مدائن صالح
مدائن صالح (بالإنجليزيّة: Mada'in Saleh) مدينة أثريّة تقع في المملكة العربيّة السعوديّة، وتعود إلى حضارة الأنباط التي قامت قديماً في منطقة جنوب الأردن وشمال المملكة العربيّة السعوديّة، كانت تُسمّى مدائن صالح قديماً بالحجرة (بالإنجليزيّة: Hegra)، وذلك لما يحتويه الموقع من آثار حجريّة ضخمة وقديمة، تتشابه في عمرانها كثيراً بمدينة البتراء النبطيّة. مازال الموقع يحتوي اليوم على الجزء الأكبر من الآثار، منها مقابر ضخمة، وآبار مائيّة، و153 واجهةً حجريةً مُزخرفةً تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد.[١][٢]
لا تقتصر الأهميّة التاريخيّة لمدائن صالح على عصر الأنباط فقط، بل تُعتبر مدينةً تاريخيّةً مرّ بها عدد من الحضارات منذ عصور ما قبل الميلاد حتى الوقت الحالي، وتركوا فيها آثاراً مُختلفةً؛ حيث يُوجد على جدران الحجرة نقوشاً كتابيّةً تتنوّع مواضيعها بين الدينيّة والمُلوكيّة مكتوبة بالثموديّة، واللاتينيّة، والنبطيّة، واللحيانيّة، والإسلاميّة، والعربيّة الجنوبيّة. كما ذُكرت المدينة في سور قرآنيّة في دلالة على موطن قوم ثمود.[٢] في عام 2008م، تم تسجيل الموقع على قائمة اليونيسكو للتراث العالميّ، وبذلك هو أول موقع سعوديّ يدخل القائمة.[١]
موقع مدائن صالح
موقع المدائن هو موقع استراتيجيّ بين كلّ من مصر وبلاد الشام والعراق، تقع في الجزء الشماليّ الغربيّ من المملكة العربيّة السعوديّة، تحديداً بين تبوك والمدينة المنوّرة، وتبعُد عن مُحافظة العلا مسافة 22 كيلومتراً شمالاً.[٢] كما تبعُد مدائن صالح مسافة 500 كيلومتر إلى الجنوب الشرقيّ من مدينة البتراء الأردنيّة، والتي كانت عاصمة دولة الأنباط قديماً.[١] تمتد إحداثيّات المدينة بين خط طول ″30′47°26 شمالاً، وخط عرض ″10′57°37 شرقاً.[٣]
تاريخ مدائن صالح
يعود تاريخ الحجرة إلى عصور ما قبل الميلاد، وتُشير الدلائل التاريخيّة أنّ أول حضارة قامت فيها في تلك العصور هي مملكة لحيان، والتي كانت تُسمّى بمملكة ديدان، عاشت فيها شعوب المعينيّين الثموديّين، وهي المملكة العربية التي نشأت في المنطقة الشماليّة من شبه الجزيرة العربية. استوطنت هذه المملكة المنطقة منذ عام 2000 قبل الميلاد وحتى عام 1700 قبل الميلاد، وذلك قبل أن تقوم في المدينة الحضارة النبطيّة. كانت مملكة لحيان تُسيطر في ذلك الوقت على طرق التّجارة بين الجزيرة العربيّة والحضارات الشماليّة، ولعبت مدينة الحجرة دوراً بارزاً في كونها مركزاً للطُرق التجاريّة.[٤]
في القرن الأول قبل الميلاد سيطر الأنباط على المدينة، وتُشير آثار المقابر النبطيّة الموجودة في الموقع إلى أنّ المدينة شهدت فترة إزدهارها في فترة القرن الأول قبل الميلاد، وتحديداً في عام 74 ميلادي تحت الحكم النبطيّ.[٥] كانت المدينة تُعتبر ثاني أهمّ مدينة في الحضارة النبطيّة،[٦] وبرزت أهميّتها بموقعها الاستراتيجيّ الذي كان يربط الجنوب بالشمال، وتوسُّطها العديد من الحضارات التي كانت قائمةً في ذلك الوقت؛ حيث سيطرت المدينة على خطوط التّجارة بين الجزيرة العربية والحضارات الموجودة في الشّمال، فكانت تعمل على نقل البضائع، مثل التوابل، واللبّان، والمرّ، وغيرها ونقلها إلى الرومان، والإغريق، والفراعنة المصريين، والحضارات الموجودة في حوض البحر الأبيض المُتوسّط.[٥]
