| دعونا نقارن بين السرعة التي توصل إليها البشر والمسافات التي تمكنوا من قطعها وبين حجم هذا الكون .... |
قرأتُ اليوم خبراً علمياً على موقع بي بي سي وأحببتُ أن أتأمل هذا الخبر معكم لنقارن أنفسنا وسرعتنا مع هذا الكون الذي يدعي الملحدون أنه وُجد بالمصادفة! الخبر كما يلي:
أكدت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أن المركبة الفضائية فويجر 1 أصبحت أول شيء من صنع الإنسان يغادر المجموعة الشمسية. وكان هذا المسبار قد أطلق قبل ستة وثلاثين عاماً، لكن العلماء يعتقدون أنه غادر مجموعتنا الشمسية في أغسطس / آب من العام الماضي، وهو الآن على بعد حوالي 19 مليار كيلومتر عن الأرض في جزء بارد ومظلم من مجرة درب التبانة.
وسيواصل فيوجر استكشاف هذا الجزء المجهول من الفضاء وسيقوم بإرسال صور ورسائل إلى أن تنفد طاقته بعد حوالي عشرة أعوام.
كيف نقرأ هذا الخبر
إذاً الإنسان تمكن من سبر أغوار الفضاء واخترع مركبة فضائية سريعة جداً ولكنها استغرقت 36 عاماً حتى تغادر المجموعة الشمسية، والشمس كما نعلم هي نجم من نجوم مجرة يبلغ عدد الشموس فيها أكثر من 100 مليار ...
إن سرعة هذه المركبة بحدود 62 ألف كيلومتر في الساعة، إذاً هي سريعة جداً وتستطيع أن تلف الأرض في 40 دقيقة فقط! وعلى الرغم من ذلك فإن سرعة هذه المركبة في الثانية الواحدة هي فقط 17 كيلومتر في الثانية.
دعونا الآن نقارن هذه السرعة التي صممها البشر بسرعة الضوء، إن الضوء يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، ويقطع في ساعة كاملة مسافة أكثر من مليار كيلومتر بقليل، أي أن الضوء إذا انطلق من الأرض فإنه سيغادر المجموعة الشمسية (19 مليار كيلومتر) خلال 19 ساعة تقريباً.
إن مجرتنا تمتد لمسافة تقدر بأكثر من 100 ألف سنة ضوئية، أي أن الضوء يحتاج مئة ألف سنة حتى يقطعها من طرفها إلى الطرف الآخر. ولكن ما هو الزمن اللازم للمركيةالفضائية إذا أرادت الخروج خارج مجرتنا؟
العلماء يقولون إن الأرض لا تقع في مركز مجرتنا بل على مسافة تقدر بثلاثين ألف سنة ضوئية، أي أن شعاعاً من الضوء إذا انطلق من أرضنا فإنه سيسير 30 ألف سنة حتى يخرج خارج المجرة. ولكن ماذا عن المركبة الفضائية؟ إن هذه المركبة إذا انطلقت اليوم من الأرض فإنها ستصل إلى حافة مجرتنا خلال أكثر من 500 مليون سنة!!
ولو تابعت هذه المركبة رحلتها حتى تصل إلى أبعد مجرة مكتشفة عند حافة الكون فإنها ستحتاج إلى أكثر من 350 تريليون سنة (التريليون هو ألف مليار)، فتصوروا معي كم سرعة البشر ضئيلة أمام حجم هذا الكون، وهل يتخيل إنسان عاقل أن يصل إلى هذه المجرات البعيدة؟
صورة تخيلية لمجرتنا التي تحوي مئة مليار شمس!! شمسنا تظهر في هذه الصورة كنقطة صغيرة لا ترى ولكن تم تكبيرها بالدائرة البرتقالية التي نراها في الشكل. تصوروا معي أن المركية الفضائية حتى لو بلغت سرعتها أقصى سرعة كونية وهي سرعة الضوء، فإنها ستستغرق أكثر من ثلاثين ألف سنة حتى تتمكن من مغادرة هذه المجرة!!
لذلك قال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن: 33]. ومعنى السلطان هنا هو قدرة الله تعالى التي يمنحها لمن يشاء، كما حدث مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج عندما صعد خارج هذا الكون إلى السماء السابعة.
وهنا تتجلى أمامنا آية أخرى يقول فيها تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57]. فتصوروا معي كم هو عظيم هذا الكون... مسافات لا يمكن لأحد أن يتصورها... وكل هذا هو جزء من الكون المرئي حيث يؤكد العلماء أننا لا نرى من الكون إلا أقل من 1 % ومعظم مادة الكون لا تُرى... ولذلك أقسم الله تعالى بهذه الأشياء التي لا نراها فقال: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ *وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحافة: 38-40].
إن مركبة فوياجر الآنفة الذكر قد استغرقت 36 سنة حتى غادرت مجال شمسنا، وهناك علماء قاموا بتصميم هذه المركية وماتوا قبل أن تخرج هذه المركبة خارج المجموعة الشمسية، فكم من الأجيال سيموتون قبل أن تصل هذه المركبة لأقرب نجم إلينا بعد 75 ألف سنة!!
ولا نملك إلا أن نقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل