التعصب الرياضي
تُعَدُّ كلمة التعصُّب في اللغة مصدراً للفعل (تَعَصَّبَ)، حيث يُقال: "تعَصَّبَ لِزَمِيلِهِ أَمَامَ أَعْدَائِهِ: أي وَقَفَ فِي جَانِبِهِ مُنَاصِراً لَهُ بِشِدَّةٍ"، و"تَعَصَّبَ القوْمُ عليهم: أي تجمَّعُوا"،[١] والتعصب مأخوذٌ أيضاً من كلمة العصبة، وهم أقارب الإنسان من جهة الأب، وقد يأتي بمعنى: المحاماة والدفاع.[٢]
ويمكن تعريف التعصب اصطلاحاً بأنّه: شُعور داخلي يجعل الإنسان يتصوّر نفسه أنه على حق، وأن الآخرين على باطل، ويقوم بإظهار هذا الشعور على شكل مواقف وممارسات مُتزمِّتة، كاحتقار الآخرين، وعدم الاعتراف بإنسانيتهم، وحقوقهم.[٣]
أمّا التعصب الرياضي، فيمكن تعريفه بأنّه: مرض الحب الأعمى لفريق، أو جهة رياضية مُعيَّنة، وفي الوقت نفسه هو مرض الكراهية العمياء للفريق المنافس، وأنصاره، وتمنّي الضرر لكلّ ما يتعلّق بالنادي الخصم؛ فالشخص المتعصب رياضياً يُحب نادِيَهُ المُفضَّل محبّةً مُبالَغاً فيها، تجعله يغفل عن الحقائق، وقد يتنازل عن كثير من مبادئ التعامل مع الآخرين؛ بسبب تعصُّبه لناديه المُفضَّل.[٤]
أسباب التعصّب الرياضي
هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى نشوء حالة من التعصب الرياضي عند الأفراد، وأهم هذه الأسباب هي:[٥]
•الأسباب المُتعلِّقة بالجمهور الرياضي: ◦التصرُّفات التي تسيء إلى رابطة الجماهير في الأندية.
◦تنشئة الأطفال على التعلُّق بنادٍ مُعيَّن.
◦الأنانيّة، وعدم قبول الرأي الآخر، أو تقبُّل النقد الإيجابي.
◦نقص الثقافة الرياضية لدى العديد من المُشجِّعين.
◦قلة وجود القدوة من الإداريّين والرياضيّين في الأندية.
◦حب إيذاء الآخرين، واستغلال اللقاءات الرياضية لتحقيق ذلك.
•الأسباب المُتعلِّقة بالحالة النفسية والصحية: حيث تؤدي الضغوطات التي يتعرَّض لها الفرد من قِبل المجتمع، والأصدقاء، والأسرة، إلى ممارسة مظاهر لفت الانتباه، والتصرفات الخاطئة التي قد يشعر بأنّها نوع من التنفيس.
•الأسباب المُتعلِّقة بوسائل الإعلام: فقد تزيد وسائل الإعلام المختلفة: المقروءة، والمسموعة، والمرئيّة حدّة التعصُّب الرياضي، من خلال التحيُّز لإحدى الفِرق الرياضيّة، أو التقصير في دورها بغَرْس مبادئ الأخلاق الرياضية بين الجماهير.
•الأسباب المُتعلِّقة بالكيانات الرياضية: ◦عدم تحقيق بعض الأندية للانتصارات والبطولات.
◦عدم أداء واجب التوعية.
◦إصدار التصريحات الاستفزازية من قِبل المسؤولين في الأندية، واتّحادات الكُرة، ولجان التحكيم.
◦تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
◦وجود صراع تنظيمي في الأندية، والاتّحادات الرياضية.
◦عدم الإلمام الكافي بالمعاني الحقيقية للتنافس الرياضي الشريف.
◦عدم التمتُّع بصفة الروح الرياضية لتقبُّل الخسارة.
◦عدم كفاءة جهاز التحكيم الرياضي.
مُؤشِّرات التعصُّب الرياضي
هناك بعض المُؤشِّرات التي تدلُّ على وجود تعصُّب رياضي لدى شخص ما، وهذه المُؤشِّرات هي:[٥]
•التوتُّر والقلق النفسي: يجب التمييز بين القلق الطبيعي الذي يحدث مثلاً عند الامتحان، وبين القلق المرضي الذي يستدعي تدخُّل الأطبّاء، وقد نجد هذين النوعيْن من القلق بين الجماهير الرياضية، إلّا أنّ القلق المرضي هو الأكثر انتشاراً عند الأشخاص المُتعصِّبين لأنديتهم، ويمكن معرفة ما إن كان الشخص المُتعصِّب يشعر بقلق مرضي من خلال ملاحظة الأعراض النفسية له، حيث يظهر بأنّه عصبيّ، وخائف، ولا يشعر بالراحة، وقد يُلاحظ ذلك من خلال الأعراض الفسيولوجيّة الجسميّة، كشعوره بآلام في الصدر، أو رعشة في اليدين، أو خفقان في القلب.
