تتمتَّع أيُّ حركةٍ مهما قلَّ شأنُها ومجالُها أو عظُمَ - بمُدْخلاتٍ مُعيَّنة، وكذا بمُخْرَجاتٍ ناتجة عن تلك المدخلات، وأمْر النجاح والتميُّز فيهما يعتمد على كيفية إدارة المدْخَلات، وماهيَّة وجودة المخرجات، ثم استدامة الاستفادة من كلٍّ منهما، مع استمرار التحسين والتطوير.
والناظر إلى فشل أيِّ عملٍ - سواء كان فرديًّا، أو من قِبَل كيانٍ - يجد السبب عائدًا في الغالب إلى سوء إدارة الأُولى، وضَعف الاهتمام بجودة الثانية، بل قد يصل الأمر إلى ضياع الممكنات بينهما، وضياع كل شيء.
والنجاح في هذه وتلك هو المطلوب، وهو الدافع للمزيد من النجاح والتميُّز، والمغْري للجميع باستمرار السَّيْر؛ إذْ يكون ترجمةً واقعيةً لـ(توفير الوقت والجهد والمال)، مع حصد أفضل النتائج بمقابل هَدْرها أو عدم استثمارها في الحالة الأولى.
وحين نُمعِن النظر في هذا الأمر لدى الجهات الخيرية، نجد أنه من الواجب إعادة النظر فيه؛ إذْ هو أوْلى من كلِّ ما عداه، فالمحسِنُ يضع أمواله ثقةً في هذه الجهة أو تلك، كما تأخذ هي من أموال الصدقات والزكاة، ووجُوه الخير بأنواعها، وهي تُعَدُّ كُلُّها من المدخلات التي لا بدَّ أن تنضوي تحت خُطط المؤسسة، وبشكلٍ مؤسَّسي ومُرتَّب للغاية، ثم تأخُذ دوْرَتَها التنظيمية الشفَّافة والدقيقة والمنظَّمة، وصولًا لإنفاقها في وجُوهِها، والحرص على ترتيب نتائجها بشكلٍ كامل؛ حتى تُناسب حجمها، وتُناسب حجم العمل المؤسَّسي، والأهمُّ من هذا أن تُناسب ثقةَ المحسِنِ الكريم، وأعظمُ أمرٍ أن تُناسب نظرَ اللطيف الخبير، فهل مُخْرَجاتُنا هكذا؟!
دعونا نُفكِّر بصوتٍ عالٍ - كما يُقال - وننظر: حينما يُنفَق على برنامجٍ من البرامج الخيرية - مثل أن يكون برنامجًا تعليميًّا تربويًّا - عشرات الآلاف من الدولارات مدَّةَ كذا، وقد يسير حسب خطَّة يتمُّ وَضْعُها من قِبَل الجهة المنفِّذة وتَقبَلُها الجهة الداعمة، وقد لا يسير أيضًا حسب خطَّة، المهمُّ هو ماذا نجد في النهاية المفترضة للبرنامج؟ لن أقول: إنَّ المخرجات مُنعدِمةٌ تمامًا، ولكن هل تتناسب تلك المخرجات مع عِظَم تلك المدخلات التي ذكرناها؟!
حينما نقول مثلًا: إنه تَمَّ تخريج مائة أو مائتين حافظٍ لكتاب الله تعالى ببرنامج استهدفهم مدَّةَ كذا سنة، هل ذلك فعلًا ما كنَّا نودُّ الوصول إليه بالبرنامج؟ وهل أولئك المتخرِّجون - حُفَّاظًا - هم حقًّا يَحفظون كتاب الله عن ظَهْرِ قلب؟ وهل صاحَبَتْهم برامجُ وأنشطة تربوية تؤهِّلهم إلى ما يليق بالحافظ لكتاب الله تعالى؟ وهل استفاد من البرنامج - بطرق مباشرة وغير مباشرة - أهاليهم وأولياء أمورهم ومجتمعهم؟ ثم ما مدى استفادتنا من أولئك (الحفَّاظ) في المستقبل؟ وهل التجربة فعلًا مُشجِّعة إلى درجة استنساخها في أكثر من مكان، ولأكثر من مجتمع، والاستزادة من برامجها؟
هذا مثال فقط، وهذه دعوة لنا جميعًا أقصد بها التركيز الحقيقي على المخرجات تجويدًا للعمل، وعلى المدخلات تحسينًا لإدارتها، وحِذق التصرُّف فيها... وإلَّا فستبقى برامجنا متواضِعةً جدًّا إلى درجة الضَّعف، كما سنُعرِّض المدخلات دومًا لمشكلة الهدر، ونفقد بجانب ذلك الكثير ممَّا يجب علينا الحفاظ عليه: (ثقة المحسنين، والخبرات المؤهِّلة، والطاقات المخلصة، والمجتمع الذي يرى ويراقب، وغير ذلك).
وبشكل عام لا بدَّ أن نسأل أنفسنا دومًا: هل المخرجات تناسب المدخلات؟