبقى إلا مسافة قصيرة إلى القرية.. لن أعود دون معرفة ما حصل مع 'ساليس'..»

قاطعني رافعا صوته صائحا في غضب:

«سحقا..! عن أيّ فتاة تتحدث هنا..!؟ هل الجنون أعمى بصيرتك..؟ ألم تسمع ما قاله الشرطي..؟ المنطقة لا يسكن فيها أحد، بمعنى آخر لا وجود للناس هنا.. إذا أردت هذه الفتاة فابحث عنها في مكان آخر لأنها ليست هنا ولن تكون.. أو ربما يستحسن بك نسيان أمرها.»

بعد قوله عاد الصمت إلى سيارتي وفكرت.. ماذا سأستفيد إذا عدت.. هل جئت فقط من أجل هذا.. أن أتوقف بعد أن بقيت ربع ساعة غير كاملة لأصل إلى القرية ولم أنْهِ بعد ما أتيت من أجله..! أخذت نفسا عميقا ثم قلت محاولا أن أبدو منطقيا:

«حسنا.. لو كان كلام الشرطي صحيح عن تلك الحيوانات، فلماذا إذن لم يضعوا خططا تحول دون انتشارها وتركوها تتحرك كيفما شاءت وتلتهم ما تشاء من البشر وكأن الناس أصبحوا مجرد أغنام تقتات منها..؟»

بعد كلامي بقي على صمته مصرا على العودة، فتركني محتارا بين الذهاب إلى القرية وبين رفضه مغادرة سيارتي للعودة مع الشرطة.. لزمت الصمت لمدة كافية لأتيح له الاختيار، لكنه لم ينطق بكلمة ولم يحرك ساكنا:

«كما تريد.. إن رفضت العودة فهذه مشكلتك وحدك ولا تلمني لاحقا على اختيارك الذي لا دخل لي به.»

عدتُ إلى وجهتي لأواصل الطريق إلى القرية ونحن صامتين.. السيارة تسير بنا إلى أعلى التل ولا نسمع إلا صوت العجلات وهي تدوس على الثلوج والأحجار..

بعد أقل من عشر دقائق من انطلاقي صادفت جذع شجرة ضخمة تعترض طريقنا فكنت ملزما بالوقوف.. لا يمكننا إزاحتها إلا برافعة.. قال 'حمزة':

«ها نحن أولاء قد علقنا أخيرا.. ما هي خطتك الآن أيها الفتى المغوار لنتجاوز هذا..؟!»

لم تبقَ إلا مسافة قصيرة إلى القرية وكان بامكاني السير على الأقدام وأتجاوز الجذع، هذه فكرة غريبة، نزعت حزام الأمان وأمرت 'حمزة' بالبقاء في السيارة فصاح من جديد:

«إلى أين تحسب نفسك ذاهبا إليه.. كيف تعتقد وسط هذه الظلمة والخلاء أن تجد انسانا..! هل أنت ضعيف الملاحظة..؟»

أثار غضبي فعلا هذه المرة وصرخت في وجهه كما لم أصرخ من قبل، والهواء الساخن يخرج مع أنفاسي على شكل كومات ضبابية بيضاء بسبب البرد القارص:

«لقد سئمت من مزاجك العكر هذا.. ليس أنا من أرغمك على المجيء معي.. لقد عرضت عليك منذ قليل العودة مع الشرطة إلى المدينة فأبيت الاستماع إليّ.. ماذا يسعني لأفعله لك بعد ذلك..؟ ما أنا فيه الآن هو قدري الذي اخترته وهذا اختياري ولم يرغمني أحد عليه.. إذا أردت أن تلوم أحد فلُم نفسك لقدومك معي..»

بعد قولي تركته خلفي وتجاوزت جذع الشجرة الملقى على الأرض حاجزة الطريق، وسرت لوحدي في الغابة الموحشة وأتمتم غاضبا بكلمات غير مسموعة.. صحيح ما يقال بشأن علاقة الأصدقاء التي تذوب أواصرهم في أيّة رحلة.. إذا أردت التعرف على شخص معين، ما عليك إلا أن تسافر معه وهذا ما فعلته الآن، ظننت أن 'حمزة' هو أقرب الأصدقاء إليّ، لكني أخطأت في ظني، بل اكتشفت بأنه أبعد مما كنت أتصور.. ابتعدت عنه بالشكل الكافي لأختفي من مجال نظره وأنا غاضب وأسير متحديا الثلج الذي يعيق سيري..

طالت مسيرتي وابتعدتُ كثيرا ولاحظت أن الضباب أصبح كثيفا ويحيط بي سديم أثر على قدرتي البصرية لرؤية الأشياء القريبة.. نظرت خلفي ورأيت آثار أقدامي فحمدت الله لوضوحها، سأعتمد عليها إذا نويت العودة، لذا واصلت سيري..

في هذا الخلاء أشعر بردة فعل فطرية بأن أحد ما يراقبني لكوني أسير وحيدا والجو ساكن بطريقة تنبئ بأمر مفاجئ قد يحصل.. هذا مربك جدا.. يجب أن أحاول ألا أزعج نفسي بهذه الأفكار السخيفة التي تراودني؛ لأن سطوة الخوف إذا احتدتْ، تجعل من كل فكرة سخيفة، رعبا مميتا..

بعد لحظات سمعت حركة في مكان ما.. لم تكن واضحة لأنها اختلطت بصوت أنفاسي وصوت الثلج أثناء سيري، لزمت مكاني ونظرت حولي بصمت.. انتظرت سماع الصوت من جديد لأتأكد، أو هذا يكون مجرد ما أثمرته مخيلتي التي شبعت ما يكفي من أفلام الرعب التي أشاهدها بعد منتصف الليل..

حمدتُ الله لأن الصوت لم يتكرر فأيقنت بكونه مجرد تهيئ.. فعدت أسير مرة أخرى إلى أن اقترحت على نفسي أن أقف قليلا عند شجرة لأستريح وأتكئ عليها وأنا أراقب.. سمعت نعيقا فنظرت إلى السماء ورأيت غرابا يتبعه سرب من الغربان..!

بعد أن نلت قسطا من الراحة، واصلت سيري وفجأة.. مرة أخرى سمعت الحركة من جديد..! وهذه المرة كانت واضحة جدا وسريعة ومصحوبة بصوت غريب يشبه اللهاث.. هذا لا يصدر إلا من حيوان ما يتعقبني بين الأشجار في مكان قريب..! ولا أظنه حيوان عاشب؛ لأن الحيوانات العاشبة ليس من عادتها التربص والتعقب.. هنا تملكني الخوف.. وفكرت أخيرا في رأي صائب بأن أعود إلى سيارتي.. رأيت أن آثار أقدامي غير واضحة في الثلج بسبب السديم الذي أصبح أكثر كثافة إضافة إلى اختلاط آثار أقدامي ببقع أخرى.. جربتُ السير في الطريق الذي عرفت أني سلكته ثم حاولت التعرف على آثاري وسرت كثيرا هنا وهناك.. ومررت من هنا ثم إلى هناك و.. في النهاية على الأرجح.. هنا توجد سيارتي.. لكني لم أجدها ولم أجد 'حمزة' فنظرت حولي.. يبدو أني أخطأت الطريق، فناديت عليه دون أن أسمع جوابا سوى صدى صوتي فتابعت البحث في يأس ولم أصل إلى أيّ مكان والطرق كلها متشابهة لا توجد أي واحدة متميزة عن غيرها.. لقد أضعت سبيلي وشعرت بوحدتي في هذه الغابة، تسرب الخوف من الضياع إلى نفسي خصوصا حين بدأت كرات الثلج تتساقط بصمت على رأسي معلنة بداية كابوس حقيقي..

رواية من خيالــــــي 434587081

نظرت حولي جيدا لأعرف إن كنت لا زلت ملاحقا، النباتات ثابتة وكل شيء ساكن.. دعوت الله أن يكون ما سمعته من نسيج خيالي وتلوتُ آية الكرسي أعادت إليّ بعض الأمان والسكون إلى أعصابي.. سحبت كُم القلنسوة التي تغطي ساعة يدي فإذا بي أجدها معطلة.. حسب تقديري قد مضت ساعتين بعد العصر وقد حان وقت ظهور تلك الحيوانات.. أتمنى أن يكون ذلك مجرد كذبة.. أخرجت هاتفي لأجد ساعته معطلة أيضا ومتوقفة على الساعة الخامسة والنصف والإرسال غير موجود، أعتقد أن هذا بسبب البرد القارس.. أعدت الهاتف إلى جيبي، لم تعد لدي أية وسيلة لأتصل بـ'حمزة'.. نفضتُ شعري من الثلج لأغطيه بغطاء القلنسوة.. لا أصدق ما يحدث هنا الجو مخيف ومظلم والضباب كثيف جدا لا أرى سوى ما يبعد عني بأقل من متر تقريبا، أما أبعد من ذلك يشبه الخيال المخيف..

الثلوج تتساقط عليّ وأنا أقف لوحدي وأجهل أين أسير فقد اختلط عليّ شمالي وجنوبي وشرقي وغربي لا أعرف أين أتوجه وأشعر بالخوف.. لا أظن أني أحسست يوما بخوف حقيقي مثل خوفي الآن لتواجدي في مكان لا أنتمي إليه، أحس أن ما عشته في حياتي من لحظات كانت بلا معنى سواء كانت لحظات فرح أو حزن كلها انمحت من ذاكرتي وكأني ولدت ثم ظهرت فجأة هنا.. آمل أن أهتدي إلى مكان آمن.. سأواصل التحرك وأختار اتجاها آخر أسلكه عله يأخذني إلى المكان الذي أنشده وعلِّي أجد 'حمزة'..

شعرت بيديّ قد تجمدتا من البرد، نسيت قفازي الصوفيّ في السيارة.. على الأقل سأغطي رأسي جيدا بغطاء القلنسوة وأدخل يديَّ في جيبيها لأحتمي قدر الإمكان من البرد والثلج المتساقط عليّ ثم أتابع طريقي.. لقد ازداد الجو برودة وأصبحت قلنسوتي مثل قميص مصنوع من النايلون حين سمحت لموجات البرد القاسية بالتسرب إلى جلدي مما جعلني أسير وجسدي يرتعد بشدة وأسناني تصتك مع بعضها.. يا إلهي..! أصبحت متشوقا لأشعة الشمس الدافئة وكأني لم أتذوقها يوما.. لا أستطيع أن أصف المكان أكثر من وصفه بالمخيف فالظلام يحيط بي بسبب الغيوم الكثيفة في السماء حاجبة ضوء القمر والنجوم، لقد نسيتُ أيضا احضار مصباحي في حقيبتي..

تابعت السير وسحق الثلج بقدميّ وبقيت هكذا حتى تعبت.. لا أرى شيئا جديدا بالمرة، المنظر نفسه يحيط بي والظلام نفسه والضباب ونفس الأشجار التي تشبه أجساما عملاقة وأغصانها الطويلة والعارية كأطراف مخيفة تسعى لالتقاطي لتسحقني.. ناديت في يأس على صديقي دون أيّ رد فتوقفت، فقد أحسست بالتهاب في حلقي غيّر صوتي.. يا للكارثة..! ماذا يحدث هنا وفي أي كوكب أنا..؟

رواية من خيالــــــي 434587081

أثناء ذلك، 'حمزة' داخل السيارة يستأنس بموسيقى هاتفه حين غبت.. وحين طال غيابي جرب الاتصال بي.. فأعلمته رسالة صوتية بأن هاتفي خارج التغطية.. فأعاد المحاولة عدة مرات ولم يفلح فاضطر إلى مغادرة السيارة الدافئة ليسير بدوره ويبحث عني وقد سار لمسافة لا بأس بها ولم يجدني، نادى عليّ ولم يسمع جوابي أيضا فعاد إلى إلى السيارة التي كانت مفاتيحها بحوزتي فشغلها بالطريقة الميكانيكية وأوصل سلكين ببعضهما لتشغيل المحرك، قادها عائدا أدراجه ليبحث عن المساعدة ربما يلتقي في طريقه الشرطيين الذين صادفناهما حين بدأنا صعود التل.. أخيرا وقع بصره عليهما بعد بحث طويل وكانا واقفين ويستمتعان بالحديث وتدخين السجائر فذهب إليهما فورا وطلب منهما المساعدة فأجابه أحدهما بعد أن نفث الدخان على وجهه:

«أنتما لم تعملا بما أمرتكما به وقد فررتما.. إذن سأبشرك أن صديقك على الأرجح أصبح في عداد الأموات.. لقد أمرناكما بالعودة وعدم الاقتراب أكثر لكنكما لم تستمعا.. الآن لن نكلف نفسينا بالبحث عن هالك لا يستمع.. كما أننا قد أرسلنا إلى البلدية لترسل عمالا ليشيدوا سياجا طويلا موصلا بالكهرباء لإحاطة القرية لأن هناك العديد من الأغبياء أمثالكما قد ضاعوا في تلك القرية لرغبتهم في التسلية فهلكوا بسبب تلك المخلوقات الآكلة للحوم البشر..»

