حمزة بن عبدالمطلب
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد:
فإن حمزة بن عبدالمطلب هو أحد أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذين مدَحَهم الله تعالى في كتابه العزيز قائلًا: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]؛ من أجل ذلك أحببْتُ أن أُذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته المباركة.
الاسم والنسب:
هو: حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصي بن كلاب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
أم حمزة: هالة بنت أهيب بن عبدمناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبدمناف، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ5)، و(الإصابة للعسقلاني، جـ1، صـ353).
ميلاد حمزة: ولد حمزة بن عبدالمطلب قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع سنوات؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني، جـ1، صـ353).
كنية حمزة: أبو يعلى، وأبو عمارة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ5).
أولاد حمزة وزوجاته: كان لحمزة من الولد: يعلى- وكان يُكنَّى به حمزة أبا يعلى - وعامرٌ، وأمهما: بنت الملة بن مالك بن عبادة، من الأنصار، وعمارة بن حمزة - وقد كان يُكنَّى به أيضًا - وأمه: خولة بنت قيس الأنصارية، وأمامة بنت حمزة، وأمها: سلمى بنت عميس، أخت أسماء بنت عميس الخثعمية، وأمامة هي التي اختصم فيها عليٌّ وجعفر وزيد بن حارثة، وأراد كل واحد منهم أن تكون عنده، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر؛ من أجل أن خالتها أسماء بنت عميس كانت عنده، وزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة بن عبدالأسد المخزومي؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ5).
إسلام حمزة:
أسلم حمزة بن عبدالمطلب في السنة السادسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حمزة بن عبدالمطلب، وزيد بن حارثة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6)، (الاستيعاب لابن عبدالبر، جـ1، صـ271).
صفة إسلام حمزة:
مرَّ أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، فآذاه وشتَمه، ونال منه بعضَ ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يُكلِّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاةٌ لعبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمَد إلى نادٍ من قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشِّحًا - أي: متقلِّدًا - قوسَه، راجعًا من قنص (الصيد) له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصِل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمرَّ على نادٍ من قريش إلا وقف وسلَّم، وتحدَّث معهم، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشد شكيمةً، فلما مرَّ بالمولاة، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقي ابنُ أخيك محمدٌ آنفًا من أبي الحكم بن هشام وجنده، ها هنا جالسًا فآذاه وسبَّه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يُكلِّمه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، مُعِدًّا لأبي جهل إذا لقِيه أن يُوقع به، فلما دخل المسجد نظَر إليه جالسًا في القوم، فأقبَل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضرَبه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: أتَشتمه وأنا على دينه؛ أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك عليَّ إن استطعت؛ فقامت رجالٌ من بني مخزوم إلى حمزة؛ لينصُروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة؛ فإني والله قد سببتُ ابن أخيه سبًّا قبيحًا، وتَمَّ حمزة رضي الله عنه على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما أسلم حمزة عرَفت قريشٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزَّ وامْتَنع، وأن حمزة سيمنعه؛ فكفُّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه؛ (سيرة ابن هشام، جـ1، صـ241:240).
جهاد حمزة:
جاهد حمزة بن عبدالمطلب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأبواء، وذي العشيرة، وبني قينقاع، وحضر غزوة بدر، واستُشهِد رضي الله عنه في غزوة أحد؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6:5).
مناقب حمزة:
روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: ((لا تحِلُّ لي، يَحرُم من الرَّضَاع ما يحرُم من النَّسَب، هي بنْتُ أخي من الرَّضَاعة))؛ (البخاري حديث: 2645، مسلم، حديث: 1447)
استشهاد حمزة:
روى البخاري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: خرجت مع عبيدالله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيدالله بن عدي: هل لك في وحشي؛ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشيٌّ يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا فردَّ السلام، قال عبيدالله: ألا تُخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حرٌّ، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين - وعينين: جبلٌ بحيال؛ أي: من ناحية جبل أحد، بينه وبينه وادٍ - خرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباعٌ، فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبدالمطلب، فقال: يا سباع، يا بن أم أنمار مُقطِّعة البظور - أي: إن أمَّه كانت تختن النساء - أتحادَّ الله - أي: تعاديه - ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذاهب - كناية عن قتله في الحال - قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحَرْبتي، فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلامُ، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل - أي: لا يصيبهم بأذًى - قال: فخرجت معهم حتى قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: ((آنت وحشيٌ))، قلت: نعم، قال: ((أنت قتلتَ حمزة؟))، قلت: قد كان من الأمر ما بلَغك، قال: ((فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني))، قال: فخرَجت، فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مُسيلمة الكذَّاب، قلت: لأخْرُجَنَّ إلى مُسيلِمة، لعلِّي أقتُله فأُكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجلٌ قائمٌ في ثلمة جدار - أي: خلل وتصدع فيه - كأنه جملٌ أورق - أي: لونه مثل الرماد من غبار الحرب - ثائر الرأس، قال: فرميته بحَرْبتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثَب إليه رجلٌ من الأنصار، فضربه بالسيف على هامَته، قال: قال عبدالله بن الفضل - أحد رواة الحديث -: فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمِع عبدالله بن عمر يقول: "فقالت جاريةٌ على ظهر بيت: وأمير المؤمنين - تعني مُسيلمة الكذَّاب - قتله العبد الأسود - أرادت به وحشيًّا رضي الله عنه)؛ (البخاري حديث: 4072).
وقُتِل حمزة بن عبدالمطلب يوم غزوة أحد في شهر شوال، سنة ثلاث من الهجرة، وهو يومئذٍ ابن تسع وخمسين سنةً؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6).
دُفِن حمزة بن عبدالمطلب وعبدالله بن جحش في قبر واحد؛ وحمزة خال عبدالله بن جحش، ونزل في قبر حمزة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوَّام رضي الله عنهم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6).
رثاء صفية لأخيها حمزة:
قالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي أخاها حمزة بن عبدالمطلب، وهي أم الزبير بن العوام عمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين:
أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ.
فَقَالَ الْخَبِيرُ إِنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى وَزِيرُ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرُ وَزِيرِ.
دَعَاهُ إِلَهُ الْحَقِّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً إِلَى جَنَّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ.
فَذَلِكَ مَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَرْتَجِي لِحَمْزَةَ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرَ مَصِيرِ.
فَوَاللَّهِ لَا أَنْسَاكَ مَا هَبَّتِ الصَّبَا بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي.
عَلَى أَسَدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ مِدْرَهَا يَذُودُ عَنِ الْإِسْلَامِ كُلَّ كَفُورِ.
فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ.
أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النَّعِيُّ عَشِيرَتِي جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِيرِ.
• الأعجم: الذي لا يُفصح، الصَّبا: ريح شرقية.
• مسيري: أي غيابي، المدرة: الذي يدفع عن القوم.
• يذود: يمنع، الشلو: البقية، تعتادني: تتعاهدني.
• النعي: الذي يأتي بخبر الميت؛ (سيرة ابن هشام، جـ3، صـ136:135).
رحم الله تعالى حمزة بن عبدالمطلب، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.