عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ)).
المفردات:
قوله: ((مِنْ حُسْن)): مِنْ تبعيضية ، وأتى بِـ "مِنْ" الدَّالة على التَّبعيض؛ لأن تركَ ما لا يَعْنِي ليسَ هو كُلَّ الإسلام، فإذا فَعَلَ مَا يعنِيهِ، وتَرَكَ مَا لا يعنيه فقد كَمُلَ حُسْنُ إِسلامِهِ .
قوله: ((إسلام المرء)): آثر التعبير بالإسلام على الإيمان؛ لأنه الأعمال الظاهرة، والفعل والترك، إنما يتعاقبان عليها، آثره على الإيمان؛ وأما الباطنة الراجعة للإيمان، فهي اضطراريةٌ تابعةٌ لما يخلقه اللَّه تعالى في النفوس ويُوقعه فيها .
أي: من جملة محاسن إسلام الإنسان وكمال إيمانه.
قوله: ((تركه ما لا يعنيه)) بفتح أوله، ومعنى يعنيه: أنه يتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، وَالْعِنَايَةُ: شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ عَنَاهُ يَعْنِيهِ: إِذَا اهْتَمَّ بِهِ، وَطَلَبَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا لا عِنَايَةَ لَهُ بِهِ وَلَا إِرَادَةَ بِحُكْمِ الْهَوَى وَطَلَبِ النَّفْسِ؛ بَلْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَالْإِسلَامِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ مِنْ حُسْنِ الْإِسْلامِ .
مكانة الحديث:
(1) أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام.
قال الدارقطني: أصول أحاديث الإسلام أربعة: حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، وحديث: ((مِنْ حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه))، وحديث: ((الحلال بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ))، وحديث: ((ازْهَدْ في الدنيا يحبَّكَ الله)) .
وقد نظم العلامة أبو الحسن الأشبيلي هذه الأربعة، فقال:
عمدةُ الدين عندنا كلماتٌ أربعٌ قالهُنَّ خيرُ البريَّهْ
اتَّقِ الشُّبهات وازْهَدْ ودَعْ ما ليس يَعنيك واعْمَلنَّ بنيَّهْ
(2) الحديث من كلام النبوة وحكمتها، وهو جامع لمعانٍ جمَّة من الخير .
ترك المرء ما لا يعنيه:
تركُ المحرَّمات والمشتبهات والمكروهات، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يَعنيه المسلم إذا كمُل إسلامُه.
وقال القارئ في معنى: ((تركه ما لا يعنيه)): "أي ما لا يهمُّه ولا يليق به قولًا وفعلًا ونظرًا وفكرًا، وقال: وحقيقة ما لا يعنيه ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكنًا".
وفي إفهامه أن مِن قُبْح إسلام المرء أخذَهُ ما لا يَعنيه؛ لأنه ضياع للوقت النفيس الذي لا يمكن تعويض فائته فيما لم يخلق لأجله، فإن الذي يعنيه الإسلام والإيمان والعمل الصالح، وما تعلَّق بضرورة حياته في معاشه مِن شِبَعٍ ورَوِيٍّ، وستر عورة، وعِفَّة فرجٍ، ونحو ذلك مما يدفع الضرورة دون مزيد النعم، وبهذا يسلَم من جميع الآفات دنيا وآخرة، فمَن عبَد الله على استحضار قُرْبه من ربِّه أو قُرْب ربِّه منه، فقد حَسُن إسلامه .
أمثلة لترك المرء لما لا يعنيه:
تعلُّم ما لا يهمُّ من العلوم، وتَرْكُ الأهَمِّ منه، كمن ترك تعلُّم العلم الذي فيه صلاح نفسِه، واشتغل بتعلُّم ما يَصلُحُ به غيرُه؛ كعلم الجَدَل، ويقول في اعتذاره: "نيَّتي نَفْعُ الناس"، ولو كان صادقًا لبدأ باشتغاله بما يُصلِح به نفسَه وقلبه من إخراج الصفات المذمومة؛ من نحو حَسَدٍ ورياءٍ وكِبرٍ وعُجْبٍ، وترؤُّس على الأقران، وتطاولٍ عليهم، ونحوها من المهلكات .
ما يستفاد من الحديث:
(1) إن على المسلم أن يدَع ما لا يعنيه من الفضول، سواء كان قولًا أو فعلًا أو تفكيرًا.
(2) على الإنسان الاشتغال بما يعنيه فيما فيه مصلحة له في دينه أو دنياه.
(3) إن المشتغل بما لا يعنيه ناقص الإيمان.
(4) تفاوت الناس في الإسلام.
الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث:
في ترك المرء ما لا يعنيه راحةٌ لنفسه، وحفظٌ لوقته، وسلامةٌ لعرضه.