فسألهما:

« لماذا تعتمد البلدية حلولا سطحية دون اتخاذ حلولا قوية تساعد على التخلص منها بشكل كامل..؟»

ضحك الشرطيان استهزاءً بقوله ثم قال أحدهما:

«تلك المخلوقات لا تموت أبدا.. لقد سبق وحاولنا قتلهم بشتى الطرق فكانوا يسقطون لدقائق ثم يذِبُّون وكأن شيئا لم يحدث لهم، الرصاص والقنابل لا تؤثر عليهم أبدا، وقد قُتِل عدد لا بأس به من رجال الأمن لمحاولة ردعهم لذلك لم نجد إلا حلا واحدا وهو الابتعاد عنهم قدر الإمكان..»

فكر 'حمزة' في حجم الورطة التي علقتُ بها فقال لهما راجيا منهما المساعدة:

«إذن الآن صديقي محاصر في تلك القرية..! لو سمحتما.. لقد ضاع منذ قليل فقط ومن الممكن إيجاده على قيد الحياة..»

قال الشرطي محاولا زرع الإحباط في نفسه:

«تلك المخلوقات تنتشر بسرعة وسريعة الركض وراء ضحيتها فإذا وقع بصرها عليك لن تكفيك قوتك مهما كانت للنجاة منها.. لذلك فقد قلنا لك إن صديقك ميت حاليا ولن ينجو منها أبدا ولا داعي لبحثك عنه وتعريض نفسك للخطر أيضا.. ما عليك إلا أن تُعلم أهله بذلك وسندع هذا يكون درسا تتعلم منه..»

صدمة قوية شعر بها 'حمزة'.. لكن لا يمكنه تركي وسط تلك الحيوانات وقد علم أنه لن يستفيد من هذين الشرطيين إلا مزيدا من الكلام المحبط والهادم، لذلك فضل الابتعاد عنهما وتكبد عناء البحث لوحده وإن كلفه ذلك حياته..

رواية من خيالــــــي 434587081

أما أنا فقد تابعت سيري بغير هداية لساعة كاملة أو أكثر حسب تقديري.. لا أدري إن كنت أتبع الطريق الصحيح أم أسير بعيدا.. لقد مللت وظهري أصبح يؤلمني فقد أرهقته بكثرة السير فانحنيت راكعا للحظات ربما يستكين ألمي.. استقمت بهدوء ونظرت حولي معتمدا على حدسي لأختار وجهة أخرى لأسلكها فرأيت شيئا يختلف عن هذا المنظر الذي كاد يعمي بصري، ركضت نحوه.. إنه سياج.. بحثت عن نهايته.. طال بحثي دون أن أجد له نهاية.. يبدو أنه يحيط بهذه المنطقة، ارتفاعه ليس بطويل يمكنني تسلقه.. حين اقتربت سمعت ذبذبات كهربائية.. جربته بأخذ قبضة ثلج.. رميته عليه فأحدث ذلك تفاعلا أدى إلى قفز شارارت كهربائية فابتعدت.. شعرت بالانهيار.. لماذا وضعوا هذا السياج..؟ سيحاصرني لمدة إلى أن يجدني أحد.. أو ربما لن يتحقق ذلك..

لا أعرف سبيلا آخر سوى عدم اليأس والاستمرار ومحاولة البحث وإيجاد ما سيخرجني من هنا لذلك صرخت مناديا للنجدة فقد يسمعني أحد في الجهة المقابلة.. فرأيت رجلا خارج السياج بلباس عامل فاقتربت قدر الإمكان وصرخت مناديا عليه لكن البحة التي في صوتي حالت دون سماعه لي خصوصا حين غير وجهته وسار مبتعدا.. ناديت عدة مرات دون كلل.. لكني فشلت في النهاية حين اختفى.. يا لحظي..! بقيت في مكاني ساكنا.. لا أعرف حقا كيف سينتهي هذا وإلى متى..!؟

تابعت سيري على غير هداية ودون معرفة مسبقة إلى أين ستأخذني وجهتي.. وأثناء ذلك رأيت بين كومات الضباب من بعيد خيال جسم مظهره غير دقيق.. مثل عمود قصير.. حاولت التعرف عليه بتدقيق النظر إليه فاكتشفت من حركة خفيفة صدرت منه أنه جسم إنسان واقف.. عندها لم أتردد بالتوجه نحوه إلى أن بلغته ولم يعد بيني وبينه إلا مترين.. أعطيت لنفسي ثوان إلى أن التقط أنفاسي.. لقد كان موليا ظهره ويرتدي بزة شرطي.. هذا طمأنني وإن بدا بوقوفه غريبا ورأسه مائلة وكأنه سكير.. لم أقترب أكثر وحافظت على المسافة التي بيننا ثم قلت طالبا المساعدة:

«عفوا سيدي..! أحتاج إلى مساعدتك.. أبحث عن صديقي وأضعت طريقي.. هلا ساعدتني
وأرشدتني لو سمحت..»

بقي الشرطي ساكنا بدون حراك.. استغربت ذلك وانتابني شعور بوجود أمر غير مألوف.. لكني عاودت مخاطبته وبحذر هذه المرة:

« عفوا سيدي..! هل تسمعني..؟»

أخيرا صدرت منه حركة.. رأسه المائلة جعلها مستقيمة.. كان بطيئا ومستقرا في نقطة واحدة وهو يستدير نحوي.. راقبت كل نقطة فيه أثناء دوران جسمه بانتباه وحذر.. حين استدار.. أدهشني حين رأيت عينيه، كانتا مغلقتين..! بقيتُ أنظر إليه بذهول ثم بدأ بفتح عينيه ببطء وليته لم يفعل.. لقد أصابني الفزع حين رأيت عدم وجود البؤبؤ في عينيه.. مجرد طبقة بيضاء مثل بياض البيض المسلوق.. والغريب أنه يستطيع رؤيتي بوضوح لأنه ينظر في اتجاهي دون أن يخطئني.. تحرك متوجها نحوي.. خطوت إلى الوراء حين خطى إليّ مقبلا.. كنت خائفا من ردة فعل مفاجئة وغير متوقعة منه وأنا أتراجع إلى الوراء دون أن أنتبه إلى ما قد يعيقني خلفي.. فغضب حين ابتعدت كلما اقترب مني فكشر عن أسنانه الوسخة وأطلق صوتا بين أسنانه فعلمت أن هذا المخلوق ليس طبيعيا.

دق ناقوس الخطر حين سمعت صوتا آخر عن يميني وظهر رجل آخر بنفس هيئة هذا الذي أمامي.. تقدما نحوي فتراجعت وأنا أراقبهما لا أعرف ماذا ينتظرني، كلما أحتاجه الآن هو لحظة واحدة مناسبة تسمح لي بالهروب، اخترت اللحظة حين اِلتوت قدم المخلوق الثاني فاندفع جسده مطدما برفيقه الذي ارتد متجنبا السقوط، فسنحت لي الفرصة ثم ركضت بجنون مطلقا رجليّ للريح هربا ومبتعدا عنهما لأنقذ نفسي من الأذى، مع أني لا أعرف مدى خطورتهما.. ولن أبقى أمامهما طبعا لأكتشف ذلك.. ركضت حتى شعرت ببعدي عنهما فنظرت خلفي.. لقد أضعتهما أخيرا، وقفت لأستريح وكان جسدي يرتعد كليا واتكأت على جذع شجرة ثم انحنيت حين جاءتني نوبة سعال قوية، نقاط الدم تسقط من فمي وترتسم على الثلج بسبب الجرح الذي في حلقي.. وحين توقف النزيف جلست على الأرض متكئً على جذع الشجرة لأستريح.

لا أفهم ما رأيته لتوي..! بشريين يرغبان بشيء ويزمجران مثل الكلاب..! هل هذا يكون ما أسماه الشرطي بالحيوانات اللاحمة..؟! إذا كان كذلك فكلامه صحيح وإدراكي لذلك متأخر جدا..

استكانت أعصابي فبدأت أشعر بالبرد وغلبتني آلام عضلاتي المرهقة، بقيت ساكنا وضممت ذراعي لأحتمي من البرد الشديد.. لست بأمان، لكن لم أستطع المقاومة، انسدلت جفوني على عينيّ مستسلمة دون ارادة مني.. فجأة أيقضتني صيحة قوية..! انتبهت.. وسمعت وقع أقدامه وهو آت من خلفي.. أسرعت قائما وتراجعت.. فإذا برجل بمظهر أكثر وحشية من الذيْن رأيتهما من قليل، اعتمد هجوما وحشيا مباشرا وسريعا نحوي ومد يديه إليّ ليمسكني.. لم يتسنى لي الهروب ولم يترك لي خيارا سوى المقاومة.. لقد كان قويا جدا وهو يحاول بهستيرية عضي في عنقي بوحشية مطلقا زمجرة الكلاب فمنعته وكان مصرا بهستيرية أكثر إلى درجة بعثرته ثيابي وانزلق غطاء القلنسوة عن رأسي ومزقه، لم أقدر على التنفس بسبب رائحته ورائحة أنفاسه الكريهة فقاومته ودفعته بكل ما أتيت من قوة وحاولت منعه على الأقل من الوصول إلى عنقي، وحين لم ينل مبتغاه اكتفى وأمسك يدي وعضَّني في اللحم الذي يوجد أسفل خنصري مباشرة وقطع قضمة فصرخت من الألم.. لقد أخذ جزئا مني والتهمه دون مضغ.. لقد فاجأني وأصبت بصدمة.. هذه هي المخلوقات الآكلة للحوم البشر التي تحدث عنها الشرطيان..! ابتعدت عنه وبحثت عن أيّ شيء أستعمله كسلاح فوجدت غصنا غليظا، رغم ثقله رفعته بسرعة، فجاء ليعاود الهجوم ليقطع قضمة أخرى فضربته بكل ما أوتيت من قوة على وجهه بعشوائية ودون تصويب.. لكني أصبته.. فسقط أرضا وحاول النهوض فمنعته حين أصبته بضربة أخرى كانت أكثر قوة فقفز الدم من رأسه فأردته صريعا..

راقبت تخبط أطرافه بشكل متقطع وهو يحتضر ثم استكان.. اقتربت بحذر فحركته بالغصن ولم يستجب، لقد مات أخيرا.. تركت الغصن يسقط من يدي لأهتم بجرحي.. ينزف بشدة..! مزقت ما تبقى من غطاء الرأس من سترتي وغطيت الجرح وضغطت عليه ثم رفعت يدي إلى مستوى القلب لأخفف النزيف قدر الإمكان.. أخشى أن يتلوث جرحي بالبكتيريا قبل أن أجد المساعدة، نظرت حولي.. لا أعرف ماذا عليّ أن أفعل الآن.. بوجود هذه المخلوقات لن يكون هناك بشري أحمق يتجول في أي مكان هنا.. ليثني سمعت كلام الشرطي.. لم يكن كلامه مزاحا.. لقد رأيت كل شيء الآن بأم عيني لكن بعد فوات الأوان.. أحتاج لأغادر هذا المكان العجيب في أقرب وقت.. لقد اشتقت فجأة إلى أمي.. كم هذا مؤلم..! سرت وأنا أنظر حولي منتبها لألا أفاجأ بمخلوق آخر.. لا أظن أن قدرتي على المقاومة ستكون فعالة لأتصدى لهجوم محتمل آخر بسبب إصابتي.. حاولت أن أركض وجسدي يرتجف من الصدمة والوجل الشديد، لذلك أشعر بتصلب في أرجلي وكأني فقدت الإحساس بهما وأحاول عدم السقوط.. صرت مثل غزال جريح في الغابة، ينزف دما طازجا يسهل على الأسود تفقد أثره..

