الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمَّان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هل في التَّعدُّد إهدار لكرامة المرأة، وإجحاف بحقوقها؛ حيث يُشاركها غيرها في زوجها؟!
هذا ما يزعمه أعداء المرأة وأعداء الفِطرة، والمتأمِّل في تشريعات الإسلام يجد أنه يعمل على تحقيق عدَّة مصالح في وقت واحد، فهو يدفع أشدَّ الأضرار المُحقَّقة الوقوع بأخفِّها وأقلِّها ضرراً، ويُوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فيعمل على تحقيق مصلحة الجماعة واضعاً من المعايير ما يحول دون وقوع ظلمٍ أو ضرر بمصلحة الفرد، وهذا واضح تمام الوضوح في قضيَّة التَّعدُّد، فلَوْ وازَنَّا بين الضَّرر الذي يلحق بالزَّوجة الأُولى من جرَّاء زواج زوجها بثانيةٍ أو ثالثة، وبين الأضرار المترتِّبة على زيادة أعداد النِّساء وعدم زواجهنَّ؛ لوجدنا أنَّ تلك الأضرار أحقُّ بأن تُدفع، ولو وقع بعض الضَّرر بالزَّوجة الأُولى، والعقل السَّليم والمنطق القويم يقضي بذلك، فما بالنا إذا كان الإسلام في دعوته إلى التَّعدُّد قد راعى مصلحة الزَّوجة الأُولى، فوضع الضَّوابط والشُّروط التي ترفع عنها الضَّرر، والتي يجب على الرَّجل إذا أقدم على التعدُّد أن يلتزم بها، وإلاَّ فهو مُعَرَّض لغضب الله سبحانه وتعالى، مُستحقٌّ لعقابه في الدُّنيا والآخرة.
وعلى هذا، فإنَّ إباحة تعدُّد الزَّوجات ليس فيه امتهان للمرأة أو إهدار لكرامتها؛ بل هو صيانة لها، بحيث تكون زوجةً فاضلة بدلاً من أن تكون خليلة خائنة، ويلتزم الرَّجل حقوقها بدلاً من أن تكون ضائعة مشرَّدة، يقول (لوي): «ليس نظام التَّعدُّد دليلاً على انحطاط المرأة أو على شعور الرَّجل بضعفها ومهانتها. ومن ناحيةٍ ثانية: لأَنْ تُشاركها زوجةٌ أو ثلاثٌ فقط أهون عليها من أن يشاركها بائعات الهوى كلُّهن فيه».
ومن ناحيةٍ ثالثة: لا ينطوي التَّعدُّد على ظلمٍ للزَّوجة؛ لأنَّ الإسلام حدَّه بشروط، وأحاطه بقيود من شأنها استئصال كلِّ معنًى للظُّلم فيه، وإنْ وقع ظلمٌ عليها فهو خطأ مَنْ يتعامل بالتَّشريع، وليس قصوراً في التَّشريع ذاته، وعلاجُه يكمن في إصلاح النُّفوس التي تُمارس التَّشريع لا بإلغائه، ومن ناحيةٍ رابعة: لا يصحُّ منع التَّعدُّد خشيةَ سوء معاملةٍ مُتوقَّع، وإذا حصل شيء من ذلك كان بمقدور الزَّوجة رفع الظُّلم والضَّرر عنها بطلب الطَّلاق من القاضي.
ومن ناحيةٍ خامسة: أليست الزَّوجة الثَّانية امرأة هي الأُخرى؟ فأيُّ الحالين حينئذٍ تُهدر فيها كرامة إحداهما: أن تكون أيِّماً لا زوج لها، مشرَّدة لا مأوى لها، أم أن تكون كلتاهما شريكتين في حياةٍ زوجية منتظمة، لكلِّ واحدةٍ حقوقها، وعلى كلِّ واحدةٍ واجباتها؟.
«فيا ليت شعري كم جرَّت هذه الدَّعوى على النِّساء من الويلات، تُبقي الفتاةَ عانساً في بيت أهلها حتى يذهب عمرها، ولو تقدَّم لخطبتها مَنْ هو مرْضيُّ الدِّين والخُلُق وكامل الأخلاق والأوصاف، وليس له ذنب إلاَّ أنَّه عنده زوجة، وكم من امرأة رغبت عن الزَّواج بسبب هذه الدَّعوى، وذهبت تبحث عن الأخدان، فوقعت في جريمة الزِّنا، فجرَّت العار والخزي على نفسها في الدُّنيا والآخرة، وقد يعلق بها حَمْل فتلد ولداً ليس له أب يعيش مشرَّداً في المجتمع، أو تعلق بها الأمراض التي يتعثَّر أو يتعذَّر علاجها، فتنقلها إلى المجتمع، فلو سَلِمَ النِّساء من هذه الدَّعوى الظَّالمة لتزوَّجن زواجاً شرعياً، وعِشْنَ في كنف أزواجٍ يقومون عليهنَّ، ويحقِّقون ما تريده المرأة من حقوقٍ وواجبات».