ها هي المدارس قد فتحت أبوابها وأقبل عليها طلابها ليبدءوا عامهم الجديد فيحسن بنا في هذه الجمعة المباركة أن نقف بعض الوقفات مع هذه المناسبة العظيمة لأننا نرى الطلاب عن أمور التعليم معرضين ونرى بعض المدرسين في بعض ما يخالف التعليم واقعين.
إنها حقوق وواجبات وأمانات ومسئوليات برأت من حملها الأرض والسموات وأشفق من ثقلها الجبال الشم الراسيات وحملها الطلاب والطالبات والمعلمون والمعلمات في زمن ضاعت فيه الأمانات.
فيا أسفى على التعليم يوم أن أصبحت مناهجه تراقب وتحارب وأصبح كلاب الشرق والغرب يطالبوننا بتعديل مناهجنا والتراجع عن ثوابتنا لتكون مناهجنا مناهج علمانية تتنكر للدين والفضيلة وتفصل بين الدنيا والآخرة وتُفرغ من محتوياتها المهمة.
يريدون من مناهجنا أن تكون كمناهجهم ومن حضارتنا أن تكون كحضارتهم المادية التي لا أخلاق تردعُها ولا قيم تهذبها وصدق الله جل وعلا إذ يقول فيهم ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7].
يا أسفى على التعليم يوم أن تتناقض فيه الأفكار والآراء ويمتلئ بالغش والفوضى ويخرج أجيالا أصابها الضعف والخواء.
يا أسفى على التعليم يوم إن اعتمد على حشو المعلومات وحرفية النصوص دون اعتبار لمعانيها أو تجاوب مع مدلولاتها ودون غرس للقيم وبناء للمبادئ إلا ما رحم ربك فأصبح الطالب يحفظ النص ثم يفرغه في ورقة الإمتحان ثم ينتهي الأمر دون أن يلامس النصُ القلبَ.
والله إن المرء ليعجب عند ما يذهب أحيانا إلى بعض المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات فيرى فيها ضعفا في الهمم ودناءة في الطلب وقصورا في الأهداف تصرفات صبيانية وحركات شهوانية تدخين ومفترات وتبادل للصور الفاضحات كتابات سخيفة على الجدران والممرات وغش وتضييع للمعلومات تحزبات وتعصبات ومهاوشات ومناوشات وقضايا ومشكلات ورشوات ووجاهات ولعب بالدراجات والسيارات وتحليل للمباريات ومضايقة للغلمان وانشغال بمطاردة المردان ...الخ المساوئ الموجودة في كثير من مدارسنا وللأسف الشديد.
فيا أبنائنا ويا إخواننا ويا طلابنا إن طلب الشهوات والإنسياق وراء العواطف واللذات لا يستوي ولن يستوي أبداً مع طلب العلم ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9] ويقول سبحانه وتعالى ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282] يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
لماذا يرمي بعض الطلاب بنفسه في براثن الدناءة والرذيلة ويركض وراء التفاهات والتقاليد الغربية والملابس الخليعة والأفكار المنحطة؟
يا طلابنا لماذا تُثبطون عزائمكم وتضعفُون هممكم وتفتون في عضُدكم بالكسل والخمول وعدم الرغبة والميول إلى درجات الإمتياز والشرف ألم تعلموا أن الأمة بحاجة إلى بنين وبنات لديهم الفهم الثاقب والتحصيل النافع والتعليم المستمر الذي لا مكان فيه للرسوب والتعثر ليساهموا في بناء المجتمع بناءً صلباً منوراً بنور العلم والمعرفة ؟ إذاً فعليكم أن تخلصوا النية وأن تجددوا العزم لتستقبلوا هذا العام الدراسي بكل جد ونشاط ومثابرة وتحصيل ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11] يقول المتنبي في بعض أشعاره ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام ويقول محمد إقبال رحمه الله:
وخل الهوينا للضعيف ولا تكن نئوماً فإن الحزم ليس بنائم
همم الأحرار تحيي الرمما نفخة الأبرار تحيي الأمما
ويقول الأخر: تأخرت استبقي الحياة فلم أجد لنفسي مثل أن أتقدما.
أما أنتم أيها المعلمون.. أيها الإداريون.. أيها التربويون فأعلموا أن واجبكم أعظم ومهمتكم أكبر فأنتم اليوم في مقام الوالد للولد فعليكم أن تغرسوا فيهم الأخلاق العالية والآداب الحسنة وأن تنموا مواهبهم وتزيدوا من قدراتهم وتصححوا أخطائهم وتصلحوا أوضاعهم ولا يكن همكم ختم المقرر وتصحيح الأوراق فقط.
كونوا قدوة حسنة لهم في كلامكم فلا تتكلموا إلا بخير ولا تأمروا إلا بخير وإن سكتم فعلى خير فإن التعليم ليس مجرد كتاب يحفظ أو معلومات تلقى وإنما هو إعداد جيل وتربية نشئ وبناء عقيدة وترسيخ مفاهيم وغرس قيم وبقاء أمة.
حذروهم من جلساء السوء ودعاة الرذيلة والفساد الذين يقذفون في قلوبهم وعقولهم الشر والبلاء ليستخدموهم في بث بلائهم وسمومهم.
عودوهم على أدب الحديث وآداب الإستئذان واعدلوا بينهم فلا تفرقوا بين أسود منهم ولا أبيض ولا غني ولا فقير ولا قبيح ولا وسيم.
مروهم بالمحافظة على الصلاة واغرسوا في قلوبهم تعظيم شعائر الله، حققوا فيهم معاني الرجولة والإباء والمودة والإخاء وربوهم على الحياء.
أيها الفضلاء:
إن من الأمور المشينة أن تجد بعض المدرسين يضيّع جزء كبيراً من أوقات الحصص في التفاهات وأخبار المباريات والطرف والنكات فتضيع الأوقات وتُحرق الساعات على حساب الطلاب والطالبات.
ومنهم من تراه سيء التصرفات كثير الحركات ضعيف المسئولية هزيل الشخصية مشوش الفكر هو يحتاج قبل الطالب إلى التربية والتعليم.
ومنهم من ينظر إلى هذه الوظيفة من الزاوية المادية فقط فلا يهمه إلا راتبه وحقوقه وإجازته وينسى أن وظيفة التعليم هي أسمى وأعلى وأغلى من هذا لأنها وظيفة الأنبياء ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].
ومما يكدر الخاطر ولا يسر الناظر أن ترى بعض المدرسات تبدي زينتها وتظهر مفاتنها وتتكسر في مشيتها وتلغو في كلامها والطالبة المسكينة ترى هذا في معلمتها فتقلدها يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)) ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].