بسم - الله - الرحمن الرحيم ...
السلام عليكم ورحمة - الله - تعالى وبركاته ...
.:.
الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. سيد الأولين والآخرين ..
وعلى آله وصحبه أجمعين .. إلـى يوم الدين ...
**
يرد مفهوم (اضطرابات التفكير) في أدبيات الطب النفسي مقترناً بالاضطرابات العقلية. ويعدّه كثيرون ” عرضاً من أعراض الفصام يتصف بفقدان الترابط بين الأفكار وفقر محتواها من حيث المعنى ، واستعمال لغة جديدة “. فيما يرى آخرون بأنه ” تشويش في قابلية الفرد على اتخاذ حكم، وعلى سرعة التفكير، أو ترجيح فكرة على أخرى “. أو هو ” عدم الترابط والاتساق بين الأفكار بحيث لا يستطيع الفرد الاستمرار في موضوع واحد لمدة طويلة ، وعدم قدرته على إكمال ما بدأبه من حديث ، وصعوبة في إيجاد المعنى بسهولة ، والمزج بين الواقع والخيال “.
وتتعدد طرائق تصنيف اضطراب التفكير ، بمعنى لا توجد طريقة واحدة معتمدة ، غير أننا ، ولغرض السهولة والتبسيط ، سنقوم بتصنيفها على النحو الآتي :
أولا. اضطرابات تتابع أو تدفق الأفكار .
وتشمل الأنواع الآتية :
1. تطاير الأفكار . ويعني ازدحام الأفكار في رأس الفرد ، وتسابقها على النطق بها، وتدفقها بسرعة غير عادية تفوق الحد الطبيعي . وقد تتغير أهداف تلك الأفكار بشكل سريع ، إلا أنها تبقى في الغالب محافظة على الترابط في سياقاتها . ويلاحظ فيه وجود نوع من السجع او التشابه او الترابط اللفظي بين الأفكار . وتظهر هذه الحالة في اضطراب الهوس (المانيا).
2. تباطؤ الأفكار. ويكون بعكس الحالة السابقة ، إذ تأتي الأفكار بسرعة بطيئة جداً ، والترابط بينها ضعيف أو شبه معدوم ، ويكون في حدود موضوع واحد ، غالباً ما يكون مؤلماً أو كئيباً ، ويظهر في حالات الاكتئاب.
3. توقف الأفكار . يتحدث الفرد ، وفجأة يتوقف عن الكلام ، فيشعر كأن عقله قد غدا خالياً من الأفكار . ويحدث هذا الاضطراب في حالات الفصام .
4. التفكير الدوامة . في هذا النوع من الاضطراب تعاد الأفكار بتكرار معين بالرغم من انتهاء موضوعها والحديث بخصوصه . بمعنى ان الفرد يبقى في دوامة الفكرة نفسها ولا يستطيع التحول والانتقال الى فكرة أخرى . وتكثر هذه الحالة في اضطرابات الدماغ العضوية .
5. التفكير غير المترابط . وفيه يتحدث الفرد بتدفق وتلقائية كما لو كان طبيعياً غير ان كلامه لا يوجد فيه ترابط منطقي ، فضلاً عن أن الأفكار تبدو غامضة ، ويزيدها غموضاً ان الفرد يستعمل ” لغة جديدة ” او مفردات غير متداولة ، يقوم هو بنحتها . ويحدث هذا الاضطراب في حالات الفصام والهوس والذهان العضوي .
6. التفكير الخرافي . ويتصف بانعدام القدرة على التمييز بين ما هو مهم وما هو غير مهم من الأفكار ، فضلاً عن ان المريض يخوض في تفاصيل كثيرة ليست لها علاقة بالموضوع . ويلاحظ في حالات التخلف العقلي وبعض حالات الصرع .
ثانياً. اضطرابات عائدية الأفكار والسيطرة عليها .
يشعر الإنسان الطبيعي أن أفكاره تعود إليه وخاصة به ، وله قدرة السيطرة عليها . أما الإنسان المصاب بهذا النوع من الاضطرابات فيشعر أن أفكاره غريبة عنه ، ولا سيطرة له عليها . وتظهر هذه الاضطرابات في حالات الفصام ، وتكون بثلاثة أنواع :-
1. سحب الأفكار. وفيه يعتقد المريض جازماً أن أفكاره تسحب منه برغم إرادته ، أو تقلع من رأسه قلعاً .
2. زرع الأفكار . وهذه عكس الحالة السابقة ، فالمريض يعتقد هنا أن أفكارا تزرع في عقله برغم إرادته .
