آداب الرؤى والأحلام
الحمد لله الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62]، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعدُ:
فيرى الناس في منامهم رؤيا حسنةً أو أحلامًا مكروهةً، تُسبِّب لهم الحزن والفزَع والقلق في حياتهم؛ فأحببْتُ أن أُذكِّر نفسي وطلاب العلم بآداب الرؤيا الحسنة والأحلام المكروهة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
حقيقة الرؤيا:
• قال الإمام المازري (رحمه الله): "مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا: أن الله تعالى يخلُق في قلب النائم اعتقاداتٍ، كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لا يمنعه نومٌ ولا يقظةٌ، فإذا خلَق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علمًا على أمور أُخَر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها"؛ (مسلم بشرح النووي، جـ8، صـ 25).
الفرق بين الرؤيا والحلم:
• قال الإمام ابن الجوزي (رحمه الله): "الرؤيا والحلم بمعنًى واحدٍ، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم خصَّ الخير باسم الرؤيا، والشرَّ باسم الحلم"؛ (عمدة القاري؛ بدر الدين العيني، جـ15، صـ 180).
• قال الإمام ابن الأثير (رحمه الله): "الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشرِّ والقبيح"؛ (النهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير، جـ1، صـ 434).
أنواع الرؤيا:
• روى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا اقترب الزمان لم تكدْ رؤيا المسلم تكذِب، وأصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزءٌ من خمس وأربعين جزءًا من النبوَّة، والرؤيا ثلاثةٌ: فرؤيا الصالحة بُشرى مِن الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ممَّا يُحدِّث المرءُ نفسَه، فإن رأى أحدُكم ما يكره فليقُم فليُصَلِّ، ولا يُحدِّث بها الناس))؛ (مسلم، حديث2263).
• قوله: (فرؤيا الصالحة): أي: الرؤيا الحسنة التي يراها المسلم في نومه.
• قوله: (بشرى مِن الله): أي: بشارة من الله تعالى للرائي أو المرئي له.
• قوله: (تحزينٌ من الشيطان): أي: إن الشيطان يجعل المسلم يرى في نومه ما يُصيبه بالحزن والغمِّ.
• قوله: (يحدث المرء نفسه): أي: إن الهموم التي تشغل المسلم وتُلازمه في حياته، ويفكر فيها، يراها في نومه.
(عون المعبود؛ أبو الطيب آبادي، جـ9، صـ 2298)
فائدة مهمة:
علماء النفس لا يعرفون إلا رؤيا حديث النفس، ولا يتحدَّثون إلَّا عن هذه الأحلام النفسية، ويحصرون كل الرؤى في هذا النوع.
(منار القاري، حمزة محمد قاسم، جـ1، ص45)
الرؤيا الصالحة من الله، والحلم المكروه من الشيطان:
• روى البخاري ومسلمٌ عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((الرؤيا من الله، والحلم مِن الشيطان، فإذا حلم أحدُكم الحُلْم يكرهه فلْيَبْصُقْ عن يساره، وليَسْتعِذْ بالله منه، فلن يضُرَّه))؛ (البخاري، حديث: 7005، مسلم، حديث:2261).
• قوله: (الرؤيا): مكروهةهي: كل ما يراه المسلم في المنام من الخير والشيء الحسن.
• قوله: (الحلم): هو: كل ما يراه المسلم في المنام من الشر، وما يُصيبـه من الفزع؛ (مرقاة المفاتيح، علي الهروي، جـ7 صـ2917).
فائدة مهمة:
• "أضاف النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافةَ تشريفٍ، بخلاف الرؤيا المكروهة، وإن كانتا جميعًا من خلْق الله تعالى وتدبيره وبإرادته، ولا فعل للشيطان فيهما، لكن الشيطان يحضر المكروهة ويرتضيها ويسرّ بها"؛ (مسلم بشرح النووي، جـ8، صـ 25).
• "الأمر بالتفل فيه طردٌ للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة، وتحقيرٌ له واستقذارٌ لفعله، وخصَّ بها اليسار؛ لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوهما"؛ [من كلام الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح].
التحذير من إخبار الناس بالأحلام المكروهة:
(1) روى البخاري عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبُّها، فإنما هي مِن الله، فليحمد الله عليها، وليُحدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكرَه فإنما هي من الشيطان، فليستعِذ من شرِّها، ولا يذكُرها لأحد، فإنها لا تضُرُّه))؛ (البخاري، حديث: 6985).
• "قوله: (لا تضره): معناه أن الله تعالى جعل هذا سببًا لسلامته من مكروه يترتَّب عليها، كما جعل الصدقة وقايةً للمال وسببًا لدفع البلاء"؛ (مسلم بشرح النووي، جـ8، صـ26).
