العناد عند الأطفال أنواع
حينما يعصي الطفل أوامر والديه، وحينما يثير المتاعب داخل أسرته بشكل مستمر، فهذا هو الطفل الذي جرت العادة على تسميته بالطفل العنيد، ذلك الطفل الذي تناولَتْه العديد من الدراسات، واعتبرته ظاهرة عائمة على بحور العصر الحديث تؤَرِّقُ الأمهات وتضعهم في صراعات، غالبًا ما تكون صعبة نتيجة كون الطرف الثاني فيها طفلاً قد لا يعرف معنى الصراع أصلاً، والعند بصفة عامة يُعَدُّ ظاهرة في سلوك بعض الأطفال، والذي قد يكون بمثابة اضطراب سلوكي لدى الطفل لفترة معينة، وخلال مرحلة مؤقتة في حياة الطفل، وقد يكون صفة نمطية ثابتة أصيلة في شخصية الطفل.
وقد عانت الكثير من الأمهات في الآونة الأخيرة بالذات من التعامل مع مثل هذه النوعية من الأطفال، وبدأ أولياء الأمور يبحثون عن الطرق الصحيحة للتعامل مع طفلهم العنيد؛ من أجل إصلاح شأنه، ونزع هذا العند منه، فكثيرًا ما يلجأ الوالدان إلى الضرب ظنًّا منهما أن هذا هو الحل الوحيد الذي سيجعل الطفل يكُفُّ عن عناده، غافِلَيْنِ عن أن هذا بمثابة محاولة إطفاء النار بالبنزين، فاستخدام وسيلة الضرب مع الطفل العنيد لن يكون إلا عاملاً يزيد من عناده، وحول هذا نستعرض آراء الخبراء في الكيفية الصحيحة للتعامل مع هذا الطفل العنيد.
في البداية يقول الدكتور هشام حتاتة، استشاري الطب النفسي:
إن العناد عند الطفل يعني أنه يعصي الأوامر أو أنه يقوم بعمل عكس ما هو مطلوب منه، وهو ما يطلق عليه الطفل المعاكس، ومن الضروري أولاً معرفة ما هي أسباب هذا العناد؟ هل يعود ذلك إلى الأب أم الأم، أم إلى طريقة التربية، أم إلى طبيعة المكان الذي يتربى فيه، أم أنه ناتج عن مشكلة في الطفل نفسه؟ مشيرًا إلى أن الأهل في بعض الأحيان يقعون في خطأ كبير، وهو تثبيت طريقة واحدة في التعامل مع أطفالهم، خاصة أن الأطفال ليسوا جميعهم متماثلين.
وأضاف "حتاتة":
من المؤكد أننا نتمنى جميعًا أن يكون أطفالنا مطيعين لأكبر حدٍّ ويُنَفِّذُوا ما يُطلَب منهم من المرة الأولى، إلا أن هذه كلها أمانيُّ؛ لأن الحياة لا يمكن أن تسير هكذا، وهنا يجب أن تكون الأم مثل المدرّسة في طريقة التعامل مع أطفالها، وأن تتعامل مع كل طفل من أطفالها وَفقًا لما يتناسب مع سماته، وأن تعمل على تحسين قدراته، وأن تساعده في التخلص من عيوبه، مشيرًا إلى ضرورة التأكد أولاً أن عناد هذا الطفل ليس نتيجة لعيب عضوي به؛ كأن يكون قليل الذكاء، أو قليل التركيز، أو يعاني من التوحُّد وهكذا.
وأوضح استشاري الطب النفسي أن أهم العوامل التي تساعد على التعامل مع الطفل العنيد بطريقة سَلِسَة تتمثلُ في الصبر والتحمُّل؛ بحيث يكون لدى الأب أو الأم المساحة من الصبر حتى يتمكنا من تحسين شيء معين في طفلهما، لا سيما العند، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأمهات في وقتنا الحاليِّ لا يمتلكْنَ هذا القدر من الصبر، ومن ثم تلجأ إلى الضرب والنقد الذي يُحَوِّل هذا العند العاديَّ بعد ذلك إلى عناد نَمَطِيٍّ وعصبية واضطرابات نفسية؛ أي: يصبح مرضًا يحتاج بعدها الطفل أن يتم عرضه على طبيب نفسي.
وأشار "حتاتة" إلى ضرورة أن تبدأ الأم في معرفة طفلها والتعرف عليه ما بين سن العامين والثلاثة الأعوام، وأن تتحدث معه وتستمع إليه كثيرًا، فيما يُعرَف بالاستماع الإيجابي، مؤكدًا على أن سبب المشكلة أن كثيرًا من الأمهات لا تفعل ذلك مع أطفالها.
