| دراسة جديدة تؤكد أن الإنسان خُلق ليعيش على هذه الأرض، وأن هناك استحالة للعيش في الفضاء، لأن جهاز المناعة يتضرر كثيراً أثناء انعدام الجاذبية، لنقرأ....... |
حَلُم الإنسان بالخلود طويلاً ولكنه لم يحقق هذا الحلم، فقد كان الموت هو القانون الصارم الذي لا يمكن تجاوزه تصديقاً لقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]. وحلُم الإنسان بالخروج إلى الفضاء فحقق ذلك الحلم ولكنه لن يتحقق من الإقامة خارج الأرض لأنه منها خُلق وإليها سيعود كما قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه: 55]. والجديد الذي توصل إليه فريق من الباحثين السويسريين يؤكد على وجود تأثير سلبي لانخفاض الجاذبية الأرضية على بعض خلايا جهاز المناعة في الجسم، حيث تتوقف عن العمل أو يفقد الجسم سيطرته على توجهاتها، وهو ما يؤدي إلى سهولة الإصابة بالأمراض أو تنشيط الفيروسات في الجهاز العصبي.
يؤكد علماء بيولوجيا الفضاء أن العمل في انعدام الجاذبية لفترات طويلة يؤدي إلى الغثيان وانتفاخ الوجه بسبب اضطراب الدورة الدموية وتراجع نسبة الكالسيوم في العظام بنسبة كبيرة، كما يؤدي غياب الجاذبية الأرضية إلى صعوبة في النوم لعدم اتزان المخ وصعوبة التبول.
وهذا ما يؤكده رئيس فريق البحث في معهد التشريح بجامعة زيورخ البروفيسور أوليفر أولريش -المتخصص في التقنية الحيوية بالفضاء- فالنتائج تم التوصل إليها من خلال اختبارات تحاكي انعدام الجاذبية في الفضاء، ولا يقتصر التأثير السلبي على جهاز المناعة فقط، بل يشمل أيضا بعض خلايا الجسم. لقد ركز الفريق على خلايا جهاز المناعة في المخ لحساسيتها الشديدة، وعندما يتعطل العمل فيها بسبب نقص الجاذبية الأرضية فإن ذلك يؤدي إما إلى التهابات في المخ أو يسهل إصابتها بالفيروسات.
صورة البروفسور أولريش أثناء تجربة انعدام الوزن، ويؤكد هذا العالم من خلال نتائج الدراسة عدم إمكانية إقامة الطيارين لفترات طويلة داخل محطات فضائية متنقلة بين الكواكب لإجراء أبحاثهم المختلفة، حيث تعتزم وكالة الفضاء الأميركية بالتعاون مع نظيرتها الأوروبية إطلاق مركبة فضائية إلى المريخ يعمل الملاحون على متنها لسنوات. فخلايا المناعة في المخ تتميز بنوع من الإنذار المبكر الفائق الحساسية، مما يؤدي إلى مخاطر غير محسوبة في حالة ما إذا تعرضت لأي تأثيرات ضارة.
لكن التحدي القادم لفريق الباحثين السويسريين والألمان المشاركين في البحث سيكون في التعرف على سبب العطب الذي تتعرض له خلايا جهاز المناعة أثناء انعدام الجاذبية، في حين يعتقد البروفيسور أولريش أن السرّ يكمن في مكونات الخلية نفسها، إذ ربما يوجد من بينها ما يتأثر سلبيا بتغيير الجاذبية.
ويؤيد بعض العلماء هذا الرأي استناداً إلى ظواهر معروفة في كائنات دقيقة مثل "باراميسيوم" وبكتيريا "لوكسوديس" حيث أثبتت التجارب أن كفاءة الأجزاء المنشطة للخلية تتأثر بشكل واضح بقوة الجاذبية الأرضية، مما ينعكس على نشاط الخلية بشكل كامل ويؤثر على حركة تنقل المواد عبر جدران الخلايا ومسار العمليات الغذائية المختلفة داخل الخلية، لكن آلية هذا التأثير تبقى سرا غير معروف إلى الآن.
توصل العلماء إلى أهمية الجاذبية الأرضية لوجود الحياة على سطح الأرض واستمرارها، وأن الحياة خارج كوكب الأرض مستحيلة. وعلى الرغم من التقدم العلمي فإن كثيراً من أسرار الحياة تبقى غامضة أمام العلماء، إذ يؤكد البروفيسور أولريش أن العلم -وإن تقدم تقنياً- فإنه يقف عاجزاً أمام تفسير الكثير من الظواهر لاسيما تلك المتعلقة بعلوم الأحياء سواء في النبات أو الحيوان أو الإنسان.
كيف يمكن أن نقرأ هذه الدراسة العلمية؟
كلما تطور العلم واقترب من الحقائق اليقينية لابد أن يلتقي مع القرآن، وهذا ما يؤكده القرآن في آية عظيمة يقول فيها تبارك وتعالى عن القرآن: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82]. وها نحن نشاهد الباحثين يؤكدون استحالة الإقامة والسكن خارج الأرض، وهو ما أخبر عنه القرآن بقوله تعالى مخاطباً الإنس والجن: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) [الأعراف: 24-25].
وفي آية أخرى يذكرنا رب العزة جل وعلا بنعمة عظيمة وهي أن جعل الأرض قراراً، أي لا تستقر أجسامنا ولا تعمل بكفاءة عالية إلا على الأرض، لأن الله صمَّم الإنسان ليعيش على هذه الأرض، يقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64]. وتأملوا معي هذه العبارة (الْأَرْضَ قَرَارًا) والتي تشير إلى دور الجاذبية الأرضية في استقرار الإنسان على الأرض، ولولا هذه الجاذبية لانقرض البشر منذ زمن بعيد، فالحمد لله رب العالمين على هذه النعمة التي لا يشعر بها كثير من الناس: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) [لقمان: 20].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
شعار مجموعة نرقى ليرقى منتدانا