عَاشِقٌ أَنْتَ أَمْ لأَجْلِ المَعَالِي
تُجْهِدُ النَّفْسَ فِي ضُرُوبِ المُحَالِ
كُلَّمَا الشَّوْقُ هَزَّهَا قُلْتُ عُودِي
وَأَغِذِّي فِي سَيْرِكِ المُتَوَالِي
وَارْبَئِي عَنْ حَدِيثِ سَلْمَى وَرَيَّا
رُبَّ نَجْوَى يَنُمُّ عَنْهَا تَعَالِي
إِنَّ قَلْبِي لِهَجْرِهِنَّ مُرِيدٌ
بَلْ شَحِيحٌ وَرَاغِبٌ فِي انْفِصَالِ
قُلْتُ لَمَّا هَدَّأْتُهُ طِبْتَ نَفْسًا
وَإِلامَ الصُّدُودُ وَالحُبُّ غَالِي
قَالَ: دَعْنِي فَمَا أَعَرْتُكَ سَمْعِي
صُنْتُ حُبِّي فَمَا أَشَدَّ احْتِمَالِي
مَا لِقَلْبِي وَفَاتِنَاتِ الجَمَالِ
إِذْ تَعَرَّيْنَ مِنْ وَقَارِ الجَلالِ
سَادِرَاتٍ فِي حُسْنِهِنَّ اخْتِيَالاً
بِئْسَ حُسْنًا مِنْ صِبْغَةِ الإِخْتِيَالِ
مَائِسَاتٍ وَلِلْقُدُودِ رِوَاءٌ
فِي تَثَنٍّ مُغَلَّفٍ بِافْتِعَالِ
وَلِبَاسٍ مِنَ الشُّفُوفِ دَلِيلٌ
لِغَوِيٍّ وَمُقْدِمٍ فِي احْتِيَالِ
وَحَيَاءٍ قَتَلْنَهُ فِي خَبَايَا
نَظَرَاتٌ صَوَّبْنَهَا لِلرِّجَالِ
قَدْ عَشِقْتُ الجَمَالَ لَكِنَّ قَلْبِي
يَمْقُتُ الحُسْنَ مُهْدَرًا بِابْتِذَالِ
يَا قَتِيلَ الجَمَالِ مَا هِمْتَ وَجْدًا
كَيْفَ أَهْوَى مُتَيَّهًا فِي الضَّلالِ
كَيْفَ أَعْدُو وَرَاءَ مَنْ لَوَّثَتْهُ
عَادِيَاتُ العُيُونِ فِي كُلِّ حَالِ
مَا الْتَقَيْنَا بَلِ الفِرَاقُ حَرِيٌّ
دَعْكَ مِنِّي فَلَيْسَ ذَا مِنْ خِصَالِي
إِنَّ فِي القَلْبِ عِصْمَةً قَيَّدَتْهُ
وَاسْتَعَاذَتْ مِنْ لابِسَاتِ الحِجَالِ
لَيْسَ عُذْرًا بَلْ رَغْبَةً فِي ازْدِيَادٍ
مِنْ جُنُوحِي إِلَى كَرِيمِ الخِلالِ
إِنَّهُ شِيمَتِي وَعِرْضِي وَدِينِي
وَصَلاحِي وَهِمَّتِي وَامْتِثَالِي
هَذِهِ وَقْفَةٌ وَرُبَّ جَهُولٍ
عَدَّ شِعْرِي مَقَالَةً مِنْ جِدَالِ
لَسْتَ مِنِّي يَا مَنْ تَرَى الحُبَّ رَمْيًا
بِالعَفِيفَاتِ فِي وُعُودِ الوِصَالِ
قُلْتُ مُسْتَشْهِدًا بِقَوْلِ حَكِيمٍ
صَاغَ مَعْنًى لِرَاغِبٍ فِي الكَمَالِ
قَالَ فِي الحُبِّ وَالأُلَى فَسَّرُوهُ
رَغْبَةَ النَّفْسِ فِي حُصُولِ المُنَالِ
(وَأَنَا وَامِقٌ وَلَكِنْ لِدِينِي)[1]
وَمُحِبٌّ لَكِنْ فُلُولَ النِّصَالِ
فَابْتَكِرْ لِلْحَيَاةِ مَعْنًى جَدِيدًا
وَارْكَبِ الجِدَّ هَاتِفًا بِالنِّضَالِ
