شروط التوبة الصحيحة هي:
1 - الإقلاع عن الذنب.
2 - الندم على ما فات.
3 - العزم على عدم العودة إليه.
وإذا كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس ، فتزيد شرطا رابعا، هو: التحلل من صاحب الحق ، أو إعطاؤه حقه.
وقد أمر الله تعالى عباده بالتوبة النصوح ، فقال : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم/8
قال البغوي رحمه الله :
" وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا :
قَالَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَمُعَاذٌ: "التَّوْبَةُ النَّصُوحُ" أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ .
قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَادِمًا عَلَى مَا مَضَى؛ مُجْمِعًا عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِيهِ .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ ، وَيَنْدَمَ بِالْقَلْبِ ، وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: تَوْبَةً تَنْصَحُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ.
قَالَ الْقُرَظِيُّ: يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ ، وَالْإِقْلَاعُ بِالْأَبْدَانِ ، وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ ، وَمُهَاجَرَةُ سَيِّئِ الْإِخْوَانِ." انتهى ، من "تفسير البغوي" (8/169) .
وينظر لمعرفة حقيقة التوبة وشروطها السؤال رقم : (13990) ، والسؤال رقم: (182767) .
ثانيا :
الندم شرط رئيسي أو هو ركن التوبة الأعظم ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ : كَانَ أَبِي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَمِعَهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "النَّدَمُ تَوْبَةٌ"
رواه أحمد (4012) وصححه الألباني
وقد قال بعض أهل العلم :
" يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ تَحَقُّقُ النَّدَمِ ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْلَاعَ عَن الذنوب ، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ؛ فَهُمَا نَاشِئَانِ عَنِ النَّدَمِ لَا أَصْلَانِ مَعَهُ " .
انظر: "فتح الباري" (13/ 471) .
وقال القاري رحمه الله:
" (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) إِذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقَلْعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَتَدَارُكِ الْحُقُوقِ مَا أَمْكَنَ....
وَالْمُرَادُ : النَّدَامَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مَعْصِيَةٌ ، لَا غَيْرَ ".
انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1637) .
وقد سبق بيان ذلك مفصلا ، في جواب السؤال رقم : (247976).
فإذا كان هذا الندم صادقا ، فإن العاصي سوف يترك المعصية ، ويعزم على عدم فعلها مرة أخرى ، وبهذا تكمل التوبة وتتحقق شروطها كلها .
ثالثا :
وإنما يعين العبد على تحقق الندم في قلبه ، أمور :
أولها : العلم بالله بعد الجهل به .
قال تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) النساء/17-18
قال مجاهد في قوله ( لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ) : " كل من عصى ربه فهو جاهل ، حتى ينزع عن معصيته. " انتهى ، من "الصحيح المسبور في التفسير بالمأثور" ( 2/19 ) .
ثانيها : ذكر الله بعد الغفلة عنه :
قال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران/133-136
عن علي بن أبي طالب قال : حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
( ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له ) .
ثم قرأ هذه الآية : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
أخرجه أبو داود 1521 والترمذي 406 وابن ماجة 1395 وصححه الالباني في صحيح الجامع 5738
ثالثها : الخوف من مكر الله بعد الأمن منه :
قال تعالى : ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) المؤمنون /55-61
رابعها : رجاء رحمة الله بعد القنوط منها :
قال تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) الزمر/53-55
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا،
فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً ؟
فَنَزَلَ: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلاَ يَزْنُونَ [الفرقان: 68] ، وَنَزَلَتْ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] .
رواه البخاري 4810 ومسلم 122
رابعا :
وأما ثمرات الندم فأربعة :
أولها : دوام تألم وتحسر القلب بالذنب .
قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ .
رواه البخاري (6308)
ونقيض ذلك أن يفرح بالذنب إذا أمكنه ، وواتته فرصته .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :
( فرحُك بالذنب إذا ظفرت به أعظمُ من الذنب. وحزنُك على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب )
رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 324) .
ثانيها : تمني عدم العود للذنب ؛ بل إنه يكره معاودة الذنب بعد أن عافاه الله منه ، كما يكره أن يقذف في النار .
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ "
رواه البخاري 6941 ومسلم 43
ونقيض ذلك أن يتتبع الذنب بتتبع أمكنته وأزمنته ، وأصحابه وأسبابه . قال تعالى :
( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم/59-60
ثالثها : الإقلاع عن الذنب .