السؤال الذي لم أطرحه هو: من أين جاء هؤلاء الوحوش البشرية..؟ وما سبب وجودهم هنا..؟ ولماذا يتغذون على لحوم البشر..؟ أكانوا بشرا فتحولوا لما هم عليه..؟ إذا كانوا بشرا فتحولوا.. فمن فعل بهم هذا..؟ ولماذا لم يحرك المسئولين ساكنا حيالهم وتركوهم ينتشرون في كل مكان دون أيّ ردع..؟ لقد أخطأت حين أقحمت نفسي في هذه الغابة.. لا يمكن أن تعيش أية أسرة هنا، والفتاة التي أبحث عنها صرتُ مقتنعا.. لقد فقدتها إلى الأبد، كل ما أريده الآن هو الخروج من هنا والنجاة من الموت، فهذه تضحية ليست لصالح أحد، وتورطي قد ندمت عليه..

مضى وقت طويل وطال بحثي عن المساعدة.. ألقيت نظرة أخرى على جرحي.. يدي ترتجف من الألم الشديد والجرح لا يزال ينزف بشكل مخيف، كميات كبيرة من الدم قد فقدتها وأشعرني هذا بشحوبي ووهني، تابعت الركض بتثاقل فهذا ما تبقى من قوتي، لا يمكن أن أسقط في مكاني.. إن فعلت ذلك، سأكون قد أذنت مستسلما لحتفي.. عليّ أن أواصل وأحافظ على صمودي لأقلل من نسبة احتمال موتي في الوقت الراهن على الأقل، يجب أن أجد من ينقذني أو أجد 'حمزة'.. آه صديقي العزيز.. أين هو الآن..؟ أمعقول أن أولئك الآكلوا لحوم البشر قد صادفوه..؟ لا أريد التفكير في ذلك.. عليّ بالبحث.. أكيد يوجد بمأمن في مكان ما..

رواية من خيالــــــي 434587081
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالثلاثاء أغسطس 18, 2015 3:29 am



الغريــب


أخيرا بعد يأس.. رأيت منزلا يشع النور من نافذته.. فشعرت بالأمان.. أخيرا وجدت مكانا أجد فيه بشري مثلي.. توجهت نحوه وفكرت ألا أتسرع وأطرق الباب.. يجب أن أتأكد أولا من الذي يسكن فيه.. قمت بتصرف غير لائق.. لقد كانت النافذة عالية ورأيت صخرة ليست كبيرة جدا لكنها تفي بالغرض، قمت بدفعها بيدي السليمة برفق حتى لا أثير أية ضجة.. ثم ثبتها عند جدار المنزل أسفل النافذة مباشرة، فتسلقت الصخرة برجل واحدة لصغرها وحاولت استراق النظر ببطء وحذر.. أشم رائحة طعام كريه جدا لا أستطيع وصفه حتى، لذلك كممت أنفي بيدي.. رأيت رجلا بدينا، يبدو في عقده الخامس بشعره المركز على قافته، كان موليا ظهره ويرتدي قميصا أطراف أكمامه وسخة وسروال من طراز قديم جدا، ذكرني بالقرويين الأوربيين القدامى أصحاب الكروش الممتلئة.. نظرت إلى أرجاء المنزل كله قبل أن يستدير.. منزل بسيط كأغلب منازل القرية بدون كهرباء، مضيء فقط بالشموع.. ورأيت في صالة المنزل حصيرة قديمة عليها أريكتين بدون مسند الظهر.. وفي الجهة الأخرى من الصالة توجد طاولة طعام خشبية قديمة مستطيلة الشكل تحيط بها ستة كراسي عتيقة إثنان يوجدان عند طول الطاولة في كلا الجهتين وكرسي واحد في كلا طرفيها، وجرة ماء تستند على ركن بقرب الطاولة.. مظهر المنزل جعلني أعتقد أن صاحبه مسالم.. تحرك ليستدير فخفضتُ رأسي.. انتظرت قليلا قبل أن أعاود استراق النظر، فلاحظت أنه غاب، وسمعت حركته في المطبخ.. بعد قليل خرج حاملا طاجينا ساخنا ليضعه على الطاولة في الصالة.. وفجأة قبل أن أتمكن من خفض رأسي رفع عينيه عفويا نحو النافذة فرآني.. يا إلهي..! عيناه حمروين..! بدتْ الدهشة على وجهه بسبب تطفلي فنزلت بسرعة من الصخرة وكادت تُسقطني حين تدحرجت بسبب حركتي السريعة.. يا إلهي..! لا أعرف ماذا عليَّ أن أفعل.. أشعر بالخوف.. لقد رأيت عينيه.. تبدوان غريبتين.. هو مخلوق عجيب آخر.. ما عدت أقوى على الهروب ثانية.. لقد انتهى أمري بكل بساطة بعد أن أحسست ببصيص أمل هنا.. فخرج الرجل من المنزل فأصبت بالهلع، واتخذت وضعية الاستعداد للدفاع عن النفس وإن كنت لا أبدو كمستعد تماما بمظهري المنحني وفي حالة يرثى لها..

فاجأني هذا الرجل البدين صاحب العينين الحمروين في حديثه لأني التمست فيه التعقل حين قال:

«من أنت أيها الشاب..؟ ولماذا تتجسس عليّ..؟ لا أرى تصرفك لائقا وأظنك قليل الذوق..»

بكلامه الرزين والمتزن لا أعتقد بانتمائه لأولئك الهمجيين، يبدو أن لون عينيه هو نتيجة مرض ما.. لكني كنت حذرا حين تقدمت نحوه قليلا في محاولة لإثارة استعطافه ولأكتشف كيف سيتواجب معي:

«آسف سيدي.. لكني تائه.. لا أعرف ماذا يجري.. أحتاج مساعدة فورية لأني مصاب وأنزف، سأموت في أية لحظة.»

نظر إليّ للحظات كأيّ رجل عاقل حتى يتأكد من صدقي.. لاحظ يدي المجروحة والتي ألفها بالغطاء المقطوع من سترتي ـ مما ساعد على منحي هيئة مزرية ـ إضافة إلى وجهي المصدوم.. عندها أومأ برأسه مصدقا، وظهر اللطف بعد ذلك على وجهه وإن أنبني قائلا:

«ما كان لك إلا أن تطرق الباب بدل التجسس بوقاحة.. على كل حال أنت محظوظ، التقيتَ الرجل المناسب.. تعال وأدخل فليس من حقي أن أتركك هكذا في هذه الحالة وحيدا وفي هذا الجو البارد..»

قبلت عرضه وسرت متقدما نحوه وسمح لي بالدخول.. لاحظت أنه أعاد الطاجين إلى المطبخ، فأنا جائع جدا، لكني لن أزيد على وقاحتي أكثر.. بقيت واقفا أنتظر عرضه لي بالجلوس.. وحين أغلق الباب سار وسبقني قائلا:

«تعال واتبعني..»

تقدم نحو طاولة الطعام الخشبية القديمة فسحب واحدا من الكراسي العتيقة وعرض عليّ الجلوس وجلس أيضا وأمسك بيدي المصابة برفق ووضعها على الطاولة قائلا:

«دعني ألقي نظرة لو سمحت..»

أسلوبه منحني الثقة بأنه يملك الخبرة في التطبيب فوثقت به وتركته يلقي نظرة على جرحي.. ما إن أزال غطاء سترتي عن جرحي حتى بدا عليه الاستياء بسبب منظره المخيف فقال:

«من فعل بك هذا بحق السماء..!؟»

«لقد تعرضت للعض من طرف مخلوق..»

رفع يدي ليقلبها يمينا وشمالا لمزيد من المعاينة ثم أعادها إلى الطاولة ونظر إليّ وسألني قائلا:

«مخلوق..! أي مخلوق..!؟»

قلت مجيبا:

«لا أعرف.. مظهره يبدو بشريا لكنه بشع ومتوحش وكريه كالحيوان، وعينيه عليهما طبقة بيضاء سميكة..»

قطب الرجل حاجبيه ولم أعرف كيف أحدد التعبير الذي بدا على وجهه فتابعتُ قائلا:

«إنك تقيم هنا.. ألم تصادف شيئا يناظر الذي وصفتُه..؟»

نهض من مكانه دون أن يجيبني واتجه نحو النافذة ليلقي نظرة في الخارج فقلت:

«لم يلحق بي أحد.. أنا متأكد من ذلك..»

تأكد بنفسه أولا ثم أغلق النافذة وأنزل الستارة الصغيرة عليها ولم يعلق بشيء.. لحقتْ به عيناي حين سار متوجها إلى غرفة توجد أمامي مباشرة وغاب قليلا، ثم عاد وهو يحمل مستلزمات الاستشفاء وإناء به ماء ووضع الكل على الطاولة.. أخذ قليلا من الملح ليضيفه إلى الماء فأذابه ثم أخذ يدي ووضعها في الإناء لغسلها من الدم، كنت خائفا من أن يصيب جرحي دون قصد فلاحظ ذلك وطلب مني الهدوء.. تلوث الماء كله بالدم.. جفف يدي وأخذ قطنا ليمسح به بقايا الدم، لقد توقف النزيف نسبيا.. حمدا لله.. فتح قنينة بها سائل مطهر وأقلبها وسكب كمية منه على الجرح فاقشعر جلدي من الألم الشديد وانحنيت كاتما الصرخة بداخلي.. ثم عاد يمسح الجرح وأخذ عبوة تحتوي على مرهم، قام بدهن الجلد حول الجرح فأحسست بالبرودة، إن ذلك كان مرهما للتخدير الموضعي، أخذ إبرة وخيط وقال:

«المرهم ليس مخدرا قويا.. ستؤلمك الإبرة قليلا لكن استحمل ودعني أقوم بعملي..»

ترك المخدر حتى يخدر المنطقة بقدر مفعوله ثم بدأ بخياطة جرحي وأحسست بوخز ضئيل جدا.. بعد ذلك لف يدي عدة مرات بالضماد بشكل أفقي ومائل دون أن يضغط عليه حتى لا ينفجر الدم من جديد.. حين أنهى عمله، استعدت يدي أخيرا وشعرت بالراحة وإن لازلت أشعر بالألم ينبض داخل جرحي:

«شكرا لك سيدي.. لقد أنقذتني..»

ظننت أن ما سيقوم به الآن هو إعادة الطاجين إلى الطاولة فقد ازداد جوعي لكنه لم يفعل بل سمعت صوت القلي.. إنه يعد طعاما آخر، لم تمض إلا دقائق معدودة حتى أتى بصحن معدنيّ ساخن وضعه أمامي:

«واضح أنك جائع.. تفضل وكُل هذا..»

لم تكن رائحة هذا الطعام شهية مع أنه قدم لي طبق المعكرون الذي أحبه وفوقها طبقة حبة طماطم مطحونة مع البهارات، كنت أحب هذا الطبق حين كانت أمي تعده على العشاء.. لكني لم أحبه الآن.. لاحظت وقوفه فقلت له:

«حسنا شكرا لك.. أحضر فرشاة إضافية وتعال اجلس لتشاركني الطعام..»

أجابني قائلا:

«لا.. بالصحة والهناء.. لدي عمل عليّ أولا القيام به.»

