الأوسمة : عدد الرسائل : 17084 العمر : 28 الإقامة : !!! EVERYWHERE الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 04/11/2017 السٌّمعَة : 35
موضوع: لها الطاعة أمك الجمعة سبتمبر 07, 2018 9:58 pm
أمر بطاعتها ربُّك، فقرن طاعته بطاعتها؛ قال تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].
أوصى بها خالقُك؛ قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14].
وتحدث عنها نبيُّك صلى الله عليه وسلم بأنها الأحق بصحبتك؛ سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
لِمَ لا، وهي نسمتك الفوّاحة، ونجمتك اللوَّاحة، وعصفورتك الصدّاحة؟!
هي أُنسك عند الوحشة، وفرحتك عند الحزن، وماؤك عند الظمأ!
هي شرايين القلوب، بها يدفع الحبُّ والحنانُ والعطفُ إلى حياتك!
هي الأوردة العائدة بالأمل المفقود إلى قلبك اليائس!
فلولاها بعد الله ما ذُكر لك اسمٌ، ولا بقي لك ذكر، ولا تحرّك لك قدم على هذه البسيطة.
لقد عانت الكثير والكثير، طيلة ثلاثين شهرًا، حملك وفصالك؛ قال تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].
وَهنٌ على وهن، وتعب على تعب، تحملت الألم لوجودك، والنَّصَب لراحتك؛ فقد كُنْتَ حملاً ثقيلاً في جوفها، وعقبةً كؤودًا في طريقها، إلا أنها تمسَّكت بحِلم لقمان، وصبر أيوب، وسماحة محمد صلى الله عليه وسلم.
لحبِّك لم تتضجر، ولقربك لم تتألم؛ فبطنها لك الوعاء، وحِضنها الدِّفاء، وثديها السقاء.
ما إن أَقبلتَ على دنياها حتى عرفتْ للحياة طعمًا بصراخك، وللسهر راحة ببسمتك، وللألم لذَّة بصحتك، استحسنتِ النصب بركضاتك، وتلذذتِ السقم بحضورك، وسامرت الليل لحركاتك، كنت أملَها المطلوب، وهدفَها المكتوب، والغاية المنشودة.
بك تزرع السعادة في حياتها، وتورق المحبة في دنياها، وتثمر الفرحة بين يديها، كنت بلسم الجراح، ووردة الصباح، وتاجَ المسرَّة والأفراح.
تظل درَّتها الثمينة، وزينتها الحسينة، وجوهرتها الكريمة، فأنت بالنسبة لها درعٌ ترتديه، وثوبٌ تكتسيه، وماءٌ تستقيه، طاب حضورك، وفاح عطورك، ودام سرورك، أُعِدَّ لك منها البخور والعطور والزهور؛ فرحًا بقدومك.
ما هي إلا تسعة أشهرٍ وبضعة أيام حتى دخلتْ معركة حامية الوطيس، خرجت منها منتصرة بعد ثخن جراحها، وزفراتٍ عانتها، وصرخاتٍ أنهكتها، وآلامٍ ذوبتها، لم تستقرَّ بعد وضْعِك لتستريح، وتأخذ أنفاسها، وتستعيد قواها؛ بل استعدَّتْ لخوض معركة جديدة، سرعان ما حملتْ لأمةَ الحرب لتصارع رعايتك وتربيتك وحمايتك وعنايتك، فدَرَّتْ لك الثدي، ومهدت لك الذراع، وأوسعت لك الصدر، وفرشت لك الفؤاد، فما إن تربّعت بين ذراعيها، وأخذت مكانك في حِضنها، حتى تنفَّست الصُّعداء، وذرفت دموع الفرحة والانتصار، أبلغتك إلى فِيهَا لتشتمَّ عَرْفَك، وتروي مقلتيها برؤيتك، فتظن حينها أنها ملكت الدنيا بكاملها.
بدأت ترعاك، فتتألَّم لألمك، وتتعب لتعبك، وتئنُّ لأنينك، لا تكتحل عينها بنعاس حتى تهنأ عيناك بالنوم، ولا تبْتَلُّ عروقها برذاذ الماء حتى ترتوي عروقك ماءً عذبًا سلسبيلاً، ولا يستقر في جوفها فتات خبز جاف حتى تسأم أمعاؤك من كل ما لذ وطاب.
لا حياة إلا بك، ولا راحة إلا فيك، ولا حبَّ إلا لك.
هي شمسك المضيئة، وقمرك المنير، فحذارِ أن تخسفها بقبحِ الكلام، وترك السلام، وبُعدِ المحبة والاحترام.
وإعصار القساوة، فلا قارب ينجيك، ولا مأوى يقيك، ولا مركب يسعفك.
اغتنم أيامك برضاها، ونهارك بطاعتها قبل أن يدنو الأجل، فيُغلق في وجهك باب من أبواب الجنة.
تجنَّب وقوفك في عَرَصات القيامة مكتسيًا ثوب الخزي والندامة، والنَّاسُ ترى مكتوبًا في جبينك "عاق والديه"، فلا أصبحت من الناجين، فتسبخ في جنة عرضها السماوات والأرض، وغُمِسْتَ في نارٍ وقودها الناس والحجارة.
دَعْ قمرَك المنير يسبح في سماء الطاعة، فلا يكسفُ بقبح المعصية، وسوء العمل، لا تدعه يغرق في وحل الإعاقة، ورذلِ البعد، ونتن الفراق، فتُمْسِي في ليلٍ حالكٍ معتمٍ، لا ترى خيرًا بعد كسوفه.
لا تئفَّ فلم تئفَّك صغيرًا، ولا تسخط فلم تهملك طفلاً، ولا تغضب فلم تعبس في وجهك يومًا.
حذارِ أن تبلغ مبلغ الرجال ولم تجدكَ سندًا تستند إليه، وركنًا تتكئ عليه، ويدًا تحنو، وجناحًا منخفضًا ذليلاً، وقلبًا رقيقًا يسمع كلامها.