جبال الأوهام
بالتأمُّل في أحوالنا نجِد أنَّ معظمنا قد افترض صورةً لنفسه عن نفسه وعن رغباته وأسبابِ سعادته، وتعايَش بموجبها، بل إنَّنا نصبح في معظم الأحيان أسرى لها..
فذاك رجل ذوَّاق وحالم يحبُّ أن يكون منزله على أحدَث الموضات وأفخمِ التصميم والأثاث، وآخر يحبُّ السفر، ولا تحصل له السعادة إلَّا إن سكن أفخم الفنادق، وهذا يعتقد أنَّه مصنَّف من طبقة معيَّنة بالمجتمع، فلا بدَّ أن تكون سيارته مميَّزة وتليق بالصورة التي في أذهان الناس عنه..
قِس على ذلك فيما يخصُّ رغباتنا في النِّساء والطعام، ولا أنسى ذِكر ذلك الموعد المقدَّس - يوميًّا - للاجتماع بالأصدقاء في الاستراحة وتمضِيَة الوقت...، والأمثلة كثيرة.
المشكلة أننا نعلَم يقينًا أنَّها ليست الحقيقة، بل إنَّ ضررها أكبَر من نفعِها، وغالبًا ما تصبح مهلكة عندما ننتقل لنطاق المحرَّمات.
شخصيًّا جرَّبتُها في عدَّة أمور؛ منها - على سبيل المثال فقط - أنِّي كنتُ المرشِدَ الأعلى للمطاعم والأكلات في قارَّة أوروبا وأمريكا وفي الدول العربيَّة، وأجد سعادة كبيرة وأنا أتذوَّق أفضل وأفخم أنواع الطَّعام، وعندما قرَّرتُ البدء بحمية لتلافي الأمراض والأضرار المترتبة على ذلك الإسراف، بدأتُ أكتفي بسلَّةٍ من الفواكه والخضراوات الطازجة، ثمَّ أصبحَت المتعة في أن يكون العشاء حبيبات من التَّمر مع القهوة، وقِس على ذلك.
هل نبحث عن إرضاء أنفسنا من خلال الحصول على رغبات معيَّنة؟ أم إرضاء الناس ورسم صورة معيَّنة في أعينهم وأذهانهم عنَّا؟ أم نسعى للسَّعادة من خلال ملء وقت الفراغ؟
أليس وهمًا أن تجِد مَن لديه الرغبة أن يكد بكل جهد واجتهاد لسنة كاملة، وأن يضحِّي بكل راحة ومتعة، مقابل الحصول على دخل سنوي مليون ريال! في حين أنَّه لا يستطيع أن يفرغ نفسه ساعةَ الإجابة من يوم الجمعة وهو يعلم يقينًا أنه قد يَحصل على مليارات الدنيا وخيرات الآخرة من خلالها بكلِّ بساطة؟!
أليس وهمًا أن نقضي رمضان في التسوُّق والأكل، والمسلسلات والاستراحات، ونحن نعلم ما نعلم عن الشَّهر الفضيل وليلة القدر؟!
باختصار ليبحث كلٌّ منَّا في داخله - وفي لحظة صِدق مع الله - عن جِبال الأوهام التي بناها بنفسه، وليحاول تغيير تلك القناعات المجوَّفة عن أسباب السعادة.
الحلُّ باختصار شديد:
السعادة في القرب من الله، وأن نستشعِر أنَّنا مع الله وحده في كلِّ لحظة، والاستغناء عن الجميع بما فيهم الأبناء والشخصيات المهمَّة في حياتنا.
المفاتيح:
هذه مفاتيح سهلة لمن وفَّقه الله، وتعتبر بدايات طيِّبة لِمن بدأ بها جميعًا أو ببعضها ثمَّ استمرَّ، والاستمرارية مهمَّة ليرى الله منا الصِّدق.
سأذكر بعضَ الأمثلة؛ منها: برُّ الوالدين، القرآن الكريم، كثرة الاستغفار والذِّكر، الإنفاق في سبيل الله، وأخصُّ منها كفالة اليتيم، والدعوة إلى التوحيد - هي أعمال محبَّبة لله سبحانه وتعالى، قد يحصل لنا الرِّضا بها، وإنْ رضِي الله عن العبد، يسَّر له كافَّة أسباب الهداية والثبات.