راقبته وهو ينصرف، حين غاب أخذت الفرشاة ولففت المعكرون حولها ثم قربتها إلى أنفي لأشمها أولا فشعرت بالقرف لمجرد رائحتها.. هذا غريب جدا.. ترددت في تناولها.. وكأني سآكل أذن نيئ لقنية أو لأرنب بري.. كم هذا مقرف..! على كل حال كانت ساخنة فبردتها ثم أغلقت عينيّ وأكلتها بسرعة.. وأنا أمضغ أحسست بالقرف أكثر بسبب مذاقه في فمي.. وإن لم أبلعها شعرت بمعدتي تريد إفراغ محتوياتها.. لا أعرف الطريق إلى المرحاض لذا توجهت بسرعة إلى الباب وذهبت بعيدا وانحنيت لأتقيأ، شعرت بألم تقلصات معدتي وهي تفرغ محتوياتها وتقيأت طعاما قليلا، أحسست بالألم أكثر حين تقيأت فراغا إلى درجة إحساسي بنزول دمعة من كلتا عينيّ.. جاء الرجل البدين مهرولا وقال في قلق:

«أيها الشاب..! هل أنت بخير..؟»

أخيرا حين أوقفت معدتي تقلصاتها المؤلمة، شعرت بالوهن الشديد، هذا آخر شيء ينقصني، بقيت منحنيا للحظات قبل أن أستقيم ببطء.. بدا الشك في وجهي حين ألتفت نحوه وكنت غاضبا وأنا أصيح متهما:

«ماذا وضعت لي في ذلك الطعام..؟ أحمد الله لأني لم أبتلعه.. لقد كدت تقتلني، أيها الغريب..!»

نظر إليّ والإحساس بالظلم واضح في وجهه:

«أنا..!؟ ماذا تقصد أيها الشاب..؟ هل تعتقد أني طبخت لك طعاما مسموما..؟»

بعد قوله بقي اتهامي موجها إليه والعصبية تتطاير شراراتها من عينيّ، بينما هو واقف هناك وينظر إليّ بحيرة والإحساس بالظلم واضح عليه كمتهم برئ.. لم تمض إلا لحظات أحسست بعدها أني قد أسأت إليه بظلمي.. لكن ماذا يحدث لي..!؟ لا يبدو على هذا الرجل البدين أنه قادر على أذية أحد.. لقد أخطأت في الحكم عليه.. استعدت هدوئي وندمت على تسرعي في انفعالي وقلت معتذرا وعاد إليّ الوهن الشديد:

«عفوا سيدي.. أشعر.. أشعر.. يا إلهي.. لست على ما يرام.. أرجوك اعذرني..»

شعرت بالبرد فكان لطيفا حين عرض عليّ العودة إلى الداخل وأفسح لي الطريق لأعود إلى المنزل الدافئ ثم أغلق الباب.. صمته كان غريبا بحيث أحسست أن هناك شيء يجب أن يخبرني به فقلت:

«ما الأمر سيدي..؟»

رفع إليّ عينيه الحمروين وقال في أسف:

«أخشى أيها الشاب أن أخبرك بأنك..»

توقف عن الكلام فقطبت حاجباي واحتل القلق كل تفكيري فكلماته توحي بسوء ما بي:

«بأني ماذا..؟ تكلم..!»

قال والكلام ثقيل جدا عليه من خلال أسلوب حديثه:

«آسف أيها الشاب.. حين رأيتك أول مرة ظننت أنك من جِنْسِي..»

استغربت ظنه أني من جنسه، فسألته مستوضحا بشيء من السخرية:

«ظننتَ أني من جنسك..؟ ماذا تعني..؟ هل أنا مخلوق عجيب ولم أعرف قط..!؟»

قال مجيبا:

«أنا لست بشري.. بل كائن من الجن..»

لاحظ ردة فعلي فمد يده مطمئنا:

«أرجوك لا تخف فأنا جنيّ مُسلم ومسالم ولن أوذيك..»

تراجعت خوفا، ولأبقي مسافة أكبر بيني وبينه.. مخلوق من الجن..!؟ ماذا يجري..؟ عجزت عن الكلام فتابع قائلا:

«آسف جدا لقول أنك قد تأخرت في المجيء إليّ.. لقد تعفن جرحك والبكتيريا المميتة قد انتشرت بالكامل في جسدك حاليا.. كما أني آسف أيضا لأني سأخبرك بما هو أهم.. إنك في مرحلة احتضار جد متقدمة وهذا يفسر سبب عدم استحسانك لطبق المعكرون وأيضا قدرتك على رؤيتي، كما تلاحظ، مع أنك بشري.. ذلك كله بسبب تعرضك للعض من ذلك المخلوق وتأثرك أصبح واضحا في عينيك بالخصوص..»

في عينيّ..!؟ قلت في نفسي متسائلا فجالت عينيّ باحثة عن أيّ شيء يعكس صورتي لأرى عينيّ ولم أجد فثار جنوني وسألته صائحا:

«ما خطب عينيّ بحق الجحيم..؟»

أحضر لي مرآة صغيرة، تملكني الفزع وأنا أخطفها منه بقوة وبطريقة بدائية.. لا أريد أن تحتك أصابعي بيده ولو بطرف ظفره..

بتردد رفعتها إلى وجهي ببطء وتمنيت أن أرى وجهي العادي والجنيّ مخطئ في وصفه.. لكن.. انتفض قلبي فزعا وسقطت المرآة من يدي.. لقد رأيت شيئا فضيعا ومخيفا.. عكس ما تمنيت..
ليثني أستطيع إخراج روحي من جسدي المخيف فورا.. لون وجهي أصبح شاحبا وعينيّ عليهما طبقة خفيفة من البياض لتصبح بعد مدة بسُمك طبقة أعين تلك المخلوقات اللاحمة.. يا للكارثة..! لقد أصبت بالعدوى.. انتهى أمري..! انهار جسدي فبادر هذا الجنيّ الغريب بمحاولة إمساكي ليمنع سقوطي فانتفض جسدي مبتعدا، وصرخت بجنون:

«ابق مكانك ولا تقترب مني.. ابق بعيدا ولا تلمسني أيها الغريب..! يكفي ما أنا عليه..»

لا أعرف كيف يمكنني التفكير.. شعرت بأن كل شيء مظلم أمامي وانتابتني أحاسيس عدوانية انتشرت في جميع أطرافي فرغبت بكسر وسحق كل شيء يحيط بي.. ليثني عدت إلى دياري ليثني سمعت كلام 'حمزة' لو فعلت ذلك ما لقيت كل هذا.. ستقلق عليّ أمي حتما لقد اشتقت إليها.. شعرت بالانهيار الكامل ونظرت إلى ذلك الجنيّ طالبا المساعدة.. على كل حال.. هو الوحيد من يمكنه ذلك فلا وجود لشخص أخاطبه بأمان في أيّ مكان في هذه المنطقة المليئة بتلك الحيوانات البشرية.. قلت له:

«ماذا عليّ أن أفعل الآن..؟ أريد أن أعود إلى دياري.. لا أريد البقاء في هذا المكان..»

أحس الجنيّ البدين بالرأفة تجاهي وظل صامتا، لم يعد يبعث الخوف في نفسي الآن بقدر خوفي على ما أنا عليه فسألته:

«لماذا يحدث هذا..؟ ما الذي أتى بتلك الأشياء التي تقتات على أجسام البشر..؟ في أيّ عالم أنا..؟»

سكت الجنيّ قليلا ثم قال:

«كل ما أعرفه أن فتاة قد قتِلتْ ودُفِنت في منزلها على يد قاتلها منذ عدة أشهر.. ومنذ ذلك الحين مخلوقا كافرا من الجن يخرج من المنزل كل يوم بعد العصر بساعات، وهو يمثل لعنة ذلك المنزل، وذات يوم ذهب إليه مجموعة من الشباب المتهورين، غلبهم الفضول ودخلوا إليه.. لا أعرف ماذا حدث لهم وسبب لهم ما هم عليه الآن..»

الطيش هو سبب هلاك أولائك الشباب وقد جاء دوري، فعدم سماعي لا للشرطة ولا لصديقي هو ما أعطى هذه النتيجة.. انتظرت قولا آخر من هذا الجنيّ البدين فقال:

«كل ما أستطيع مساعدتك به هو شيء آمل أن تحققه قبل أن تتمكن منك البكتيريا بشكل كامل..»

سألته فورا:

«ما هو هذا الشيء..؟ عجل وأخبرني.. سأحقق ذلك بإذن الله..»

فقال:

«عليك أن تبلغ ذلك المنزل، يقع في الجهة الشرقية على بعد أقل من ثلاثة أميال من هنا.. لم يسبق لأحد أن عاد حيا لأن الطريق إليه خطيرة جدا وتكثر فيه تلك المخلوقات، إضافة إلى ذلك الجنيّ الكافر الذي يطوف في جوار المنزل إلى بزوغ الفجر.. لذا عليك أن تقوي إيمانك بالله كيلا يقوى على أذيتك ثم ادخل إلى المنزل ولا تنتظر.. ستجد بداخله مخلوقة من الجن أيضا، وقد تجد عندها جوابا وتساعدك.. آسف لأن هذا أقل ما يمكنني فعله من أجلك ولا أعرف حلا غيره وأتمنى أن يحفظك الله ويوفقك..»

قلت في نفسي: لا بأس.. على كل حال أنا أحتضر وميت لذلك لا ضرر في محاولة النجاة ولو عن طريق مواجهة تلك الحيوانات..

تابع الجنيّ كلامه قائلا:

«عليك أن تصل إلى هناك قبل أن تنتهي الثلاث ساعات من تعرضك للاصابة..»

ألقيت نظرة على ساعة يدي.. فتذكرت أنها معطلة.. أظن أن ساعتين تقريبا قد مضت على تعرضي للاصابة وبقيتْ ساعة واحدة.. قلت معاتبا:

«لماذا لم تخبرني بذلك وتركت الوقت يمضي هدرا بينما كنت تعرف الحل لحالتي..؟ تذكر هذا جيدا لقد ارتكبت خطأً فادحا وسأحاسبك عليه لاحقا..»

وقبل أن أذهب أعطاني مسدسا طرازه قديم جدا إضافة إلى كُتيّب صغير وقال لي:

«خذ هذا ربما ينفعك..»

لم أستخدم مسدسا في حياتي لكني مضطر الآن لاستخدامه وعدم الخطأ في التصويب.. تفحصته لأجد رصاصتين فقط، أدخلته في حزام بنطالي أما الكتيب فيه حروف وعبارات غريبة فقلت مستغربا:

«ما هذا بحقك..!؟ هل هو نوع من الشعوذة..؟! ماذا أفعل به..؟»

أجاب:

«أعوذ بالله..! إنه الحصن مكتوب بلغتنا.. يحفظك من الأرواح الخبيثة من جنسي..»

وضعته داخل ملابسي أيضا.. ليس هناك مزيدا من الوقت لأضيعه بالكلام والاستفسار.. عليّ بالرحيل فورا.

رواية من خيالــــــي 434587081

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالثلاثاء أغسطس 18, 2015 3:34 am



دموع الوردة الذابلة


غادرت المنزل وحاولت الركض رغم ضعفي فلم تبقى إلا ساعة واحدة ويجب أن أكون سريعا.. لم يتغير الجو، بقي على حاله، الضباب نفسه والظلام والصقيع.. إلا شيء واحد قد تغير.. وهو هدفي.. فقد كنت أبحث جاهدا في سبيل الخروج من هذا التل والهروب والنجاة من الموت.. لكن الآن.. أصبحت أحتضر ونجاتي محصورة في هذا التل نفسه.. يجب أن أوفر على نفسي أكبر وقت ممكن.. هذا هو المطلوب.. لا أريد الموت هنا وعلى هذه الحال، أريد أن أبقى على قيد الحياة لمزيد من الوقت.. كلنا نخاف من الموت.. لكنه آت إلينا ولا مجال للهروب منه، لا تمضي دقيقة ولا ثانية إلا وهي تقربه منا، وكل شيء حي في هذا الكون مكتوب عليه تجرع لحظاته المرة سواء كان بشرا أو حيوان أو حشرة بل حتى الجماد يذبل ويتآكل مع الزمن، لذلك لا أهرب منه بحد ذاته، لكن على الأقل لا أريد الموت هنا، فإذا أصبحت لحظاتي معدودة فلا أريد أن أقع ميتا بعيدا عن أمي التي لن يهنأ بالها، بل ستموت من البكاء عليّ وتكون نهايتي مجهولة لا يعرف بحقيقتها أحد إلا الله..
أخشى أن يكون 'حمزة' قد تعرض لمثل هذا أو أكثر.. لن أسامح نفسي أبدا إذا حدث ذلك.. تابعت ركضي في اتجاه الشرق كما أشار لي الجنيّ البدين الذي لم يحصل لي شرف التعرف على اسمه.. توقفت قليلا لأستريح وأستعيد طاقتي وأواصل وكنت منتبها..

