الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن الله تعالى حذَّرنا من نقض العهود؛ لأن ذلك يُؤدِّي إلى مفاسد كثيرة في المجتمع المسلم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى نقض العهد:
نقض العهد: هو عدم الوفاء بالعهد؛ (الكبائر؛ للذهبي، صـ168).
آيات في التحذير من نقض العهد:
قال تعالى عن الفاسقين: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27].
قوله: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾:
♦ قال قتادة بن دعامة رحمه الله: إياكم ونقض هذا الميثاق، فإن الله قد كره نقضه، وأوعد فيه، وقدم فيه في آي القرآن حجةً وموعظةً ونصيحةً، وإنا لا نعلم الله جل ذكره أوعد في ذنب ما أوعد في نقض الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه، فَلْيَفِ به لله؛(تفسير الطبري؛ جـ1، صـ439).
(2) قال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 153، 156].
(3) قال جل شأنه: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 55، 56].
(4) قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [الرعد: 25].
التحذير من نقض العهد في السنة:
حذَّرَنا نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه المباركة من نقض العهد مع المسلمين وغير المسلمين.
(1) روى الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))؛ (البخاري، حديث: 34 /مسلم، حديث:58).
قوله: ((أربع))؛ أي: أربع من الخصال.
قوله: ((يدعها))؛ أي: يتركها.
قوله: ((إذا اؤتمن))؛ أي: وضع عنده أمانة.
قوله: ((خان))؛ أي: بالتصرُّف غير الشرعي.
قوله: ((وإذا حدَّثَ كذب))؛ أي: عمدًا من غير عذر.
قوله: ((وإذا عاهد غدر))؛ أي: ينقض العهد.
قوله: ((وإذا خاصم فجر))؛ أي: شتم، ورمى بالأشياء القبيحة؛ (مرقاة المفاتيح؛ علي الهروي، جـ1، صـ 128).
(2) روى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان))؛ (البخاري، حديث، 6178).
قوله: ((إن الغادر))؛ أي: ناقض العهد والوفاء.
قوله: ((ينصب له لواء))؛ أي: يُركز لأجل إفضاحه علمٌ قائم بقدر غدره.
قوله: ((غدرة فلان بن فلان))؛ أي: علامتها، أو نتيجتها أو عقوبتها، فإنها فضيحة صريحة على رؤوس الأشهاد؛ (مرقاة المفاتيح؛ علي الهروي، جـ6، صـ 2422).
(3) روى الطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع؛ للألباني، حديث: 3240).
(4) روى مسلم عن بريدة، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: ((اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا (صبيًّا)، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام))؛ (مسلم، حديث: 1731).
قوله: ((لا تغلوا))؛ أي: لا تخونوا في الغنيمة.
قوله: ((ولا تغدروا))؛ أي: لا تنقضوا العهد.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.