قال العلامة السعدي رحمه الله: «فمثَّل الله سبحانه كلمة الإيمان التي هي أطيب الكلمات بشجرة هي أطيب الأشجار، موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة: أصولها ثابتة مستقرة، ونماؤها مستمر، وثمراتها لا تزال، كل وقت وكل حين، تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة والثمرات النافعة.
وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا، بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها. فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها!
ويجتهد في التحقق بها: علمًا وعملاً. فإن نصيبه من الخير والفلاح، والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة» [التوضيح والبيان ص6].
تفـقـد قــلبك:
فإن سلامته سلامتك.. وعافيته عافيتك.. وصلاحه صلاحك.. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله.. وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». قربه من الذكر فإن فيه رِقَّته وسلامته وقوته وطمأنينته.. قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر؛ فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك، صدئ فإذا ذكره جلاه.
وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب. وجلاؤه بشيئين: « بالاستغفار والذكر» [الوابل الصيب ص80]. قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت».
فذكر الله علاج قسوة القلوب.. ومادة قوتها وسكينتها.. وهو غراس الإيمان فيها.. يقول العلامة السعدي رحمه الله: «ومن أسباب دواعي الإيمان: الإكثار من ذكر الله في كل وقت، ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة، فإن ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها، وكلما ازداد العبد ذكرًا لله قوي إيمانه, كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر، فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان بل هي روحه» [التوضيح والبيان ص59].
وفضائل ذكر الله أكثر من أن تحصى وأكبر من أن تحصر، وهو أفضل وسائل النجاة يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عزَّ وجلَّ» [رواه أحمد].
فعالج قلبك بذكر الله.. وأكثر من التسبيح والاستغفار.. واجعل أذكار الصباح والمساء وردًا يوميًا ثابتًا لا تخل به، فإن ذلك أدعى لثبات إيمانك وقوته وصلابته.. واعلم أن حرصك على الأذكار.. والدعاء.. والاستعاذات النبوية هو أعظم سلاح تقمع به الشيطان فإنه وسواس خنَّاس.. يقهره ذكر الله.. ويقطع عليه كيده ومكره.
تأمل حال المرأة التي جاءت تشتكي إلى رسول الله من معاملة زوجها.. وقد أنزل الله في شأنها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.
وإن عبدًا مستديمًا على استشعار هذه الصفات الإلهية العظيمة.. مؤمنًا بعظمة الله وجلاله ليغمره الحياء من أن يعصي الله.. ويملأه الخوف من أن يقترف ما يغضب الله.. بل إن يقينه باطلاع الله عليه.. ليولد في نفسه حرارة إيمانية ينكمش معها وجهه.. ويخفق لها قلبه.. ويغض معها طرفه.. خشية أن يطلع الله على إصرار كامن في نفسه.. أو نية سوء مختفية في حسه.. فلا ترى إذا أخطأ إلا فزعًا للتوبة.. وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح في قومك».
ومراقبة الله جلَّ وعلا.. والاستدامة على تذكر اطلاعه.. وسمعه وبصره وعلمه بأحوال عباده.. يخجل المؤمن الصادق من نفسه.. فلا يكاد ينطق إلا بما يرضي الله.. ليس فقط لأنه يخاف أن يسجل عليه الملك كلامه.. ولكن قبل ذلك؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم قوله وسره وجهره.. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}.
إن يقينك باطلاع الله عليك، وعلمه بسرك وجهرك يدعوك إلى تعظيم الله جلَّ وعلا والخشية منه سبحانه.. وكذلك حسن الظن به، والطمع في رحمته. وهذ الأمر من أهم ثمار معرفة الله بأوصافه وصفاته واستشعار مرقبته.. وبه لا تزال شجرة إيمانك تنمو وتزهو وتتفرع وتتشعب حتى ترقى بك إلى درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين.
تفقد إيمانك بإحسان العبادة:
فالإيمان يتقوى بالعبادة.. وللعبادة شرطان: الأول: الإخلاص لله. والثاني: المتابعة لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
فبهذين الشرطين تصح العبادات والطاعات ويكون لها أثر في زيادة الإيمان وحفظ الأعمال من الإحباط؛ فرب مستكثر من الطاعات لم ينفعه استكثاره وتعبه؛ لأنه إمَّا أقدم على الطاعة بغير نية صادقة، أو أنه عبد الله على غير علم واتباع. ولأجل هذا قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
قال ابن كثير رحمه الله: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لابد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله وغيره».
