كورونا
مرض غامض جديد
فيروس كورونا هو أحد أفراد عائلة "الفيروسات التاجية"، وهي فيروسات مغلَّفة، وحيدة الطاق، ذات نشاط إيجابي، وتأتي تسمية الفيروس التاجي من التسمية الإنجليزية Coronavirus، وهي مشتقَّة من الكلمة اللاتينية corona، بمعنى تاج أو هالة؛ وذلك لأن المظهر النموذجي للفيريونات تحت المجهر الإلكتروني تبدو فيه نتوءات كبيرة بصلية الشكل، تعطيها شبهًا بهالة الشمس، هذه النتوءات هي قسيمات حسكية عبارة عن بروتينات موجودة بكثرة على سطح الفيروس تُحدِّد نوعيته
وقد صنَّف الأطباء فيروس كورونا الجديد كفيروس غامض ونادر من عائلة "الكورونا فيروس"، وأعلنت منظمةُ الصحة العالَمية أن الفيروس الغامض الجديد ينتمي إلى عائلة الكورونا التي ينتمي إليها فيروس "سارس"، إلا أن الفرقَ بين الفيروسينِ يكمنُ في أن السارس، عدا كونه يصيب الجهاز التنفسي، فإنه قد يتسبَّب بالتهاب في المَعِدة والأمعاء، أما الفيروس الجديد، فيختلف عن السارس في أنه يسبب التهابًا حادًّا في الجهاز التنفسي، ويؤدي بسرعة إلى الفشل الكُلَوي، كما أن الفيروسات من هذه الزُّمْرة تتسبَّب في عدد من الأمراض الحيوانية، وإن كان هذا المرض ما زال "غامضًا" بالنسبة لمختصِّي الصحة ولمختبرات التحاليل الطبية.
واكتُشِف هذا الفيروس لأول مرَّة في إبريل عام 2012، وحدثت الوفاة في نصف الحالات تقريبًا، والأعراض الشائعة له هي الاعتلال التنفُّسي الحاد الوخيم المصحوب بالحمَّى والسعال وضيق النفس وصعوبة التنفس، وأُصِيب معظم المرضى بالالتهاب الرئوي، إلى جانب فشل فادح في وظائف الكُلَى.
ووُجِد أن معظم الذين أُصِيبوا بفيروس كورونا حتى الآن هم كبار السن من الذكور، الذين غالبًا ما يُعانون من حالات صحية أخرى.
وقد بيَّنت منظمة الصحة العالَمية عن حَيْرتِها بشأن هذا الفيروس الجديد ونطاق انتشاره في بيانٍ صحفي صادر في 12 مايو لعام 2013؛ حيث جاء في هذا البيان:
"ثَمَّة أمور أخرى كثيرة لا نفهمها، من قبيل كيفية إصابة الفرد بعدوى الفيروس، فهل مصدره حيواني؟ أم ملامسة السطوح الملوثة؟ أم ينقله أفراد آخرون؟ وأخيرًا فإننا نجهل نطاق انتشار هذا الفيروس، سواء في هذه المنطقة أم في سائر البلدان".
وكانت أغلب الحالات المصابة التي رُصِدت، تتمرَّكز في منطقة الشرق الأوسط، وعددها يزيد عن 94 حالة حتى نهاية العام السابق، وقد تزايدت عدد الحالات المصابة في عام 2014.
وأطلق العلماء على هذه الظاهرة "فيروس كورونا المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية"، وقد مُنِيت منطقة الشرق الأوسط بجميع حالات العدوى بالمرض، التي يبدو أنها نجمت عن التعرُّض لمصادر غير بشرية.
أما في البلدان الأوروبية وفي شمال إفريقيا، فقد اقتصر انتقال العدوى على المخالِطين الحميمين لمسافرين قدِموا حديثًا من منطقة الشرق الأوسط.
ويعتقد كثير من الأطباء أن الجِمَال عنصرٌ ناقل للمرض في منطقة الشرق الأوسط، ورُئِي من أمصال أُخِذت من الإبل في جُزُر الكناري ومنطقة الشرق الأوسط أنها أمصال إيجابية حاوية على أضداد بروتينية مجدَّلة تحديدًا لفيروس كورونا، المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وهي أمصال كانت قد جُمِعت من الإبل لأغراض ترصدُها روتينيًّا من الناحية البيطرية اعتبارًا من منتصف عام 2012 وحتى منتصف عام 2013.
وتبيَّن من اختبار الأمصال المأخوذة من الجِمَال أنها تحتوي على نسبة واحد في المائة من الأضداد البروتينية المجدَّلة تحديدًا لفيروس كورونا المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
وتشير دراسةٌ نُشِرت في مجلة "لانسيت" العلمية تحت عنوان "الأمراض المعدية" إلى أن فيروس كورونا، أو الفيروسات ذات الصلة به، قد أصابت عدواها مجاميع الإبل، وربما انتقلت عدواها على نطاق واسع بين صفوف الإبل ومنه انتقلت للبشر.