في عام 106م وقعت الدولة النبطية تحت احتلال الرومان الذين سيطروا أيضاً على الحجرة، وشهدت الأخيرة ضربةً قويّةً أدّت إلى سقوطها وخسارتها لموقعها كمركز رئيسيّ للتجارة؛ حيث قام الرومانيّون بتحويل خطوط التجارة الداخليّة، واستبدلوها بموانئ البحر الأحمر المائيّة. برزت المدينة مرّةً أُخرى عندما كانت تُستخدم كممرّ للحجاج من مدينة دمشق السوريّة إلى مدينة مكة المكرمة.[٦] بعد سقوط دولة الأنباط عادت مملكة لحيان إلى المنطقة مرّةً أُخرى في الفترة ما بين عامي 107م و150م.[٤] في الثمانينيّات من القرن التاسع عشر تم اكتشاف الآثار مرّةً أُخرى من قِبَل الرحالة الأوروبيّ تشارلز داوتي الذي شاهد المقابر المُنتشرة في المنطقة، وذلك بعد أن سمع عن مدينة تُشبه البتراء وتوجد إلى الجنوب منها، ووصفها في كتابه.[٦]
ذكر مدائن صالح في القرآن
في عام 2000 قبل الميلاد،[٦] بعث الله عز وجل النبي صالح إلى قوم ثمود ليدعوهم إلى عبادته، وهم قوم كان قد أنعم الله عليهم برغد العيش، وكانوا يتمتّعون بمظاهر حضارة وعمران كثيرة، ولكنّهم جاحدين لنِعَم الله عليهم، وكانوا يستوطنون مدينة الحجر. طلب قوم ثمود من النبي صالح الإتيان بمعجزة تُثبت أنّه نبي من الله، فأرسل الله لهم ناقةً، وطلب منهم النبي صالح ألا يؤذوها أو يتعرضوا لها، لكنّهم لم يتّبعوا ما أُمِروا به وقتلوها، وذلك ما جاء في نص الآية الكريمة من سورة الشمس: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا*إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا*فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا*فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا*وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا*)،[٧]فعاقبهم الله لإعراضهم عن اتّباع أوامره، بقوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ).[٨][٩] ويُعتقد أن مدائن صالح سُميّت كذلك نسبةً إلى النبي صالح.[٦]
معالم مدائن صالح
تحتوي مدائن صالح على العديد من الآثار الخالدة التي لا زالت موجودة إلى هذا اليوم، وتتنوّع بين الواجهات الصخريّة التي تم نحتها في عصر الأنباط، بالإضافة إلى احتوائها على العديد من الآثار الإسلاميّة. من أبرز الآثار والمعالم التي توجد في مدائن صالح هي:[٥]
•القصر الفريد: وهو أشهر وأبرز المعالم الموجودة في مدائن صالح وفي المملكة العربيّة السعوديّة. يحتوي هذا القصر على قبر واحد منحوت على شكل قبّة صغيرة تقف شامخةً في العراء. واجهة القصر غير مُكتملِة، لكن الجزء السُفليّ منها محفور بشكل كامل، الأمر الذي يدلّ على أسلوب العمارة القديمة للقبور التي كانت تبدأ من الأسفل إلى الأعلى.
•قصر البنت: وهو أكبر واجهة لقبر في الحجرة، ويحتوي القصر على مجموعة من المقابر المُجاورة كذلك. يبلُغ ارتفاع القصر 16 متراً، ويوجد نقش كتابيّ على بوّابته تدل أنّ القبر تمّ نحته من قِبَل النحّات حور بن أهي من أجل هاني بن تافسي وأسرته، وذلك في عهد الملك النبطيّ الحارث الرّابع في عام 31م تقريباً.
•جبل إثلب: يقع الجبل في الجزء الشمالي الشرقي للموقع، تتوسّطه فتحة طبيعيّة تُسمّى السيق، وهي مُشابه تماماً لسيق مدينة البتراء، ويبلغ طولها 40 متراً. عند مدخل السّيق يوجد غرفة تحتوي على ثلاثة مقاعد حجريّة كانت تُستخدَم في الولائم المُقدّسة، حيث يدُل مدخلها الواسع على امتداد الولائم إلى السّاحة التي تقع أمامها. تُعرف هذه الغرفة اليوم باسم الديوان.
•الواجهات الصخريّة والقبور: تنتشر في المنطقة العديد من القبور التي تتوحّد في أسلوب بنائها، ويوجد بوابة في كلّ منها تقود إلى الداخل حيث يوجد القبر. في داخلها، توجد منحوتات جدرانيّة ونقوشات، لكنّها ليست محفورةً بدقة كما هي الحال بالواجهات الخارجيّة للقبور.
•قصر الصانع: وهو عبارة عن قبر كذلك، يتشابه في طريقة بنائه بالطّريقة التي بُنيت فيها بقية المقابر. يحتوي القبر من الدّاخل على نقوش وزخارف كتابيّة يُعتَقد أنّها كانت تُرافق الطّقوس الجنائزيّة لدفن الأموات.[١٠]