فأخلص النية.. وجمل الطوية.. واجعل عبادتك كلها وأعمالك جميعها لله وحده.. فالإخلاص من أعظم أسباب البركة في الأعمال.. فإذا كان العمل خالصًا لله، وكان على ما يريد الله سبحانه فإنه يبارك فيه فيثمر القليل منه الكثير.. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري]. فالسير سير القلب.. ومن خلا قلبه من النية.. لم يكن لطاعاته مزية..
واعلم أن العبادة لا تقتصر على شعائر معينة.. وإنما هي حالة يتقلب فيها العبد وفق مراد الله سبحانه.. يتعبده بالصلاة إذا حان وقتها.. ويتعبده بالنوافل في وقتها.. ويتعبده بتلاوة القرآن والذكر.. ويتعبده بصلة الرحم والأقارب ويتعبده بالإنفاق.. وهكذا يظل يتقلب في العبادات وفق ما يريده الله منه فليس له في نفسه حظ وإنما بغيته الله والدار الآخرة.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. فمن فقه هذه الأمور نفعته أعماله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» [متفق عليه]. ومن الإحسان في هذا الجانب أيضا أن يكثر من نوافل الطاعات فبها تزكو النفوس ويقترب العبد من ربه كما ورد في الحديث:" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".
يا أيها الحبيب تفقد إيمانك وراجع ما سبق أن كتبناه عن أسباب زيادة الإيمان في أحوال القلوب وأدويتها. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإيمان الكامل وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه وهو راض عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
******* منقول
اشكر ليونة عالتوقيع اللي يجنن
كازوها مشرفة منتدى الأنمي القديم
الأوسمة :
عدد الرسائل : 65926 العمر : 38 الإقامة : العـــراق الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 05/02/2009 السٌّمعَة : 48
موضوع: رد: تفقد الايمان الأحد ديسمبر 11, 2016 12:54 pm
بارك الله فيك ويجزيك خيراته وماننحرم طروحاتك الحلوة هنا وهناك
عدد الرسائل : 53554 العمر : 40 الإقامة : الرمادي الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 01/05/2008 السٌّمعَة : 60
موضوع: رد: تفقد الايمان الأحد ديسمبر 11, 2016 5:47 pm
شكري وامتناني لك على جمالية انتقائك .. ربي يجزيك الخير ويبارك بجهودك الطيبة
قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : " العراق جمجمة العرب وكنزالرجال ومادة الامصار ورمح الله في الارض فاطمئنوا فإن رمح الله لا ينكسر " فليخسئ من يتكلم عن العراق بسوء ___
spacepower مشرف منتدى الأنمي الحديث
الأوسمة :
عدد الرسائل : 50292 العمر : 35 الإقامة : spacepower الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 20/05/2009 السٌّمعَة : 94
موضوع: رد: تفقد الايمان الأحد ديسمبر 11, 2016 6:32 pm
كالعادة إبداع رائع
وطرح يستحق المتابعة
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
أسمو بأخلاقي شمس المنتدى
الأوسمة :
عدد الرسائل : 14584 العمر : 27 الإقامة : في وطنـــي الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 09/03/2013 السٌّمعَة : 9
موضوع: رد: تفقد الايمان الأحد ديسمبر 11, 2016 9:06 pm
طرح لآمس الجمآل وتسلل إلى الآعمآق
لــ يسقينآ من روعته مآ يكفي جمال في كل نآحية
شآكرة لك من القلب ودام ذوقك ينزف اعذب ما لديه بين طيات هذه الواحة
في شوق مستمر لجهدك وتميزكـ
دموع الحروف مشرفة منتدى القرآن الكريم
الأوسمة :
عدد الرسائل : 11816 العمر : 31 الإقامة : جزيرة وسط بحرالدموع الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 08/03/2013 السٌّمعَة : 32
موضوع: رد: تفقد الايمان الأحد ديسمبر 11, 2016 9:56 pm
أإسـ عٍ ـد الله أإأوٍقـآتَكُـم بكُـل خَ ـيرٍ دآإئمـاَ تَـبهَـرٍوٍنآآ بَمَ ـوٍآضيعكـ أإلتي تَفُـوٍح مِنهآ عَ ـطرٍ أإلآبدآع وٍأإلـتَمـيُزٍ لك الشكر من كل قلبى
[center]
الليدي لين نائبة المدير العام
الأوسمة :
عدد الرسائل : 56848 تاريخ التسجيل : 18/02/2008 السٌّمعَة : 141
موضوع: رد: تفقد الايمان الإثنين ديسمبر 12, 2016 2:02 pm