فجأة ظهر طيف مخلوق بين الضباب وبين جذوع الأشجار على بعد إثنا عشر مترا مني، رآني فسار نحوي.. أخرجت مسدسي القديم الطراز وأمسكته بيديّ المرتعشتين معا وحاولت تصويبه نحو رأسه.. لم أستطع أن أبقيَ توجيهي نحو هدف واحد فأنا لم أستخدم مسدسا في حياتي ولم يكن فن الرماية هواية من هواياتي، توكلت على الله وضغطت الزناد فانطلقت الرصاصة مصدرة ضجة.. فخفضت مسدسي، أصبته لأنه وقع على الأرض.. لم أحاول التأكد من موته فعلا لأني لا أملك الوقت لذلك، أعدت مسدسي إلى مكانه لأواصل طريق.. بقيت عندي رصاصة واحدة..

مضى وقت وأنا أسير مترقبا هجوما مفاجئا وسط غياهب الضباب الكثيف.. كان الثلج يعيقني بسبب كثافته على الأرض وقد ساهم ذلك في حجب الأحجار فداست رجلي على إحداها والتوى كاحلي فسبب لي ذلك صعوبة في المشي.. سلكت طريقا، سيرا وأنا أعرج، فأخذتني إلى المكان الذي أنشده.. تبين لي من بعيد شكل منزل فحمدت الله.. آمل أن يكون هذا هو المنزل الذي أخبرني به ذلك الجنيّ البدين حيث توجد الجنية.. توجهت إليه بقدر قوتي.. وحين كنت قريبا.. توقفت فجأة حين أصبحت في مجال رؤية عدد كبير من أولئك الهمجيين فاختبأت سريعا حتى لا يكتشفوا وجودي.. بقيت هادئا للحظات محاولا استعادة طاقتي فألقيت نظرة أخرى.. لقد كان من بينهم ذلك الذي اعتقدت أني أصبته بمسدسي وذاك الذي عضني وتذوق جزئا مني، هذا يوضح أنها لا تموت أبدا بل تبقى ساكنة لبعض الوقت فقط..! إنهم منتشرون على مقربة من المنزل.. إن حاولت الاقتراب سأثير حتما انتباههم.. الوقت يمضي.. حسب تقديري قد تبقى ربع ساعة فقط فشعرت بأن أمري قد انتهى.. كل المعطيات تشير إلى ذلك.. مسدسي بقيت فيه رصاصة واحدة تكفي فقط لأفجر رأسي وأنتهي من هذا الكابوس..! الدقائق تمر.. وكلما مضى الوقت كلما كان أجلي قريبا.. الدقائق تضيع مني دون حول مني ولا قوة..

تذكرت أمي وتذكرت 'حمزة' الذي ربما يحتاج مساعدتي في مكان ما.. الاستسلام يجب أن يكون آخر خيار أختاره ولا يحق لي الموت هكذا ساكنا والمنزل قد أصبح قريبا مني.. يجب على الأقل أن أحاول.. فإن فشلت.. أموت على الأقل راضيا عن نفسي.. أحتاج الآن إلى حس المغامرة والمراهنة بروحي.. فكل ما يخشاه المرء هو الموت وبما أني سأموت بعد لحظات فيجب أن يصير كل شيء مجرد لعبة.. اسمها 'اللعبة الأخيرة' مع هؤلاء الرعاع ولن يكون ذلك ممتعا ومسليا بالتأكيد..
استجمعت قواي وأخرجت مسدسي الذي برصاصة واحدة فسرت متخفيا بين الأشجار إلى أن أصبحت قريبا ولاحظت أن باب المنزل لا يوجد في هذه الجهة التي تقابلني لذلك تحركت غربا محاولا عدم كشف وجودي.. وفجأة.. حاصرني المخلوق الذي حذرني منه الجنيّ البدين.. إنه الجنيّ الكافر.. رأيته وقد أخافتني هيئته لقد كان رهيبا.. يشبه ما كنت أراه في منزلي.. عبارة عن جسم ضخم بلا شكل يشبه الدخان الأسود الناتج عن حريق أو انفجار هائل إلا أن هذا أضخم مما كنت أراه في بيتي..

أحس بوجودي حين شعر بخوفي فدار نحوي بسرعة تناظر رمشة العين.. إنه الجنيّ الكافر.. علمت أن الإيمان هو سلاحي الوحيد وتلوت في نفسي آية الكرسي فأطلق صرخة مفجعة انتبه لها كل ذلك العدد الهائل من تلك المخلوقات اللاحمة، فاكتشفوا وجودي فجاءوا فورا بينما هو اختفى أمامي، رغم جزعي لم أنتظر.. ركضت بألم بسبب كاحلي، حاولت تجاهل هذا الألم قدر الإمكان لكن سرعتي ظلت ضئيلة.. عليّ أن أبلغ المنزل كما قال الجنيّ البدين.. تابعت الركض غربا وراقبت تلك المخلوقات المتوجهة نحوي بسرعة رهيبة فشعرت بأني هالك مما ساعد على هبوط معنوياتي مثل غزال مطارد متيقن من هلاكه بين فكي مطارده.. كانوا قريبين مني إن تعثرت وسقطت فسيُقضى عليّ..

أصبحت المسافة بيني وبين المنزل بضع خطوات فقط.. دعوت الله ألا أجد بابه مقفل.. بلغته ودفعته مباشرة.. لحسن حظي كان مفتوحا.. دخلت بسرعة وأغلقته خلفي وأسندت ظهري عليه.. لقد كان الرعب والإرهاق الشديدين يتملكانني وأنفاسي متلاحقة وجسدي يرتعد بجنون وقلبي ينتفض بعنف وأتوقع جموده في أيّة لحظة والعرق يتصبب من جبيني بغزارة.. هذا أسوأ كابوس رأيته في حياتي.. انتظرت هجومهم وهزهم الباب للدخول لذلك كنت ثابتا ومستعدا، أعلم جيدا أن جسدي المدعور، الذي أصبح بوزن الريشة، لن يقوى على مقاومة ذلك الهجوم الصارخ.. لكن بعد لحظات اكتشفت أنهم لم يفعلوا، بل لم أعد أسمع أصواتهم، وكأن الأرض ابتلعتهم.. هذا منحني بعض الراحة وإن تسرعت في الإحساس بذلك، فهذا المنزل الذي دخلت إليه مظلم جدا ولا أستطيع رؤية أثاثه ولا رؤية ما يحوم حولي.. فقط الظلمة محيطة بي.. أيمكن أن أجد مخلوقا آخر هنا..؟ كنت مترقبا وأنا متجمد في مكاني..

بعد قليل سمعت حركة في مكان ما.. فعاد الوجل إلى قلبي.. لا أعرف ما هي المفاجأة التي تنتظرني الآن.. أخرجت مسدسي ببطء وبهدوء وبقبضة متماسكة من شدة الهلع ثم ترقبت..
سمعت الحركة مرة أخرى وعرفت من أين.. إنه آتٍ من الجهة التي تقابلني، فتبددت الظلمة بنور خافت يتراقص كنور شمعة منبعث من داخل هذه الغرفة.. فرأيت النور يتحرك.. مسحت بيدي نسبة من العرق المتصبب على جهي.. إن حامل الشمعة يسير للخروج من الغرفة فوجهت مسدسي نحوه.. لقد تعبت أعصابي من الخوف وكنت منفعلا.. وأفكر.. رصاصة واحدة..

قبل أن يظهر لي هذا الشيء، قال مطمئنا بصوت أنثويّ عذب:

«لا تخف.. أنت بأمان هنا..»

الصوت كان مألوفا أرسل موجة عجيبة أعادت الهدوء إلى أعصابي.. من يكون صاحب هذا الصوت..؟! ظهرت فتاة تحمل شمعة في يدها.. لم أتبين من تكون بسبب توتري كما أن الشمعة إضاءتها خافتة وثنايا وجهها أحدثت ظلالا حاجبة ملمحها.. فاقتربتْ قليلا وشعرت أني أستطيع معرفة من تكون، خفضت مسدسي واقتربتُ منها ثم شعرتُ بسعادة كنت أنتظرها منذ أن جئت إلى هنا وأنا كالغبيّ أنظر إلى 'ساليس'.. إنها هي.. تراقصتْ الفرحة في عينيّ وتجلت السعادة في كل نقطة فيّ وزال كل الخوف مني تماما وكأنه لم يكن.. ماذا تفعل هنا..؟ لماذا لم ترحل كما رحل السكان من هذه القرية..!؟

بفضل نور الشمعة رأيت طاولة قريبة مني، أعدت مسدسي إلى حزامي لأقوم بجذبها نحو الباب حتى لا يتمكن أيّ مخلوق من الدخول فقالت مُطمئِنَة:

«لا تقلق فتلك المخلوقات لا يمكنها الدخول إلا عند اقتراب الفجر.»

لا أعرف كيف علمت بذلك.. لكن سعادتي ألهتني عن كل هفوة وعن كل استفسار فلا يهمني بعد أيّ شيء.. رغم قولها ثبتت الطاولة عند الباب لأشعر بالأمان أكثر.. اقتربتُ منها وأصبحت أمامها مباشرة وقلت:

«أنا سعيد جدا لرؤيتك يا 'ساليس'.. لقد اشتقت إليك لو تعرفين كم مضى عليّ من عذاب لفراقك، سأموت إذا لم أتمكن من رؤيتك مرة أخرى لأني.. لأني ما عدتُ أتحلى بالقوة الكافية لأتجاهل مشاعري و..»

قاطعتني قائلة:

«كفى..»

استغربت مقاطعتها لي فسألتها:

«ما الأمر..؟!»

لم تجبني وقد أحسست بحزن عميق شلت له الكلمات في لسانها، فقلت:

«أين أهلك وماذا تفعلين هنا وحدك في هذا المكان ووسط تلك المخلوقات المتوحشة..؟! علينا أن نرحل فورا..»

لم تكن متحمسة للرحيل معي.. هذا ما شعرت به.. نظرتُ في عينيها الجميلتين والمنخفضتين اللتين أخذتاني من نفسي من جديد وأنستني أن الموت أصبح على بعد لحظات مني، بل شعرتُ وكأن الحياة عادت تدب في جسدي..

أبقت عينيها منخفضتين للحظات ثم رفعتهما ناظرة إليّ ورأيت الحزن فيهما وقطرة ملتهبة من دموعها شقت طريقها على خذيها.. أحزنني ذلك وأدمى له قلبي فسألتها:

«أرجوك أخبريني.. ماذا بك..؟ أشعر بشيء مختلف فيك.. أعرف أني ارتكبت بعض الأخطاء لكني جئت لكي أحاول..»

قاطعتني مرة أخرى وبحزن أعمق:

«هذا محزن جدا..!»

بعد قولها أشعرتني بالحيرة أكثر إلى درجة جعلتني أعجز عن الكلام وتعبير وجهي كان كافيا فقالت:

«أنا.. لست 'ساليس'..»

صدمني قولها فقلت غير مصدقا وقلبي يرفرف هلعا:

«أعتقد أنها مزحة.. مزحة ظريفة.. أليس كذلك..؟»

أومأت برأسها بأسف وقالت:

«للأسف ليست مزحة بل حقيقة ويجب أن تصدق.. لا تخف مني.. أنا مخلوقة من الجن.»

تراجعتُ خطوات منها ليس لخوفي فهذه ليست أول مرة أقابل فيها مخلوقا من الجن، لكنها فاجأتني ولاحظت أخيرا احمرار عينيها كعينيّ الجنيّ البدين.. أعتقد أن هذه هي الجنية التي كان يقصدها لكني لا أعرف لماذا اتخذت صورة 'ساليس' فسألتها وأجابت قائلة:

«أحببتها كثيرا.. لهذا اتخذت مظهرها كما أنها طريقة جيدة لأمنع خوفك مني..»

سألتها مستغربا:

«وهل علمت بقدومي قبل أن آتي لتعملي لذلك حسابا..؟»

«ليس عندي علم الغيب لكني أحسست بقدومك وبأنك ستكون السبب لإنهاء ما يحصل هنا في هذه القرية..»