فِي زَمَانٍ أَعْدَاؤُهُ طَعَنَاتٌ
مُشْرَعَاتٌ فِي صَفِّنَا لا تُبَالِي
كُفَّ لَفْظًا رَدَّدْتَهُ غَيْرُ مُجْدٍ
وَطَنِي فِي الحَيَاةِ أُمَّاهُ غَالِي
غَالِ بِالشَّرْعِ إِنْ أَرَدْتَ نَجَاحًا
وَارْمِ قَوْلاً حُرِّيَّتِي وَقِتَالِي
نَحْنُ جُنْدٌ وَفِي العَقِيدَةِ صَفٌّ
وَاحِدٌ إِذْ دَعَتْ كُمَاةُ النِّزَالِ
هَذِهِ وَقْفَةٌ وَرُبَّ غَيُورٍ
قَالَ زِدْنِي وَأَسْهِبَنْ فِي المَقَالِ
فَأَجَابَتْهُ دَمْعَةٌ يَقْتَفِيهَا
مَأْتَمُ القُدْسِ مِنْ صُرُوفِ اللَّيَالِي
حَرَمٌ يَشْتَكِي وَمِحْرَابُ دَاعٍ
جَنْدَلُوهُ بِثَاقِبَاتِ النِّبَالِ
إِنَّهَا وَصْمَةٌ تُذِيبُ قُلُوبًا
بَلْ وَعَارٌ يُذِيبُ صُمَّ الجِبَالِ
مَسْجِدُ المُرْسَلِينَ أَضْحَى مَزَارًا
لِلبَغَايَا وَمُسْقِيَاتِ الخَبَالِ
وَإِذَا أَنْكَرَ الشَّنَاعَةَ شَهْمٌ
أَوْثَقُوهُ بِخَانِقَاتِ الحِبَالِ
أَخَذُوا مِنْ بَنِيهِ طِفْلاً بَرِيئًا
عَلَّقُوهُ زِيَادَةً فِي النَّكَالِ
هَذِهِ وَقْفَةٌ وَفِي القَلْبِ نَارٌ
أَجَّجَتْهَا نَوَّاحَةٌ فِي الرِّحَالِ
هَتَكُوا عِرْضَهَا وَجَذُّوا عُرَاهَا
مِنْ حِفَاظٍ وَعِفَّةٍ وَجَمَالِ
لَيْتَ شَقَّ الجُيُوبِ يُذْكِي لِقَوْمِي
عَزْمَةً أَوْ يَحُدُّ رَهْبَ العَوَالِي
كَيْ نُذِيقَنَّهُمْ مَرَارَةَ عَيْشٍ
فِي لَيَالٍ عَوَابِسٍ وَطُوَالِ
يَا حَثِيثَ النَّوَى بِذَاتِ جَنَاحٍ
تَسْبِقُ الصَّوْتَ وَالصَّدَى فِي الأَعَالِي
صَوْبَ مَسْرَى مُحَمَّدٍ حُطَّ رَحْلاً
وَاسْأَلَنْهُ مُعَبِّرًا فِي السُّؤَالِ
كَيْفَ أَبْقَيْتَ فِي الدِّيَارِ غَرِيبًا
فِي عِدَادٍ مِنْ هَيْئَةِ الأَطْلالِ
وَجِدَارٍ بِجَانِبَيْكَ عَلَيْهِ
تَجْمَعُ الرِّيحُ سَاقِيَاتِ الرِّمَالِ
رُبَّ خَطْبٍ يَشُدُّ مِنْ عَزْمِ قَوْمٍ
وَادِّكَارٍ يُعِيدُ مَجْدَ الأَوَالِي
أَيُّهَا السَّائِلُ المُلِحُّ كِلانَا
مُسْتَجِيرٌ مِنْ عَادِيَاتِ الضَّلالِ
قَالَهَا المَسْجِدُ الحَزِينُ فَهَلْ لِي
مِنْ شَرُودٍ تُعِيدُ صَوْتَ بِلالِ
جَفَّ شِعْرِي فَهَلْ لِقَوْمِي مِدَادٌ
مِنْ دِمَاءٍ وَأَحْرُفٍ مِنْ سِجَالِ
رَبِّ وَفِّقْ عَلَى الدُّرُوبِ خُطَانَا
وَأَقِلْنَا مِنَ الخُطُوبِ الثِّقَالِ