ذلك بأن الإصرار قاطع للتوبة ، ودليل على أنها لم تحصل في القلب على وجه الحقيقة .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
" والذي عندي في هذه المسألة أن التوبة لا تصح من ذنب، مع الإصرار على آخر من نوعه. وأما التوبة من ذنب، مع مباشرة آخر لا تعلق له به، ولا هو من نوعه فتصح، كما إذا تاب من الربا، ولم يتب من شرب الخمر مثلا، فإن توبته من الربا صحيحة .
وأما إذا تاب من ربا الفضل، ولم يتب من ربا النسيئة ، وأصر عليه، أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر، أو بالعكس = فهذا لا تصح توبته .
وهو كمن يتوب عن الزنا بامرأة، وهو مصر على الزنا بغيرها غير تائب منها، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر، وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة، فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر .
بخلاف من عدل عن معصية إلى معصية أخرى غيرها في الجنس " انتهى . من "مدارج السالكين" (1/285) .
رابعها : العزم على عدم العود إلى الذنب :
فإن عاد إليه ، كان ذلك قادحا في كمال التوبة ونفعها ، لا في صحتها وأصلها .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ( 14/123 ) :
" لا يشترط في التوبة عدم العود إلى الذنب الذي تاب منه ، عند أكثر الفقهاء .
وإنما تتوقف التوبة على الإقلاع عن الذنب ، والندم عليه ، والعزم الجازم على ترك معاودته .
فإن عاوده مع عزمه ، حال التوبة على أن لا يعاوده : صار كمن ابتدأ المعصية، ولم تبطل توبته المتقدمة، ولا يعود إليه إثم الذنب الذي ارتفع بالتوبة وصار كأن لم يكن ؛ وذلك بنص الحديث: ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) .
وقال بعضهم يعود إليه إثم الذنب الأول؛ لأن التوبة من الذنب بمنزلة الإسلام من الكفر، والكافر إذا أسلم ، هدم إسلامه ما قبله من إثم الكفر وتوابعه، فإذا ارتد ، عاد إليه الإثم الأول مع الردة.
والحق : أن عدم معاودة الذنب ، واستمرار التوبة : شرط في كمال التوبة ونفعها الكامل ، لا في صحة ما مضى منها" انتهى .
خامسا :
وثمرات هذا العزم على عدم العود إلى الذنب أربعة :
أولها : سد باب الذنب :
وذلك باجتناب كل صحبة ، أو آلة تؤدي بك إلى معصية الله تعالى . فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ .
رواه أبو داود 4832 والترمذي 2395 وحسنه الألباني
ثانيها : سد الذرائع الموصلة للذنب :
وذلك باجتناب الشبهات ، وكل ما يمكن أن يؤدي إلى الوقوع في المحرمات .
فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ -
"إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".
رواه البخاري 52 ومسلم 1599
ثالثها : الإتيان بنقيض الذنب :
فتوبة الكاتم تكون ببيان ما أنزل الله ، وتوبة المنافق لا تصح إلا بإخلاص الدين لله .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
" التوبة من ذنب هي بفعل ضده .
ولهذا شرط الله تعالى في توبة الكاتمين ما أنزل الله من البينات والهدى = البيان ؛ لأن ذنبهم لما كان بالكتمان، كانت توبتهم منه بالبيان، قال الله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم [البقرة: 159 - 160] .
وشرط في توبة المنافق الإخلاص; لأن ذنبه بالرياء، فقال تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار [النساء: 145] ، ثم قال إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما [النساء: 146] ) اهـ بتصرف من "مدارج السالكين" (1/370 ) .
رابعها : فتح الذرائع الموصلة للعمل الصالح ، والاستقامة على طاعة الرب :
قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه /82 .
قال ابن عاشور ، رحمه الله : " وَمَعْنَى اهْتَدى: اسْتَمَرَّ عَلَى الْهُدَى وَثَبَتَ عَلَيْهِ ؛ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الْأَحْقَاف: 13]" .
انتهى ، من "التحرير والتنوير" (16/276) .
وبهذا يتبين منزلة الندم من توبة العبد ، وأنها أصل الرجوع إلى رب العالمين ، وترك إغواء الشياطين .
نسأل الله أن يرزقنا التوبة النصوح ، وأن يمن علينا بالقبول .