(2) روى البخاري عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يُحبُّ فلا يُحدِّث به إلَّا مَنْ يُحبُّ، وإذا رأى ما يكره فليتعوَّذ بالله من شرِّها، ومن شرِّ الشيطان، وليتفُل ثلاثًا، ولا يُحدِّث بها أحدًا، فإنها لن تضُرَّه))؛ (البخاري، حديث: 7044).
• "قوله: (الرؤيا الحسنة من الله)؛ أي: إنها بشارة من الله تعالى؛ لكي يشكره العبد عليها"؛ (التوضيح لشرح الجامع الصحيح؛ لابن الملقن، جـ19، صـ 215).
• "(التفل) هو: نفخٌ لطيفٌ معه ريقٌ قليلٌ جدًّا"؛ (النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، جـ1، صـ192).
(3) روى مسلمٌ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعِذْ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه))؛ (مسلم، حديث: 2262).
معنى الاستعاذة:
• "الاستعاذة: هي الالتجاء إلى الله تعالى، والاعتصام به، والالتصاق بجنابه مِن شرِّ كلِّ ذي شرٍّ"؛ (تفسير ابن كثير، جـ1، ص175).
• قال الإمام ابن حجَر العسقلاني رحمه الله: "أمَّا التحوُّل فللتفاؤل بتحوُّل تلك الحال التي كان عليها"؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ12، صـ371).
(4) روى مسلمٌ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي قُطِع، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يُحدث به الناس))؛ (مسلم، حديث: 2268).
آداب الرؤيا الصالحة:
نستطيع أن نُوجز آداب الرؤيا الصالحة في الأمور التالية:
(1) يقول المسلم: "الحمد لله رب العالمين".
(2) يستبشر المسلم بها؛ فإنها بُشرى من الله تعالى.
(3) يُحدِّث المسلم بها مَنْ يُحبُّ من الناس.
آداب الأحلام المكروهة:
يُستحبُّ للمسلم إذا رأى في منامه ما يكره، وأراد السلامة من هذا الحلم أن يفعل الأمور التالية:
(1) يقول المسلم: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن هذا الحلم".
(2) يتفل عن شماله ثلاث مرات.
(3) يتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه.
(4) لا يتحدَّث بما رآه إلى أحد من الناس، فإنه لا يضُرُّه.
(5) يقوم المسلم من فراشه فيتوضَّأ، ويُصلي، ويدعو الله تعالى أن يصرف عنه هذا الشرَّ الذي رآه.
فائدة مهمة:
هذه الآداب السابقة تنفع الذين يحافظون على الصلاة في أوقاتها.
الوقاية من الأحلام المكروهة:
يستطيع المسلم أن يُحصِّن نفسه من الأحلام المكروهة والمخيفة بالأمور التالية:
(1) إذا أراد المسلم النوم فإنه يتوضَّأ، وينام على جنبه الأيمن.
(2) يقرأ آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]؛ (البخاري، حديث: 5010).
(3) يقرأ المسلم خواتيم سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 285، 286]؛ (البخاري، حديث: 4008، مسلم، حديث: 808).
(4) نجمع الكفين ونقرأ فيهما سورة (قل هو الله أحد)، وسورة (قل أعوذ برب الفلق)، وسورة (قل أعوذ برب الناس)، ثم ننفث في الكفين، ثم نمسح بهما الرأس والوجه وباقي الجسم.
• (النفث): ريق خفيف جدًّا.
نُكرِّر القراءة والنفث والمسح على الرأس والجسد ثلاث مرات؛ (البخاري، حديث: 5748، مسلم، حديث: 2192).
(5) يقول: ((اللهم أسلمتُ نفسي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك؛ رهبةً ورغبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منكَ إلا إليك، آمنتُ بكتابكَ الذي أنزلت، وبنبيِّكَ الذي أرسلت))؛ (البخاري، حديث: 6311، مسلم، حديث: 2710).
(6) يقول: ((باسمك رب وضعتُ جنبي، وبكَ أرفعُه، إن أمسكت نفسي فارحمْها، وإن أرسلتَها فاحفظْها بما تحفظُ به عبادكَ الصالحين))؛ (البخاري، حديث: 6320، مسلم، حديث: 2714).
(7) يقول المسلم: ((باسمكَ اللهمَّ أموتُ وأحيا))؛ (البخاري؛ حديث: 6324).
الدعاء عند القلق والفزع من النوم:
يقول المسلم: ((أعوذ بكلمات الله التامَّة، من غضبه وشرِّ عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرونِ))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث 3294).
♦♦ ♦♦ ♦♦
ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخرًا لي عنده يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم.