تحذير المسلمين من الظن السيء بالآخرين!
إن سيء الظن أيها الأفاضل يعاني من مرض فتاك في قلبه سيردي به إلى المهالك
ويجعله يبوء بالخسران والحرمان إذا لم تتداركه رحمة المنان ويتخذ الأسباب الشرعية والأدوية الإيمانية
التي بعون الوهاب يتخلص منها من هذا الداء العضال و المرض القتال ويوفق إلى الصواب، ومن أهمها :
-التوبة والاستغفار من رب العالمين في كل وقت وحين، فالتوبة هي فرض على الأعيان ولا يستغني عنها إنسان وإن كان عالي الشأن،
قال القرطبي –رحمه الله-:"واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين لقوله تعالى : (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)[النور :31]".تفسير القرطبي (5/90)
قال الشيخ ابن سعدي–رحمه الله-:"فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة،وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا،إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا،ودل هذا،
أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة،لأن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة ". تفسير السعدي (ص 567)
-تطهير نفسه من كل الشوائب التي به وذلك بأن يكون قلبه تجاه إخوانه صافيا من الحسد و الغش و الحقد وكل الأمراض التي تعصف به ،
وإذا وقع في نفسك سوء الظن تجاه الأهل والإخوان فلتعلم أن هذا من الشيطان الذي يريد أن يوقعك في عمل أهل العصيان ويبعدك عن طاعة الرحمن ،
قال الغزالي –رحمه الله- :"إذا وقع في قلبك ظن السوء فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق
وقد قال الله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) [ الحجرات :6]،
فلا يجوز تصديق إبليس فإن كان هناك قرينة تدل على فساد واحتمل خلافه لم تجز إساءة الظن".الأذكار للنووي (ص 274)
- أن لا يتسرع في الحكم على الآخرين،بل لا بد عليه أن يحمل ما يسمعه ويراه منهم على المحمل الحسن ما لم يتبين خلاف ذلك بالقرائن القوية و الشواهد البينة،
قال الفاروق عمر –رضي الله عنه- :" لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظنَّ بها سوءا، وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا". التمهيد لابن عبد البر (18/20)
قال سعيد بن المسيب –رحمه الله- :"كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك،
ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد له في الخير محملا".
شعب الإيمان للبيهقي(6/323)
وقال الحارث المحاسبي –رحمه الله- : "احم القلب عن سوء الظن بحسن التأويل". رسالة المسترشدين ( ص89)
وإذا رأى وتأكد أن هذه الأقوال و الأفعال الصادرة من إخوانه مخالفة للشرع فعليه أن يؤدي ما يجب عليه تجاههم من النصح و البيان لا الهجر و القطعان،
ويراعي الحكمة و الرفق في نصحه،
قال صلى الله عليه وسلم :" الدين النصيحة "قيل لمن يا رسول الله؟ قال :"لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري – رضي الله عنه-.
قال الإمام النووي-رحمه الله-:"هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام". الشرح على صحيح مسلم (2/37).
-عليه دائما أن يهذب نفسه ويتهمها قبل الآخرين لأنها أمارة بالسوء، وهي مركب الشيطان التي منها يدخل على الإنسان قال تعالىإن النفس لأمارة بالسوء)[ يوسف:53]
يقول الإمام الطبري –رحمه الله- :"إن النفوس نفوس العباد تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله".
تفسير الطبري(13/1)
يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"ليظنَّ – أي العبد - السوء بنفسه التي هي مأوى كلِّ سوء، ومنبع كلِّ شرٍّ، المركبة على الجهل والظلم". زاد المعاد (3/235)
- مصاحبة الأخيار و الابتعاد عن الأشرار الذين ابتلوا بسوء الظن ، لأن الصحبة كالبيئة إما أن تكون نظيفة أو تكون ملوثة وهي مؤثرة في الإصلاح والإفساد،
قال المباركفوري– رحمه الله-:" الصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده". تحفة الأحوذي (7/42)
ويقول الإمام ابن حبان البستي –رحمه الله-: "الواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبًا، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشر". روضة العقلاء (ص100)
فهذه أهم الأسباب أيها الأحباب التي تعيننا بإذن رب الأرباب على التخلص من هذا المرض المشين والتغلب على إبليس اللعين بإذن أرحم الرحمين ،
فعلينا أن نحرص عليها ونحث غيرنا على التمسك بها ونحذر أشد الحذر من أن نترك مدخلا للشيطان الذي يسعى جاهدا في أن يوقعنا في العصيان وغضب الرحمن فنبوء بالخسران و الحرمان.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يطهر قلوبنا جميعا من سوء الظن ومن كل الأمراض التي تفسده وتعصف به، فهو سبحانه رب القلوب وعلام الغيوب.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
م/ن
[center]