♦ الآية: ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: الكهف (19).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ وكما فعلنا بهم هذه الأشياء ﴿ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ أيقظناهم من تلك النَّومة التي تشبه الموت ﴿ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ ليكون بينهم تساؤلٌ عن مدَّة لبثهم ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ﴾ كم مرَّ علينا منذ دخلنا الكهف؟ ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ وذلك أنَّهم دخلوا الكهف غدوةً، وبعثهم الله في آخر النَّهار؛ لذلك قالوا: يومًا، فلمَّا رأوا الشمس قالوا: أو بعض يوم، وكان قد بقيت من النَّهار بقيةٌ، فقال تمليخا: ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ ردَّ عِلْمَ ذلك إلى الله سبحانه ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ ﴾ بدراهمكم ﴿ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا ﴾ أَيُّ أهلها ﴿ أَزْكَى طَعَامًا ﴾ أحلُّ من جهةِ أنَّه ذبيحةُ مؤمنٍ أو من جهة أنَّه غير مغصوب، وقوله: ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ في دخوله المدينة وشراء الطَّعام حتى لا يَطَّلِع عليه أحدٌ ﴿ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ ﴾ ولا يُخبرنَّ بكم ولا بمكانكم ﴿ أَحَدًا ﴾.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ ﴾؛ أي: كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان فكذلك بعثناهم من النومة التي تشبه الموت ﴿ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ ليسأل بعضهم بعضًا، واللام فيه لام العاقبة؛ لأنهم لم يبعثوا للسؤال.
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ ﴾ وهو رئيسهم "مكسلمينا" ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ ﴾ في نومكم؟ وذلك أنهم استنكروا طول نومهم، ويقال: إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة، فقالوا ذلك.
﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا ﴾ وذلك أنهم دخلوا الكهف غدوة، فقالوا فانتبهوا حين انتبهوا عشية، فقالوا: لبثنا يومًا، ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية، فقالوا: ﴿ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظفارهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم.
﴿ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ وقيل: إن رئيسهم "مكسلمينا" لما سمِع الاختلاف بينهم، قال: دعوا الاختلاف؛ ربكم أعلم بما لبثتم ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ ﴾ يعني يمليخا.
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر: "بورْقكم" ساكنة الراء، والباقون بكسرهما، ومعناهما واحد، وهي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة{إِلَى الْمَدِينَةِ} قيل: هي طرسوس، وكان اسمها في الجاهلية أفسوس، فسمَّوها في الإسلام طرسوس ﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ﴾؛ أي: أحلُّ طعامًا حتى لا يكون من غصْب أو سبب حرام، وقيل: أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن، ولا يكون من ذبيحة مَنْ يذبح لغير الله، وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم، وقال الضحاك: أطيب طعامًا، وقال مقاتل بن حيان: أجود طعامًا، وقال عكرمة: أكثر، وأصل الزكاة الزيادة، وقيل: أرخص طعامًا.
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ﴾؛ أي: قوت وطعام تأكلونه ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ وليترفق في الطريق، وفي المدينة، وليكن في ستر وكتمان ﴿ وَلَا يُشْعِرَنَّ ﴾ ولا يعلمن ﴿ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ من الناس.