فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن محمد بن أبي موسى, قال: كنت واقفا إلى جنب عبد الله بن مطيع بعرفة, فتلا هذه الآية: ( وَلَوْ نـزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) قال: لو نـزل على بعيري هذا فتكلم به ما آمنوا به لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ حتى يفقهه عربيّ وعجميّ, لو فعلنا ذلك.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن إدريس, قال: سمعت داود بن أبي هند, عن محمد بن أبي موسى, قال: كان عبد الله بن مطيع واقفا بعرفة, فقرأ هذه الآية ( وَلَوْ نـزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) قال: فقال: جملي هذا أعجم, فلو أُنـزل على هذا ما كانوا به مؤمنين.
ورُوي عن قَتادة في ذلك ما حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: ( وَلَوْ نـزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ ) قال: لو نـزله الله أعجميا كانوا أخسر الناس به, لأنهم لا يعرفون بالعجمية.
وهذا الذي ذكرناه عن قتادة قول لا وجه له, لأنه وجَّه الكلام أن معناه: ولو أنـزلناه أعجميا, وإنما التنـزيل ( وَلَوْ نـزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ ) يعني: ولو نـزلنا هذا القرآن العربي علي بهيمة من العجم أو بعض ما لا يفصح, ولم يقل: ولو نـزلناه أعجميا. فيكون تأويل الكلام ما قاله.
وقوله ( فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ) يقول: فقرأ هذا القرآن على كفار قومك يا محمد الذين حتمت عليهم أن لا يؤمنوا ذلك الأعجم ما كانوا به مؤمنين. يقول: لم يكونوا ليؤمنوا به, لما قد جرى لهم في سابق علمي من الشقاء, وهذا تسلية من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن قومه, لئلا يشتد وجدُه بإدبارهم عنه, وإعراضهم عن الاستماع لهذا القرآن, لأنه كان صلى الله عليه وسلم شديدا حرصه على قبولهم منه, والدخول فيما دعاهم إليه, حتى عاتبه ربه على شدّة حرصه على ذلك منهم, فقال له: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ثم قال مؤيسه من إيمانهم وأنهم هالكون ببعض مثلاته, كما هلك بعض الأمم الذين قص عليهم قصصهم في هذه السورة. ولو نـزلناه على بعض الأعجمين يا محمد لا عليك, فإنك رجل منهم, ويقولون لك: ما أنت إلا بشر مثلنا, وهلا نـزل به ملك, فقرأ ذلك الأعجم عليهم هذا القرآن, ولم يكن لهم علة يدفعون بها أنه حق, وأنه تنـزيل من عندي, ما كانوا به مصدقين, فخفض من حرصك على إيمانهم به, ثم وكد تعالى ذكره الخبر عما قد حتم على هؤلاء المشركين, الذين آيس نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من إيمانهم من الشقاء والبلاء, فقال: كما حتمنا على هؤلاء أنهم لا يؤمنون بهذا القرآن ( وَلَوْ نَـزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ) ( كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ ) التكذيب والكفر ( فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ). ويعني بقوله: سلكنا: أدخلنا, والهاء في قوله ( سلكناه ) كناية من ذكر قوله ( مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ), كأنه قال: كذلك أدخلنا في قلوب المجرمين ترك الإيمان بهذا القرآن.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج.