الربو ، هذا المرض المجهول
الكاتب : أبـو آيــه
الربو ، هذا المرض المجهول
الربو هو أكثر من 150 مليون مريضٍ في العالم بحسب منظمة الصحة العالمية ولكن أكثر من ذلك بحسب مصادر أخرى. الأكيد أنّه كلّ عام يقتل الربو أكثر من 180.000 شخصٍ. قاتل يحصد بطريقه ويعمل متخفياً من دون تمييز.
الربو، هذا المرض المجهول
الربو هو أكثر من 150 مليون مريضٍ في العالم بحسب منظمة الصحة العالمية ولكن أكثر من ذلك بحسب مصادر أخرى. الأكيد أنّه كلّ عام يقتل الربو أكثر من 180.000 شخصٍ. قاتل يحصد بطريقه ويعمل متخفياً من دون تمييز.
تمّ اعتباره لوقت طويل كـ"مرض" البلدان الغنيّة نتيجة التصنيع ونفاياته الملوّثة. خطأ! فقد أظهر المسؤولون عن المبادرة العالمية للربو أنّ البلدان النامية ليست بمنأى عن الربو بعد الآن. ففي المغرب، مثلاً، يحتلّ المرتبة الأولى بين الأمراض التنفّسية المزمنة. ولكنّ الأمر صحيح بالنسبة إلى بلدان أخرى.
ولكن ما الذي يتضمّنه هذا المرض بالتحديد؟ وكيف يُعالَجُ؟ يسبّب الربو تكثّفاً في قَصَبَاتِ الرِئَةِ مرتبطاً بالتهابات مزمنة. تختلف عوارضه بين يومٍ وآخر. وغالباً ما تكون حادة أكثر خلال الليل . يمكن أن تتداخل عناصر عديدة كالبواعث على التجاوب، الهواء البارد والجاف وبعض الإصابات الحمّوية في عملية الالتهاب. أزمةٌ تلو الأخرى كافية للقضاء على التنفّس.
بالفعل، ليس هنالك ربو واحد بل عدة ربو وإنّ كل مريض بالربو ينمّي عوارضه: سعال، شخير في الصدر، إحساس باللهاث وحتى بالاختناق... إنّ خطورة المرض تختلف بحسب المرضى. فلسنا متساوين أمام الربو.
إذا لم يتمّ الشفاء منه، فإنّ الربو مرض تتمّ معالجته اليوم بشكل جيد. وكلّما اكْتُشِفَ باكراً، كلّما انحصرت عواقبه. حتى ولو كان تافهاً، فإنّ الربو عند الأطفال يجب معالجته لمحافظة على القدرات التنفسية عند الطفل... عندما يكبر. ونكرّر بأنّ هدف العلاج ليس شفاء المريض ولكن تحسين نوعية الحياة.
لأنّ الربو هو مرضٌ مزمن ويدوم طوال الحياة. يتعيّن على المرضى أن يطوّعوه ويتعلّموا العيش معه بكل بساطة.
يهدف العلاج إلى مكافحة التهاب قصبات الرئة ويعتمد أولاً على استعمال هرمونات الكُظْرِ التي يتمّ تنشّقها. في السابق، لم يملكوا كمضاد للالتهابات سوى الكُرتيزون الذي ينتج عنه آثار جانبية مهمة: خَسْفُ المعدنيات في العظم مع ترقّق في العظم، احتباس المياه، زَرَقُ العين، سادّ (وهو تكثّف في عدسة العين يمنع الإبصار)... ويُحْتَفَظُ اليوم بهذه العلاجات للربو الحاد جداً.
لدى معظم المرضى، تُعطى هرمونات الكُظر مباشرةً في قصبات الرئة بواسطة مُنَشِّقٍ صَغِيْرٍ. يوضع الدواء إذاً حيث تدعو الحاجة: في قصبات الرئة وليس خارجها.
يهدف الأخصائيون دوماً إلى البحث عن الكمية الفعّالة الدنيا للوصول إلى موازنة الربو بعيداً عن إيذاء الجسم. لأنّ الكلّ موافق، في ما يتعلّق بهرمونات الكُظر، أنّ "الأقلّ هو دائماً الأفضل". بالفعل، حتى ولو تمّ تنشّقه، يستطيع المنتج أن يمرّ عبر الدورة الدموية. حتى 30% أحياناً!