لم أفهم شيئا من قولها.. ثم تابعتْ:

«آسفة لأني جعلت حياتك لا تطاق.. لكني فعلت ذلك لتحاول استرجاع ما قد اختفى من ذاكرتك.. وأعطيتك علامات وإشارات علك تنتبه..»

نظرت إليها باستغراب أكثر وقلت:

«وكيف عرفت بفقداني للذاكرة..؟ ولماذا تعبئين بعودتها..؟ هل كنت تتعقبين حياتي..؟»

بدت هادئة وهي تقول:

«نعم فعلتُ ذلك وأكرر أسفي على الإزعاج الذي سببته لك وأنت في مدينتك.. لكن.. هل تلاحظ..؟ لو لم أفعل ما كنت فكرت في العودة إلى هنا.. وقد كنتُ على يقين أنك ستعود من أجلها.. وإن.. فات الأوان..»

سألتها بصبر نافذ:

«ماذا تعنين بفوات الأوان..؟ تكلمي أرجوك بوضوح أنا لا أفهم شيئا مما تقولينه ولم يعد يهمني شيء.. كل ما أريده هو أن أعرف أين هي 'ساليس' أريد رؤيتها فورا..»

بعد لحظات صمت قصيرة، أجابت بدون مقدمات:

«لقد ماتت.. أو بالأحرى قد قتلت..»

ماذا..!؟ كيف..!؟ شعرت بالصمم لسماع ذلك وتمنيت أن يكون الخطأ في سمعي لذلك رجوتها أن تعيد قولها وتمنيت قولا غير الذي سمعته.. فأعادت جملتها بوضوح وصوتها يحمل من الصدمة ما لا يتسع له هذا العالم كله فانهار جسدي ودارت بي الدنيا.. فبعد سعادة عارمة أصبحت أشعر وكأن مصيبة فاجأتني ودهست كل أحلامي كقطار سريع مر ولم يخلف وراءه إلا فراغا وغبارا ينقشع تدريجيا وبهدوء ليبقى السكون وحده والألم ليكونا رفيقاي الأبديان.. قالت الجنية بحزن وحرقة شديدة في صوتها سالت لها دموعها:

«آسفة..»

تراكمت أسئلة كثيرة في رأسي لكني صرت كالأخرس وجسدي صار لينا وأقف هنا على قدميّ بأعجوبة.. تابعتْ الجنية قائلة ولم يعد يهمني ما تقوله:

«هذا المنزل يكون منزل عائلة 'ساليس'.. لقد كنت أقيم هنا منذ ولادتها وأحببتها كثيرا لأنها كانت فتاة محبة ولم يجد الحقد يوما طريقا إلى قلبها وكانت مشرقة دائما.. وحين التقت بك ازداد إشراقها أكثر، لكن ابن عمها و أبوها كانا كجدار حاصر أمامها خصوصا برغبة أبيها في اتخاذها زوجة لابن أخيه.. لكن حين اكتشف أن هناك علاقة بينك وبينها، فقد السيطرة على نفسه..»

أخيرا ظهرت ردة فعلي حين سالت دموعا من عينيّ، لم أستطع كبت مشاعري فقلت:

«أعرف كل هذا.. تقدمت لطلب يدها مرتين لكنه كان قاسيا برفضه ولم يكن منصفا.»

قالت:

«لم يكن زواجك من 'ساليس' أمرا منصفا أيضا في نظره لأن المال هو سبب رغبته في زواج ابنته من ابن أخيه، فقد وعده بأن يمنحه بعضا من أملاكه إن قبل.. لذلك لم يكن ليسمح أن يضيّع المال والأملاك من أجل زواجها منك أو من غيرك..»

سكتتْ قليلا قبل أن تواصل كلامها قائلة:

«هربتْ من منزل عمها واختفت يوما كاملا، وابن عمها بوسائله الخاصة استطاع إيجادها وأعادها إلى منزلها فنُشرت إشاعة على أنها انحرفت بمبيتها مع شاب لوحده في النزل والناس تردد: 'الله وحده يعلم مع كم من الشباب فعلت معه مثل ذلك'، تراجع ابن عمها عن رغبته في الزواج منها خوفا على سمعته السياسية وعلى سلطته بين الناس بكونه عمدة البلدة وأخبر أهلها بأنه قد اكتفى.. يكفي ما قد صدر منها سابقا من خيانة بتعرفها بك من وراء ظهره.. فازداد غضب أبوها وأمها فقد ضاع المال وضاع كل شيء..»

فقلت لها:

«مبيتها في الغرفة بالنزل كان صحيحا وليس إشاعة.. وذلك الشخص الذي باتت معه هو أنا.. لقد نصحتها بالعودة إلى المنزل لكنها رفضت معبرة عن خوفها من غضب أبيها بعد علمه بعلاقتها معي لذلك طلبت منها- بعد أن أتت إليّ- ألا تغادر أبدا في الصباح، لكنها لم تستمع إليّ.. لا زلت أذكر كيف حدثت الأمور في تلك الليلة.. لكني لا أعرف ماذا حدث بعد ذلك..»

قالت الجنية مُسردة أحداث ما حصل في ذلك اليوم بأن ضجة كبيرة ثارت في هذا المنزل حين عنف الأب ابنته ودفعها بعنف شديد واصطدم رأسها برُف حديدي ثابت في الجدار فسقطت فاقدة الوعي، ثم أخذ مطرقة كبيرة خاصة بهدم الجدار وأخذ كيس الإسمنت، لم تكن الأم تدري ماذا يريد أن يفعل بالمطرقة فمنعته من الاقتراب من ابنتها.. لكن الأب لم يكن في تمام وعيه حين أبعد الأم أمامه بضربها بالمطرقة في رأسها فقتلها فورا ثم دخل إلى غرفة ' ساليس'.. الغرفة التي خرجتْ منها الجنية فأشارت بأصبعها وتابعت:

«لقد قام بهدم الجدار هناك بالضبط قصد دفنها ودفن جثة زوجته أيضا كي لا يعلم بجريمته أحد، لقد صنع حفرتين طوليتين على مستوى الحائط وأخذ الإسمنت وخلطه بالماء وثبت جسم ابنته على الجدار وغطَّها بالإسمنت وهي فاقدة الوعي، لقد كان خبيرا جدا إذ أنهى عمله وكأن الجدار لم يمسسه خصوصا حين أطلى المنطقة بلون الطلاء نفسه، ثم أخذ جثة زوجته وفعل بها ما فعله لـ'ساليس'، ثم سحب خزانة فأوقفها أمام مكان جريمته، فجاءت الشرطة حين وصلتهم شهادة من أحد السكان بأن هناك امرأة تصرخ كل ليلة هنا ولا يعرفون السبب.. لم تفلح الشرطة في اكتشاف أيّ شيء فضمير ذلك الرجل لم يلمه على عمله لذلك كان هادئا حين استفسرته الشرطة وقدم لهم شهادة كاذبة تفيد أن زوجته وابنته اختفتا ولم تعودا أبدا إلى المنزل.. لقد أصبح مريضا دون أن يدرك ذلك.. وبعد ليال من قيامه بجريمته المزدوجة والشنيعة، بدأت أشياء غريبة تحدث في المنزل عند نومه، تظهر له أجساما رهيبة كعقاب لما فعله بالمسكينتين ابنته وزوجته، لزم البيت أياما ولم يخرج أبدا فسأل الناس عنه فيطردهم جميعا وأصبح مثل غول مخيف.. وبعد أيام مات على تلك الحالة، ومنذ ذلك الحين أصبحت القرية في حالة رهيبة بظهور جنيّ كافر يخرج من هذا المنزل كل يوم بعد العصر.. وتلك المخلوقات الآكلة للحوم البشر هي أجسام الناس بدايتها كانت من أربعة شبان جاءوا للتسلية في هذا المنزل فنالت منهم لعنة ذلك الجنيّ الكافر فأصيبوا على مدار أيام قليلة بجنون غير مفهوم فما عادوا إلى طبيعتهم مهما جرب أهاليهم من وسائل لشفائهم بل ازدادوا جنونا وأصبحوا مثل كلاب مسعورة ومتوحشة فقاموا بالهجوم على كل من يحيط بهم وقاموا بتقطيع جلودهم بأسنانهم.. من مات فقد مات ومن جرح فإن جرثومة واحدة قادرة على التكاثر إلى ألف جرثومة في ثوانٍ وإذا لم يعقم الجرح بسرعة فإن الجراثيم المتكاثرة تتسابق للدخول عبر مجرى الدم وتنتقل عبر الدورة الدموية لتصل إلى الجهاز العصبي فتتلف خلاياه ليصبح مثلهم.. وهذا سينتهي بعد إخراج الجثتين ودفنهما بالشكل الذي يليق بهما لتنتهي اللعنة بتوقف الجنيّ عن طوافه في هذه القرية..»

بقيتُ صامتا والدموع تسيل من عينيّ.. إنها مصيبة.. وأية مصيبة..! إنها كارثة..! أيّ نوع من الآباء كان ذلك الرجل حين سمحت له نفسه أن ينجز تلك الجريمتين في حق أسرته الصغيرة..!؟ لا أستطيع تصديق أية كلمة مما قالته.. لماذا لم يواجهني أنا..؟ رجل لرجل ويسعى إليّ لقتلي أنا بدلا منها..!؟ لماذا لم يفعل ذلك..!؟ لماذا..!؟ لماذا..!؟ كررت ذلك في نفسي ثم أمسكت برأسي وانهار جسدي وأصبحت جاثما على ركبتاي.. ليث هذا مجرد كابوس.. رأيت المطرقة اللعينة بضوء الشمعة مستندة الجذع على الحائط خطفتها ثم كسرت الخزانة البالية ودفعتها ثم ضربت الحائط، المكان الذي أشارت إليه تلك الجنية، فأحدثتُ فيه تشققا وتابعت في هدمه بعنف فبدت لي جثتها وسقط الإسمنت الذي كان يغطيها فسقطت الجثة عليّ، تركتُ المطرقة تقع من يدي لأمسك بجثتها بلطف وجلست وتحسست وجهها المتحلل بيد مرتعشة فبكيت بكاء شديدا وغبت في موجة ألم منتحبا ومنحنيا حتى شعرت باعتصار قلبي وضاقت عليّ أنفاسي.. يا له من رجل مجنون..! كان عليّ قتله قبل أن يقتلها، لو واجهني مباشرة للطِّخْتُ بدمه وكانت نهايته على يدي.. بقيت على هذه الحال للحظات ثم سألت الجنية:

«وماذا حدث لـ'بوعزة' اللعين أيضا..؟»

