استغلال وقت الفراغ في البيت
إن فراغ الشباب شيء خطير ومهم، فهو سلاح ذو حدين؛ إذا حسن استغلاله عاد بالفائدة والنفع عليهم بصوة كبيرة مثمرة تساعد على بناء أجسامهم وعقولهم بما يفيدهم في الحاضر والمستقبل. أما إذا أُسيء استغلاله فإنه يضر بهم ضرراً بليغاً قد يؤدي إلى تدمير شبابهم ومستقبلهم بصورة خطيرة وتنحرف بهم عن جادة الطريق، لذا كان من الضروري توجيه هذا الفراغ لمنفعة الشباب.. فالشباب أيامه محسوبة علينا واستغلاله محسوب علينا، ومقياس ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم".
كما ورد الحديث عن ابن أبي برزة الأسلمي بسياق آخر، وكذلك عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه".
ويبدأ انحراف الشباب من البيت أولاً، فالأسرة إذا كانت مفككة، والطفل بلا رعاية جيدة والتي تعتمد على التربية الإسلامية أولا وأخيراً والدفء الأسري مع الرقابة المفروضة يسهل انحرافه بصورة سريعة، ثم يأتي بعد ذلك دور المدرسة والمجتمع إلا أن الأسرة هي الأساس في ذلك بلا ريب.
هذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماماً كبيراً بالشباب حيث كان معظم صحابته منهم، وقد حملوا على أكتافهم عبء الدفاع عن الدعوة الإسلامية حتى أسند إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مهام جليلة منها: الدعوة للإسلام وتحفيظ القرآن الكريم، وقيادة الجيوش، والقضاء، والجهاد في سبيل الله.. وغير ذلك من الأمور، كما كان يستشيرهم في الأمور المهمة في الدين والدولة، ويوكل إليهم ما لم يوكله للشيوخ مثل: مبيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراشه صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته إلى المدينة وعهده إليه برد ديونه والأمانات التي لديه لأهل مكة. ومثل تعيينه أسامة ابن زيد قائداً على شيوخ الصحابة في فتوح الشام ضد الروم.. وغير ذلك من الأمور الجليلة.
ومن الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم واشتملت على اغتنام فراغ الشباب ما رواه عمرو بن ميمون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك"، وقد ورد الحديث بصورة أخرى رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر" وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
كما ورد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" كما رواه أيضًا أنس بن مالك، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
لذلك نجد أن الشباب هم المستقبل دائماً، ينبغي أن نوجههم إلى ما يصلح حياتهم ومستقبلهم، فإن مستقبل الأمة الإسلامية وكل أمة في شبابها الراهن؛ لذلك ينبغي أن يتسلح شبابنا أولا بتعاليم الإسلام الحنيف من حفظ للقرآن الكريم والدعوة الهادئة إلى الإسلام ومكارم الأخلاق متخذا من نفسه نموذجاً لذلك، ولا شك أن مثله الأعلى في ذلك الأب والأم.
ثم الاهتمام بدراسته اهتماماً كبيراً في المنزلة الأولى وذلك حتى تكون له المكانة المكتسبة من حصيلة هذه الدراسة فيما بعد. كذلك التردد بصورة منتظمة على المكتبات الخاصة لشراء الكتب، أو العامة لاستعارتها إذا لم يتمكن من شراء هذه الكتب من المكتبات الخاصة لاحتياجها إلى ميزانية مخصصة لها. وعلى الأبوين – وخاصة الأم – دفع الأبناء إلى التردد على الأنشطة الرياضية المختلفة لتنمية مواهبهم الرياضية سواء في مجال السباحة وركوب الخيل أو أي رياضة أخرى نافعة مثل اللعب بالكرة بأنواعها، أو غير ذلك من الألعاب المنتشرة، وإن لم يتمكن الأبناء من ذلك فعليهم متابعة رياضة المشي أو الجري، ولو في حدود الأماكن التي يرتادونها دائما.
كذلك استغلال مواهب الطفل الأخرى مثل التردد على مجالس الذكر والأدب والعلم. أما مجالس الذكر فهي غذاء الروح والعقل، كذلك مجالس العلم النافع، سواء كانت مجالس علمية دينية، أو عملية دنيوية نافعة، كذلك هناك وسائل الإعلام المفيدة والتي تنمي الفطرة الإيمانية عند الإنسان سواء كانت هذه الوسائل مقروءة أو مسموعة، أو مسموعة ومشاهدة في آن واحد، فليختر منها ما يفيده ويبعد عما يفسد فطرته.. كل هذا يكون تحت رقابة الأبوين وخاصة الأم التي تقضي معظم وقتها في بيتها وبين أبنائها.
ونظرا لانتشار أساليب الانحراف بصورة خطيرة ومدمرة؛ مثل تعاطي المخدرات القاضية على الحياة والمستقبل ينبغي على الأم وبمشاركة الأب أيضا متابعة أبنائهما بصورة مستمرة ومراقبة أصدقائهم مراقبة دقيقة، وألا يتركوهم خارج البيت لفترات طويلة دون إشراف، أو يتركوا لفترات طويلة يتحدثون في المسرة (الهاتف) بل ينبغي على الأم أن تلاحظ ذلك وأن تنمي الفراغ بصورة مفيدة فإنه إن لم يستغل استغلالا حسنا فسوف يصبح مفسدة وأي مفسدة لا قدر الله تعالى.
ومن ذلك تنمية مواهب الأبناء سواء الفتى أو الفتاة وتوجيههم الوجهة النافعة سواء في مجال الأدب، أو الشعر، أو الرسم والأعمال الفنية أو الرحلات.. أو غير ذلك من المواهب المكنونة، وتشجيعهم على تنميتها واستثمارها. وبالإضافة إلى ذلك هناك مجالات تستثمر فيها طاقات الشباب مثل العمل خلال فترة الإجازة الصيفية حيث يكون لنفسه مبلغا من المال قد يعينه على استكمال دراسته أو هواياته المختلفة، كما يكتسب خبرة في مجال العمل تفيده في المستقبل، وأيضا تقضي على وقت الفراغ بصورة مفيدة ومجزية وتنمي فيه روح المسئولية والرجولة المبكرة، وقد يتاح أيضا للفتاة مثل ذلك.
هذا، وفي مسجد أو جامع المدينة أو الضاحية، تكمن فرص عديدة للاستفادة من وقت الفراغ؛ منها حضور مجالس العلم والذكر، وحفظ القرآن الكريم، كذلك منح الفرصة للشباب الحاذق المتعلم البارز في علم معين لإلقاء دروس للآخرين سواء للأطفال أو الشباب أو حتى الشيوخ الذين لم ينالوا فرصة التعليم من قبل، يبتغون بذلك وجه الله تعالى، دون مقابل. وهذا يعطي للإنسان فضيلة العطاء بلا حدود أو مقابل، ويكون له ذخرا للآخرة وصدقة جارية، نافعة.
ومن المجالات المتيسرة أيضا في الجوامع الإرشاد إلى رعاية الأيتام والمرضى والمساكين بالإنفاق عليهم سواء من جانب الأسرة أو الفرد وكفالتهم، ويقوم الشباب بدورهم في إيصال هذه الكفالة إلى مستحقيها أو الإسهام فيها، مما يعطي لهم مجالا للعطاء والصدقة، مصداقا لقوله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
لذلك كان ضمن من يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (شاب نشأ في عبادة الله) لما يحمد له من العمل. فقد ورد عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل كان قلبه معلقا بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"