إذا لم يكفِ ذلك، فبدلاً من زيادة كميّة هرمونات الكُظر يمكن مزجه بدواءٍ آخر. مثل ممدِّد قصبات الرئة طويل الفعالية – الذي يزيد من حجم قصبات الرئة – أو مضادّ للّوكوتريان. ما هو؟ إنّه دواءٌ يحجز المواد المسؤولة عن الالتهاب الرئوي ويستعمل كأقراص مرة في اليوم.
بوجهة استعمال مختلفة عن هرمونات الكُظر ومن دون مفاعيلها الضارّة، فهي مفيدة مثلاً عندما لا يتجاوب الربو مع العلاج التقليدي. أو مع هرمونات الكُظر لتقليص الكميات. أخيراً، إنّ سهولة تناولها تسهّل مراقبة العلاج بخاصة عند الأطفال.
الأهمّ في ذلك، هو الاستيعاب انّ معالجة الربو لا يجب أن تنحصر بفترات الأزمة! فإنّ العلاج الأساسي يجب ان يؤخذ يومياً حتى في غياب إشارات الربو. فقط لتجنّب الأزمة.
فعلياً إنّ الأمر أكثر تعقيداً من الزكام. ولكن هدف العلاج مضاعفاً: أولاً، تحديد الأزمات بمعالجة الالتهاب وبعدها السماح للمريض بقيادة حياة عادية.
دعونا لا ننسى أنّ الربو مرضاً متنامياً. ولمتابعته، من الضروري امتلاك مقياس صبٍّ في المنزل. فهي آلة تسمح بقياس قدرة التنفسية في أي وقت وتقييم درجة انسداد قصبات الرئة. استعلموا عند طبيبكم، فهو يمكنه أن يرشدكم على مكان إيجاده.
بمجرّد كتابة القياسات، يمكنكم توقّع حصول الأزمة... وملاحظة التقدّم الحاصل معاً. بذلك، يتمّ تسجيع المريض على المكافحة.
يصبح الربو متكرّراً أكثر حول العالم. وقد أظهر تحقيق وبائي كبيرأجري في التسعينيات، أنّ الأطفال يصابون أكثر فأكثر والصبية أكثر من الفتيات.
إنّ الربو هو المرض المزمن الأكثر شيوعاً بين الشباب. وعموماً خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، زاد تفشّيه بين السكان بنسبة 50% كل عشرة أعوام أي منذ 1974، حصلت زيادة بنسبة 150%!
تشكّل هذه الزيادة السريعة أحد ألغاز الطب الحديث. إنّ الارقام التي قدّمتها منظمة الصحة العالمية والمبادرة العالمية للربو هي أكيدة: إنّ المرض ينتشر. إنّ هذه الظاهرة مؤثّرة بشكل خاص في أستراليا حيث يُصاب طفلٌ من أصل ستة أطفال. في تونس، أكثر من 15% من بين الذين يبلغون 13 و15 عاماً يعانون من مرض الربو المزمن. تعاني الجزائر أيضاً من ازدياد كبير للمرض. مع تفشٍّ يقارب 4% من نفس شريحة العمر، فهو ينضمّ إلى معدّل نسبة المنطقة. بالإيجاز، لا يعرف الربو أيّ حدود وبخاصة ليس بين البلدان الغنيّة والنامية.
على عكس الأفكار المتلقّاة، فإنّ البلدان العربية ليست بعيدة عن الحصول على العناية. وإنّ الأرقام التي قدّمتها منظمة الصحة العالمية والمبادرة العالمية للربو مطمئنة. في ليبيا مثلاً، أكثر من 95% من مرضى الربو يحصلون على الأدوية الملائمة: هرمونات الكُظر ومضادات مضادّ للّوكوتريان. الأمر مماثل للملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والجزائر والمغرب وتونس... بالفعل، يبدو أنّ اليمن يعاني من مشاكل خطيرة إذ يتمّ الاعتناء بأقلّ من 50% من مرضى الربو.