لم أسمع جوابها، لقد اختفت وتركت الشمعة على الأرض، عدتُ أنظر إلى الجثة التي بين يديّ، جثة الفتاة التي طالما أحببتها من كل أعماقي.. الفتاة التي لم آبه لشيء إلا أن أكون معها وبرفقتها، لقد ملأت عقلي وقلبي وأخذت كل تفكيري وملكتني بحيث لا أستطيع أن أعيش دقيقة ولا ثانية دون أن أفكر فيها.. إنها الفتاة الوحيدة ذات عينين ساحرتين تعكسان إحساسي نحوها وغيرت حياتي وحولتها من صحراء وأرض جرداء إلى أرض خضراء ومزهرة تمتد مد البصر.. أشعر بأسف شديد لم أشعر بمثله قبلا لنهاية قصتي معها بوفاتها وبالتالي وفاة أعز ما أملك وهي هذه المُضغة التي تنبض في صدري.. وضعتها برفق على الأرض لأقوم وأهدم الحائط التالي لأخرج جثة أمها أيضا، وحين أنهيت، أردت أن آخذ الجثتين إلى خارج المنزل لكن دوار شديد أصبت به وقاومته، لقد عادت آلامي من جديد، كما أصبت بالغثيان لكن معدتي فارغة وأحسست بالاختناق يبدو أني سأموت الآن.. لم أنسى فأنا أحتضر.. على الأرجح اكتملت الساعة المتبقية لتكتمل ثلاث ساعات التي أخبرني بها الجنيّ البدين من تعرضي للعض.. سرت مترنحا نحو الباب مثل جريح محاولا السيطرة على نفسي وألا أقع.. يجب ألا أموت الآن خصوصا وأنا أعرف أن روحي إذا غادرت جسدي فستبدأ البكتيريا المميتة بنشاطها في أعصاب دماغي فتتحرك أطرافي وأبدو وكأني عدت للحياة لكني لست كذلك.. يجب أن أدفن الجثتين قبل موتي، فحاولت أن أزيح الطاولة بكل ما أتيت من قوة وفتحت الباب.. إن هذا الأب المجنون يعمل في الفلاحة لذلك سأجد حتما أداة لأتمكن من حفر الأرض واستعنت بالشمعة فوجدت أشياء كانت تخص 'ساليس' ووجدت شالا بإمكاني الاحتفاظ به، ووجدت كتابها الذي يحتوي على باقة من الأمثال والقصص.. تفحصته لأجد شيئا قد تجاوزته بين صفحاته فعدت أتصفح برفق لأجد الوردة التي سبق أن وضعتها هنا.. لقد أصبحت جافة وذابلة.. تماما مثل إحساسي الذي فقد مصدر ارتوائه.. أغلقت الكتاب.. سآخذه أيضا ثم تابعت البحث إلى أن وجدت مجرفة داخل صندوق كبير.. أخذته وذهبت إلى خارج المنزل وحفرت.. لم أنتهي من حفر الحفرتين إلا بمشقة الأنفس ثم أخرجت الجثتين.. ألم شديد يعتصر قلبي وأنا أدفن فتاتي ثم دفنت أمها ووضعت علامة لهما.. وحين أنهيت رفعت يديّ داعيا الله بأن يشملهما برحمته، وتلوت سورة الفاتحة والمعوذتين وسورة الإخلاص ثم سلمت.. عاودني الإحساس بالاختناق أكثر فسعلت سعالا حادا وبدأت بالسقوط تدريجيا، ليس هناك بعد مجالا للمقاومة، هذا هو الموت لن أستقدم ساعة ولن أستأخرها.. فسقطتُ على حشيش الأرض قرب قبر 'ساليس'..إن موتي قرب قبرها يعكس ويفسر ويحكي أشياء كثيرة يعجز اللسان عن ترجمتها إلى كلمات، إنها صورة تحكي نفسها بنفسها.. غدا سيبزغ فجر جديد غير كل فجر.. هذه المرة سيداعب بنوره بشرتي الساكنة والجليدية لتكون آخر حكاية وآخر حدث أرويه قبل موتي.. بعينيّ الشاردتين رأيت وفدا من تلك المخلوقات العجيبة تسير نحو المنزل لتعود بسبب دُنُو موعد الفجر، لم أحرك ساكنا لأني لم أعد أستطيع رفع أيّ جزء من أطرافي فأغلقت عينيّ من دون حول مني ولا قوة واستسلمت لضعفي وغبت وتركت نفسي أغيب بين أحضان هذه الغابة المظلمة والموحشة تحت ضوء القمر خلف كومات كثيفة من الغيوم..

رواية من خيالــــــي 434587081

وأنا فاقد الوعي.. سمعت صوتا ينادى باسمي فبقيت ساكنا ولم أبدِ أيّ رد فعل ولم أستجب.. أشعر أن بقائي ساكنا ومغميا عليّ يريحني أكثر.. لا أقدر على مزيد من الألم.. لكن هذا الصوت لم يكف عن مناداتي ومد يده وأمسك كتفي وحركني قائلا:

«أفق يا 'مروان'.. أفق يا رجل..»

تحركت عينيّ داخل رموشي مستجيبة أخيرا لهذا الإزعاج، فتحتهما بتثاقل فكان بصري ضعيفا.. لم أستعده إلا بعد حين، فرأيت 'حمزة' بجواري وكنت سعيدا لذلك لقد اشتقت إليه.. نحن بمستشفى عام في 'دمنات'.. وحين تأكد من استيقاظي ابتسم قائلا:

«أهلا بك.. حمدا لله كثيرا على سلامتك.»

تحسست جسدي وكأني أبحث عن شيء أضعته.. لم أمُتْ.. أنا على قيد الحياة..! هل ما حصل لي كان مجرد حلم..؟ لا.. أحسست بضمادة في كاحلي فتذكرت التواء قدمي.. ونظرت إلى يدي المصابة، إنها ملفوفة بضمادة أخرى غير ضمادة الجنيّ البدين.. هذا يفسر أني لم أكن أحلم.. لكن ماذا جرى..؟ فسألته:

«أخبرني ماذا حصل لك بعد افتراقنا..؟ هل تعرضتَ لهجوم أو لأيّ شيء غير عادي..؟»

أخبرني بعدم تعرضه لتلك المخلوقات لأنه كان في الجهة المحمية وقال بعد أن سردتُ عليه ما وقع لي:

«لقد كان صحيحا ما قاله الشرطيين.. أنت محظوظ جدا بنجاتك من تلك المخلوقات.. قامت البلدية بإرسال عمال لإحاطة القرية بسياج موصل بالكهرباء..»

سألته كيف وجدني وقد أحيطت القرية بذلك السياج، فسرد عليّ أيضا إذ بعد أن يئِسَ من مساعدة الشرطة ذهب ليجد حلا لوحده وباله لم يهنأ وأنا محاصر، لذلك جاهد في البحث عن مصدر الطاقة الكهربائية وقد تطلب ذلك وقتا إلى أن اهتدى إليه فقام بإبطاله وفتح بوابته وانطلق مسرعا ليواصل بحثه عني بسيارتي ومن حسن حظه أن بزوغ الفجر كان قريبا في تلك الأثناء وهو التوقيت الذي توقف فيه تلك المخلوقات عملياتها في الصيد والعودة إلى ذلك المنزل، لذلك لم يصادف أيا منها.. وبعد بحثه وجدني أخيرا قرب المنزل حيث سقطتُ ثم أخذني إلى أقرب مستشفى.. هكذا كانت الأمور معه.. فتحدثنا أنا وإياه عن الجثتين بأن أخبر الشرطة عنهما وسيمطرني ذلك بالكثير من الأسئلة عن كيف عرفت بوجودهما في الجدار.. لا يمكنني ذكر أني كنت أخاطب 'جنية' قد يورطني ذلك لذا اختلقت قصة بأني أضعت طريقي في الغابة.. صادفت منزلا دخلت إليه ولاحظت تشققا في المكان حيث دُفنت الجثتين وأخذني الفضول وهدمت الجدار.. فذهبوا ليتبينوا عن ذلك ويتفحصوا المنزل، فأخرجوا الجثتين من حيث دفنتهما من أجل تشريحهما..

لقد انتشر خبر ظهور الجثتين وأعلن خبرهما في الجرائد والمجلات فقرأته.. حين تم تشريح الجثتين لمعرفة سبب وفاتهما بالضبط، اكتشفوا أن الأم تعرضت لضربة قوية جدا في رأسها بواسطة شيء صلب وقُتلت مباشرة ثم دفنها الجاني.. أما الفتاة الضحية الثانية فقد تعرضت أيضا لضربة في رأسها بواسطة شيء رقيق كحافة شيء ما وذلك أفقدها الوعي فقط، وقام الجاني بدفنها أيضا وماتت بعد دفنها بمدة لا تزيد عن عشر دقائق وهي فاقدة الوعي.. لقد كان المكتوب مطابق تماما لما أخبرتني به الجنية.. وقرأت مزيدا من المعلومات عن التاريخ التقريبي للجريمتين حسب عمر الجثتين، لقد كان مطابق لتاريخ تعرضي للحادث، أي الخامس عشر من شتنبر، بمعنى قد قتلتا في وقت من اليوم الذي تعرضتُ فيه للحادث أثناء عودتي لـ'أكادير'.. أرجح على أن أحداث هذه الجريمتين وقعتا ليلا بالضبط.. يا له من يوم عجيب..! أنهيت قراءة هذا الخبر الذي يؤلمني بطريقة لن تشبه طريقة شخص أخر إذ سيأسف ثم ينسى، أما أنا فلا أعرف كيف سأنسى خصوصا كوني السبب في مقتلها ولو بطريقة غير مباشرة.. لولاي ربما كانت تنعم بحياة هادئة الآن، أعطيت المجلة لـ'حمزة'، ثم قال:

«نتائج تحري المتخصصين متطابقة تماما مع أقوال الجنية في أحداث الجريمة المزدوجة..»

فقلت:

«أشعر بالذنب يا 'حمزة'.. سببت مشكلة ثم رحلت، ما كان لي أن أفعل ذلك أنا مذنب ولن أسامح نفسي أبدا.. لو كانت على قيد الحياة لكرهتني حتى الموت..»

«لا تعذب نفسك.. لقد كان هذا قدرها والقدر هو مشيئة الله وليس مشيئتنا نحن، لو كنت تعرف باحتمال حدوث ما وقع لها لمنعت نفسك من العودة، لكنك لم تعرف أن الأمور ستصل إلى هذه الدرجة.. درجة القتل.. من كان ليصدق ذلك، كما أنك حاولت حمايتها على قدر استطاعتك لكن الأمور سارت على هذا النحو.. من يستحق اللوم هنا هو أبوها وابن عمها الذين كانا يضغطان عليها.. أما أنت، فقد أحببتها فقط وهذا طبعا ليس ذنبا تندم عليه أو تعاقب نفسك بسببه.»

كان كلامه مثل البلسم لكنه ليس كافيا للفراغ الذي يملأ قلبي.. فراغا لا يملأه كل ما في هذه الدنيا بكاملها..

أحس 'حمزة' بما يدور في رأسي حين سهوتُ فربت برفق على قافتي وقال:

«تأكد أنك بمجرد عودتنا إلى 'أكادير' وتشم هواءها وتتذوق ملوحة البحر ستنسى كل شيء.. هكذا تحدث الأمور دائما..»

أثناء قيادة 'حمزة' لسيارتي تذكر شيئا وقال:

«اسمع يا 'مروان'.. لقد نسيت إخبارك بشيء.. فحين وجدتك قرب المنزل المهجور بحثت في ثيابك فوجدت مسدسا قديم الطراز في حزام بنطالك، أخفيته عندي حتى لا يسبب مشكلة أثناء التحقيق، من أين لك به..؟ فأنت لم تخبرني عنه.»

ناولني إياه وتفحصته مبتسما:

«لن يصدق أحد أني حصلت عليه من كائن من الجن، ذاك الجنيّ البدين الذي أسعفني.. لم يتسنى لي توديعه حتى لأن له يد في نجاتي..»

اقترح عليّ 'حمزة' أن أفعل ذلك ما دمنا في المدينة..

بدت هيئة المنزل مختلفة ومنظره ليس كما رأيته سابقا، أصبح رهيبا ولن يستطيع بشري الاقتراب منه، لكني فعلت ذلك.. رأيت الحَجَرَة التي ثبتتها عند الحائط أسفل النافذة لازالت في مكانها، دفعت الباب الورب وألقيت نظرة على الداخل، كان مخيفا أكثر من مظهره الخارجي ويشبه الخربة.. لم ألاحظ بومة أفزعتني حين تحركتْ هربا وطارت عبر النافذة.. كنت أعلم أن الجنيّ البدين هنا وإن لم يعد بوسعي رؤيته لذلك ألقيت تحية الإسلام وإن لم أبصره:

«السلام عليك يا سيدي.. أعرف أنك تسمعني جيدا.. لم آت لألومك كما وعدتك سابقا.. بل جئت لأشكرك على مساعدتك فلولاك لهلكت وأرجوك أن تعذرني لعصبيتي معك.. يا لخجلي كيف بادلت إحسانك بي..! جزاك الله عني كل خير إن شاء الله، سأحتفظ بمسدسك والكتيب ليكونا ذكرى لقائي بك.. الآن سأعود إلى 'أكادير' مدينتي.. وسأودعك.. استودعك الله وحفظك.»

نظرت نظرة أخيرة إلى هذا المنزل لأحتفظ به في ذاكرتي ثم وعدت إلى السيارة لنعود إلى طريقنا فقال 'حمزة' يمازحني:

«أمرك غريب فعلا.. فمنذ أن جئتُ إلى هنا وأنا برفقتك لا أرى إلا المنازل الخربة والمهجورة..»

