الكلام بلا فائدة
إن الكثير من المجالس العامة في المجتمعات الإسلامية إلا ما رحم ربي؛ كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، وهذا مشاهد ومعروف، فتجد مثلاً: الحديث عن مباريات كرة القدم، أو الحديث عن تحليلات سياسية فارغة المحتوى والمضمون ربما يكون بعضها مثيراً للفتن داخل المجتمع، أو حكايات وأحلام عجيبة وغريبة عبارة عن أوهام وخرافات، أو غيبة، ونميمة، وتندر، وسخرية بالآخرين.
وقد نظمت الشريعة الإسلامية أقوال الإنسان وأفعاله، فمن ذلك:
أولاً: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَـالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ".
ثانياً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَـالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ".
إن الإسلام يُرَغِّب في المزاح والترويح لإدخال السرور على القلب، فالقلوب إذا كلَّتْ عميت، والمسلم بحاجة إلى تجديد نشاطه، ليكون دافعاً له لقوة العطاء في كل شؤون حياته، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمازح أصحابه -رضوان الله عليهم - ولا يقول إلا حقاً، فَعَن ابنِ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَمْزَحُ ، وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا ".
وقد قال النووي - رحمه الله - قال العلماء رحمهم الله: "إن المزاح المنهي عنه هو الذى فيه إفراط ويداوم عليه، لأنه يورث قسوة القلب ويشغل عن ذكر اللّه ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، وما سلم من ذلك فلا مانع منه، فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفعله نادراً للمصلحة وتطييب النفس والمؤانسة".
ومن المناسب الإشارة إلى بعض التوجيهات المهمة في إعمار هذه المجالس بالخير والفائدة، ومنها:
أولاً: أن تُحصن بشيء من ذكر الله تعالى، لقـول رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ، فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا كَانَ مَجْلِسُهُمْ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ثانياً: أن يكون الكلام نافعاً ومفيداً، وعلى درجة عالية من الثقافة يخدم مصلحة الفرد والمجتمع والأمة، سواء قضايا اجتماعية، أو اقتصادية، أو تعليمية، أو إعلامية كل بحسب تخصصه.
ثالثاً: أن تخلو من المعاصي والذنوب جميعها.
رابعاً: الحرص على كفارة المجلس، قال الألباني رحمه الله: وقد جاء فيه عدة أحاديث أتمها: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ كَانَ كالطَّابَعِ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِسِ لَغْوٍ، كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ ".