لحظة انتصار

شوها انا على بعد أميال قليلة.. سأقف عند محطة جديدة من محطات حياتي. عالم يعج بالحياة والتطلعات المستقبلية . كل شيء فيه جديد . وجوه جديدة . وأماكن جديدة. ومجتمع جديد . إنها الجامعة ...طالما تمنيت أن أقف عند عتباتها . تسير بي المركبة وكأن فرحتي وسعادتي تتسابقان معها.
قالت : أمي .. الحمد لله على هذا اليوم الذي أفتخر به بأنك ابنتي !
ابتسمت لها وقلت : وأنا أيضا أفتخر بأنك أمي .
التفتت نحوي بعدما دمعت عيناها وقالت :ابنتي ..لا تضيعين تربيتي.
قلت بل سأرفع رأسك يا أمي.
ردت على جملتي بابتسامة رضا.
سارت المركبة حتى وصلنا عند بوابة الجامعة . في هذه اللحظة . وصلتني رسالة من أبي المسافر في رحلة علاج مع جدتي . كتب فيها ( ابنتي . مبارك عليك هذا اليوم . كنت أتمنى أن أكون معك . اهتمي بنفسك ).
أرسلت له ردا على رسالته بثلاث كلمات (لن أخذلك يا أبي)ش
وسارت الأيام .. وكنت أبحث عن صحبة صالحة . تعينني في دراستي ووحدتي . التي صرت أشعر بها . وتاقت نفسي لصداقات أحيا بقربها وأنسها . في هذا الجو الجامعي. حتى اقتربت من ثلاث صديقات جمعتني بهن مقررات دراسية.
وجدت فيهن ما كنت أبحث عنه ( الخلق . والصدق . والاهتمام).
أصبحن جزءا كبيرا في حياتي الدراسية . وحتى الاجتماعية . نلتقي في الجامعة ونتحدث هاتفيا وإلكترونيا خارج الجامعة.
وذات يوم دعتنا إحداهن إلى منزلها . بعد إلحاح وحديث طويل طال يومين . قبلت أمي أن ألبي دعوتها.
طبع في ذاكرتي ذلك اليوم . لأنني كنت متشوقة لعلاقة أكبر من حدود الجامعة..
قضينا الساعة الأولى في الحديث عن أمور الجامعة والاختبارات والبحوث المكلفين بها.
بعدها قالت إحداهن : يا حلوين صار الآن وقت الحلوى.
قلت: والذي أكلناه منذ قليل أليس حلوى ؟!.
علت ضحكات الصديقات بعد جملتي هذه . كما علا على وجهي الاستغراب والدهشة.
قالت بعدما مدت يدها نحوى : تفضلي هذه هي الحلوى .
شهقت . واتسعت عيناي . وتجمد الدم في عروقي . كما تصبب العرق من جبيني . وأحسست بضربات قلبي تكاد تنهك عظامي.
قلت بتلعثم : ما... ما هذا الذي بيديك؟
ضحكت بصوت عال كادت تخرم طبلة أذني!! وقالت هذا لا تعرفينه.. هل تريدين أن تستعيني بصديق ؟!
دار رأسي . وأحسست باختناق جثم على صدري .
أمسكت بي الأخرى وقدمتها لي وقالت : جربي واحدة... لتعرفي مدى قوة صحة رئتيك !!
قلت : كيف لي أن أعرف ذلك؟
هزت رأسها بالإيجاب وقالت : نعم ...إن أخذتي نفسا عميقا منها. ومن ثم سعلتي بعدها . فهذا دليل على أن صحتك جيدة.
دفعت بيدها رافضة ذلك . ولكنهن طوقنني بوجوههن وألسنتهن وهن يرددن: جربي واحدة.. واحدة فقط.. الأمر يحتاج إلى جرأة! قلت لهن : ألا تخافون...
قاطعتني أحداهن . وقالت غاضبة: أرجوك .لا نريد محاضرات دينية . ولا محاضرات صحية . بعده أن وصلنا إلى هذا العمر . نحن أدرى بأمور حيتنا . وليكن في حسبانك أن عربون صداقتنا هو أن تكون مثلنا ..بكل شيء . وكما تعلمين أنا معك في البحث الذي سنقدمه بعد أسبوعين . ولن أجلس معك لساعات طويلة دون أن أدخن ..أتفهمين؟!
رفعتها إلى فمي . وتدور أمام مخيلتي صور شتى . وجه أبي. وأمي . وأخي ...
ارتديت ولأول مرة في حياتي ثوب الخوف والضعف. أخذت نفسا عميقا من السيجارة . وكأني أريد أن أتخلص من الأمور الذي طوق عنقي . أحسست بحرقة داخل حنجرتي . وأخذت أسعل بقوة مرات على التوالي . أدركت حينها أن جسدي يعلن عن احتجاجه ورفضه لهذه السموم التي سلطتها عليه . صرت مشغولة بالأمر الذي جنته يداي منذ قليل . وأرى بعيني وجوه صديقاتي الضاحكة أمامي .
وإحداهن صورتني وهي تقول . بلهجة ماكرة : دائما اللحظات الأولى تسجل حتى لا تنسى .
تصورت نفسي وكأني مهرج أمامهن ..دمعت عيناي .. لأنني بهذه الخطوة المهزومة . مزقت دستور ديني وتربيتي . بل مزقت الأعراف ألإنسانية!!
أريد أن أهرب من المكان .. وأمحو من ذاكرتي ساعة هذا الزمان.
رجعت إلى البيت . وما حدث يشغل عقلي . ويسيطر على كياني .. فكرت بالتخلص من هؤلاء الصديقات ..ولكن تذكرت الدليل الذي بين أيديهن . والبحوث والمشاريع . والتقارير الدراسية. التي تجمعني معهن .. وصرت بعد هذا اليوم طوع إرادتهن . ورهن أوامرهن.
أخي أختي القارئين ..ولادة السيجارة الأولى أصبحت علبا من السجائر . أشتريها وأدسها داخل خزانة ملابسي..
