نحو الأحسن
يثبت العديد من الدراسات أن الثروة الأساسية لدى الأمم هي ثروة كامنة وغير ملموسة، وتلك الثروة تكمن في العلوم والمهارات وعادات الناس والنزاهة والعدالة والقدرة على جذب الاستثمارات الخارجية...
ولا أريد الخوض في هذه المسألة الآن، لكن الذي أودُّ أن أؤكد عليه هنا هو أن هناك دائماً طاقة غير محررة ووقتاً غير مستثمَر، وموهبة غير مكتشَفة، كما أن هناك دائماً نوعاً من الارتباك في إدارة الذات وتوجيه الجهود نحو الأهداف على النحو المطلوب، وهذا في الحقيقة يؤشر إلى شيئين مهمين:
1 - قصور الإنسان وضعفه وبعده عن الكمال.
2 - وجود إمكانية هائلة للتقدم على الصعيد الروحي والخلقي والعقلي والاجتماعي؛ حيث لا نجد حدوداً للتقدم على هذه الصُّعد، أو قيوداً على إيقاع ذلك التقدم.
لو تساءلنا كيف نساعد أنفسنا على المضي نحو الأحسن في وضعيتنا العامة، لأمكننا أن نشير إلى العديد من المبادئ والإجراءات، والتي من أهمها الآتي:
1 - التحرر من اليأس والإحباط، حيث إن البيئات التي يغلب عليها الجهل والفقر والظلم تعلِّم الذين يعيشون فيها السلبية، وترسل لهم فيضاً من الرسائل التي تزرع في أعماقهم الإعراض عن المحاولة والتجريب والبحث، وذلك باختصار لأن هذه الأشياء عقيمة ولا جدوى منها. وقد ثبت أن الناس يتعلمون اليأس ويتعلمون أيضاً التفاؤل، ونحن نريد أن نتعلم التفاؤل من خلال إيماننا العميق بكرم الله تعالى ولطفه ومعونته، ومن خلال الفرص المتجددة التي يقلِّب فيها عباده. إنه ما تذهب فرصة، إلا وتلوح في الأفق فرصة أخرى، وما يُغلق باب من أبواب الخير إلا ويفتح باب آخر، لكن الطريقة التي رُبِّينا بها، والبيئات التي نعيش فيها، تدفعنا نحو الانشغال بالفرص الضائعة والتألم على الأبواب المغلقة، عوضاً عن أن نندفع للبحث عن الفرص الجديدة والابتهاج بالأبواب المنفتحة. وما أعظم قول الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [سورة الشرح: 5-6].
مع تعقيد الحياة الحضرية وظروف العيش الصعبة تولد الخيارات وتبرز البدائل، ولكن وفق شروط جديدة، ولابد للاستفادة من تلك البدائل من الوعي بتلك الشروط والعمل على توفيرها.
2 - نحن في حاجة إلى امتلاك المفاهيم التي تجعلنا أقوى على التغيير وأقوى على مواجهة المغريات، كما أننا في حاجة إلى التخلص من المفاهيم التي تكبِّلنا، وتلقي بنا في دروب المتاهة والعجز والجمود.
من المفاهيم التي تساعد على النمو والتحسن المفاهيمُ الآتية:
1 - التفاؤل والوعي يشكلان البداية الصحيحة لكثير من الأشياء.
2 - إذا كان لا بد لي من أن أبدأ، فَلأن أبدأ اليوم خير لي من أن أبدأ غداً.
3 - إذا لم أساعد نفسي لم يساعدني أحد.
4 - ما عند الله تعالى من الهداية والمعونة والتوفيق يُنال بطاعة الله والأوْبة إليه.
5 - من خلال الأعمال الصغيرة المتراكمة تولد الأعمال والإنجازات العملاقة.
6 - الإنسان ليس ضئيلاً، لكنه كسول إلى حد بعيد.
7 - ما أمامي من الخير والإنجاز والازدهار أكثر بكثير مما مضى ومما هو كائن الآن.
8 - من خلال مجاهدة النفس والتخلّص من العادات السيئة، يصبح كل شيء أفضل.
9 - العلاقات الحسنة بالناس مصدر أمان، وباب من أبواب الرزق .
10 - كلما تحسنت إمكانات الإنسان، واتسعت دائرة نفوذه صار احتياجه إلى التعاون مع الآخرين أشد.
أما المفاهيم التي تسبب اليأس والعجز وتكلس الأوضاع؛ فهي أيضاً عديدة، ولعل من أهمها:
1 - لو درستُ في جامعة جيدة لحصلتُ على وظيفة جيدة.
2 - لا أعرف لماذا لا يحبني زملائي.
3 - قلة ما بين يدي من مال هي الداء الذي لا دواء له.
4 - حاولت كثيراً التخلص من بعض عاداتي السيئة، لكني لم أفلح.
5 - لا أشعر أنني موهوب، ولهذا فمع الكثير من الجهد فلن أحصل على شيء يذكر.
6 - ما دخلت في مجال من المجالات إلا شعرت أن هناك مؤامرة تُحاك ضدي.
7 - نومي ثقيل، ولا أعرف كيف أتعامل معه، ولهذا فإن فوات صلاة الفجر مني أمر لا مفرَّ منه.
8 - هذا الزمان مملوء بالشرور والأشرار، ولهذا فإن الأمل في الإصلاح ضعيف.
9 - حاولت أن أتعرف على نقاط القوة لدي، فلم أفلح، فأنا على ما يبدو إنسان عادي بكل المقاييس.
10 - كلما ظننت أنني لن أكرر أخطائي، وظننت أني سأتعلم من تاريخي الشخصي، خاب ظني.
هذه المفاهيم هي على مستوى ما، مفاهيم سلبية وخاطئة، والتخلص منها شيء ممكن، بل هو شرط للتحسن والإنجاز. من خلال التبصر الذاتي وصحبة الأخيار أهل الفطنة والهمة، ومن خلال التأمل في سنن الله في الخلق، سنجد الكثير الكثير من الإمكانات، والكثير الكثير من الأشياء الجيدة التي نضيفها إلى حياتنا الشخصية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.