جميع الأمم التي تركت أثرها على وجه الأرض تمتلك الموروث الثقافيّ الخاصّ، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله مثل مشهور، هو: “إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب”.
إن قصة مثلنا هذا تعود إلى زمن قديم، وبطلها كان رجلًا مسنًّا عجوزًا، إذ إنه شعر بالوحدة بالإضافة إلى مرضه، فقد كان طريح الفراش لمدة طويلة، ولم يجد من يؤنس وحدته ويتحدث إليه، أو يجلس معه ويُشعره بالحياة، وقد ضاقت به الدنيا، فقرّر العجوز المسنّ، أن يخرج من وحشة هذا الوضع المظلم المملّ، ففكر بأن يستأجر حكواتيًّا؛ ليقوم بتسليته بقصصه وحكاياته. بالفعل أتى الحكواتي ليباشر عمله على أتمّ وجه فى اليوم الأول، إذ قصّ على العجوز، الكثير من الحكايات والقصص من الصباح حتى المساء، وأخذ أجره مقابل ما قام به، وفى اليوم الثاني ومنذ الصباح الباكر، قام الحكواتي بمباشرة عمله أيضًا منذ لحظة وصوله؛ وذلك لأن الأجرة التى أخدها الحكواتي من الرجل المسنّ العجوز فى اليوم السابق كانت وفيرة جدًّا. مرّ الوقت، وبدأ الرجل المسنّ يشعر بأن كلام الحكواتي ثقيل على مسامعه وقلبه، إذ كان لا يصمت أبدًا، لدرجة أشعرت الرجل المسنّ بالملل الشديد والضيق، فطلب إليه الرجل المسن أن يلتزم الصمت تمامًا، على أن يأخذ أجرته كاملة، بل وأكثر ممّا سبق، وبالفعل التزم الحكواتي الصمت تمامًا حتى انتهاء يومه فى المساء، وبالفعل فى آخر النهار أعطى العجوز المسنّ الحكواتي أجرة أكثر من أجرة اليوم السابق، فدُهش الحكواتي، وعند خروجه من بيت المسنّ فى آخر النهار، أخذ الحكواتي يردّد بينه وبين نفسه: “إذا كان الكلام من فضة، فإنّ السكوت من ذهب”، وانتقل المثل المشهور، وتداوله الناس عبر الأجيال.