ومن جانبه يقول الدكتور خالد عبدالمقصود، خبير التنمية البشرية:
إن هناك بعض الصفات التي يتسم بها الطفل العنيد، والتي يجب أن يعرفها الوالدان جيدًا، حتى تكون بمثابة دليلهما للتعامل مع هذا الطفل بطريقة سليمة، ولعل من أهم هذه الصفات قدرة هذا الطفل على التحمل؛ بحيث لا يكون كغيره من الأطفال، يمكن التأثير عليه بسهولة سواء بالتهديد أو بالإغراء، مشيرًا إلى أن هذه الصفة قد تضع الأم أو الأب في مواقف لا يستطيعان التصرف فيها، خاصة أن طفلهما لا يشغله كلامهما أو تهديدهما.
وأضاف "عبدالمقصود":
إنه من الصفات التي يتسم بها الطفل العنيد أيضًا رغبته الدائمة في التحكم والسيطرة على حياته وتصرفاته، على العكس من الطفل العاديِّ، فضلاً عن قدرته على استغلال قدراته الذكائية في استغلال الآخرين، وقدرته على اختلاق المشكلات والهروب منها بعد ذلك، والاقتناع التام أنه ليس طرَفًا فيها، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الأطفال يكون لديه ثقة كبيرة في قدرته على تنفيذ ما يرغب عن طريق أساليب الضغط التي يمارسها، الأمر الذي يجعله يتحمل أكبر قدر ممكن من السلبية وغضب الآخرين دون الانتباه لذلك، بل قد تصل به الدرجة إلى الاستمتاع بذلك حتى يصل به الأمر إلى أن تكون غايته الأولى والأخيرة هي الوصول بأبيه أو أمه إلى أقصى درجات الانفعال التي يفقدان فيها أعصابهما.
وأوضح الدكتور سعيد أبو العزم، أستاذ علم النفس التربوي أن هناك بعض المهارات التي يحتاج إليها الأهل سواء الأم أو الأب، والتي تساعدهم على التعامل مع طفلهما العنيد، ولعل أهم هذه العوامل أو المهارات الثقة بالله عز وجل، وأن يعتمد المربّي أولاً على الله سبحانه وتعالى، والإيمان بأن الله بِيَدِهِ كل شيء، مؤكدًا على أن هذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب؛ فيجب الاعتماد على الله أولاً ثم الأخذ بالأسباب بعد ذلك.
وأضاف "أبو العزم" أن أم الطفل أو والده يجب أن يكون لديهما القدرة على التواصل مع أطفالهما واحتوائهما عاطفيًّا، خاصة أن الطفل العنيد يحتاج إلى مثل هذا الاحتواء كما يحتاج إلى تقديره وتشجيعه دائمًا، وأن يكون ذلك نابعًا من داخل المربّي بصدق دون افتعال، مؤكدًا على أن عدم تقدير الطفل العنيد أو شعوره بأن والديه يتعاملان معه بنوع من المبالغة فيما يخص تشجيعه أو إخراجه من حالة العناد التي يعيشها، فإن ذلك لن يؤدي به إلا لمزيد من العناد من جانب هذا الطفل.
وأشار أستاذ علم النفس التربوي إلى ضرورة أن يتحلى الأب أو الأم بأعلى درجات ضبط النفس عند تعاملهما مع طفلهما العنيد، وأن يتجنبا قدر المستطاع أن يقعا معه في صدام؛ لأن هذا الصدام في أغلب الأحيان لن يُثمِر إلا مزيدًا من التوتر والعصبية، والتي تكون بطبيعة الحال على هوى هذا الطفل، مشيرًا إلى أن هذا الأمر في حقيقة الأمر يُعَدُّ غاية في الصعوبة بالنسبة للآباء والأمهات، وهو ما يتطلب مهارة أخرى، وهي مهارة الصبر التي تعدُّ إحدى الركائز الأساسية التي يجب أن يتحلى بها المربّي؛ لكي يتمكن من إدارة المواقف التي تدور بينه وبين طفله العنيد.
وأكد "أبو العزم" كذلك على ضرورة أن يوفر المربي جزءًا كافيًا من وقته يقضيه مع طفله في اللعب والترفيه، خاصة أن الطفل يكون دائمًا في حاجة إلى أن يشعر بأن والديه بجواره وقريبان منه في كل شيء، وهذا يتحقق من خلال تشجيعه على ممارسة الألعاب التي تُنَمِّي مهاراته وذكاءه، وإظهار الاهتمام به أثناء قيامه أو ممارسته لهذه الألعاب.