التبرج
أتدرون من الجاني على المروءة، من المسيء إلى الفضيلة، أتريدون أن تتعرفوا على مؤذ يطعن الأمة في صميم فؤادها؟
ذلكم هي المرأة المتبرجة التي تثير ما برد من عواطف الشبان، فتضرم نار الرذيلة في صدورهم، وتذهب بهم بعد ذلك إلى ما يسبب لهم وللأمة الأمراض والخسران بما تهدم من صروح الحشمة والعفة والحياء، إن امرأة هذا بعض شأنها ليست إلا جرثوماً قتالاً يخدع الناس بما يبدو عليه، فيحببهم به ليركنوا إليه، وعندئذ ينفث فيهم سمومه التي يتعسر عليهم - وقد وقعوا في شراكها - أن يجدوا لها ترياقاً.
ولكن كثيراً من العقول قد ضل، وكثيراً من القلوب قد ملك، فإذا المتبرجات لا يعدمْنَ مَن ينتصر لهن، ويظنهن أنهن يفدن البلاد تقدماً ومدنية، وأنهن بذلك محسنات صنعاً، وهن - لو أنصفوا - مسيئات إساءة كبيرة.
وحسبك أن الله سبحانه قال: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33] وقال: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ... ﴾ [النور: 31]الخ.
وحسبك أننا أصبحنا نجد تفسير النهي عن التبرج يؤيده الواقع، فإذانا نسمع من الجنايات الخلقية على مذبح الفضيلة والشرف، ما للتبرج فيها السهم القوي الفعال، وإذانا نسمع من الجرائم الخلقية ما تقشعر لهوله الأبدان، ولو أنك أمعنت في سببها، لوجدته ينتهي إلى شفا جرف هار، أقيم مقام ركن متين، إلى التبرج والوقاحة، بدل الصيانة والعفاف.
يا لله ما أسوأ عاقبة الجهل والغرور، لقد أصبحت الدعوة إلى الفسق والفساد بنظر بعض الناس رقياً، وما تبرج المرأة إلا دعوة لذلك، وإن سمي مدنية وعرفاناً وتقدماً، ممن يحسبون السراب شراباً.
يا لله، كم لهذا العصر الذي يسمونه عصر العلم والتمدن من آفات وبليات، لقد أصبحت فيه المرأة ألعوبة بيد الشهوات، ترمقها الأنظار وتلتهب لرؤيتها القلوب.
فهل بعد ضياع العرض من عوض؟
فالله الله في نسائكم أيها المسلمون، اعتبروا من حوادث تشاهدونها على مسرح الحياة كل يوم، سببها الأول تبرج النساء. وإنكم لتسألون عنهن معهن يوم القيامة ﴿ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].