الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
♦ للإنسان أعداء ثلاثة، ولايزال الصراع قائماً حتى تفارق الروح الجسد، الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء.
♦ المعصية من الجِبلّة ولولا ذاك لصافحتنا الملائكة، ففي حديث أبي هريرة مرفوعاً: (لكل بني آدم حظ من الزنى، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القُبل، والقلب يهوى ويتمنّى، والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه).
♦ استحضار رحمة الله وعفوه ومغفرته تكون في بعض الأحيان شرارة المعصية، مع تغييب كامل للعقوبة والاستدراج والمقت! ولا يزال المرء يسعى في زيغ نفسه حتى تُكتب عليه، ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾!
♦ تقتضي الحيلة الشيطانية إلى التدليل الشرعي في مَعرِض منازعة النفس اللوامة بالحديث المرفوع: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم…) (البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة)، وهو استدلال مقلوب يهدف لتطبيع المعصية داخل النفس، واجتياز حصون الممانعة.
♦ مجاراة النفس والانصياع لرغباتها يسقط الإنسان في دوامة لا تنتهي، ففي حديث سهل بن سعد مرفوعاً: (إياكم ومُحَقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كقوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقّرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه). (أحمد)
♦ أصبح شيوع المنكر بين الناس دليلاً من أدلة الاحتجاج، (والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس). (مسلم من حديث النواس بن سمعان)
♦ ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هو الرجل يكون بين الرجال، فتمر بهم امرأة فينظر إليها، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره!". (تفسير السمعاني ولم يسنده)
♦ من الاغترار أن يسيء المرء ويُذنب، ثم يرى من خالقه إحساناً وستراً، فيكيّفه بأنه دلالة العفو والصفح، والله تعالى يقول: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾، وأعظم العقوبة عدم الإحساس بها.
♦ "الفراغ"...
فريسة مغرية لقوارض النفس، وحريق الهوى إذا ثار قلع ما وراءه!
♦ "أوقات الخلوات"...
هي المعيار المنضبط لواقع تدين الإنسان وخشيته، وهي المحك الحقيقي لمرآته الداخلية، ومن أخفى سريرة في خلوة ألبسه الله ثوبها! ولذا جاء الذم في الحديث: (ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)! (ابن ماجه من حديث ثوبان)
♦ ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ صراحة عدو الله نقضت مبدأ الجبر في المعصية!
♦ قرب المعاصي من الإنسان، فلا يمنعه من الوقوع إلا الهمّ والعزم، لا يقف أمام مده وجزره إلا خشية الله ومراقبته في السر. يقول ابن الجوزي: "لا ينال لذة المعاصي إلا سكران الغفلة، فأما المؤمن فإنه لا يلتذ؛ لأنه عند التلذاذه يقف بإزائه علم التحريم، وحذر العقوبة". (صيد الخاطر)
♦ طوفان المعاصي المصاحب للانفجار المعلوماتي لا عاصم منه إلا الله، ومن تمادى وخاض كان المغرقين، ومقارب الذنب لا يكاد يسلم!
♦ تفعيل "قانون الممانعة" بالبُعد وعدم الاقتراب يُجهز على المعصية قبل استحكام حلقاتها، فالإيمان والخشية يمنعان تارة عند الهمّ، وتارة عند العزم، وتارة عند الفعل، ورصيد الإنسان السابق من الطاعة والخشية تقمع شهوة الذنب وتطفؤها.
♦ "الرقابة الذاتية" هي الإحسان في إحدى صوره، (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك). (مسلم من حديث عمر)
♦ ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴾ سؤال توبيخ ممزوج بمقت وسخط، وجوابه حينما يسمعه السامع ﴿ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾!
قال ابن كثير في تفسيره: "أي إنما كان لبثكم فيها قليلاً، لو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف، قدمتم الحاضر الفاني على الدائم الباقي!"
♦ ثمة تلازم مطرد، واقتران لا ينفصل بين المعصية والوحشة، فالخطئية وقصدها والعلاقة السببية بينهما هو الانسجام المتناغم الذي يفسر الوجه العبوس المتواري خلف الأكمة، وهو الضنك الذي لا طب له!
♦ إن للمعصية شؤماً وظلمةً لا يدفعها إلا انطراح ومناجاة مشوبة بندم وإقرار، (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت ابوأ بنعمتك علي، وأبوأ بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). (البخاري من حديث شداد بن أوس)
♦ يقول ابن الجوزي: "رأيت أقواماً من المنتسبين للعلم أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات، فمحا محاسن ذكرهم في الجلوات، فكانوا موجودين كالمعدومين، لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلب يحن إلى لقائهم". (صيد الخاطر)