في معرض الكتاب في القاهرة، وفي أحد أجنحة المعرض، دخل شاب (يبدو عليه أنه طالب علم) وسأل عن شرح (نونية ابن القيم) فوجئت بأن الشرح في أربعة مجلدات كبار، وتعجبت لهذا (الورم) الثقافي، هل تحتاج هذه القصيدة إلى أربعة مجلدات كبار؟ هل هذا عمل صحيح أم هو عمل تجاري لخداع بعض العقول التي تقيس أهمية الكتاب بكثرة مجلداته أو بكثرة صفحاته، هذا مثال فقط، فالغالب الآن أن بعض دور النشر تضخم الكتاب مع أنه ليس بحاجة لذلك، ويمكن شرحه أو تبسيطه للقارئ بمجلد واحد، وكاتب آخر يشرح بعض الأحاديث التي تتعلق بالنساء في مجلد ين كبار. لماذا يثقلون كاهل طالب العلم بثمن الكتاب وحمل الكتاب ومكان الكتاب في الرفوف المثقلة وكأن الشاعر محمد إقبال يعنيهم حين يقول:
خلي الغمد، ما في الكف مال وهذا الرف يهوي بالكتاب
مؤلف أمثال هذه المجلدات يدرك أن بعض الذين يقبلون على شراء الكتاب التراثي، وخاصة من أصحاب النوايا الحسنة، يؤخذون بحجم الكتاب، فما يزال هذا المؤلف يأتي بالنقول والحواشي (التي لا ضرورة لها) وما يزال يخرج عن الموضوع أحيانا حتى يصبح الكتاب (سمينا) ولا نتكلم هنا عن المضمون سواء كانت نونية ابن القيم أو كتب أخرى تشرح عقيدة السلف مما لا خلاف عليه، ولكن عن طريقة إخراج هذه الكتب للناس، فنحن بحاجة إلى إخراج التراث المفيد بصورة جيدة ولائقة، ونحن بحاجة إلى الموسوعات الكبيرة التي هي مصادر أساسية للباحث وطالب العلم وللقارئ بشكل عام، الكتب الكبيرة مثل (سير أعلام النبلاء) أو (فتح الباري) أو الموسوعات الفقهية أو بعض كتب التفسير ضرورية ومهمة، فالإمام الذهبي وضع خلاصة ما عنده من ترجمة للأعلام، وهو محدث ناقد وفي المقابل فإن كثيرا من الكتب بحاجة إلى تصفية وغربلة من الروايات الضعيفة التي تشوه تاريخنا وتراثنا.
إن التراث وبالمعنى الذي نريده وهو ما تركه لنا الأجداد من علوم نافعة، هو تراث عظيم، ولكن يجب أن تنحسر ظاهرة المتاجرة به، أو نشر وترويج ما لا يسمن ولا يغني من جوع.
وهذا سيخفف العبء على طالب العلم المعاصر، لماذا تحقق المخطوطات التي لا طائل من ورائها، ولا تفيدنا في دنيا وآخرة. نريد إحياء التراث الذي يساعدنا على فهم الإسلام وفقه الكتاب والسنة ويساعدنا على تفهم الحاضر، ويكون جزءا حيا من ثقافتنا وحضارتنا.
في تراثنا نناقش مسائل ليس لها وجود، أو مسائل جدلية ساذجة، ولما سئل الإمام ابن حزم: البلاء أفضل أم العافية؟ والفقر أفضل أم الغنى؟ أجاب: هذا سؤال فاسد، إنما الفضل للعباد بأعمالهم، ونحن نسأل الله تعالى العافية والغنى، ونعوذ بالله من البلاء والفقر.
بعض المؤرخين أكثروا من الروايات التي تعظم ملوك الفرس حتى كأن كسرى هو صنو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورووا عن كسرى ما يجعله أفضل من كثير من الخلفاء المسلمين، فالفرس الذين شرقوا بالإسلام ضخموا من تاريخهم ليرفعوا من شأن جنسهم أمام العرب الذين قضوا على مجد فارس القديم.