ابتسمت لقوله وقلت:

«تعرف جيدا أن ذلك ليس من اختياري..»

«عليك إذن أن تكون باحث آثار.. من سيصدق أنك مدقق حسابات..!»

حين وصلنا إلى المدينة في 'دِمنات'، رأيت طفلا مألوفا يلعب وسط الشارع.. إنه الولد الذي يدين لي بثلاثة دراهم.. لقد تذكرني فأعطيته نقوده ولن أنسى ذلك..

رأيت أيضا لافتات تعلن عن احتفال يوم السبت المقبل، قامت البلدية بتنظيمه احتفالا برأس السنة الميلادية القريب، بجانب هذا الإعلان صورة 'بوعزة' بشاربيه، لا يزال حيا يرزق ويعيش حياته بشكل عادي جدا وكأن شيئا لم يحدث لعمه وابنته التي كان يريد الزواج منها..

رواية من خيالــــــي 434587081
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالثلاثاء أغسطس 18, 2015 3:49 am



النهايــــــة

رواية من خيالــــــي 434587081

خرجنا من هذه المدينة أخيرا وعدنا إلى 'أكادير'، الجوّ بارد والسماء غائمة.. وكأني أعود إلى دياري بعد سنين من الغياب..

كم اشتقت إلى أمي..! كانت في المطبخ تنهي إعداد الغذاء ففرحتُ كثيرا وانتبهتْ لي في آخر لحظة لأنها لم تشعر بدخولي فطبعتُ قبلة على جبينها وكأن سنة أو سنتين بكاملها مضت على غيابي.. كم أنا محظوظ كوني محاط بنعم لا تحصى بعد أن اكتشفت أن بالإمكان أن أعيش في أسوأ الأحوال بعد تعرضي لتجربة أشبه بكابوس خارج عن حدود قدرتي وتوقعاتي..! لكننا نحن البشر نتطلع دائما إلى الحال الأفضل مهما بلغ بنا اليسر في حياتنا.. قد حان الوقت لأدرك هذا وأدرك أن لا شيء يضاهي هذه السعادة المنبسطة أمام عينيّ.

في الليل قبل أن أخلد للنوم، أحسست بأن طنين أذني قد اختفى تماما ولم يعد له أيّ أثر.. لا أشعر بالصداع في رأسي ولم أكتشف هذا إلا في سكون الليل، لا أعرف متى اختفى بالضبط.. على كل حال أنا سعيد لذلك، الآن يمكنني النوم دون صداع، كم من شخص في هذا العالم لا يُقدِّر راحته ونومه دون ضجيج في أذنيه، كما قال الله في القرآن الكريم: {وقليل من عبادي الشكور}.

أخرجت من حقيبتي كتاب 'ساليس' لأقرأ ما تيسر لي من أمثال وقصص، وأخذت شالها الغنيّ برائحتها، وضعته قرب وسادتي وفتحت الكتاب في الصفحة حيث توجد الوردة التي صارت ذابلة، رغم ذبولها لا زالت تعطي عبيرا.. تسلل عبر أنفي حين استنشقتها.. إنه عبير ملئ بألم ينتمي لأحداث تهز مشاعري فأطبق على شفتاي كاتما تلك الموجات التي تعتصر أنفاسا، تحررها صرخة أسعى بها إلى تبرئة ألمي.. إنها مجرد وردة أمسكها بأصبعين.. وردة ذابلة لكنها تحكي قصة أنا وحدي أستطيع سماعها وفهم لغتها، والعبير الذي لازلتُ أستنشقه هو أنين وحدتها.. هذا الكتاب وهذه الوردة الذابلة سيظلان يذكرانني بها وبلحظات وجودنا معا في المتنزه والانسجام الذي كان بيننا..

رواية من خيالــــــي 434587081

يوم السبت اجتمع شمل أصدقائي في حفلة قام 'حمزة' بتنظيمها بمناسبة رأس السنة الميلادية، أتاح لي دعوة من أشاء من معارفي لذلك لم أتردد في دعوة بعض زملائي في العمل ولم أنسى 'حورية' التي لاقت استحسان 'حمزة'، لقد أدهشني منظرهما وقلت في نفسي: لو كنت أعرف أن هذا سيحدث ما ترددت في أن أجعل سابقا سببا يلاقيهما لأنهما يبدوان مناسبين فعلا لبعضهما البعض فهما إنسانين نموذجيين ويصعب في هذا الزمان إيجاد من يشبههما لطيبة قلبيهما وروحهما الخفيفة.. أما 'شيماء' لقد عادت إلى 'الرباط' من أجل العمل فوجدت نصفها الآخر هناك.. أما 'بثينة' فلا أعرف عنها سوى ما حدثتكم عنه.. لا ترغب في الحديث معي بسبب سوء الظن الذي وقع بيننا ونعتتني بالإنسان الفظ وبلا ذوق.. لكن.. فاجأني 'حمزة' حين قام بدعوتها لهذه الحفلة باسمي أنا:

«ماذا فعلت يا صديقي..! لماذا لم تطلب أولا إذنا مني..؟»

قلت ذلك وقد أصبحت محرجا بينما قال بمكر:

«إذا طلبت إذنك فلن تكون مفاجأة.. فلتتصرف أيها البطل»

رأيتها واقفة تنتظر مبادرتي بالسير نحوها بينما هي ثابتة في مكانها بمزاج عكر لا يخلو من الدلع، ترتدي جينز وكنزة جميلة وتلف رقبتها بوشاح وشعرها الأسود ينسدل على كتفيها كالحرير..

تقدمت نحوها ولاحظتُ تبدد مزاجها العكر لتستقبل تحيتي.. وبعد السلام قلت:

«دعيني أوضح لك أمرا خاطئا بشأني حين ظننت أني أسأت التصرف معك.. أنت لم تسمحي لي أن أفسر..»

قاطعتني وقالت:

«أنا أيضا محرجة وآسفة.. لقد شرح لي صديقكَ الأمر كله وأرجو أن تقبل اعتذاري أيضا..»

بعد أن توضحت النوايا وسحبت ظن السوء من رأسها دعوتها للانضمام إلى الأصدقاء وأمضينا حفلة لا تنسى برفقتهم..

أخيرا تزوج صديقي الوحيد بـ'حورية' وتمنيت لهما حياة هانئة وبعيدة عن المشاكل..

رواية من خيالــــــي 434587081

وهكذا انتهى كل شيء.. أما أنا وأمي.. فبعد زواج صديقي، لا زالت تذكرني بالزواج أيضا، لكن هذه المرة لا أعلق.. أعبر فقط بصمتي تعبيرا لن تفهمه.. ومن عرف بقصتي لن أتوقع منه فهمي أيضا لأن لا أحد سيفعل ذلك.. وأعرف جيدا.. أنه من السخف أن أقول 'لا زلت أفكر بها' فكلمة 'نسيانها' هي كلمة تبدو لي غريبة وبدون مرادف في عقلي وليس لها معنى في قاموسي، وإن وُجدت.. سأعجز حتما عن فهمها وتطبيقها وتصريفها وإعرابها ولو قدمت هذه الكلمة لأكبر مترجم للغة العربية على الصعيد كله..

لا أكاد أحس أنها ميتة حين تخطر على بالي.. لأني لا زلت أشعر بردة الفعل نفسها التي أحس بها في كل نقطة في جسدي ويترنم قلبي حين أفكر بها.. أشعر وكأنها في مكان ما على وجه الأرض تنتظرني جالسة بين نباتات 'الحبق' ذو عطر أمازيغيّ حر، تحمل باقة كبيرة منه على فستانها لتصنع منه إكليلين أحدهما لها تزين به رأسها.. والآخر تضعه فوق رأسي مثل تاج ملك توج لمملكته الصغيرة، فأشاركها أحلاما بريئة لا تتشارك إلا بين المحبين بصدق وسط هذا العطر الأمازيغي الذي يمتد محيطا بنا.. فجأة.. أفاجأ بأن هذا كله مجرد ملامح من الماضي الذي لن يعود أبدا.. أغترف منه رغفة واحدة بيدي فيتبخر ولم يرتوي ضمائي بعد.. هل سيبقى اسمها منقوشا على قلبي مهما طال بي الزمن مثل نقش على حجر.. أم أن الزمن مثلما ذبلت له وردتي الذابلة سيذبل إحساسي أيضا ويذهب بإشراق قلبي ويمسح اسمها عليه كما لو كتِب على رمال مبتلة على الشاطئ، فيأتي المد ويمسح جزئا منه فيعود المد الثاني ويمسح ما تبقى منه بشكل أبديّ.

تمت رواية من خيالــــــي 575171977

رواية من خيالــــــي 434587081
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حريتي فوضاي
صديق نشيط
صديق نشيط
حريتي فوضاي


الأوسمة :
عدد الرسائل : 395
العمر : 104
الإقامة : في بلادي
الدولة : رواية من خيالــــــي Moretania
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 01/07/2013
السٌّمعَة : 6

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالخميس أغسطس 20, 2015 1:06 pm

[center][size=24]أزول اتفرخت لاباس درم منتنتكًيت أيت أكدير إعزان ؟؟
إن شاء الله سوف أقرأ ما كتبته أناملك وأرد عليك ان شاء الله   [/size][/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالخميس أغسطس 20, 2015 5:51 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تانممممممممميرتنك أ كومانو أكياج ربي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Amaya
مشرفة تقارير وصور الانمي والمانجا
مشرفة تقارير وصور الانمي والمانجا
Amaya


الأوسمة :
رواية من خيالــــــي 1ze8n5eرواية من خيالــــــي 1434606728541

عدد الرسائل : 3708
العمر : 58
الدولة : رواية من خيالــــــي Iraq
الجنسية : رواية من خيالــــــي Iraqy
تاريخ التسجيل : 02/01/2015
السٌّمعَة : 50

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالخميس أغسطس 27, 2015 2:57 am







عدت من جديد اختي العزيزة اكادير

بصراحة الرواية اعجبتني بشكل كبير جدا جدا انتهيتها من كم يوم

ابارك لك او بالاحرى لنفسي لانها اول رواية اول لنهايتها هههه

بس شدتني جدا من اسلوب و استمتعت جدا بقرأتها

يمكن الشخصية الرئيسية نفسها ما عجبتني كثير من تصرفاتها

لكن الاحداث و الرعب شدوني جدا لاكمالها

عاشت ايديكي فعلا كاتبة متالقة تسلميلنا

و دائما اتحفينا بما يخطه قلمك الذهبي

موفقة اخيتي














استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون، وعدد الحركات وعدد السكون،
استغفر الله عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عنه الغافلون.


رواية من خيالــــــي P_64wn781

شكرا جزيلا غاليتي جروح على الاهداء الجميل


رواية من خيالــــــي I_e5854bb58c2

اهلي الطيبين لا تنسوني من دعواتكم الصادقة رواية من خيالــــــي 1%20(178)

رواية من خيالــــــي P_15220bv1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكادير الامازيغية
صديق تحت الإختبار
صديق تحت الإختبار
اكادير الامازيغية


الأوسمة :
انثى عدد الرسائل : 20
العمر : 44
الإقامة : المغرب
الدولة : رواية من خيالــــــي Magreeb
الجنسية : رواية من خيالــــــي Magrppy
تاريخ التسجيل : 04/08/2015
السٌّمعَة : 12

رواية من خيالــــــي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية من خيالــــــي   رواية من خيالــــــي Emptyالأحد أغسطس 30, 2015 3:58 am

شكرا لك عزيزتي وأحيي فيك صراحتك هههههه لقد أعجبني تعليقك
تأكدي أنك لست الوحيدة فأنا أيضا بطيئة في القراءة scratch
لكني أنهي قراءة كل قصة بدأتها،
أضيفي إلى ذلك، فأنا بطيئة أيضا في الكتابة
فعلا هنيئا لي لأن هذه أول رواية أتمها وبقيت أخرى فانتظار النهاية :o
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رواية من خيالــــــي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية الأشــــــــــــرعة الحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــراء
» [مهم] اول رواية لي "استا"
» رواية لورد جيم
» رواية البؤساء
» رواية حب قصيرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سبيس باور :: (¯`·._.·[المنتديات الادبية]·._.·`¯) :: منتدى قلم الأعضاء-
انتقل الى: