الأوسمة : عدد الرسائل : 17084 العمر : 28 الإقامة : !!! EVERYWHERE الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 04/11/2017 السٌّمعَة : 35
موضوع: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الإثنين سبتمبر 03, 2018 4:17 pm
جلس الرجل السبعينيُّ بوقاره بين أقرانه ومَنْ هو أصغرُ منه سنًّا ومقامًا، وهو يُضارع الشمس في ضُحاها من شُهْرته وعلوِّ منصبه الذي انقضى زمانُه، يُحدِّث الحاضرين عن مجْدِه الشخصي وسموِّ أصله وكرم مَحْتِدِه، وعطَفَ بالبيانِ إلى التَّماجُدِ المفْرِطِ في سيرة أبنائه وبناته، وطفِق يذكر قصَصًا ومدائح طيبةَ المذاقَ على لسانه وأثيرة المعنى على قلبه، وممَّا أذاعه على الأسماع قوله في باب الرِّضا عن النفس: "ربيتُ أولادي وبناتي أفضلَ وأحسنَ تربية"، يقول ذلك القول ولا يجد فيه عِوَجًا ولا مبالغةً! وربما يُكذِّبه الواقعُ، وهو الذي على شفير قبره الموعود، ينتظر الإذن من الله العزيز الحميد.
أما بعد:
فلكُلِّ دعوى برهانٌ ودليلٌ صادقٌ يَرقى إلى مراتب القَبول عند العقلاء، فمَنِ ادَّعى أنه قام بتربية أبنائه وبناته، فليأتِ بدليلٍ عمليٍّ من واقع سيرتهم وحديث الناس عنهم، وشكرِهم أخلاقَهم وسلوكياتهم، لا من حديثه الشخصي، فإنهم بضاعتُه، وشهادتُه لهم مجروحةٌ لا تُقبَلُ في الشهادات؛ لأنه دومًا ينظر إليهم بعين الرِّضا، وعين الرِّضا كليلةٌ عن إدراك العيوب.
وحينما يكون مسلك التماجُد الشخصي في حُسْن تربية الأبناء والبنات قاسمًا مشتركًا بين جُلِّ شرائح المجتمع، فنحن في ورطةٍ حقيقيةٍ، وهل يُصَدِّقُ العاقلُ نفسَهُ وعَقْلَهُ فيما يرى ويسمع من آثار سوء التربية الطامِّ على المجتمع بأسره؟ أم يستمع إلى إلْحافِ الْمُتَماجِدينَ؟!
والظنُّ الذي يُشبه اليقين أنَّ تصوُّر أهل التماجُد في تربية ناشئتهم ناقصٌ وقياسٌ يفتقر إلى الصواب، ولا يُصدِّقُه الواقعُ المتخمُ بالجراحِ والعثارِ الدَّائِمِ، فقد تاهَت القيمُ وضحَلت الأخلاقُ، وتوارت جمالياتُ التعامُل بين أخلاط المجتمع؛ ليُعلِن القُبْحُ عن ذاته في فجاجِ الأرض بأنه سيد المواقف، فأين الأثر الحقيقي للتربية الصالحة وحُسْن المتابعة للآباء والأمهات؟! وأين ننفق بيانات المادحين لأنفسهم في تربيتهم أولادهم؟!
أما إنه من تضييعِ الحقائق أن يختصرَ الآباء والأمهات تربيتهم لأبنائهم وبناتهم في الجانب المادي، ولعلَّ هذا المعنى هو ما يقصده المصرِّحون بهذا التماجُد، وصورة التربية عندهم تكمُن في توفير الغذاء والدواء، وتغطية المطالب الحياتية والحوائج والكماليات التي تخدم البَدَن، حين تتوهَّم الأُمُّ أن كل مطالب بناتها وأبنائها تدورُ في هذا الجانب، وتختزل جهدها كله، بل ربما تُفني عمرَها في تلبية مطالبهم المادية، وبهذا تكون قد ربَّتْهم التربية المنشودة! لكنها في الحقيقة قامَتْ برعايتهم فقط، ومعها أمثال هذا المعلن لبيانات الرِّضا في التربية، وهو الذي لم ينزل ميدان التربية لأولاده وبناته بعد، إلا إذا كان له في باب الأمر والنهي مع أولاده بداياتٌ طيبةٌ ومآلاتٌ كريمةٌ وإقناعاتٌ مقبولةٌ.
التربية هي أن تقول لناشئتك في طور التعليم والتعلُّم: افْعَلْ ولا تَفْعَلْ، بين الأمر والنهي والفعل والترك؛ فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه قال: "كنتُ غلامًا في حجْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانتْ يدِي تَطِيشُ في الصَّحْفةِ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلامُ، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينِكَ، وكلْ ممَّا يلِيكَ))، فما زالَتْ تلك طِعْمَتي بعدُ"؛ (صحيح البخاري 5376)، وفي ذات الميدان قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((مُروا أبناءَكُم بالصَّلاةِ لسَبْعِ سنينَ، واضرِبوهم عليها لعَشْرِ سِنينَ، وفرِّقوا بينَهُم في المضاجِعِ ...))؛ (أحمد شاكر في مسند أحمد 11 /36، وقال: إسناده صحيح عن جد عمرو بن شعيب رضي الله عنه).