•عدم قبول الرأي الآخر: وهو من أهمّ الأعراض التي تظهر على الشخص المُتعصِّب رياضياً، حيث يقاطع الحوار، ويظهر المُعارَضة الشديدة لرأي الآخر؛ لأنّه يرى أنّ رأيه لا يَصبُّ في مصلحة الجهة التي يُشجِّعها.
•التحيُّز للرأي الشخصيّ: يتمسَّك الشخص المُتعصِّب برأيه، ويُدافع عنه، ويتحيَّز له، سواء أكان على حق، أم لا.
•سرعة الغضب: حيث يظهرُ الشخص المُتعصِّب غضبه بسرعة، فيبدأ بالشتم، ويكون لسانه وتعبيره بذيئاً، وقد يمتدُّ ذلك إلى أن يحاول الضربن أو التحطيم.
•عدم التمتُّع بالروح الرياضيّة: لا يملك الشخص المُتعصِّب الصفة التي يُطلقُها الرياضيون على أنفسهم،وهي الروح الرياضية؛ إذ إنّها تُعبِّر عن التسامح، والتعاون بين الرياضيّين، وتهدف إلى إيجاد بيئة رياضية خالية من العنف، والتعصُّب.
•العيش في أوهام، والإيمان بصحّتها: يتصوّر الشخص المُتعصِّب في ذهنه أنّ الجهة التي يُشجِّعها هي فائقة الكمال، ويُعارض الآراء التي تنتقد كمال فريقه جميعها.
•قلة الأصدقاء: يخسر الشخص المُتعصِّب معظم أصدقائه؛ بسبب تمسُّكه بآرائه، وعدم قبول رأي الأصدقاء.
•التبعيّة للفريق المُفضَّل: الشخص المُتعصِّب لا يرى من الحياة إلّا الجهة التي يُشجِّعها؛ فكلّ الأحكام التي يُصدرها مُرتبِطة بشكل كبير بالفريق الذي يُشجِّعه.
•الثقافة الهشّة: لا يختلط الشخص المتعصب بالحياة وبالآخرين، كما أنه يكون بعيداً عن النقاش والمشاركة فيه؛ نتيجة لذلك يفقد المقدرة على اكتساب ثقافة جديدة ومهارات مختلفة.
مظاهر التعصُّب الرياضي
تتمثّل مظاهر التعصُّب الرياضي فيما يلي:[٥]
•بالنسبة إلى الجماهير: يظهر التعصُّب الرياضي عند الجماهير على شكل تجمُّع للفئات المُتعصِّبة في الميادين والشوارع، واعتدائهم على الآخرين، وشتمهم، وتعطيل حركة المرور، وإعاقة المصالح العامة، وممارساتهم للسلوكيات الخاطئة، سواء أكانت الجهة التي يُشجِّعونها منتصرة، أم مهزومة.
•بالنسبة إلى وسائل الإعلام: يظهر التعصُّب الرياضي لدى وسائل الإعلام من خلال إبراز النادي الخاسر ضمن عناوينها، ومقالاتها، والسخرية منه، والتقليل من مكانته، ممّا يُؤذي مشاعر أنصار هذا النادي، كما يُمجِّدُ بعض الإعلاميّين ناديهم المُفضَّل، ويتغنّون بتاريخه الحافل؛ بهدف استفزاز الطرف الآخر.
•بالنسبة إلى الإداريّين واللّاعبين: قد يلجأ الإداريّ المُتعصِّب رياضياً إلى جَلب المصالح إلى ناديه، سواء أكانت بوسائل مشروعة، أو غير مشروعة؛ فقد ينشر الإشاعات والأكاذيب عن الجهات المنافسة لناديه، وقد يقدِّم شكوى كيديّة، أو أنّه قد يرفض التعاون مع الأندية الأخرى، كما أنّ بعض اللاعبين يقومون بتصرُّفات مقصودة، أو غير مقصودة، تؤدّي إلى إشعال غضب الجماهير.
•بالنسبة إلى المُهتمِّين بالمجال الرياضي: يظهر التعصُّب الرياضي على بعض المُهتمِّين والمسؤولين كالحُكّام، من خلال التحيُّز بشكل مبالغ فيه إلى جهة رياضية مُعيَّنة؛ فقد يتَّخذ حَكَم المباراة قرارات على غير حقٍّ لصالح ناديه، ممّا يُولِّد حالة من الغضب والحقد لدى جماهير النادي المنافس.
أساليب التعامل مع المُتعصِّب الرياضي
يمكن التقليل من حدّة التعصُّب عند الأشخاص المُتعصِّبين من خلال اتّباع الأساليب الآتية:[٥]
•الإصغاء إليهم، والاستماع إلى ما يريدون التحدُّث حوله؛ بهدف امتصاص غضبهم وانفعالهم.
•التحلّي بالهدوء عند التحدُّث معهم، وعدم إظهار أيّ انفعال أمامهم.
•التمسُّك بوجهة النظر، واللجوء إلى الحجج، والبراهين.
•عدم الأخذ بحديثهم على أنّه أمر شخصيّ يمسّ الطرف المقابل.
•التركيز في الحديث على النقاط التي تمّ الاتّفاق عليها.
•التمتُّع بروح المرح أثناء الحديث معهم، كالإجابة بنعم، ولكن.
•اللجوء إلى أسلوب المنطق عند مناقشتهم، والبُعد عن العاطفة.