ولم تقف السيجارة الأولى عند هذا الحد. إنما عرفت من خلالها طريق الكذب مع أمي . حيث أطلب منها مالا بحجة أن أشتري بطاقة تعبئة رصيد لهاتفي الجوال . ولكن في الحقيقة لأشتري علب السجائر..
ولم تقف السيجارة الأولى عند هذا الحد . بل أصبت بسببها بفقدان الشهية للطعام . ونقص من وزني الكثير والتعب الشديد ...
ولم تقف السيجارة الأوونهارا.ذه الحدود . بل أصبت بالسعال المزمن . الذي لا يفارقني ليلا ونهارا . وبصداع لا يبارح رأسي . وأخيرا
من السيجارة الأولى صرت أكرة الجلوس مع أسرتي . لأنني أفضل الوحدة . كي أمارس التدخين بعيدا عن عيونهم .
وفي ظهيرة أحد الأيام ..لا أتذكر كم عدد السجائر التي دخنتها ..قبل أن تغفو عيناي لقيلولة الظهيرة...
ولم أستيقظ إلا على صراخ أمي وأخي . ذي الثلاث عشرة سنة ركضت نحوهم ..لأعرف سبب الشجار ..وإذ بي أرى أمي . وقد ارتسمت على وجهها علامات الغضب والضيق . وهي تصرخ على أخي . وتضربه بقوة !!! وهو يصرخ ألما ويحاول الدفاع عن نفسه.
وهو يقول : والله يا أمي لم أدخن في حياتي . ولا أعرف طريقها .. وترد عليه بغضب : وما الذي أشمه منذ أيام . ما هو إلا دخان السجائر ألا تعلم بأن التكيف المركزي فضح أمرك؟!
رد عليها. وهو يبكي والدموع تسيل على خديه : أمي .. فتشي غرفتي . جيبي .. والله لم أفعل ذلك طول حياتي.
ألقت بجسدها على الأريكة. ووضعت يدها على وجهها . وهي تبكي بحرقة . وتقول : طوال حياتي أدعوا الله سبحانه أن أفتخر بك كما افتخرت بأختك . والآن خذلتني يا طارق !!.
بهذا المشهد عرفت بأنني أنا المذنبة . أنا الجانية . وليس أخي ..أرى أمي تبكي . والجاني الحقيقي قد لبس رداء الصدق والأخلاق والبراءة!!
حدثتني نفسي ..ماذا لوكره أخي أمي.. إثر هذا الاتهام الباطل عليه؟!
ماذا لو أمي _ بعد هذا الموقف _ ارتفع عليها السكر. وصارت طريحة الفراش بسببي ؟!
ماذا لو هرب أخي من البيت . إثر اتهامه من قبل أمي؟!
ماذا لو علم أبي ما حدث . وتضايق وهو بعيد عنا؟!
رجعت أدراجي إلى غرفتي . لذت الصمت . و تذكرت اللحظة الأولى ..بدايتي مع السيجارة .. كانت لحظة ضعف وانكسار .. وما أحتاجه الآن . قبل أن أدمر أواصر أسرتي. ودراستي . وحياتي . ومالي . وصحتي ..نعم ما أحتاجه لحظة لا تتعدى دقائق ..لحظات انتصار على النفس . تتكلل بالشجاعة والقوة والبصيرة.. فتحت خزانتي ..وألقيت السجائر كلها _ بغضب _ في كيس القمامة.
ولساني يلهج بالدعاء):ربي انصرني عليها). ودموعي الحارة تغسل خطيئتي وذنبي..
أخذت الهاتف واتصلت على إحدى الصديقات وقلت لها : من هذه اللحظة. لن أرتدي ثوب الخوف معكن . لن تعرفوني من الآن .وأما بخصوص التصوير .. فلم أعد أهابه من الآن .. أتعرفون لماذا؟
قالت مندهشة : لماذا؟!
قلت : لأنني في هذه اللحظة . صدقت مع الله سبحانه وتعالى. وصدقت مع نفسي ... وداعا.
خرجت إلى الصالة . ومازالت أمي تبكي . وقفت أمامها وقلت : أمي ..ليس أخي الجاني بل أنا ..
سامحيني يا أمي .
رفعت أمي رأسها . وهي تبتسم وقالت : هكذا أنت يا راية . من حبك لأخيك . تلقين _ دوما _ خطاه عليك. على كل حال .. سامحته لأجلك .
أخي أختي الغالين .. لم تصدق أمي بأنني أنا المذنبة . ولكن المهم أن لا يتهم أخي بذلك.
لقد احتاج الأمر بضعة أياتم لأتغلب على السيجارة... والحمد لله الذي أعانني على تعدي هذه المرحلة .وأعد لي سعادتي وصحتي. وأما الصور فبقدرة الله وقع منها الجوال وتحطم وتكسر.
لقد كانت لحظات قليلة . تلك التي اتخذت خلا لها قراري . أسميتها لحظات الانتصار !!
وما أحوجنا إلى لحظات انتصار.
وصدق مع الله ليعيننا ويساعدنا على التغلب على الشر.
أخي أختي الحبايب.. لقد مر على هذه القصة . التي عشتها بحلوها ومرها . ما يزيد على ثلاث سنوات ..
وكلما نظرت إلى السيجارة بيد إحداهن . أو أحدهم . يردد لساني:
( الحمد لله .. لقد انتصرت عليها ... ومتى تعيش أنت لحظات الانتصار مثلى )؟!
أخواني وأخواتي الكرام:
كتبت لكم ولى أحد أحبائي في المنتدى عرفت أنه يدخن بدون ذكر أسماء
أقول له ولكم والله أني أحبكم وما أستطيع أني أرى أنسان يغرق في وحل الشيطان وأسكت
لآنه والله السيجارة ليست بل الحبيب الذي يزيل عنك الهموم بل يقتلك بي بطء شديد
هذه فتات انتصرت فأين الاقوياء الذين ينتصرون عليها.....................