التربية هي المتابعة الدائمةُ للأبناء لحفظهم من العِوَج والانحراف؛ لقوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ((أكرِموا أولادَكم وأحسِنوا أدبَهم))؛ (المنذري في الترغيب والترهيب 3 /115، وقال: إسناده صحيح أو حسن أو ما يقاربهما، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما)، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].
وحتى لا يَنفرِط العقد، وينتهي زمنُ الاختيار، علينا أن نتذكَّرَ ولا ننسى أن قبول فروض التربية الحقيقية عند الناشئة تبدأ مع سن السابعة تقريبًا، وتنتهي مع بداية طور المراهقة؛ حيث يبدأ ما يُشبه المصاحبة والصداقة بين الوالد وولده، لينطلق بعد ذلك إلى تحقيق آماله ومآربه الطيبة في تحقيق ذاته.
وكل ما هو مطلوبٌ من الآباء والأمهات وأولياء الأمور، هو التركيز على: [أساليب تربية الطفل على المبادئ السامية والفضائل السلوكية، والمشاعر الوِجدانية التي يكتسبها الطفل منذ صغره، ويصبح فردًا ذا شخصية متكاملة سوية]؛ (د. إيمان عبدالله شرف، التربية الأخلاقية للطفل، ص22 ط1، 2008م، عالم الكتب، القاهرة).
أمَّا الرعاية فهي مجرد توفير الحاجات اليومية من غذاءٍ وكساءٍ ودواءٍ، وتجهيز أماكن النوم ومرافق الحياة المادية، وهذا قد ينوب فيه بعض الخَدَمِ أو الأقارب.
وخلاصة المعنى جمعًا باختصارٍ هي أن المجتمع الذي يُشكله الأفراد في ميدان التربية يخلطون تمامًا بين التربية المنشودة ويستبدلونها بمجرد الرعاية الظاهرية، ويُفنون أعمارهم رهن هذا المعنى، متوهِّمين أنهم بلغوا الكمال في الأداء؛ ومن ثم يَجتاحهم إعصارُ الرِّضا عن النفس، وهم الذين قدموا - في بعض الأحوال - عاهاتٍ للمجتمع وعواملَ نقصه وآياتِ شقائه؛ لأنهم ركَّزوا على الرعاية، وأهملوا التربية التي تُكسِب سعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
وبهذا يظهر الفارق جليًّا، ويحتِّمُ علينا أن نقف على مفاصلةٍ حقيقيةٍ في الفهم بين الرعاية والتربية بأنَّ كلَّ فرد من المجتمع في زمن إعداده وهو صغيرٌ يحتاج إلى تربيةٍ وتأديبٍ وتهذيبٍ ومتابعةٍ، فوق ما يحتاجه من رعايةٍ بدنيةٍ ومطالب ماديةٍ.
روح الصداقة مراقبة قسم الانمي
الأوسمة :
عدد الرسائل : 59752 العمر : 29 الإقامة : ·♥ في وطني المجروح ♥· الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 19/07/2013 السٌّمعَة : 224
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الإثنين سبتمبر 03, 2018 10:20 pm
يسلم اياديك اخي على نشاطك المستمر الله يبارك بيك وبجهودك بالمنتدى
الليدي لين نائبة المدير العام
الأوسمة :
عدد الرسائل : 56848 تاريخ التسجيل : 18/02/2008 السٌّمعَة : 141
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الثلاثاء سبتمبر 04, 2018 10:37 pm
بارك الله فيك اخي الكريم
على جهودك المثمرة
جزيت عنا كل الخير
لاعدمناك
spacepower مشرف منتدى الأنمي الحديث
الأوسمة :
عدد الرسائل : 50292 العمر : 35 الإقامة : spacepower الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 20/05/2009 السٌّمعَة : 94
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الجمعة سبتمبر 07, 2018 10:52 pm
كالعادة إبداع رائع
وطرح يستحق المتابعة
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
جون سلفر مشرف منتدى المكتبة
الأوسمة : عدد الرسائل : 4903 العمر : 27 الإقامة : غير محدد الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 25/01/2014 السٌّمعَة : 5
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الجمعة سبتمبر 07, 2018 11:17 pm
مشكور اخي الغالي على جهدك القيم
مشكور اخوية عراقي على التواقيع الروعة ................................................................................................
اشكر ادارتي الغالية على شهادة التكريم . تشرفت بها
كاورو (¸.•'´* كبرياء العراق*`'• .¸)
الأوسمة :
عدد الرسائل : 70859 العمر : 100 الإقامة : الرمادي الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 24/01/2009 السٌّمعَة : 187
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية السبت سبتمبر 08, 2018 11:19 pm
بارك الله فيك ونفعك ونفع بك
شعار مجموعة نرقى ليرقى منتدانا
emily star شمس المنتدى
الأوسمة : عدد الرسائل : 13124 العمر : 19 الإقامة : :) الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 28/07/2016 السٌّمعَة : 48
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الأحد سبتمبر 16, 2018 8:26 pm
سلمت الايادي على الابداع والتميز الدائم
بارك الله فيك وجزاك خيرا
ننتظر جديدك
nah. صديق برونزي
الأوسمة : عدد الرسائل : 1379 العمر : 25 الإقامة : الجحيم الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 23/10/2017 السٌّمعَة : 0
موضوع: رد: أبناؤنا بين الرعاية والتربية الثلاثاء سبتمبر 18, 2018 9:46 pm