وقد تبيَّن مؤخرًا أن فيروس كورونا المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية توجد صلة جينية بينه وبين فيروس تَمَّ التعرُّف عليه في الخفافيش في جنوب إفريقيا، وإن كان الأطباء ما زالوا في حيرة بالغة بشأن كيفية انتشار المرض من الحيوان كوسيط وناقل للعدوى للإنسان الملازم.
ويمكن أن ينتقل الفيروس من شخص إلى آخر أيضًا، وقد رُصِدت مجموعاتُ المرضى هذه في مرافق الرعاية الصحية، وفيما بين أفراد الأسر، وبين زملاء العمل، ومع ذلك فإن آلية انتقال الفيروس في كل هذه الحالات غير معروفة، سواء أكانت آلية تنفسية (كالسعال والعطس)، أم مخالطة بدنية مباشرة للمريض، أم تلوث البيئة من المريض.
وللأسف لغموضِ المعلومات حول انتقال المرض وطريقة انتشاره قطريًّا حتى وقتنا الحالي؛ فإنه لا يوجد لقاحٌ معتمدٌ من جانب الأطباء والعلماء لعلاج فيروس كورونا، وإن كان الأطباء يأملون أن تُسهِم طرق الوقاية التي تتخذها بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط في قتل المرض، وخاصة أنه حتى الآن لم تحدُث جائحةٌ وبائية بشأن انتشار الفيروس، وأغلب الحالات حالات فردية في نطاق محلي ضيِّق نتيجة الملامسة بين المصاب وأهله وأفراد عائلته.
ومنذ ظهور الفيروس عمِلت منظمةُ الصحَّة العالَمية بموجب اللوائح الصحية الدولية على جمع البيانات العلمية لتكوين فهمٍ أفضلَ لهذا الفيروس ولتزويد الدول الأعضاء بالمعلومات.
ولهذا الغرض عقدت المنظمة أول اجتماع بشأن فيروس كورونا المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفُّسية في القاهرة في يناير 2013.
وفي الفترة من 19 إلى 22 يونيو عقدت المنظمة اجتماعًا ثانيًا في القاهرة لمناقشة التطورات في البحوث العلمية والاستجابة الدولية لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
وفي 5 يوليو أعلنت المنظمة أنها ستعقد لجنة طوارئ بموجب اللوائح الصحية الدولية (2005)، وستُسدِي هذه اللجنة النصائح إلى المديرة العامَّة لتحديدِ ما إذا كان هذا الحدث يُشكِّل طارئة صحية عمومية تثير قلقًا دوليًّا أم لا، وقد تُسدِي اللجنة نصائحها أيضًا إلى المديرة العامة بشأن التدابير الصحية العمومية التي ينبغي اتخاذها.
وتعمل المنظمة كذلك مع البلدان المتأثرة، ومع الشركاء الدوليين، على تنسيق الاستجابة الصحية العالمية، بما في ذلك توفير أحدث المعلومات عن الوضع السائد، وتوفير الإرشادات للسلطات الصحية، والوكالات الصحية التقنية بشأن توصيات الترصد المؤقتة، والفحص المختبري للحالات، ومكافحة العدوى، والتدبير العلاجي السريري.
وأوصت منظمة الصحة العالمية بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية من الأمراض التنفُّسية المعتادة، من تجنُّب المخالطة الحميمة قدر المُستطاع، مع أي شخص يبدي أعراض الإصابة بمرض (السعال والعطاس)، مع الاستحمام ومراعاة النظافة الشخصية اليومية، والحفاظ على نظافة اليدين، وتشمل التدابير الوقائية الجيدة الأخرى تجنب تناول اللحوم غير المطهية، أو غير المطبوخة جيدًا، والفواكه أو الخضروات غير المغسولة، والمشروبات المحضَّرة من مياه غير معقَّمة.
وضرورة اتخاذ تدابير احتياطية للوقاية من الاحتكاك، وحماية العين عند تقديم الرعاية إلى أشخاص تحتمل عدواهم بفيروس كورونا، أو تؤكد عدواهم به، وتدابير احتياطية للوقاية من العدوى المنقولة بالهواء لدى اعتماد إجراءات مولدة للرذاذ.
وإذا ما أُصِبت بالمرض أثناء السفر، فعليك أن تتجنب المخالطة الحميمة أثناء إصابتك بأعراض المرض، وأن تتَّبع تدابير جيدة بشأن الحفاظ على نظافة الجهاز التنفسي، من قبيل السعال، أو العطاس في الكم، أو في الكوع المَثْنِي، أو وضع قناع طبي، أو كمامة عازلة، أو منديل ورقي، وإلقاء المناديل الورقية المستخدمة بعد استخدامها فورًا في سلة مهملات مغلقة.
وتوصي منظمةُ الصحة العالمية بتجنُّب الاحتكاك عن كثبٍ بالحيوانات عند زيارة المزارع أو الحظائر، التي تفيد المعلومات باحتمال سريان الفيروس فيها، وخاصة في البلدان التي ثبت فيها وجود حالات مماثلة لمتلازمة الشرق الأوسط الخاصة بفيروس كورونا.
