عن سعيد بن الْمُسَيِّبِ أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نِساءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ، أَحْنَاهُ على طِفْلٍ وأَرْعاهُ على زَوْجٍ في ذاتِ يَدِهِ)).
قال: يقول أبو هريرة على أثَرِ ذلك: "ولم تركَب مريم بنت عمران بعيرًا قطُّ".
رواه الشيخان: واللفظ لمسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، والبخاري في كتاب الأنبياء.
مفردات وجمل:
ركِبن الإبل: جملة فعلية في موضع الجرِّ، صفة نساء، وهي كنايةٌ أُرِيدَ بها موصوف، والموصوف هنا نساء العرب؛ لأن العرب هم الذين يكثُر عنهم ركوبُ الإبل، فمعنى الجملة: نساءُ قريشٍ خيرُ نساء العرب.
أحناه: أفعل تفضيل، من حَنَتِ المرأة على ولدها حُنُوًّا: عطَفت عليه وأشفَقَتْ، والقياس: أحْناهُنَّ؛ لأن الضمير يعود على جماعة النساء، ولكنه أفرَد الضمير وذكَره على إرادة الجنس، أو الإنسان، ولا ريب أن الإفراد هنا أخفُّ لفظًا، وأوقع سمْعًا.
وأرعاه: أفعل تفضيل كذلك، من رُعِيَ القوم: إذا وَلِيَ أمرَهم راعٍ، والجمع: رُعاةٌ ورُعْيانٌ.
وفي ذات يده؛ أي: ماله، ومنه قولهم: "فلان قليل ذات اليد"؛ أي: قليل المال، رقيق الحال!
شرح الحديث إجمالًا:
يُثني رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو خير العرب والعَجَم - على نساء قريش بأنهن خيرُ نساء العرب، ولا سيَّما الصالحات منهنَّ؛ ففي إحدى روايات مسلم: ((خيرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ صَالِحُ نِساءِ قُرَيْشٍ))، وإذا كانت نساء قريش أفضلَ نساء العرب، فلا ريبَ أنهنَّ أفضل نساء الدنيا.
وسبب هذا الحديث ما جاء في إحدى روايات مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَطَب ابنة عمِّه أمَّ هانئ بنت أبي طالب، فقالت: يا رسول الله، إني قد كبرتُ ولي عيال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نِساءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ...))؛ الحديث.
ثم بَيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائلَ نساء قريش التي اسْتَحْقَقْنَ بها أن يكُنَّ خير نساء العرب:
فالفضيلة الأولى: أنهنَّ أشدُّ النساء حُنُوًّا على الأولاد، وأكثرهن عطْفًا عليهم، فلا يشغل القُرَشَّية عن العناية بأولادها ما يشغل غيرَها من الإسراف في اللهو والمتعة والزينة والتبرُّج.
والفضيلة الثانية: أنها إذا مات عنها زوجُها، حبَست نفسَها على تربية أولادها، فلا تتطلَّع لزوجٍ آخر، ولا تَدَع شهوتها تتغلَّب على رعايتها لهم وحُسْن القيام عليهم، حتى يشبُّوا ويستقلُّوا بأمورهم...
والفضيلة الثالثة، ما أجلَّها وأعظمَها! وهي المحافظة على مال زوجها، والاهتمام بما يُصلِحه ويُنَمِّيه، والمال عَصَبُ الحياة، وعماد المصالح، ووسيلة إلى رضوان الله تعالى إذا أُنفِق فيما يُرضِيه، ونِعْمَ المال الصالح للأسرة الصالحة في الدنيا والآخرة.
بهذه المكارم العُليا كانت المرأة العربية القرشية، هي المثل الرائد، والقُدْوة الصالحة لبنات آدمَ وحواء عليهما السلام، وكانت بحقٍّ حَسَنةَ الدنيا، وبهجة الحياة، وذخيرةَ البيت الكريم في الأولى والآخرة...