شكرا

ساكورا كتب:

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
فعلا هو انتصار عظيم
تغلبت على كل مخاوفها وهواجسها
انا ارفع لها القبعة
واوصي نفسي و الجميع بالصحبة الصالحة وعدم الاستكانة لمن يبتزنا
و الصدق مع الله ثم مع انفسنا
اشكرك اختي الغالية على القصة الثمينة
جزاك الله عنا كل الخير
وجعله في موازين حساناتك
بارك الله فيك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك أختى على هذا الكلامات التي رفعة معنوياتي
بس أبغى أنبهك أنى ولد ولسة بنت

sakorji كتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر لك
وجزاك خير

مشكور على القصة المفيدة والعبرة اللي فيها
جعلها الله في ميزان حسناتك
وتقبل مروري

الليدي جوري كتب:

مشكور على القصة المفيدة والعبرة اللي فيها
جعلها الله في ميزان حسناتك
وتقبل مروري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العفوا الشكر لله وحده
ومشكور على
مرورك الكريم المقبول
جزاك الله الفردوس الاعلى

salsabyl كتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هلابك أختي
وعليك أدمها الرب
شكر على المرور
جزاك الله الفردوس الاعلى من الجنة

sakorji كتب:

الله يسلمك من كل شر
ويرفع قدرك في الدنيا والاخرة
ويجعل أيامك كلها أنس وسعادة
جزاك الله الفردوس الاعلى