أما بالنسبة لعامة الجمهور، فينبغي لدى زيارة مزرعة أو حظيرةٍ ما التقيُّد بتدابير النظافة العامة؛ كالحرص على غسل اليدين بانتظام قبل لمس الحيوانات وبعد لمسها، وتجنُّب الاحتكاك بالحيوانات المريضة، مع تغيير الملابس والأحذية، أو الأحذية طويلة الرقبة بعد التعامل مع الحيوانات أو ملامسة المنتجات الحيوانية، وينبغي عدم ذبح الحيوانات المريضة لاستهلاكها غذائيًّا على الإطلاق.
ويُطمئِنُ الخبراءُ الجميعَ أن فُرَص الإصابة بالفيروس ضئيلة، ولكن يجب على مَن يستوفون المعايير التالية مراجعة الطبيب في أقرب وقت ممكن:
الأفراد الذين يعانون من صعوبات في التنفُّس غير مبرَّرة بأي مرض أو فيروس آخر ممَّن سافروا مؤخرًا إلى منطقة الشرق الأوسط.
وينبغي التعجيل في إخضاع المرضى المنقوصي المناعة الذين سافروا في الآونة الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط للفحص من جانب طبيبهم الخاص، بغضِّ النظر عن نوع المرض المصابين به من باب أخذ الحيطة اللازمة.
أما عند التعامل مع شخص مشتَبه في إصابته بفيروس كورونا، فيجب أن يتم عزل المصاب بغرفة خاصة به، وعدم الاحتكاك به وبأغراضه الخاصة حتى يتم الشفاء، مع ارتداء قناع أو كمامة عند التعامل معه، مع تهوية المنزل بصورة جيدة كل يوم، وتنظيفه بصفة دورية، ومحاولة إبعاد المريض والمرافقين عن الأماكن الرطبة التي تمثل بيئة مناسبة لانتشار الفيروس وتكاثره.
وقد وجد الأطباءُ العاملين الصحيِّين مُعرَّضين لمخاطر العدوى بفيروس كورونا، المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؛ من جرَّاء ملازمة المريض، وسجلت حالات إصابة بين الممرِّضين والممرضات المضطرِّين للتعامل مع بعض الحالات التي عانت من مشاكل صحية في الجهاز التنفسي؛ لذا أكد الأطباء على ضرورة انتظام العاملين في مجال الرعاية الصحية في اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من العدوى ومكافحتها بشأن النظافة الشخصية وارتداء كمامات واقية على الوجه عند التعامل مع أي حالة مرَضية مصابة بمشكلة صحية تتعلق بالجهاز التنفسي.
ولا توصي منظمة الصحة العالمية بإجراء تحرِّيات خاصة في نقاط الدخول فيما يتصل بهذا الحدث، ولا توصي في الوقت الحالي بفرض أي قيود على السفر أو التجارة، فأسلوب المرض في التكاثر والانتقال لا يوجب الحظر أو إزعاج المواطنين بإجراءات صارمة بشأن الصحة العامة للبلدان التي لم يوجد بها حالات مصابة بالمرض.
استنادًا إلى الوضع الحالي والمعلومات المتاحة، تُشجِّع المنظمةُ جميعَ الدول الأعضاء على مواصلة ترصُّدها للأمراض التنفسية الحادة الوخيمة، وتوخِّي الدقة في استعراض أي أنماط غير عادية.
وتُطالِبُ منظمةُ الصحة العالمية باستمرار ضرورة إبلاغ الدول الأعضاء عن جميع الحالات المؤكَّدة، والمحتملة، جنبًا إلى جنب مع معلومات عمَّا يتعلَّق بها من حالات التعرض والاختبار والمسار السريري؛ للاستنارة بها في اتخاذ أنجع التدابير الدولية في مجالَي التأهُّب والاستجابة، ومحاصرة نطاق انتشار الفيروس.
ونبَّهت منظمةُ الصحة العالمية أنه يلزم في هذه المرحلة اتخاذ عدة إجراءات عاجلة، من أهمِّها ضرورة قيام البلدان الواقعة داخل المنطقة وخارجها برفع مستويات الوعي بين جميع السكان، ولا سيما في صفوف الموظفين العاملين في نظمها الصحية، وبزيادة مستوياتها في ترصد هذه العدوى الجديدة.
ويلزم أيضًا أن تُقيِّم البلدانُ مستوى تأهُّبها واستعدادها لمواجهة الفيروس في حال انتشاره، وتُكثِّف أنشطتَها في مجال تعزيز القدرات الأساسية المحددة في اللوائح الصحية الدولية، إذا لم تكن كافية.
وأعربت المنظمةُ عن ترحيبها بتعزيز الإجراءات الصحية في أي بلد مشتبه في انتشار فيروس كورونا به، وأنها على أهبة الاستعداد لمساعدة البلدان الواقعة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك بلدان العالَم على النهوض بهذه المهام لتحجيم الفيروس ومنع انتشاره إلى بقية العالم