وعلى الرغم من تعبئة عالمية، تخفى الأسباب الدقيقة لزيادة الربو في العالم عن الأخصائيّين. وقد تمّ اقتراح نظريات عديدة: غازات منافس محرّكات الديزل، الحساسيات، النظام الغذائي، الإدمان على التدخين، الإصابات الحمّوية، الهواء البارد والتمارين الرياضية...
اليوم، يتوافق المجتمع العلمي على الحكم على مزيج من العناصر الوراثية والبيئية. وبما أنّ "الدفعة" المفاجئة للاستعدادات الوراثية غير مفهومة علمياً، من الجليّ أنّ التغيّرات في طرق حياتنا "الحديثة" هي قِبْلَةُ الأنظار.
إنّ بعض الأشخاص مهيّئون وراثياً للربو. فهنالك عائلات بأكملها تعاني من الربو وهذا أمرٌ صحيح. والبعض الآخر يعاني من تعرّض مبكر لبعض بواعث التجاوب: تلوّث الجوّ، المساكن الرطبة، سوء التهوئة، السجاد المُغَبَّر، الحيوانات الأليفة التي تحمل وبراً، الصراصير أو المنتجات الكيميائية.
في ما يتعلّق بالسيجارة، فهي تلعب دوراً أساسياً في انتشار المرض. يزيد إدمان الأهل على التدخين وبخاصة الأم من خطورة الربو عند الأطفال. وإنّ أطفال المدخنات يبصرون النور بوزن خفيف ويملكون رئتين أصغر وهم معرّضون أكثر إلى خطورة إصابتهم بالربو.
فلنخرج مرة واحدة من رأسنا الفكرة القاسية: بأنّ الربو لا يشكّل وصفة مضادة للرياضة. بل أفضل من ذلك، فهو يُنصح به كثيراً! تذكّروا السبّاح الأميركي مارك سبيتز: فقد حاز على سبع ميداليات ذهبية في الألعاب الأولمبية في ميونخ... وهو يعاني من الربو.
وأصبح عدد الرياضيين العالميين لا يُحْصى، لأنهم نُصِحوا في فترة الطفولة أن يمارسوا الرياضة على سبيل إعادة التأهيل التنفّسي. أما الوصفة الوحيدة الممنوعة فهي الغطس تحت الماء.
عدا عن ذلك، يمكن لكلّ مصاب بالربو أن يمارس الرياضة ويجب عليه ذلك. لأنّ النشاط الجسدي لا يسمح فقط بزيادة القدرة على التنفّس بل يساعد أيضاً على مكافحة البدانة، وهي عامل حقيقي للإبقاء على المرض.
لسوء الحظ، فإنّ الممارسة الرياضية غير منتشرة بشكل كبير. ويبقى الكثر للعمل في هذا المضمار. في المؤسسات التعليمية مثلاً، ما تزال الإعفاءات مرتفعة جداً في كافة البلدان، من دون استثناء. ذلك لأنّ قرابة ثمانية مرضى بالربو من أصل عشرة يعانون من ربو المجهود، لدى التوقف عن التمارين. هنالك حلول مع ذلك.
عندما يتمّ التعرّف على ربو المجهود، يمكننا تجنّبه بسهولة. يكفي أن نلتزم بتحمية متدرّجة. وخلال المجهود، يجب أن نتنفّس بواسطة الأنف وليس الفم! للذين يعانون من هذه المشكلة، يمكن لممدّدي قصبات الرئة التي يصفها الطبيب أن تريحهم.
عامةً، يجب أن يبقى المجهود تحت نسبته القصوى. أي يجب أن يكون تحت منطقة اللهاث التي يمكن تقييمها بسهولة بينما نتكلّم مع المريض. إذا كان اللهاث يزعجه للكلام، يعني ذلك أنّ المجهود شاق جداً.
بالفعل، فإنّ الوقت الوحيد حيث تمنع خلاله ممارسة الرياضة للمريض بالربو هو في حالة التلوّث القوي. ولكن هنا، لا نستطيع أن نقوم بالكثير. ولن نتوّقف عن التلويث لا اليوم ولا غداً... فاحذروا إذاً.