3. إذاعة الأفكار. وفيه يشعر المريض أن أفكاره (خصوصياته) معروفة للآخرين . كما لو أن رأسه محطة إذاعة تبث أفكاره للجميع .
ثالثاً. اضطراب صيغة التفكير .
يفكر الإنسان السوي بطريقة منطقية وتجريدية (Abstract). بمعنى انه يعتمد على معاني الأشياء وما يقابلها من الأرقام والألفاظ ، ولا يعتمد على وجودها المادي المجسّم ، يتوصل من خلالها الى استنتاجات وحلول واقعية وعملية . أما في حالة اضطراب صيغة التفكير فانه تنعدم القدرة على التفكير المجرد ، ويأخذ التفكير صيغة مختلفة وغريبة وتكون على نوعين هما :-
1. التفكير المبهم . وفيه يبتعد التفكير عن المواقف الحقيقية أو الواقعية ، يشبه ما يحدث في الخيال والأحلام . غير ان الفرد هنا يقوم بأفعال مطابقة لما في خياله . ويحدث في حالات الفصام .
2. التفكير الجامد . وفيه يفتقر التفكير الى المرونة والتبصر والتجريد والاستنتاج .
رابعاً. اضطرابات محتوى التفكير .
الصفة العامة لهذا النوع من الاضطرابات هي الوهم العقلي ، ويقصد به الأفكار والمعتقدات والآراء التي لا تنطبق على الواقع ، ولا يمكن ربطها بأساس سببي يفسره ، كما لا يمكن إزالتها بالمنطق والإقناع ، فضلاً عن تناقضها مع ما هو معلوم عن المستوى الثقافي والاجتماعي للفرد . وتأتي هذه الأوهام بأنماط وصور متعددة على النحو الآتي :
1. الأوهام الاضطهادية . اعتقاد الفرد بأنه مضطهد ، وان الآخرين يراقبونه ويضمرون له العداء ويتآمرون عليه لالحاق الأذى به . وشعوره بان حيفاً لحق به أو ظلماً أصابه ، أو انه معرض لهما . وتأتي هذه الأوهام في حالة المصاب بالزَوَر الفصامي (البارانويا ) .
2. أوهام العظمة وأوهام الضعة . في الأولى يضفي المريض على نفسه مظاهر العظمة ، وانه يتمتع بأهمية فريدة أو عبقرية أو قوة . وتظهر واضحة في حالة النرجسية . وفي الثانية (الضعة) يصف المريض نفسه بعدم الأهمية والتفاهة .
3. أوهام العائدية أو المرجعية . اعتقاد المريض بان ما يدور من كلام بين الناس أو حركات أو أحداث على أنها تعنيه هو بالذات . أي انه يربط بين الذي يحدث حوله من قريب أو بعيد وبين نفسه . بل يصل الأمر الى أن الخبر الذي تناقلته القنوات الفضائية ليلة البارحة (خبر مهم مثلاً) كان يعنيه هو .. وان الحرب ستقوم من اجله ، ويكثر هذا في حالة الهوس والزور (البارانويا) . وهناك نوع منها يكثر في حالة جنون العشق . كاعتقاد الفتاة بان ” المطرب الفلاني ” الذي لا يعرفها أصلا ، اصدر ” ألبومه ” الغنائي الأخير من اجلها ، وانه عندما يظهر يغني في التلفاز ويقول ” حبيبتي ” فانه يعنيها هي بالذات !.
4. أوهام العدم . وفيها يعتقد المريض بأن جزءاً منه ، أو أحد أعضاء جسمه: قلب ، معدة ، دماغ ،… لا وجود لها ، أو أنها ساكنة لا تعمل . وفي الحالات المتطرفة يدعي المريض بأنه ميت لا وجود له ! وتحصل في حالات الاكتئاب الشديد والفصام.
5. أوهام الإثم . وفيها يشعر المريض بالذنب ، ويدعي مسئوليته عن آثام لم يرتكبها. ويصف نفسه بالمذنب الذي ارتكب خطايا فضيعة يستحق العقاب الصارم عليها ، ولذلك فهو يسعى الى التكفير عن آثامه وذنوبه وخطاياه بوسائل مختلفة ، من إيذاء النفس وعقابها ، بالامتناع عن الطعام مثلاً ، الى تدمير الذات بمحاولة الانتحار أو ارتكابه فعلاً .
6. الأوهام المراقية . وفيها يعتقد المريض بأنه مصاب بمرض بالرغم من توكيد الأطباء بأنه سليم من أي مرض واثبات ذلك بالفحص السريري والفحوصات المختبرية . ومع ذلك يظل يفسر أي ألم جسمي طفيف على انه دليل قاطع بوجود مرض خطير . ويستمر متنقلاً من طبيب الى آخر .