تعدُّدُ الأجناسِ والأذواقِ، وتباينُ القلوب والأرواح، وتمايزُ العقول والأفكار، وتنوُّع المصادر والموارد، واختلافُ الحسابات والمصالح، كلُّها من طبيعة الحياة الدنيا التي قدَّر الخالق فيها ذلك، وجعله جزءًا من أجزاء البلاء والابتلاء الذي يتطلَّب انتباهًا وينتظر بين يديه حسابًا.
فحين ترى - بناءً على ذلك - تباينَ وجهات نظر الناس في موضوعٍ من الموضوعات أو مسألة من المسائل؛ فاعلم أنه عائدٌ إلى تلك الطبيعة، التي لا يمكن أن تنفكَّ عن الخلق، ولا أن ينفكُّوا عنها، يُذكيها الصراع بين الحقِّ والباطل إلى أن يشاء الله.
وعلى هذا؛ نجدُ أمام كلِّ بابٍ داعيًا، وعند كلِّ بضاعةٍ بائعًا، ووراء كلِّ فكرةٍ مُروِّجًا، كما نجد لكلِّ هوًى ناعقًا، ولكلِّ تجاوُزٍ تبريرًا، والمعصومُ من عصمه الله ووفَّقه للدعوة إلى هدي كتابه، والوقوف على بابه.
وحيثُ نجد من الطبيعيِّ دعوةَ أهل الباطل لباطلهم؛ فمن العجيب وقلَّة التوفيق أن يتابعَهم مَنْ يحسب نفسه مع الحقِّ وأهله، إذْ ينصرهم على إخوانه بدعاوى مُهلهَلة، أسيادُهُ مَنْ أنتجوها بِطِرازهم وخامَتِهم ونكْهتِهم، فهل ننتظر منهم نورًا، أو نأمل منهم خيرًا؟!
إذا كان أولئك التابعون لهم قد استبدلوا نور الله الذي تفضّل به عليهم، وأُعجِبوا بظلَامِ مناهج شياطين الإنس والجن، وتنكَّروا لأُمَّتهم وملَّتهم، ورأَوا في الشرق والغربِ سُبُلًا قدَّروا أنها الناجية المُنجية؛ فلا غرابةَ أنْ يصِلَ منهم أفرادٌ أو جماعاتٌ إلى حدِّ القيام بالدَّوْر، والتحوُّل إلى بوقٍ، لا يفقَه من القِيم والمعاني إلَّا تلك التي تَلَقَّنَها منهم، حتى طُبِعت في جدار قلبه وعقله وروحه تماثيلُ جوفاء، تبرُقُ كلَّما سمع صوتَ حقٍّ، فيرغي ويزبدُ دفعًا لمرارة طعم الصدقِ وقوَّة قرعه لسمعه، حتى يصل إلى إنكار الفضيلة والعفاف، دون أن يشعر أن له أهلًا ونساءً وصغارًا لم يصلوا بعدُ إلى (حداثيته)، ولم يفقهوا بعد - ولله الحمد - "مصطلحاته"، وأما هو فكمْ يكتسب من جُرْمٍ في حقِّهم! وكمْ يخلِّف من أثرٍ لنْ يسمح يومًا لذويه أن يشيِّعوه بخير، أو يذكروه بثناءٍ حسن، فهلَّا راجع نفسه اليوم على الأقلِّ من أجل أهله وذرِّيَّته، قبل أن يتمنَّى دعوة، أو يتطلَّع إلى برٍّ، فلا يجد في القاموس حتى (رحمك الله)!
#منقوووول