الصلاة طريق السعادة
الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين الله قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون] فالذين خشعوا في صلاتهم وجعلوها صلة بربهم هم السعداء في حياتهم وآخرتهم.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "حُبب إلىّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" [رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط].
فتأمل تجد أن المحبة في النساء والطيب ولكن تمام قرة العين، منتهى السعادة والطمأنينة والسكون الروحي يكون عند النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: "يا بلال، أرحنا بالصلاة" [رواه أحمد وأبو داود.] والمعنى: أقم الصلاة لنرتاح ونطمئن ونسعد. أما الشقي الذي حُرم السعادة فيقول: أرحنا منها متى تنقضي؟ متى ستخرج من المسجد؟
"وكان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حزبه أمرٌ صلى " [رواه أبو داود وحسنه الألباني ]أي إذا وقع له ما يؤلمه أو يضايقه قام إلى الصلاة؟ لينشرح صدره ويذهب همه وغمه.. فكانت الصلاة أجمل وسيلةِ عملية عبادية لجلب السعادة وانشراح الصدر، فهل جربناها وسلكنا طريقها..؟
وفي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مهنة أهله – أي خدمتهم – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ". لأن الله أكبر من كل شيء.. من الأهل والدنيا وجميع المحاب كأنه لا يعرف أهله..
وانظر إلى ذلك الرجل الصالح الذي كان يعمل نجاراً فإذا سمع المؤذن ينادى الله أكبر وقد رفع آلته فإنه يُسقطها خلف ظهره فلا تعود وينهض إلى الصلاة كأنه لا يعرف مالاً ولا تجارة ولا نجارة ولا مصنعاً وهذه هي صفة السعداء الذي قال فيهم رب الأرض والسماء: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ [النور:37].
وفي صحيح مسلم: " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم " وذمة الله: عهده بالحفاظ والرعاية.
يقول بعض العلماء: معناه من لم يُصًلُ الفجر فهو في ذمة الشيطان حتى يمسى وحسبك أن يكون عدوُّك هو الذي يلعب بك ذات اليمين وذات الشمال من المعاصي والوساوس والهم والحزن.
الصلاة ملاذ الأنبياء والصحابة والأولياء والسعداء:
حبيب بن عدى رضى الله عنه: أسره المشركون يوم أحد وعذبوه عذاباً شديداً فقال له أبو سفيان: أيسرك أن محمداً عندنا نَضْرب عنقه وإنك في أهلك؟ فقال: لا والله. ما يَسُرُّني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه. فلما أيقن بالموت ما طلب توديع أبنائه ولا رؤية أهله ولا وصّى: من يرعى شئونه من بعده. ولكنه طلب قرّةُ العين التي يتقوى بها على مجابهة الطغيان. قال: أمهلوني أصلى ركعتين فلما انتهى من صلاته التفت إلى قريش وقال: والله لولا أن تقولوا أطال الصلاة جزعاً من الموت لأطلتها. لماذا؟ لأنها قرة العين واللذة والسعادة التي لا يحصل عليها إلا الموفقون ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة:45].
عمر بن الخطاب رضى الله عنه: عن المسور بن مخرمة رضى الله عنه قال: دخلت على عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو مُسَجَّى. فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى قلت: أيقظوه بالصلاة فإنكم لن توقظوه بشيء أفزع له من الصلاة فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين فقال: ها الله الصلاة الصلاة لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى وجرحه يثعب دماً [ أخرجه ابن أبي شيبة والمروزي في تعظيم قدر الصلاة، وعبدالرازق في مصنفه وسنده صحيح] وكان رضى الله عنه يكتب إلى الآفاق " إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة "[مصنف عبدالرازق].
الصلاة نور وبرهان ووضاءة:
تنور وجه صاحبها في الدنيا وتكسوه جمالاً وبهاءً وتنير قلبه وتنير ظلمة قبره كما قال أبو الدرداء رضى الله عنه: " صلوا ركعتين في ظُلَم الليل لظلمة القبر".
وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة نور ".. وقال عليه الصلاة والسلام: " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". [رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه وصححه الألباني].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورُ، ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبيّ بن خلف " (رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني في الثمر المستطاب ثم ضعفه في ضعيف الترغيب والترهيب وقال الأرناؤوط: إسناده حسن).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أمتي أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة" قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال أرأيت لو دخلت صيرة "حظيرة" - فيها خيل دهم -"سود" - بهم - "لا يخالط لونه لوناً سوى الأسود" - وفيها فرس أغر محجل – "وجهه أبيض وقوائمة بيضاء" أما كنت تعرفه منها؟ قال: بلى قال: فإن أمتي يومئذ غر، من السجود محجلون من الوضوء" (أخرجه أحمد والضياء المقدسي وغيرهما وقال الألباني: إسناده صحيح وانظر الصحيحة).
الصلاة طريق السعادة:
قال بكر بن عبد الله المزني رضى الله عنه: من مثلك يا ابن آدم خُلّىٍ بينك وبين الماء والمحراب متى شئت تطهرت ودخلت على ربك ليس بينك وبينه حاجب ولا ترجمان.
كان أبو سليمان الدارانى يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وإليك قولُ واحدٍ من علماء النفس الغربيين "توماس هايسلوب":
إن الصلاة أهم أداةٍ عُرفت حتى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبث الهدوء في الأعصاب"..
ولا تكون الصلاة قرَة عين وسعادة وطمأنينة إلا إذا: دخل العبد تحت قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج:34] ولا يكون العبد محافظاً على الصلاة إلا إذا حافظ على:
1- وقتها: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء::103]، قال ابن مسعود: " إن للصلاة وقتاً كوقت الحج ".
2- جماعتها: قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة:42].
قال ابن مسعود: "والله ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض" [رواه مسلم].
من أراد أن يشعر بالسعادة فليحافظ على الصف الأول والتكبيرة الأولى. ففي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"..
وعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى أربعين صلاة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءة من النار وبراءة من النفاق" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
3- خشوعها وخضوعها: قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون]. ففي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: " ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة " [صحيح مسلم].
النصيحة:
• حافظ على الصلوات الخمس وتوابعها في أوقاتها واحرص على جماعاتها وجاهد نفسك على تحصيل خشوعها وخضوعها واجعل ذلك في ورد محاسبتك.